سياسة بايدن تجاه الشرق الأوسط «مربوطة» بمصير المفاوضات مع طهران

سياسة بايدن تجاه الشرق الأوسط «مربوطة» بمصير المفاوضات مع طهران
TT

سياسة بايدن تجاه الشرق الأوسط «مربوطة» بمصير المفاوضات مع طهران

سياسة بايدن تجاه الشرق الأوسط «مربوطة» بمصير المفاوضات مع طهران

يُدرك مختلف الفرقاء أن سياسة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، تجاه منطقة الشرق الأوسط لن تتبلور في الأشهر الأولى من ولايته، إذ يجمعون على أن أولوياته الحالية مرتبطة مباشرة بالداخل الأميركي، على أن يفتح تباعاً ملفات المنطقة العالقة، وأبرزها ملف العلاقة مع طهران وإمكانية العودة للمفاوضات حول الملف النووي، خصوصاً أنه كان قد أعلن أنه سيعود إلى الاتفاق النووي ويرفع العقوبات عن إيران إذا التزمت «بشكل صارم» بهذا الاتفاق. ويرى دبلوماسيون سابقون عملوا في واشنطن وعن قرب مع الإدارات الأميركية المتعاقبة، أن مصير المفاوضات مع طهران سيحدِّد إلى حد كبير مصير باقي ملفات المنطقة. ويرى سفير لبنان السابق في واشنطن رياض طبارة أن تصريحات بايدن ومواقفه خلال حملته الانتخابية، إضافةً إلى القرارات الرئاسية التي أعلن عنها ويُفترض أن يوقّع عليها فور تسلمه مهامه وهي لا تحتاج لموافقة الكونغرس، «كلها تؤكد أنه وبعكس الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب سيعتمد سياسة انفتاح على منطقة الشرق الأوسط، وعلى كل حلفاء واشنطن القدامى سواء في أوروبا أو أينما وُجدوا». وعدّ في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن التوجه هو لـ«توسيع الاتفاق النووي مع طهران بما يلبّي طموحات أميركا»، متحدثاً عن «عدة بنود ستلحظها التوسعة، البند الأول يرتبط بإسقاط المهل الزمنية من الاتفاق السابق والذي كان يتحدث عن عشر سنوات لا تستطيع خلالها إيران إنتاج قنبلة نووية، ليصبح اتفاقاً دائماً ومن دون سقف زمني. البند الثاني يلحظ شمول الاتفاق برنامج الصواريخ الباليستية وأموراً أخرى لم تكن موجودة خلال عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. أما البند الثالث، فمرتبط بتنظيم علاقة إيران بدول الجوار وفرض التهدئة وتجنب التوتر، على أن يشمل بشكل أساسي الميليشيات المتحالفة مع طهران، وأبرزها الحوثيون والحشد الشعبي وحزب الله».
من جهته، يؤكد سفير لبنان السابق في الولايات المتحدة الأميركية عبد الله بوحبيب أن «تركيز بايدن سيكون محصوراً أولاً وثانياً وثالثاً على الداخل الأميركي، حيث الأوضاع غير جيدة على المستويات كافة، سواء لناحية (كورونا) أو لناحية الوضع الاقتصادي أو السلم الأهلي». ولفت بوحبيب في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه ما دام النظام رئاسياً في أميركا والرئيس يتخذ القرارات الكبرى، لذلك سيكون اهتمامه منصبّاً على الوضع الأميركي. مضيفاً: «يعي الديمقراطيون ويُقرون كما يُقر بايدن نفسه بأنه لا يمكن حل مشكلة الشرق الأوسط، وأن العمل يجب أن ينصبّ على استيعاب المشكلات هناك، وما دام الرئيس الأميركي الجديد كان نائباً للرئيس السابق باراك أوباما، وجزء كبير من فريقه الحالي كان جزءاً من فريق أوباما، فلا شك أننا قد نرى أن سياسة بايدن تجاه الشرق الأوسط ستكون متأثرة إلى حد ما بسياسة أوباما».
