«حزب الله» يبحث في الموروث «الشيعي» عما يعزز العقيدة القتالية لعناصره

أكثر من ألف مقاتل قضى نحبه و3000 مصاب من مقاتلي الحزب في سوريا

أقارب القيادي في حزب الله محمد عيسى الذي قتل بالغارة الإسرائيلية في مدينة القنيطرة السورية أثناء تشييع جثمانه في بلدة عربصاليم جنوب لبنان (ويترز)
أقارب القيادي في حزب الله محمد عيسى الذي قتل بالغارة الإسرائيلية في مدينة القنيطرة السورية أثناء تشييع جثمانه في بلدة عربصاليم جنوب لبنان (ويترز)
TT

«حزب الله» يبحث في الموروث «الشيعي» عما يعزز العقيدة القتالية لعناصره

أقارب القيادي في حزب الله محمد عيسى الذي قتل بالغارة الإسرائيلية في مدينة القنيطرة السورية أثناء تشييع جثمانه في بلدة عربصاليم جنوب لبنان (ويترز)
أقارب القيادي في حزب الله محمد عيسى الذي قتل بالغارة الإسرائيلية في مدينة القنيطرة السورية أثناء تشييع جثمانه في بلدة عربصاليم جنوب لبنان (ويترز)

جاءت الغارة الإسرائيلية الأخيرة على منطقة القنيطرة السورية التي استهدفت موكبا لـ«حزب الله» وأدت إلى مقتل 7 أشخاص من بينهم (جهاد 26 عاما) نجل القيادي الراحل في التنظيم عماد مغنيه، الذي قضى أيضا بتفجير غامض في دمشق عام 2008 نُسب بدوره إلى إسرائيل، لتسلط من جديد الضوء على مفهوم العقيدة القتالية لدى «حزب الله»، المفهوم الذي استطاع الحزب توظيفه في الحرب الأهلية السورية التي أخذت منحى طائفيا.
فعلى الموقع الإلكتروني لمحطة المنار التلفزيونية التابعة لـ«حزب الله»، كانت صور الضحايا الـ7 الذين قُتلوا في العملية الإسرائيلية تسبقهم عبارة «قوافل الضحايا تصنع النصر».
يشير نيكولاس بلاندفورد الخبير في شؤون «حزب الله» وصاحب كتاب «Warriors of God Hezbollah’s 30 year struggle with Israel» في حديثه إلى «الشرق الأوسط» تعليقا على الحادثة إلى أن «الغارة التي أدت إلى مقتل مغنية، والأهم منه القيادي الميداني محمد عيسى، المعروف بـ(أبو عيسى)، والقيادي الميداني الإيراني أبو علي طباطبائي هي اغتيال مستهدف، بالتالي سيكون على (حزب الله) أن يجد ردا موازيا من حيث حجم الخسارة التي تكبدها كي لا يُعد ضعيفا».
ويرى المحلل أن أمام الحزب عدة سيناريوهات، منها تحييد الأراضي اللبنانية، واللجوء إلى رد غير مباشر عبر منطقة شبعا أو الجولان من خلال قصف أهداف معينة أو اعتماد أساليب أمنية أخرى، غير أن الضربة الموجعة التي وجهتها إسرائيل ستجبر الحزب «على انتقاء أهداف نوعية يرى أنها تتناسب مع الخسارة التي تلقاها، مثل توجيه صاروخ على باخرة إسرائيلية مثلا».
وفي السياق نفسه، يقول قاسم قصير المختص بشؤون «حزب الله» في حديثه إلى «الشرق الأوسط» إن الحزب «سيحتفظ بحق الرد على العدو الإسرائيلي في الزمان والمكان والأسلوب المناسب لتوجيه ما يعده انتقاما لشهدائه، وذلك مرتبط بعوامل كثيرة».
