رؤساء الحكومة السابقون يتهمون عون بتطييف الخلاف لتعويم باسيل

TT

رؤساء الحكومة السابقون يتهمون عون بتطييف الخلاف لتعويم باسيل

أحبط رؤساء الحكومة السابقون نجيب ميقاتي، وفؤاد السنيورة، وسعد الحريري وتمام سلام، في اجتماعهم ليل أول من أمس المخطط الذي أعده رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل وبدعم من رئيس الجمهورية ميشال عون، والذي كان يتطلع من خلال «القنابل السياسية» التي فجّرها إلى جرّهم للدخول معه - كما تقول مصادرهم - في ردود فعل تدفع باتجاه إغراق البلد في مزيد من الاحتقان المذهبي والطائفي بدلاً من أن تتضافر الجهود لانتشاله من قعر الهاوية وإنقاذه من الانهيار الاقتصادي والمالي.
وتؤكد مصادر مقرّبة من رؤساء الحكومة السابقين بأن قرارهم بعدم الدخول في سجال مع باسيل يترتب عليه إقحام البلد في صراعات مذهبية وطائفية كان في محله وجاء في الوقت المناسب، وتقول لـ«الشرق الأوسط» بأن انقلاب باسيل على النظام السياسي الناظم للعلاقات بين الطوائف اللبنانية الذي يستمد روحيته من اتفاق الطائف سرعان ما ارتدّ عليه ولم تكن له مفاعيل سياسية، مع أنه استفاض في تعداد مشاريعه التي طرحها والتي تأتي بخلاف الأولويات التي تفرض على الجميع الانخراط في عملية إنقاذ البلد تحت سقف التمسُّك بالمبادرة الفرنسية التي أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون.
وتكشف بأن دخول عون على خط توتير الأجواء السياسية التي تعيد المشاورات المتعلقة بتشكيل الحكومة الجديدة إلى نقطة الصفر لم يكن عفوياً وإنما اختار الوقت المناسب لتزويد وريثه السياسي باسيل بجرعة سياسية زائدة بقراره بتسريب «فيديو» حول المداولات التي جرت بينه وبين رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب الذي استفسر منه عمّا آلت إليه مشاورات التأليف، وورد فيه اتهام عون الرئيس المكلف بـ«الكذب»، رغم أن التعابير المسيئة التي استخدمها لا تليق بموقع الرئاسة الأولى. وتلفت المصادر نفسها إلى أن عون أراد أن يصبّ الزيت على النار، ربما لأنه أُعلم من قبل فريقه الاستشاري بأن رؤساء الحكومة سيديرون ظهرهم لما قاله باسيل ظناً منه بأنه باتهامه هذا يفخّخ الأجواء مع استعدادهم للاجتماع ويضطرهم لحصر مداولاتهم بالمواقف المشتعلة التي تناوب على طرحها بالتنسيق مع باسيل بعد أن بادر للدخول في اشتباك سياسي مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري على خلفية انتزاع صلاحيات البرلمان بتفسير الدستور وإلحاقها بالمجلس الدستوري الذي يقتصر دوره على مراقبة دستورية القوانين.
لكن عون - باسيل أُصيبا بانتكاسة - بحسب هذه المصادر - بعد أن قرر الرؤساء تجاهل ما صدر عنهما انطلاقاً من تقديرهم بأن رئيس الجمهورية تقصّد من خلال «الفيديو» الذي سُرّب إلى الإعلام بقرار رسمي استدراجهم إلى رد فعل غاضب، وبالتالي يمكنهما استغلاله لتأليب الشارع المسيحي على القيادات السنّية لعله يعيد الاعتبار لباسيل ويفتح الباب أمام تعويمه سياسياً ورئاسياً.
