ميليشيا «بدر» الطائفية.. كيف تبني إيران دولة جديدة في العراق المعاصر؟

طهران تعيد محيطها إلى ما قبل الدولة الحديثة

ميليشيا «بدر» الطائفية.. كيف تبني إيران دولة جديدة في العراق المعاصر؟
TT

ميليشيا «بدر» الطائفية.. كيف تبني إيران دولة جديدة في العراق المعاصر؟

ميليشيا «بدر» الطائفية.. كيف تبني إيران دولة جديدة في العراق المعاصر؟

نوان البارز للدولة العراقية العاجزة والمضطربة، فهي علامة بارزة على الرجوع لما قبل الدولة الموحدة، والشعب الواحد والمصير المشترك. وهي التجسيد الفعلي لضراوة الحرب الأهلية وفتنها الطائفية، وهي كذلك فاعل رئيسي في مسار تفكيك الدولة العراقية، وربطها بالمصالح الاستراتيجية الإيرانية التي ابتدأ مفعولها العملي منذ الغزو الأميركي سنة 2003.
هذه المنظمة لم تعد مجرد كيان عسكري عادي يخضع لقانون الدولة ومندرج ضمن مؤسساتها، بل يمكن القول إنها «جيش» طائفي منظم، إداريا وآيديولوجيا. وهو يستعمل القوة المسلحة المصحوبة بالحشد والتعبئة الدينية لتحقيق التفكيك المطلوب للعراق، وإعادة تركيب المفكك ضمن الدائرة المذهبية والاستراتيجية الشيعية الإقليمية ونظرتها للشرق الأوسط الجديد.

تمثل منظمة بدر الشيعية العوتعود أصول هذه المنظمة إلى بداية الثمانينات من القرن العشرين، حيث أسسها محمد باقر الحكيم، وساعده في بناء وتسيير التنظيم أحد رجالات النظام الإيراني المعتبرين وهو «محمود الهاشمي»، الذي يشغل حاليا عضوية مجلس القضاء بإيران. وتضم «بدر» في صفوفها ضباطا سابقين من الجيش العراقي، كما تتكون من سياسيين معارضين للنظام البعثي الصدامي، وشباب مسيس ويتبنى الآيديولوجية الطائفية؛ وهذا المنطلق جعل منها تنظيما مزدوج التكوين والولاء العقدي. فهي من جهة إيرانية الولادة وعراقية العناصر؛ ومن جهة ثانية تعتبر منظمة عسكرية ممارسة للسياسة، مما يجعل من العنف السياسي سلوكا ملازما للبدريين قبل وبعد احتلال الولاية المتحدة الأميركية للعراق.
كانت الرهانات والحسابات الإقليمية وراء إنشاء «بدر» باعتبارها فيلقا عسكريا، لذلك سهَّل عليها البلد المحتضن إيجاد إمكانيات مهمة على مستويي التنظيم الإداري السياسي والتدريب العسكري؛ فقد كان التنظيم يدور ضمن رؤية الحرس الثوري الإيراني التي تتطور بتطور الوضع الإقليمي والدولي. لذا انتقلت الاستراتيجية الإيرانية، منذ حرب الخليج الثانية، من تحدي الصدام المباشر مع العراق، ومحاصرة منظمة «مجاهدين خلق»، إلى بناء نفوذ سياسي وعسكري داخل العراق نفسه.
ومن داخل هذه الرؤية تحركت «بدر» باعتبارها ميليشيا مسلحة، للعب دورها الطلائعي الحساس في غزو العراق، سواء بتحركاتها ذات الصلة بالولاية المتحدة وبريطانيا، عبر عقد مؤتمرات دولية تدعو للغزو والاحتلال؛ أو بالداخل العراقي، بتعزيز وتنظيم صفوفها، وتعبئتهم على المواجهة المسلحة للنظام العراقي البعثي.
فقد كانت هذه الميليشيا الشيعية تعتبر الاحتلال الأميركي للعراق «فرصة ذهبية» من الناحية العسكرية والسياسية لإعادة ترتيب الدولة، وربط العراق مذهبيا بالجمهورية الإيرانية. ورغم بعض الخلافات الموجودة بين بعض مؤسسيها السياسيين حول درجة الاستقلالية وكيفية تحقيقها في ظل الارتباط بولاية الفقيه؛ فإن التكوين العسكري لقيادة «بدر» جعل ولاءها تاريخيا وإلى اليوم مرتبطا بالحرس الثوري والمرشد الأعلى علي خامنئي. وعلى هذا الأساس تجهر المنظمة بأنها «تجاهد» في العراق وسوريا بمبررات دينية محضة، مرجعها المرشد الأعلى بإيران، والمرجع الدين الشيعي علي السيستاني صاحب فتوى «الجهاد الكفائي» لسنة 2014.
وتشير أغلب التقارير إلى أن عدد مقاتلي ميليشيا «بدر» يبلغ حاليا 100 ألف عسكري، يزاولون مهمهم القتالية بقيادة رئيسها هادي العامري وزير النقل السابق. وقد استطاع العامري المتزوج من إيرانية، والمجنس بجنسيتها، الرجوع إلى الأضواء بعد صراع مع آل الحكيم ومناصريهم.
وكان محمد باقر الحكيم قد قرر عقب احتلال العراق تحويل «بدر» إلى منظمة سياسية وحل جناحها العسكري، إلا أن اغتياله في أغسطس (آب) 2003 حال دون ذلك. كما أن خضوع المنظمة لقانون الحاكم الأميركي بول بريمر الخاص بدمج الميليشيات، حجم مؤقتا من دور العامري والدور الاستراتيجي الإقليمي لميليشيا «بدر».
فرغم التحفظات التي عبر عنها كل من قائد الميليشيا الحالي هادي العامري، والمستشار السياسي لمحمد باقر الحكيم الشيخ همام حمودي، وعالم الدين جلال الدين الصغير (صاحب نظرية القطار الشيعي الصاعد)، فقد لعبت ثقافة العوائل الدينية والسياسية دورا بارزا في تولية عبد العزيز الحكيم وراثة أبيه على رأس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، بينما عادت رئاسة منظمة «بدر» وهي الجناح العسكري للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي لهادي العامري.
اختار المجلس منذ بداية احتلال العراق 2003 الحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأميركية، وكان عبد العزيز الحكيم عضوا بمجلس بول بريمر الحاكم الذي عينته الولايات المتحدة للعراق. كما دخل في تحالفات سياسية تفيد برغبة ظاهرة للحكيم في إيجاد نوع من الاستقلالية عن كل من أميركا وإيران في الوقت نفسه؛ لذلك سعى منذ 2009 لتحالف سياسي مع كتلة شيعية تضم التيار الصدري، والدخول في منافسة مع رئيس الوزراء آنذاك نور المالكي وحلفائه، وفي الآن نفسه، إبداء حسنة نية بإمكانية التعاون مع كتلة «العراقية» التي تزعمها إياد علاوي لتنافس على منصب رئاسة الوزراء في الانتخابات التشريعية لسنة 2010.
وفي الوقت الذي أبدى فيه الحكيم هذا التوجه الانتخابي والسياسي المرن، عمل هادي العامري زعيم «بدر» على خلق تحالف يؤكد طبيعة عقيدة تنظيمه السياسية، ودوره الاستراتيجية، المرتبط بإيران، فدعم المالكي في ترشحه لولاية ثانية. فنشب صراع جديد بين المجلس والجناح العسكري، أدى لتوسيع رقعة الخلافات والخيارات الاستراتيجية بينهما، الشيء الذي انعكس على طبيعة التعبئة والتحريض التي أدت لإبعاد المجلس الأعلى الإسلامي العراقي من الاستوزار، بينما أسندت وزارة النقل لغريم الحكيم الجديد هادي العماري. ومع استمرار الخلافات بين الجناحين السياسي والعسكري، أعلن الطرفان الفراق التام في مارس (آذار) 2012.
