{أفق مائل}... معرض تشكيلي جديد بمراكش

في لوحات ماحي بينبين «وجوه غائمة» و«نظرات صامتة»

ماحي بينبين
ماحي بينبين
TT

{أفق مائل}... معرض تشكيلي جديد بمراكش

ماحي بينبين
ماحي بينبين

يعود الفنّان التشكيلي المغربي ماحي بينبين إلى مدينته مراكش، حيث وُلد سنة 1959، بمعرض جديد اختار له عنوان «أفق مائل»، حافظ فيه على توجهه الفني الذي يتناول فيه تجارب الذات محتفياً بالإنسان في حالاته «الأكثر إيلاماً وهشاشة وتذمراً»، مع المراهنة على «التشظي والانكسار اللذين يَلحقان بالكائن جراء تعرّضه لمختلف أنواع الشطط والقهر»، على رأي الفنان التشكيلي والشاعر عزيز أزغاي، بشكل يؤكد إصراراً على «إبراز قيم الصمود والكرامة في مواجهة الرعب واليأس»، لذلك تأتي لوحاته متناغمة مع ما عُرف به، من حيث مواد الاشتغال والاختيار الفني، مؤكدة التزاماً أخلاقياً واجتماعياً تجاه قضايا الإنسان والمجتمع، بشكل دفع عدداً من النقاد إلى التشديد على أن أعماله هي «قطع من الحياة»، تنقل لسخط الفنان وقناعاته، في آن، مع الاحتفاء بالإنسان في مواجهة الظلم والنكران.
ويتضمن «الكاتالوغ» التقديمي لمعرض «أفق مائل»، الذي يتواصل برواق «لو كونتوار دي مين» إلى 30 مارس (آذار) المقبل، كلمات لكل من هشام الداودي ورضا زايرك وسفيان السبيتي، احتفت بماحي بينبين الإنسان والفنان، الذي يعدّ من أبرز التشكيليين المغاربة وأكثرهم حضوراً في الخارج، دون إغفال مساره الإبداعي على صعيد الكتابة الروائية.
وكتب الداودي، في معرض كلمته التقديمية: «ماحي فنان متعدد التخصصات، وعاشق للإنسان من دون أن يدّخر جهداً للتحرك والعمل في مواجهة اختلالات العالم. رواياته الناجحة وانشغالاته الاجتماعية العديدة ومشاريعه الفنية هي وجوه متعددة لنفس العمل الذي يبنيه مع مرور الوقت. وتشهد الشخصيات التي تملأ عالمه الفني على العلاقة التي ينمّيها مع الآخرين. (الآخر) بالنسبة لماحي هو جزء متحمس من شخصه، فيما تؤكد الوجوه التي تتقاطع في أعماله سعيه لفهم ما يُقلقه بشكل أفضل، أو يسحره أو يحزنه لدى الآخر. إنه يستمد روحانيته العميقة من الناس أولاً، مستحضراً التاريخ المعقّد لعائلته. ونظراً لإيمانه الهائل بالمستقبل، تخيل هذا الفنان القادم من حقل الرياضيات معادلة علمية ذات متغيرات متعددة في محاولة لحل معادلة قريبة جداً من قلبه، ترتبط جزئياً بوجوده الخاص». وأضاف الداودي: «أولئك الذين يتابعون تطور أعمال هذا الفنان سيلاحظون في أعماله الأخيرة غياب أجساد منشورة، وأقنعة وتشوهات. يبدو أن ماحي أدار ظهره لغضب حميم غذّى إبداعاته الأولى، من أجل فهم العالم بشكل مختلف».