إلا أن الثنائي عون - باسيل - وكما تقول هذه المصادر - فوجئا بأن حساباتهما لم تكن صائبة وسرعان ما انقلبت عليهما، بدلاً من أن يأتي رد فعل رؤساء الحكومة بشكل غير محسوب وصولاً إلى توافقهم على أن يبادر الحريري للاعتذار عن تكليفه تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحصل لأن اعتذاره بات مستحيلاً، وهو الآن أكثر تمسكاً بمواقفه ولن يساوم عليها.
وتقول المصادر نفسها بأن رؤساء الحكومة تعاملوا مع باسيل وفريقه السياسي انطلاقاً من المثل القائل «إذا خصمك جنح إلى الجنون افرح له». وتعتقد بأن عون لا يزال يحنّ إلى التعامل مع من يعارضه إلى الحقبة السياسية السابقة أثناء توليه رئاسة الحكومة العسكرية عام 1989، وتؤكد بأن وريثه السياسي أي باسيل يسير على خطاه.
وتضيف بأن باسيل بطروحاته التغييرية أراد أن يقطع الطريق على مبادرة البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي يريد من خلالها إعادة التواصل بين عون والحريري لتسهيل تشكيل الحكومة، وهو في هذه الحالة يستحضر ما تعرّض له البطريرك الراحل نصر الله صفير من قبل أنصار عون أثناء وجوده على رأس الحكومة العسكرية اعتراضاً على تأييده التسوية السياسية التي أوجدها اتفاق الطائف.
وتنقل عن رئيس حكومة سابق، فضّل عدم ذكر اسمه، بأن عون يصر من حين إلى آخر على العودة إلى التموضع سياسياً في الموقع العسكري الذي كان يشغله قبل الإطاحة به واضطراره إلى السفر إلى باريس بوساطة فرنسية، وتؤكد بأن قراره بعدم انتخاب عون رئيساً للجمهورية لا يعود إلى موقف شخصي منه وإنما لعدم إيمانه بالطائف، «وكنا على حق في موقفنا، وها نحن اليوم نعيد إليه الهدية الملغومة التي أعدها باسيل».
وتؤكد المصادر بأن باسيل انتقل في طروحاته الانقلابية من موقعه كرئيس ظل إلى صاحب القرار بالنيابة عن رئيس الجمهورية، وتقول بأن طروحاته هذه ما هي إلا «ماكياج» لإخفاء حقيقة ما يطمح إليه من وراء التهويل على الحريري والذي يبقى في حدود التسليم له بشروطه كمدخل لأن «ينظّف» نفسه من العقوبات الأميركية، وصولاً إلى التصرف على أنه الرقم الصعب في تقرير مصير الحكومة قبل أن يكشف عون أوراقه بقوله أمام دياب: «ما في تأليف للحكومة».
وتعتبر أن لا مشكلة في النظام، وإنما تكمن الأزمة في الممارسات الخاطئة وفي رفض عون اتفاق الطائف وعدم قدرته على التعايش مع دياب، وتقول بأن باسيل حرص على تقديم أوراق اعتماده للرئيس الأميركي جو بايدن قبل تسلّمه موقعه الرئاسي، وإلا هل كان مضطراً إلى تبرير دعوته إلى حكومة غير تلك التي يسعى الحريري لتأليفها، لتأخذ مواقف من التطبيع وترسيم الحدود البحرية والتفاوض مع الصندوق الدولي.
وعليه، فإن «حزب الله» ليس في وارد الدخول في خلاف مع حليفه باسيل وهو يعطيه الفرصة لاستعادة ما فقده مسيحياً بسبب تحالفه معه، وبالتالي، فإن الهم الوحيد لباسيل يكمن في حجز مقعد له للجلوس مع الحريري، وهذا ليس متيسّراً وبات على عون أن يراجع حساباته رغم أنه قدّم هدية مجانية للحزب يعفيه من رهن تشكيل الحكومة بالتطورات في المنطقة، وإلا فإن المعارضة ستتعامل مع «العهد القوي» على أنه منتهي الصلاحية سياسياً.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.