تكرار السرقات يعيد حديث «الأمن الذاتي» في لبنان

عنصران من الأمن اللبناني يضعان الكمامة في أحد شوارع بيروت لحفظ الأمن (أ.ب)
عنصران من الأمن اللبناني يضعان الكمامة في أحد شوارع بيروت لحفظ الأمن (أ.ب)
TT

تكرار السرقات يعيد حديث «الأمن الذاتي» في لبنان

عنصران من الأمن اللبناني يضعان الكمامة في أحد شوارع بيروت لحفظ الأمن (أ.ب)
عنصران من الأمن اللبناني يضعان الكمامة في أحد شوارع بيروت لحفظ الأمن (أ.ب)

يثير التفلّت الأمني، الذي يشهده لبنان أخيراً على شكل عمليات سرقة وسطو مسلح، قلق المواطنين الذين باتوا يطالبون بتعزيز وجود الأجهزة الأمنية في المناطق التي تتكرّر فيها هذه العمليات، أو يلمحون إلى اعتماد الأمن الذاتي كبديل لغياب الدولة.
وفي حين كان عدد من النواب قد رفعوا الصوت أخيراً، ملمحين إلى اعتماد الأمن الذاتي، في حال استمرار تكرار الحوادث الأمنيّة في مناطقهم، كان لافتاً ورود خبر قبل أيام يشير إلى تمكّن شرطة بلدية الغزيلة (شمال لبنان) والأهالي من توقيف 6 أشخاص بالجرم المشهود، كانوا يحاولون سرقة المواشي في البلدة، وتم ضبط سيارة وبندقية حربية وقنابل وبعض الحبوب المخدرة كانت في حوزتهم، ومن ثمّ تسليم اللصوص والمضبوطات إلى مخابرات الجيش.
وقبل يومين، أعلن عن سرقات عدة ومحاولات سرقة وسطو مسلح في سهل القاع، أبرزها دخول عدد كبير من المسلحين إلى مزرعة النائب والوزير السابق عاصم قانصو ونهبها والعبث في محتوياتها، ما أدى إلى تهديد رئيس بلدية القاع المحامي بشير مطر صراحة بالأمن الذاتي. وفيما دعا في بيان له القوى الأمنية إلى «التشدد في المراقبة ونشر الحواجز والكمائن والنقاط العسكرية لوضع حد نهائي لعمليات السطو المسلح، وكل أنواع السرقات والتعديات على أرواح وأملاك وأرزاق المواطنين الآمنين المسالمين»، أكد أن هذه الأعمال «ستؤدي إلى مشاكل واضطرابات خطيرة، أقلها الفلتان الأمني واضطرار شاغلي الأراضي والمزارع والأرزاق إلى حمل السلاح والسهر لحمايتها».
ويرى وزير الداخلية والبلديات السابق زياد بارود أنه لا شيء يبرّر الدعوة إلى الأمن الذاتي، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «الحديث عن هذا النوع من الأمن يضرب أسس الدولة ويذكّر بأيام الحرب. لكن لا بد من التفريق بين الأمن الذاتي، الذي يعني الخروج عن السلطة العامة، وما قد يحصل في عدد من المناطق؛ إذ يقوم بعض أهلها بالتطوع لمساعدة البلدية في السهر على الأمن، شرط أن يكون القرار والسلاح لدى السلطة العامة، فيدخل الأمر ضمن ما يسمى تطوع مع السلطة العامة، وإلا صار خارج القانون».
وكان عضو تكتل «لبنان القوي»، النائب أسعد درغام، علّق على ما حصل في الشمال، معتبراً أن «الفلتان الأمني والسرقات والقتل مؤشرات سلبية عن الواقع الاجتماعي». وقال إنه «في المرحلة المقبلة التي تتطلب جهوزية تامة من القوى الأمنية، بات على السلطات المحلية لعب دور مهم، عبر تفعيل جهاز الشرطة لديها للمحافظة على الممتلكات كما حصل في الغزيلة».
وفي الإطار نفسه، كان نواب مدينة زحلة أيضاً رفعوا قبل أسابيع وتيرة التحذيرات من التفلت الأمني مع ارتفاع نسبة الجرائم، لا سيما السرقات في المدينة، مهددين باللجوء إلى الأمن الذاتي، وبأنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي إذا استمرّ الاعتداء على أهل المدينة، وعلى أرزاقهم، من دون التدخل المطلوب من القوى الأمنية.
ارتفاع نسبة حوادث السرقة والحديث عن الأمن الذاتي أثارا سؤالاً أساسياً حول عديد القوى الأمنية. وفي هذا الإطار، يشير بارود إلى أن قانون تنظيم الأمن الداخلي، في عام 1990، كان يلحظ وجود 29 ألف عنصر في ملاك قوى الأمن الداخلي، وهذا الرقم أقل حالياً، معتبراً أن «المشكلة لا تكمن بالنقص بعديد القوى الأمنية، ولكن ربما قد تحتاج الظروف الاستثنائية التي يعيشها لبنان إلى إعادة توزيع هذا العديد، والأمر يعود إلى قيادة قوى الأمن؛ فهي الأعلم بمدى الحاجة إلى هذا الأمر من عدمه».
ويبلغ عديد القوى الأمنية والعسكرية في لبنان، حسب الباحث في «الدولية للمعلومات»، محمد شمس الدين، 123 ألفاً، موزعين كما يلي: 83 ألفاً في الجيش، و27 ألفاً في قوى الأمن الداخلي، و8 آلاف في الأمن العام، و4 آلاف في أمن الدولة، و450 في شرطة مجلس النواب. وأشار شمس الدين في تصريحات سابقة لـ«الشرق الأوسط» إلى وجود أكثر من 11 ألف عنصر مفروزين مرافقين لعسكريين أو سياسيين، كما أن «كثيراً منهم في مخافر لا تحتاج أعداداً كبيرة، ويمكن خفضهم لأقل من النصف».
ويرى بارود أن البديل الأنجع عن الكلام عن الأمن الذاتي هو تعزيز قدرات البلديات «فهي الأكثر التصاقاً بالناس، لا سيما أن الجرائم التي تتكرّر ترتبط بالوضع الاقتصادي، وتدخل ضمن ما يمكن أن يطلق عليه جرائم محلية، لذلك الطريقة الأفضل لمعالجتها تكون بالشراكة بين قوى الأمن وشرطة البلديات القادرة على الوجود محلياً بطريقة فعالة، نظراً لمعرفتها بالمنطقة وأهلها». وشدد على أن «الأوضاع الاستثنائية التي يمر بها لبنان تستوجب تدابير سريعة واستثنائية منها دفع الدولة مستحقات البلديات ودعمها، لأن كلفة الجرائم أعلى بكثير على المواطنين والدولة من دفع هذه المستحقات».
الأمر ذاته يؤكد عليه عضو لجنة الدفاع الوطني والداخلية والبلديات النيابية النائب فادي سعد، الذي يرى أن «لبنان بات بحاجة كبيرة إلى إدارة لا مركزية أقلّه على مستوى البلديات، في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية والسياسية وغياب الحلول».
وأوضح سعد لـ«الشرق الأوسط» أن «دور البلديات في ظل غياب الدولة المركزية بات أساسياً على صعيد الأمن وإدارة النفايات وغيرها من الأمور المرتبطة بحياة الناس»، مشيراً إلى أنه «أمام هذا الواقع بات من الأولويات دعم البلديات التي لا تملك بمعظمها الأموال، ولا العدد المطلوب للقيام بدورها».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.