لاحظ سياسيون ونشطاء ليبيون أن المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا الدبلوماسي السلوفاكي يان كوبيش، تنتظره ملفات صعبة في مهمته الجديدة، بداية من انتشار السلاح والميليشيات المسلحة، وصولاً إلى «المرتزقة» و«المقاتلين الأجانب»، متسائلين: «كيف للمبعوث السابع إلى البلاد أن يحل هذه المعضلات، وقد فشل أسلافه في تجاوزها؟».
ويرى عبد المنعم اليسير عضو «المؤتمر الوطني العام» السابق، أن التدخلات الخارجية في بلاده «حولت ليبيا من دولة تشهد حالة من عدم الاستقرار ومشاكل أمنية منذ عام 2011 إلى ورقة تفاوض بين الدول الكبرى». وقال إن الجميع «لم يعد يتحدث عن حجم السلاح والعتاد، ودمج الميليشيات، كما كان الحال سابقاً، الحديث اليوم عن وجود قوات أجنبية و(مرتزقة) موجودين على أراضينا، مما يدلل على تعقد وتشابك وتعدد عناصر الأزمة الليبية على مدار السنوات العشر، التي لم تكن الأمم المتحدة غائبة عن المشهد الليبي خلالها».
وأضاف اليسير في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «للأسف الأمم المتحدة كانت حاضرة، ولم تستطع إدارة الأزمة بشكل صحيح، ما أدى إلى كثرة التدخلات الخارجية، خصوصاً من دول كبرى تتضارب مصالحها في بلادنا».
كان مجلس الأمن الدولي قد وافق يوم الجمعة الماضي على تعيين كوبيش، مبعوثاً جديداً إلى ليبيا، ليكون بذلك المبعوث السابع بعد استقالة الأكاديمي اللبناني غسان سلامة في مارس (آذار) الماضي، لأسباب صحية.
وتساءل اليسير: «ماذا يمكن للمبعوث الجديد أن يفعله أمام رغبات وطموحات روسيا وتركيا، أو أمام الصراعات بمنطقة شرق المتوسط التي يهتم ويعني بها الاتحاد الأوروبي بدرجة كبيرة، وكذلك الولايات المتحدة الأميركية. لقد تحولت بلادنا وسط هذا التزاحم الدولي إلى مجرد ورقة تفاوض، وإن كانت ورقة بالغة الأهمية»، متابعاً: «إلى جانب ما سبق هناك التحالف بين تركيا وتنظيم (الإخوان)، الذي يأبى أن يفرط في ليبيا باعتبارها محطته الرئيسية للانطلاق إلى باقي بلاد المغرب العربي والقارة الأفريقية، والكل يرصد نشاط تركيا وتوغلها بالقارة السمراء. الواقع صعب وأياً كان اسم المبعوث الجديد أو جنسيته فلن يكون قادراً على الحل».
وأقر عضو مجلس النواب بطبرق، أبو بكر الغزالي، بكثرة التدخلات الخارجية واعتبارها «أهم العقبات» التي ستواجه المبعوث الأممي الجديد، معتبراً أن تعيينه في هذا التوقيت الدقيق الذي يدخل فيه الحوار السياسي الليبي مرحلة يأمل الجميع أن تكون حاسمة، هو «أدق تعبير عن صراع التدخلات الغربية بالأزمة الليبية».
وذهب الغزالي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى دول عديدة تعاملت مع الدبلوماسية الأميركية ستيفاني ويليامز، بوصفها ممثلة للإدارة الأميركية ومنفذة لمصالحها في ليبيا، لا رئيسة بعثة دعم أممي بالإنابة، وهؤلاء تخوفوا من بلورتها لحل يهمش نصيبهم من الكعكة الليبية مقارنة بهيمنة واشنطن عليها.
يذكر أن ملتقى الحوار السياسي الليبي الذي احتضنت تونس جلساته الأولي مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، واجه تعثراً مبكراً فيما يتعلق بالتوافق على آلية اختيار شاغلي منصبي رئاسة المجلس الرئاسي ورئيس الحكومة ونوابهما، ومؤخراً تم تشكيل لجنة استشارية تهدف لمناقشة القضايا العالقة بالتوافق على الآلية وتقديم توصيات ملموسة بشأنها، وذلك بعد زيادة حدة الاستقطاب بين المشاركين الـ75 من أعضاء الملتقى، التي يعزوها مراقبون لتدخلات بعض الدول ورغبتها بفرض أسماء بعينها.
ويتوقع الغزالي أن «يستمر المبعوث الجديد باتباع نهج سابقيه في الاكتفاء بسياسة التراضي بين الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن حتى يضمن ترشحه لمناصب ومهام أعلى، دون النظر لعمق وصعوبة الأزمة الليبية التي يعرف مقدماً أنها لن تحل، إلا إذا توافق (الكبار) فيما بينهم».
أما عادل كرموس عضو مجلس الأعلى للدولة، ومقره طرابلس، فذكر لـ«الشرق الأوسط»، أن مهمة أي مبعوث أممي في أي دولة، تشهد صراعات بين أطراف وقوى خارجية تكون بالغة الصعوبة كونها لا تتطلب توافقاً بين الأفرقاء بالداخل، وإنما تتعداها لإيجاد توافق دولي، وبالتالي قد نجد بعض الدبلوماسيين يعتذرون من البداية خشية الإخفاق ولرغبتهم في تفادي هذه التدخلات.
كان الدبلوماسي البلغاري نيكولاي ملادينوف، قدم نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، اعتذاره عن المنصب بعد مضي أيام قليلة من قرار مجلس الأمن بالموافقة على تعيينه مبعوثاً في ليبيا، معللاً اعتذاره بـ«أسباب عائلية».
وقلل كرموس من شأن ما يطرحه البعض حول جنسية المبعوث الجديد، لكنه قال: «ما توصلت إليه ويليامز جيد وممتاز، وهي لا تزال تواصل جهودها في سبيل تحقيق استقرار سياسي وأمني واقتصادي بالبلاد»، لافتاً إلى أن تعدد اللجان المنبثقة من الحوار السياسي يستهدف «تقريب وجهات النظر في بعض المسائل الحساسة».
وانتهى كرموس قائلاً: «ما أنجزته ويليامز سيمهد الطريق أمام المبعوث الجديد رغم ما عانته كونها رئيسة البعثة بالإنابة، ولا تزال تعانيه من تدخلات مما سبب التأخر في التوافق على أسماء الشخصيات التي ستتولى السلطة الانتقالية القادمة، وليس الآلية كما يردد البعض».
«المرتزقة» و«التدخلات» عقبتان تنتظران المبعوث الأممي الجديد لليبيا
«المرتزقة» و«التدخلات» عقبتان تنتظران المبعوث الأممي الجديد لليبيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة