الدعوة للانتخابات المبكرة تصطدم بعوائق سياسية وقانونية

جعجع يعتبرها الطريقة الوحيدة لإيجاد حلول لمشكلات لبنان

TT

الدعوة للانتخابات المبكرة تصطدم بعوائق سياسية وقانونية

جدد حزب «القوات اللبنانية» الدعوة لانتخابات نيابية مبكرة، تعيق الانقسامات السياسية تنفيذها، كذلك الاستعدادات اللوجستية، في وقت بدأت فيه المهل القانونية تزاحم إجراء الانتخابات النيابية في موعدها في عام 2022 في ظل خلافات سياسية على قانون الانتخابات المزمع إقراره، وتزامنها مع الانتخابات المحلية المفترض إجراؤها في عام 2022 أيضاً، ما من شأنه أن يشكل ارتباكاً إدارياً للسلطات اللبنانية.
وأكد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أمس، أنه لا يمكن تحقيق أي تقدم أو خلاص في لبنان، ما دامت تتولى السلطة الأغلبية البرلمانية الحالية المكونة من «حزب الله»، وحزب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وحلفائهم. وقال: «كما هي الحال في أي ديمقراطية حقيقية، أعتقد بقوة أن الانتخابات البرلمانية المبكرة هي الطريقة الوحيدة لإحداث تغييرات وإيجاد حلول لمشكلات لبنان التي طال أمدها».
وتصطدم الدعوات لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، منذ العام الماضي، بموانع سياسية وضعتها قوى لها تمثيل كبير في البرلمان، وفي مقدمها «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» وغيرهما، في وقت لا يمكن فيه إنهاء ولاية البرلمان بأن يحل نفسه، وهو ما يحتاج إلى توافق سياسي غير متوفر، إلى جانب عقبات قانونية مرتبطة بقانون الانتخابات الأخير الذي أقر في عام 2017، في حال جرى التوافق على إجراء الانتخابات على أساسه.
فالقانون الأخير نص على تحديد 6 مقاعد نيابية للبنانيين في بلاد الاغتراب، يجري انتخابهم في الدورة اللاحقة لدورة عام 2018. ويقول الخبير الانتخابي سعيد صناديقي إن يذلك يفرض على وزارتي الداخلية والخارجية تشكيل لجنة تحدد طوائفهم وتوزيعهم على القارات؛ لكن ذلك لم يحدث حتى الآن، وبناء عليه: «لا يستطيعون إجراء انتخابات مبكرة على القانون نفسه من غير تحديدهم، أو سيضطرون إلى تأجيل هذه المادة في القانون، وهو ما يحتاج إلى تعديل في البرلمان منعاً لمخالفة القانون وتعريض الانتخابات للطعن في مجلس شورى الدولة».
وتنطلق «القوات» وقوى سياسية أخرى بينها «الكتائب اللبنانية» من أن مزاج الناخب اللبناني بعد انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 تغير، وهو من شأنه أن يعدل موازين القوى في البرلمان الذي يفترض أنه سينتخب الرئيس المقبل للجمهورية في خريف 2022.
ويقول مقربون من «القوات اللبنانية» لـ«الشرق الأوسط» إن الحزب «بات الأوسع تأييداً في صفوف المسيحيين»، ويشير هؤلاء إلى أن الشارع على المستوى الشعبي «بات ضد السلطة، ورئيس (التيار الوطني الحر) النائب جبران باسيل من ضمنها، ويحمله مسؤولية التدهور».
غير أن المطلعين على أرقام الانتخابات لا يعتقدون بتغييرات أساسية في موازين القوى، في حال جرت الانتخابات على القانون القائم، ولو أن هناك شبه إجماع على أن كتلة «لبنان القوي» التي يترأسها باسيل لن تكون كما هي، بالنظر إلى أن حلفاء له خاضوا الانتخابات السابقة إلى جانبه، انسحبوا من تكتله البرلماني بعد 17 أكتوبر، وفي مقدمهم النائبان السابقان نعمت أفرام وميشال معوض.
