سنوات السينما

مونيكا فيتي وريتشارد هاريس في «صحراء حمراء»
مونيكا فيتي وريتشارد هاريس في «صحراء حمراء»
TT

سنوات السينما

مونيكا فيتي وريتشارد هاريس في «صحراء حمراء»
مونيكا فيتي وريتشارد هاريس في «صحراء حمراء»

- (1964) Red Desert
- امرأة بين الماضي والمستقبل
- التقييم: (****) ممتاز
في الوقت الذي أصر فيه نقاد إيطاليون على اعتبار فيلم «صحراء حمراء» ملحقاً تلقائياً لأفلام مايكل أنجلو أنطونيوني الثلاثة السابقة، وهي «المغامرة» (1960)، و«الليل» (1961)، ثم «الخسوف» (1962)، فإن أنطونيوني قال ذات مرة بأنه لا يرى أن فيلمه «صحراء حمراء» له علاقة عضوية بأعماله السابقة: «في تلك الأفلام كانت البيئة التي تعيش فيها شخصياتي ممثـلة عبر مواقعهم وعواطفهم وخلفياتهم؛ لكن هذا الفيلم يختلف عنها».
على ذلك، هناك جوانب يلتقي فيها «صحراء حمراء» مع تلك الأفلام الثلاثة المذكورة. من بينها تطرقه إلى المرأة ممثلة بشخصية تؤديها مونيكا فيتي. فهي لعبت في الأفلام جميعاً. طبعاً، يختلف الدور من فيلم لآخر؛ لكن حضورها يدمغ هذه الأفلام ويجمعها في إطار معين. كذلك فإن البيئة التي يتحدث عنها المخرج الإيطالي الكبير هنا ظاهرة أكثر من أعماله الأخرى. الدخان يرتفع في السماء من تلك المصانع، وقاذوراتها تلوث المكان. هذا وضع مباشر في مقابل وضع غير مباشر في أعماله السابقة. عدا ذلك هناك سمات المخرج التي لا يمكن إلا وأن تتشابه؛ خصوصاً في الكيفية التي يصمم ويصور بها أعماله.
تصل جيوليانا (مونيكا فيتي)، في مطلع الفيلم، مع ابنها فاليريو (فاليريو بارتوليشي) إلى بلدة رافينا؛ حيث يدير زوجها أوغو (كارلو شيونيتي) المصنع القائم في محيطها. هي تبحث عنه؛ لكن في حركاتها وتصرفاتها الأولى ما هو غريب وناشز. تبدو عصبية وغير واثقة. تجد زوجها في اجتماع مع مهندس بريطاني يتباحثان بشأن رغبة الثاني في توقيع عقود مع عمـال لتسفيرهم إلى الأرجنتين؛ حيث سيقومون ببناء مشروعه الصناعي. المهندس هو كورادو (رتشرد هاريس) الذي يتعجب قليلاً من تصرفات جيوليانا؛ لكن زوجها يشرح له أن تصرفاتها هذه بسبب حادثة سيارة نتج عنها انهيار عصبي ما زالت تعاني من آثاره.
لكن الأمر ليس على هذا النحو، والزوج ليس بمعزل عن الملامة، فهو لم يعد يجد لزوجته مكاناً في قلبه، وهي تعلم ذلك، وسريعاً ما يبني كورادو على ذلك، فهو يرغب فيها وهي تبادله الرغبة من موقع أنها غير واثقة من الراهن والمستقبل. المغامرة العاطفية لا تنتهي إلا لتأكيد وحدتها وعزلتها وتمسـكها الوحيد بمستقبلها، ألا وهو ابنها.
إنها المشاهد الطويلة ذاتها. اللقطات التي تختلف حجماً من حين لآخر؛ لكنها تبقى ضمن سياق سرد هادئ يريد منك تحليل الموقف، لا من خلال الحوار وحده (ولو أنه مهم)؛ بل من خلال اختياراته للقطات.
على ذلك، هذا أول فيلم ملون حققه أنطونيوني؛ لكن اختياره للألوان لم ينتج عن إلحاح السنين أو لأن المنتج اشترط عليه ذلك؛ بل لأن المخرج سوف يستخدمه لتقريب الصورة إلينا، وبالتالي الإدانة التي يرغب في تعليقها أمام أعيننا لكل ما هو صناعي يدفع بالبيئة الصحية إلى الحضيض. إذا ما نظرنا إلى ذلك الشارع الذي اتخذت بطلة الفيلم من إحدى محاله مركزاً لها، نجد تربته بنيـة. في الأفق القريب سحابة كبيرة تتقدم كما لو كانت وحشاً في فيلم هوليوودي في الخمسينات. هذا الوضع لم يكن في المقدور التعبير عنه بالحس ذاته بالأبيض والأسود. طبعاً، يمكن الوصول بالمشهد إلى المفاد ذاته (المصنع ينفث دخاناً يهدد البيئة) لكن الإيصال سيكون مختلفاً. ربما الإلحاح سيكون بدوره مختلفاً.
في المشاهد الداخلية ينتشر في أكثر من مكان اللون الأحمر. هناك مشاهد في منزل يجتمع فيه الزوج والزوجة والبريطاني وبعض الآخرين. الجدار أحمر اللون، والأحمر لون الرغبة العاطفية الدافئة. أي واحد يمكن أن يدرك ذلك؛ لكن عند أنطونيوني هناك استخدامان: السهل هو هذا الرمز المقصود، والصعب هو ما يحدث تبعاً لذلك الاختيار، والنفاذ من الرمز الظاهر إلى أعماق الذات الإنسانية، ناقلاً المشهد من مستوى إلى آخر.

(*) لا يستحق
(**) وسط
(***) جيد
(****) ممتاز
(*****) تحفة


مقالات ذات صلة

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).