والحقيقة أنه من الناحية العملية، استطاعت ميليشيا «بدر» منذ سنة 2005 استرجاع مكانتها كرأس الحربة في المشهد العنفي الدموي الطائفي بالعراق؛ كما ظهرت باعتبارها قوة لها رصيد عسكري يمكن الاعتماد عليه من جانب كثير من الشيعة الطائفيين من جهة، وكذلك من قبل إيران في سياستها داخل العراق. ولأن هذه الدولة العراقية في حقيقة الأمر تتأثر بالميليشيات و«بدر» واحدة منها، فإن العامري تحول مع الصراع الدموي الطائفي بين السنة والشيعة لبطل قومي شيعي، كما أن المالكي وإيران جددا وكثفا من دعمهما لميليشيا بدر التي تحولت إلى «جيش» يتم تجهيزه لخوض المعارك بدل الدولة، خاصة تلك المتعلقة بتصفية أهل السنة وتهجيرهم، مما أدى لارتكاب «بدر» لجرائم ضد الإنسانية لقيت نوعا من التشجيع داخليا من طرف رئيس الوزراء نوري المالكي، وخارجيا من إيران، بينما نددت واستنكرتها منظمات وهيئات دولية مهتمة بحقوق الإنسان.
ولأدائها ودورها المحوري، ليس من الغريب أن نجد «بدر» ورجالها في كل مناشط الحياة العامة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية للدولة العراقية الحالية. هذا الأمر الواقع ليس صدفة، بل استراتيجية نمت مع التصور الإيراني المصّرف عبر حلفائها العراقيين الشيعة؛ وقد تجلى ذلك واضحا من الناحية السياسية في تعين حكومة العبادي في 8 سبتمبر(أيلول) 2014.
إذ ظهرت «بدر» مرة أخرى كمشروع لا يمكن التفاوض حوله، ولا يمكن تجاوزه، لما يمثله من رهان استراتيجي غايته إعادة بناء العراق المعاصر وفق رؤية إيرانية إلحاقية، تعيد رسم دوائر الصراع إقليميا في الشرق الأوسط.
فقد أعلن تعين حيدر العبادي رئيسا للوزراء الدخول في أخطر مرحلة يعيشها العراق، ورغم التدخلات الدولية المتعددة فقد خرجت ميليشيا العامري منتصرة، وفي «غفلة» أو عن قصد اكتسب مشروع الهيمنة بالقوة على الدولة العراقية، وإعادة تركيبها، شرعية دولية تحت مسمى حكومة توافقية.
ففي غياب الجيش العراقي المنظم، تحتل «بدر» مكانه وتؤدي الأدوار المركزية باسم الدولة، وتحول جزء من قيادتها العسكرية العليا إلى المناصب السيادية الأمنية والعسكرية للعراق اليوم؛ وهكذا أصبحت «بدر» تسيطر على أهم وزارة على الإطلاق بالعراق حاليا، حيث عين رئيس الوزراء حيدر العبادي 5 من «كبار قادة» ميليشيا «بدر» في حكومته، وهم وزير الداخلية العراقي محمد الغبان، الذي يعتبر هو وأبو مهدي المهندس أقرب المقربين للعامري وطهران في الوقت نفسه. وهو ما يفسر توزيع الأدوار يبن الثلاثة خاصة في ما يتعلق بإدارة «بدر» وعلاقاتها ببسط السيطرة، ودمج الحشد الشعبي فيها باعتبار «بدر» نواة الدولة الجديدة المرتقبة. كما عينت شخصية عسكرية «بدرية» أخرى في وزارة حقوق الإنسان متمثلة في محمد مهدي البياتي، وهو قائد سابق «للواء مصطفى» بـ«بدر».
وتدعيما لهذه السيطرة على الأرض، أسندت وزارة البلديات لشخصية عسكرية «بدرية» أخرى وهو عبد الكريم يونس عيلان المعروف بأبو مريم الأنصاري، في حين أسندت وزارة الرياضة والشباب لعبد الحسين عبطان وهو المسؤول السابق في قسم التموين والنقل في فيلق «بدر» ومعروف بعلاقاته المتشابكة مع إيران التي يحمل جنسيتها، ويعتبر المسؤول الأول عن مقتل المئات من القرويين النجفيين في معركة «الزركة». أما حسن كاظم الراشد الملقب بـ«أبو أحمد الراشد» وزير الاتصالات، فهو عضو سابق في فيلق القدس الذي انضم إليه سنة 1991، وهو كذلك عضو فرقة «محمد رسول الله» بـ«بدر».
عموما، يمكن القول إن منظمة «بدر» كانت دائما مشروعا ورهانا إيرانيا يتطور بحسب الظروف الداخلية والإقليمية للعراق، وإن الباحث في الشؤون الإيرانية وطريقة تصريفها لاستراتيجيتها في بناء النفوذ لا بد أن يلحظ تعدد الآليات والوسائل المستعملة لتحقيق الغرض؛ وما ميليشيا «بدر» إلا واحد من الأساليب المنبثقة عن رؤية الحرس الثوري، والتي تمزج فيها إيران بين الوظيفة السياسية والقوة العسكرية.
فإذا كانت قضية الحشد الشعبي (وهذه القضية تحتاج لدراسة مستقلة) هي الصورة الظاهرة إعلاميا، فإن الواقع الحقيقي يخفي وراءه تنظيما يبتلع شيئا فشيئا الدولة العراقية، ويستغل موجة الإرهاب لتكريس هيمنة تنظيم طائفي على المجتمع والدولة يستحيل اقتلاعه، تماما كما يستحيل اليوم اقتلاع «حزب الله» اللبناني، وميليشيا الحوثي اليمنية.

* أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».