وإذا كان السفير اللبناني السابق في واشنطن أنطوان شديد، يوافق بوحبيب على أن تعيين بايدن مسؤولين في فريقه كانوا في إدارة أوباما يجعل الكثيرين لا يستبعدون أن تكون سياساته امتداداً لسياسات أوباما، إلا أنه يشدد على أن «الواقع على الأرض تغيّر في السنوات الماضية، كما تغيّرت المنطقة ككل سواء لجهة انطلاق قطار التطبيع ونسج علاقات عربية – إسرائيلية، أو لجهة إمعان إيران بالتدخل في شؤون المنطقة، وصولاً لانسحاب ترمب من الاتفاق النووي وتحول الصواريخ الباليستية ملفاً أساسياً على طاولة البحث»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنها «كلها ملفات سيضطر بايدن لأخذها بعين الاعتبار في أثناء صياغة سياساته للمنطقة».
كانت صحيفة «تايمز» البريطانية قد استبعدت أن يتمكن الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، من التراجع عن السياسات التي نفّذها ترمب في الكثير من القضايا الرئيسية بالشرق الأوسط، خصوصاً فلسطين وإيران وسوريا. ورجّحت أن يلتزم بايدن بسياسات ترمب، ويستمر في الإهمال المتزايد للمنطقة، والتركيز على التحديات الأخرى.
ويُجمع السفراء الـ3 على أن عودة المفاوضات بين واشنطن وطهران لن تكون بالسهولة التي يعتقدها البعض، إذ إن الأمر لم يَعد، حسب السفير شديد، مقتصراً على البرنامج النووي، «بل بات يشمل الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية وكل التكنولوجيا الجديدة التي تمتلكها طهران»، مرجحاً أن يستخدم بايدن عقوبات ترمب، فيواصل الضغوط القصوى على إيران للحصول على تنازلات كبرى وواضحة قبل العودة إلى الاتفاق، من دون أن نغفل أن الإيرانيين بدأوا أصلاً يبعثون بالرسائل إلى الإدارة الجديدة سواء من خلال المناورات العسكرية التي يُجْرونها في المنطقة أو من خلال مظاهر شتى من التحديات للقول «إنهم هنا وإنهم باتوا أقوى، وبالتالي رفع سقوفهم قبل الجلوس على طاولة المفاوضات».
بدوره، يرى السفير بوحبيب أن «النية موجودة لدى بايدن للعودة للمفاوضات مع طهران، لكن الأرجح أن ذلك لن يحصل قبل حسم هوية الرئيس الإيراني المقبل في يونيو (حزيران)»، لافتاً في الوقت عينه إلى أن «إسقاط كل العقوبات عن طهران لن يكون أصلاً بالأمر السهل، باعتبار أنه لا يمكن أن يثبت أن هذه العقوبات قد حققت هدفها ليتم الاستغناء عنها، خصوصاً أن الكونغرس الأميركي لا يزال معارضاً شرساً لإيران».
أما السفير طبارة، فيقرأ الموقف الإيراني المتشدد الذي يربط العودة إلى المفاوضات بإسقاط كل العقوبات على أنه «مجرد محاولة لرفع السقوف قبل انطلاق هذه المفاوضات»، معتبراً أن «الموقف الإيراني هذا غير جدّي خصوصاً أن لدى طهران مشكلة اقتصادية كبيرة، وعامل الوقت لا يخدمها على الإطلاق». وفيما يتعلق بالملف اللبناني، يرجح طبارة أن يواصل بايدن سياسة ترمب باعتبار أن الموقف الأميركي، وبشكل عام الموقف الدولي بات محسوماً بشأن لبنان، ومفاده أنْ «لا مساعدات مالية واقتصادية في ظل فساد النظام الحالي، أضف إلى ذلك أنْ لا أحد جاهزاً للتعامل مع حكومة يهيمن عليها (حزب الله)، ولعل هذا الأمر من الأشياء القليلة التي يتفق عليها الجمهوريون والديمقراطيون في الولايات المتحدة».
أما بوحبيب، فيتوقع ألا يتم فرض عقوبات جديدة على مسؤولين لبنانيين في المدى المنظور، من دون أن يعني ذلك التوجه لإزالة العقوبات التي سبق أن فُرضت، أقله في الأشهر الـ6 الأولى من ولاية بايدن، لافتاً إلى أن «لبنان ليس في موقع استراتيجي يجعله أولوية للأميركيين باعتبار أن أي انهيار داخلي سيبقى محصوراً داخل لبنان، كما أن أي اقتتال سيكون اقتتالاً لبنانياً داخلياً، ولن يتحول إلى حرب شرق أوسطية».
من جهته، يرى شديد أن «ملف لبنان، كما باقي ملفات المنطقة، مرتبط إلى حد كبير بالملف النووي الإيراني ومصير المفاوضات الأميركية مع طهران، فـ(حزب الله) امتداد واضح لطهران والضغوط عليه ليست إلا جزء من الضغوط على إيران».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