من جهته، كتب زايرك: «أول ما يلفت الانتباه في شخصيات ماحي بينبين هو الشعور بالوحدة القصوى»، حيث «الوجوه غائمة في عناق شبحي، متقاطعة من دون أن يرى بعضها بعضاً أبداً، أو تنغمس، على الرغم منها، في الداخل السحيق وغير المبرر من الآخر. التعبيرات متشابكة، محمّلة بضجيج العالم، مع آلام عميقة لا توصَف ورغبات دفينة. الرؤوس، والأجساد والأرواح متداخلة، والمأساة مشتركة، فيما يبقى الصراخ محصوراً بالداخل، والنظرات صامتة».
فيما كتب السبيتي: «معاناة الجنس البشري حياة ممزقة وأجساد ملتوية تحت الإكراه ومظلومة. هذه بضع كلمات يمكن أن تترجم بسهولة فن الرجل الذي يريد تصحيح الأخطاء. غالباً ما يقول ماحي بينبين ذلك بنفسه، فلا أدبه ولا فنه نضاليان، لكنّ إرادته في التنديد بما يجب أن يكونه الإنسان هي بلا شك في حسبان الجميع. نعرفه محباً للضحك، متعلقاً بالنكتة والمرح. في كل مناسبة تتم دعوته إليها، لا نكون مع ماحي بينبين مع تلك الشخصية التي تأتي للحديث لساعات عن بعض الأفكار المجردة. على خلاف ذلك، يأتي ماحي ليحدِّثنا عن الواقع الصعب، وما يجب القيام به، وما تبقّى من عمل، وما يمكن فعله. وراء ضحكه، الذي يتخلل كلماته، نشعر به غاضباً مع استعداد لمواجهة آلام بلده والظواهر الاجتماعية التي تطارد قطاعات واسعة من الشعب: المخدرات، الفقر، الدعارة، البؤس الاجتماعي والإرهاب».
ويعد بينبين أحد الفنانين التشكيليين المغاربة الذين تألقوا عالمياً. لا يتعلق الأمر، هنا، كما يرى الكاتب والناقد المعطي قبال، بنزوة أو بميل رومانسي، بل بـ«توجه وموهبة إلى التعبير عن دواخل ذاتية جريحة ومآسٍ بشرية تتردد يومياً على ناظرنا: قتلى الحروب، غرقى الهجرة السرية، تسكع الأطفال في الأزقة، تفشي العنف على نحو صارخ».
ويرى قبال أن لوحات بينبين لم يكن لها إلا أن تعبّر عن «مرحلة أضحى فيها الجسد ذليلاً بفعل هيبة السطوة والخوف»، فـ «رافقت أشغاله بطريقتها الخاصة ما سُميت آداب وفنون السجون، وهو نتاج روائي، تشكيلي يعد شهادة أو صك اتهام في حق (سنوات الرصاص) التي عاشها المغرب»، وذلك من دون أن تنقاد أعماله التشكيلية لبلاغة آيديولوجية أو سياسية ضيقة، بل «تحاول بدءاً من تجربة عائلية ترجمة انمحاء إنسانية الإنسان، وتشييء جسده، وكائنه»؛ فيما «يتجلى عنف التشظي في الوجوه المجوفة كأنها نُحتت بشفرات حادة، في الأعضاء والأطراف المبتورة الساقطة في الفراغ، أو الآيلة إلى السقوط».
وفضلاً عن قيمته الفنية وحضوره في الخارج، يتميز بينبين بحضور أدبي، على مستوى الكتابة السردية لا يقل تميزاً عن إبداعاته التشكيلية، فهو الذي يتداخل في رواياته الذاتي والجماعي، منطلقاً من أفكار يطوّر بها أحداثها، بدايةً مع «غفوة الخادم» (1992) و«جنازات الحليب» (1994) و«ظل الشاعر» (1997) و«أكلة لحوم البشر» (1999)؛ وصولاً إلى «درب العْفــُو» (2019)، مروراً بـ«غبار الحشيش» (2001) و«أرض الظل المحروق» (2004) و«نجوم سيدي مومن» (2009) و«الله يخلف» (2013) و«مجنون الملك» التي صدرت في 2017 قبل أن تُترجم إلى العربية، تحت عنوان «مؤنس الملك».