إلى جانب التداعيات التي قد تخلفها العملية الإسرائيلية على كلّ من لبنان وإسرائيل، والرد المحتمل من «حزب الله»، فإن مقتل 6 عناصر من الحزب فضلا عن الجنرال الإيراني يجعلنا نتوقف عند ثقافة الشهادة المرسخة لدى «حزب الله». وهي الثقافة التي شكلت عامل قوة في القتال ضد إسرائيل، والتي عاد الحزب اليوم ليوظفها في حربه الطائفية في الأراضي السورية.
يشرح بلانفورد أن فكرة الجهاد أساسية في عقيدة «حزب الله»، الذي يفصل ما بين الجهاد الدفاعي والجهاد الهجومي؛ «فالحزب اعتمد الجهاد الدفاعي ضد الاحتلال الإسرائيلي، وقد صرح نصر الله بأن على المقاومة محاربة (التكفيريين) في سوريا قبل أن يأتوا إلى لبنان، والغاية من الحرب في سوريا هي الدفاع عن مصالح الشيعة، وكذلك الدفاع عن (بشار الأسد) الذي هو جزء من المقاومة»، على حد وصفه، وهي الدعاية التي تجاوبت معها القاعدة الشعبية للحزب.
وبالنسبة لكثير من مقاتلي «حزب الله»، يُعد الصراع المجاور ضربة وقائية موجهة لعدو كان يرغب في تصدير الصراع السوري إلى لبنان، ويشيرون في هذا السياق إلى الطبيعة الآيديولوجية للمعركة في سوريا، حيث يعدون القتال هناك معركة وجودية ضد «تكفيريين» مدعومين وممولين من دول أجنبية.
وبحسب الموقع الإلكتروني لـ«حزب الله» فإن «غاية الجهاد هي الشهادة، شهادة الفرد والمجتمع، شهادة المجتمع تكمن في صيرورته حجة على المجتمعات الأخرى، بما يحمله من قيم ويمثله من مضامين، بحيث يحتج الله سبحانه وتعالى على الأمم الأخرى يوم القيامة. الشهيد عندما يصل إلى هذا المقام تُكتب له الحياة الأبدية السرمدية التي لا موت فيها أبدا، وهذا بسبب أنه اختار الموت بإرادته واختياره، وهو يتميّز بذلك عن باقي الموجودات والبشر».
ففي الضاحية الجنوبية، منازل الشهداء معروفة جيدا، ويجري سنويا تنظيم احتفالات تخليدا لذكراهم. كما يأخذ الحزب على عاتقه الاهتمام بأسرهم من خلال منظمة «مؤسسة الشهيد» التي تلبي احتياجاتهم المالية، وكذلك تهتم بتعليم أطفالهم «وترسل عائلات الشهداء لزيارة العتبات المقدسة في إيران أو العراق، وتجتمع العائلات مع السيد حسن ويعاملون باحترام وتكريم فائقين»، وفق قصير.
هذا التمجيد لمفهوم الشهادة أعطى الحزب رصيدا استطاع أن يستغله لتبرير وفيات مقاتليه المتزايدة في سوريا. إن الاستشهاد والتضحية بالنفس فكرتان راسختان في الثقافة الشيعية، ويتم تجسيدهما سنويا في ذكرى عاشوراء. وقد تبنى «حزب الله» مفهوم الشهادة والمعاناة التي يمكن ردها إلى استشهاد الإمام الحسين، ورَبَطهما بحربه في سوريا. هذا وقد تم في الآونة الأخيرة تداول مرويات شعبية وسط الجماهير الشيعية حول الحرب الدائرة في بلاد الشام وارتباطها «بكتاب الجفر». إن «كتاب الجفر» هو عبارة عن مجموعة من الأحداث الرمزية القديمة التي تنبئ بأحداث مستقبلية ستقع قبل «يوم الحكم». وعليه ربط كثير من الشيعة الصراع في سوريا بما ورد في الكتاب، وبظهور المهدي الذي ينبئ بنهاية العالم. ومستندين على كتاب الجفر، صنف مقاتلو الحزب الحرب السورية على أنها مقدمة لظهور المهدي، وأن المعركة هي جزء من الحرب السنية - الشيعية التي يعود عمرها إلى 1400 سنة، والتي نشأت حول خليفة النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