ويستند صناديقي في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى دراسات أجرتها بعض الأحزاب، تشير إلى أنه في حال وُجد بديل جدي، فإن المستقلين ستزداد مشاركتهم في الانتخابات بحجم يقارب الـ5 في المائة عما كان عليه في 2018، ما يعطي الكتلة المستقلة في البرلمان نحو 3 نواب إضافيين، يُضافون إلى تغييرات أخرى قد تحصل لجهة خسارة أحزاب تقليدية من حصتها، وفي صدارتها «الوطني الحر»، لصالح القوى المدنية أو «حزب الكتائب» مثلاً.
وبينما يبني البعض على التغييرات التي حصلت في الانتخابات النقابية أو الجامعية، يقول صناديقي إن «مزاج الناخب في الأطراف مختلف، وعادة ما تحدده عوامل كثيرة، مثل الخطاب الطائفي أو التقديمات الاجتماعية» قبل موعد الانتخابات، معتبراً أن في الأطراف «قوى ناخبة كبيرة وغير منظورة». ويشير إلى أن نتائج الدراسة «تظهر أن الثنائي الشيعي قادر على الاحتفاظ بنوابه، و(المستقبل) كذلك في حال لم يظهر بديل جدي يمنح الناخب السني الأمان والأمل، أما حزب (القوات) فمن غير المرجح أن تزداد كتلته، إلا بالتحالف مع مستقلين، بالنظر إلى أنه جمع أكبر نسبة من النواب في الانتخابات الأخيرة».
ويرى صناديقي أن توزيع الهبات عبر البلديات المحزبة في المناطق «يمثل مالاً انتخابياً يمكن أن يساعد الأحزاب في المناطق النائية على الاحتفاظ بقواعدها الانتخابية، بينما التغيير الأساسي يتم في المدن والعاصمة».
وبمعزل عن الأرقام التي يمكن أن تتبدل يوم الانتخابات، تظهر تعقيدات أخرى تواجه طرح الانتخابات المبكرة، أهمها أزمة «كورونا» في هذا الوقت، ما يحول دون إجراء انتخابات. وفي حال تم إقرارها بعد 6 أشهر، وهو أمر لا يزال افتراضياً، فإن لبنان يكون قد اقترب من موعد انتهاء ولاية مجلس النواب التي تنتهي في 6 مايو (أيار) 2022، ما يعني أن التحضيرات للانتخابات يجب أن تبدأ أقله قبل عام، لجهة إعداد قوائم الناخبين والتحضيرات اللوجستية، وتعيين هيئة الإشراف على الانتخابات التي تحتاج إلى حكومة.
وبحسب القانون اللبناني، يفترض أن تجري الانتخابات قبل 60 يوماً من نهاية ولاية المجلس في 6 مايو 2022، ويتزامن ذلك مع شهر رمضان في أبريل (نيسان) 2022، ما يعني أن الانتخابات يجب أن تجرى في مارس (آذار). وبما أن القانون اللبناني يفرض إعداد قوائم الناخبين في 30 مارس من كل عام، فإنه إذا جرت الانتخابات قبل هذا التاريخ، سيُحرم نحو 120 ألف ناخب يزدادون سنوياً على قوائم الناخبين، من الاقتراع.
ويعد ذلك معضلة تُضاف إلى تزامن الانتخابات النيابية مع انتخابات المجالس البلدية والمخاتير، ما يفرض إرباكاً إدارياً على الدولة في حال قررت السلطات إجراء الانتخابات النيابية والمحلية في موعد واحد، وإلا ستضطر لتأجيل إحداهما، كما تفرض إرباكاً على المجتمع المدني وسط أسئلة عما إذا كان قادراً على إجراء الانتخابات في موعد واحد بمواجهة الأحزاب التقليدية، علماً بأن الانتخابات تحتاج إلى 22 ألف مندوب بالحد الأدنى، يتوزعون على 7 آلاف قلم اقتراع في لبنان.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.