«البحث عن رفاعة»... وثائقي يستعيد سيرة «رائد النهضة المصرية»

فيلم «البحث عن رفاعة» يتناول مسيرة رفاعة الطهطاوي (فيسبوك)
فيلم «البحث عن رفاعة» يتناول مسيرة رفاعة الطهطاوي (فيسبوك)
TT

«البحث عن رفاعة»... وثائقي يستعيد سيرة «رائد النهضة المصرية»

فيلم «البحث عن رفاعة» يتناول مسيرة رفاعة الطهطاوي (فيسبوك)
فيلم «البحث عن رفاعة» يتناول مسيرة رفاعة الطهطاوي (فيسبوك)

يستعيد الفيلم الوثائقي المصري «البحث عن رفاعة» سيرة أحد رواد النهضة الفكرية في مصر ببدايات القرن الـ19، رفاعة رافع الطهطاوي، الذي كان له دور مهم في التعليم والترجمة، ويستضيف الفيلم المركز الثقافي بيت السناري بحي السيدة زينب (وسط القاهرة)، التابع لمكتبة الإسكندرية، الأربعاء.

يتتبع الفيلم مسيرة رفاعة الطهطاوي عبر رؤية سينمائية تدمج المكان بالأحداث بالموسيقى، ويتناول شخصية وأفكار رفاعة الطهطاوي، أحد رواد النهضة الفكرية في مصر، ويُقدم رؤية سينمائية تجمع بين التاريخ والواقع، مسلّطاً الضوء على إسهاماته في تشكيل الوعي العربي الحديث، وفق بيان لمكتبة الإسكندرية.

ويُعدّ رفاعة الطهطاوي من قادة النهضة العلمية في مصر خلال عصر محمد علي، وقد ولد في 15 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1801، في محافظة سوهاج بصعيد مصر، والتحق بالأزهر ودرس على يد علمائه علوم الدين مثل الفقه والتفسير والنحو، ومن ثَمّ سافر إلى فرنسا في بعثة علمية وعاد ليضع خطة لإنشاء مدرسة الألسُن، ووضع كتباً عدّة من بينها «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»، و«مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية»، و«المرشد الأمين في تربية البنات والبنين»، وتوفي رفاعة الطهطاوي عام 1873، وفق الهيئة العامة للاستعلامات المصرية.

بيت السناري في القاهرة (بيت السناري)

جدير بالذكر أن الفيلم وثائقي طويل، تبلغ مدته 61 دقيقة، وأخرجه صلاح هاشم، وقام بالتصوير والمونتاج المصور اللبناني سامي لمع، والمنتج المنفذ نجاح كرم، والموسيقي يحيى خليل، وهو من إنتاج شركة سينما إيزيس.

وأوضحت «سينما إيزيس» المنتجة للفيلم أنه عُرض لأول مرة في 2008 بجامعة لندن، قسم الدراسات الشرقية. وشارك في مهرجانات عربية وعالمية عدّة، من بينها «كارافان السينما العربية والأوروبية» في عمّان بالأردن، و«متحف الحضارات الأوروبية والمتوسطية» في مارسيليا بفرنسا، تحت عنوان «الطهطاوي... مونتسكيو العرب».

وكان مخرج الفيلم قد تحدّث في ندوة بجامعة لندن عقب العرض الأول له، عن تصوير أكثر من 20 ساعة بين القاهرة وأسيوط وطهطا (بلد رفاعة)، وأن مونتاج الفيلم استغرق نحو 6 أشهر بين مدن أوروبية، موضحاً أن الهدف من صنع الفيلم هو التحفيز على التفكير في فكر رفاعة ومعتقداته بخصوص مفاهيم ومعاني النهضة والتقدم.

ولفت إلى أنه أراد تقديم رؤية لرفاعة بأسلوب موسيقى الجاز، وهو ما ظهر في إيقاع الفيلم، موضحاً أن الفيلم أيضاً أراد أن يبعث برسالة مفادها بأن السينما ليست مجالاً للتسلية أو الترفيه فقط، بل يمكن أن تكون أداة للتفكير في الواقع ومشاكل مجتمعاتنا، كما يمكن أن تكون وسيلة للمحافظة على ذاكرتنا.

ويُعدّ بيت السناري الذي يستضيف عرضاً جديداً للفيلم من المراكز الثقافية التي تعتمد على تقديم الأنشطة المتنوعة، والمركز التابع لمكتبة الإسكندرية، هو بيت أثري يعود لنهايات القرن الـ18، وكان مقراً لعلماء وفناني الحملة الفرنسية على مصر بين 1798 و1801م.