يبدو أن حزب الله قد نجح في استخدام هذه المعتقدات لتبرير وجوده المطول في سوريا والمكلف على صعيد قاعدته الشعبية في لبنان.
وعلى سبيل المثال، يرى مقاتلو حزب الله أن المصالح السلفية والمصالح الإسرائيلية تتلاقى في الحرب السورية، وقد اعتمدوا هذه الحجة في خطابهم لتفسير انخراطهم في الصراع المجاور، معتبرين أن سبب دخولهم إلى سوريا هو لحماية إخوانهم والدفاع عن لبنان ودينهم من المتآمرين الأجانب الذي يمثلون في هذه الحالة السلفيين الممولين من دول أجنبية.
من الواضح أن البعد الديني يحظى بأفضلية على الاعتبارات الأخرى في هذا الصراع. ففي حديث سابق مع محرر هذه السطور يؤكد «أبو علي»، أحد القياديين الميدانيين لحزب الله، الذي سبق أن قاتل في بلدة القصير أنه «حصل على تكليف شرعي للقتال عبر الحدود من رجال الدين في حزب الله».
ويضيف قائلا: «حاول المجتمع الدولي في الماضي مرات كثيرة تدمير الحزب، كما حصل مثلا عام 1996 في حرب عناقيد الغضب ضد إسرائيل، واليوم يستهدفون حزب الله من خلال شنهم الحرب على سوريا. بالتالي فإن خيار عدم القتال ليس متاحا. نحن بحاجة للحفاظ على كرامتنا ومعتقداتنا الدينية. نحن نواجه في سوريا الأعداء الذين نقاتلهم عندما نشتبك في حرب مع إسرائيل».
ويعتقد المقاتلون أن حزبهم تمكن من مواجهة العدوان الإسرائيلي بسبب ثقافة التضحية وقوة التحمل، وهو يعتمد الأسلوب نفسه في الحرب السورية. يقول أبو علي: «إذا متُّ في سوريا فسأذهب إلى الجنة. الكل أراد القتال عندما هاجمت المعارضة الموقع الديني للسيدة زينب. وهل هناك طريقة لتأمين مكان في الجنة أفضل من الموت هناك؟».
لكن بحسب رجل الدين الشيخ محمد حاج حسن رئيس التيار الشيعي الحر، وهو أحد الأحزاب المعارضة لحزب الله: «يخضع الجهاد في الإسلام إلى شروط قاسية، مثل الدفاع عن الدين والنفس والعرض. لكن الحرب في سوريا غير مشروعة دينيا، إنها سياسية».
إذ تؤكد مصادر مقربة من الحزب إلى الشرق الأوسط أن أكثر من 1000 مقاتل قضى في سوريا، ونحو 3000 منهم أصيبوا بجروح كبيرة تسبب معوقات.
إلا أن «حزب الله سيتمكن من تحمل هذه الخسائر، إن كان لديه (كما يزعم) 20000 مقاتل مدرب، علما بأنه لا يزال يجند الشباب، حتى وإن لم يكونوا بنفس فعالية سابقيهم»، وفق بلانفورد الذي يشير إلى أن الحزب كان حريصا للغاية في طريقة نشر مقاتليه، متفاديا تكبد خسائر كبيرة. «فالقاعدة الشعبية الشيعية قادرة على الاستيعاب إن وقعت الخسائر البشرية تدريجيا، وهو أمر مرتبط بالتفاني والتضحية الراسختين في الشخصية والمعتقدات الشيعية».
ولكن إذا كانت الأزمة مستمرة في سوريا، هل سيكون عدد وفيات مقاتلي الحزب نقطة تحول بالنسبة له ولقاعدته الشعبية؟ بلانفورد يعتقد أن «معظم أبناء الطائفة الشيعية يتشاركون رؤية خطاب نصر الله، لكن البعض أيضا ما زال يتساءل إلى متى سينجر حزب الله في مستنقع الحرب السورية؟»، على حد قوله.

* باحثة زائرة في معهد رفيق الحريري لدراسات الشرق الأوسط



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