«داعش» و«النصرة» يسيطران على 4 % من مساحة لبنان.. ومحكمتان شرعيتان في عرسال

عناصر «التنظيم» فرضوا على أصحاب المقالع والمعامل دفع «خوة»

جنود لبنانيون ينسحبون أول من أمس من منطقة رأس بعلبك القريبة من الحدود السورية بعد معارك مع الميليشيات المتطرفة (رويترز)
جنود لبنانيون ينسحبون أول من أمس من منطقة رأس بعلبك القريبة من الحدود السورية بعد معارك مع الميليشيات المتطرفة (رويترز)
TT

«داعش» و«النصرة» يسيطران على 4 % من مساحة لبنان.. ومحكمتان شرعيتان في عرسال

جنود لبنانيون ينسحبون أول من أمس من منطقة رأس بعلبك القريبة من الحدود السورية بعد معارك مع الميليشيات المتطرفة (رويترز)
جنود لبنانيون ينسحبون أول من أمس من منطقة رأس بعلبك القريبة من الحدود السورية بعد معارك مع الميليشيات المتطرفة (رويترز)

أثار الخبر الذي تم تداوله قبل يومين عن انفجار استهدف المحكمة الشرعية والمكتب الأمني لتنظيم «داعش» في بلدة عرسال شرقي البلاد، بلبلة، باعتبار أنّها المرة الأولى التي يقرّ فيها بوجود محاكم شرعية للتنظيم في لبنان.
وبعد التدقيق مع أهالي عرسال تبين أن لـ«جبهة النصرة» هيئة شرعية ومكتب شكاوى في منطقة وادي عطا في عرسال، فيما يوجد لـ«داعش» محكمة شرعية في جرود البلدة.
وأوضح أحد أبناء عرسال الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن مكتب «النصرة» يتولى مهمة حل الخلافات التي تقع بين اللاجئين السوريين الذين تخطى عددهم الـ80 ألفا، لافتا إلى أن انفجارا استهدف هذا المكتب ليل الجمعة من دون معرفة ملابسات الحادث.
وقالت مصادر ميدانية لـ«الشرق الأوسط» بأن تنظيمي «داعش» و«النصرة» باتا يسيطران على كل جرود عرسال وصولا حتى جرود رأس بعلبك، لافتة إلى أن مساحة الأراضي اللبنانية التي يتحكم بها التنظيمان ويفرضان قوانينهما على سكانها تبلغ 4 في المائة من مساحة لبنان، باعتبار أنّه كما هو معلوم فإن مساحة عرسال وجرودها تبلغ 5 في المائة من مجمل مساحة لبنان.
وكشفت المصادر عن أن «داعش» بات قاب قوسين أو أدنى من إعلان قيام دولته في منطقة جرود عرسال، بعدما بات يسيطر على كل المنطقة التي كانت خاضعة في فترة من الفترات للجيش الحر الذي لم يعد له وجود في البلدة.
وفي هذا السياق، لفت ما أعلنه أحد أصحاب المقالع والمعامل الموجودة في منطقة وادي حميد، عن أن عناصر من «داعش» أبلغوهم قبل 3 أيام أن هذه المنطقة باتت تحت حكمهم وبالتالي على المتواجدين فيها تطبيق قوانينهم. وقال الشاب الأربعيني لـ«الشرق الأوسط»: «لقد عمموا علينا قوانين تقول بوقف العمل بوقت الصلاة، وبمنع التدخين، وبدفع خوّة، إلا أنهم حتى الساعة لم يحددوا المبلغ الواجب دفعه». وأضاف: «كما قالوا: إنهم بالمقابل سيعملون على حفظ الأمن والأملاك في المنطقة».
ويعمل معظم أهالي عرسال في قطاع صقل الحجر ويمتلكون مقالع وكسارات في منطقة وادي حميد الملاصقة لبلدة عرسال، وقد ارتفعت أصواتهم في الآونة الأخيرة بعيد القرارات الأخيرة التي فرضها عليهم الجيش اللبناني لجهة وجوب الاستحصال على إذن للتوجه من عرسال إلى الجرد.
وتكثر بالآونة الأخيرة الصراعات بين التنظيمات المقاتلة في المنطقة، فقبل التفجير الذي استهدف مكتب «النصرة» في عرسال، كانت اشتباكات بالأسلحة الرشاشة اندلعت مساء الخميس الماضي داخل البلدة في حي الشفق بين عناصر من «داعش» ومجموعة «زهران علوش» من «جيش الإسلام» على خلفية عمليات خطف أشخاص سوريين من قبل «داعش» بقوة السلاح. وأشارت الوكالة الوطنية للإعلام إلى أن المواجهات أدّت لوقوع عدد من الإصابات.
وأشار ماهر سلطان، وهو مالك لأحد المحال التجارية وسط البلدة، إلى أن الاشتباكات التي وقعت مؤخرا هي بين عناصر مسلحة أشبه بقطاع طرق على خلفية عمليات سرقة، نافيا أن يكون عناصر لـ«داعش» شاركوا فيها.
ورجّح سلطان في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تشهد المرحلة المقبلة تصعيدا نظرا لكم التناقضات والاحتقان الحاصل بين التنظيمات المسلحة»، متحدثا عن «تمدد كبير» لتنظيم «داعش» في منطقة الجرود. وقال سلطان: «الجيش يطوّق بلدة عرسال بالكامل، وبالتالي فإن المسلحين الذين يريدون زيارة عائلاتهم التي تعيش في مخيمات بقلب البلدة ما عادوا يستطيعون ذلك، وقد تصدى الجيش للكثير منهم في الآونة الأخيرة ووقعوا بين قتيل وجريح».
وينتشر في البلدة نحو 90 مخيما للاجئين السوريين ما بين منظم وغير منظم، وقد اتخذت قيادة الجيش إجراءات أمنية مشددة في محيط عرسال بعيد محاولة «النصرة» و«داعش» اقتحامها في أغسطس (آب) الماضي، ما أدّى لاندلاع اشتباكات عنيفة بين قوى الجيش والمسلحين السوريين، انتهت باختطاف أكثر من 20 جنديا لا يزال قسم منهم بقبضة التنظيمين بعدما تمت تصفية 4 بإطار الضغط الذي يُمارس على السلطات اللبنانية للإفراج عن سجناء متطرفين.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.