ناقد ألماني يرصد تغيرات المجتمع المصري من خلال «أدب الانفتاح»

ركز على أعمال لمحفوظ وغانم وصنع الله وجبير والغيطاني

ناقد ألماني يرصد تغيرات المجتمع المصري من خلال «أدب الانفتاح»
TT

ناقد ألماني يرصد تغيرات المجتمع المصري من خلال «أدب الانفتاح»

ناقد ألماني يرصد تغيرات المجتمع المصري من خلال «أدب الانفتاح»

يرصد كتاب «شهود على نهاية العصر» ظاهرة التحول والتغيير والانكسار التي صاحبت أنماط سلوك شرائح واسعة من المصريين خلال فترة السبعينيات والثمانينيات، وذلك من خلال تحليل طريقة معالجة هذه النظرة في بعض النماذج الروائية التي اختارها مؤلف الكتاب الناقد الألماني شتيفان جوت من أعمال كتاب أمثال نجيب محفوظ صاحب «نوبل»، وجمال الغيطاني، وصنع الله إبراهيم، وعبده جبير. الكتاب ترجمه عن اللغة الألمانية الكاتب المصري أيمن شرف، ويصدر قريباً ضمن مطبوعات «دار الترجمان» للنشر والتوزيع بالقاهرة.
يحلل شتيفان جوت، خلال خمسة أجزاء، روايات مختارة، في إطار ما أطلق عليه «أدب الانفتاح»، مشيراً إلى أنها نتاج الوضع الاجتماعي والسياسي والثقافي في السبعينات، على عكس التيارات الأدبية التي كانت سائدة حتى نهاية الستينات، محاولاً الوصول من خلال ذلك إلى تحديد السمات التي تتميز بها هذه الروايات عن غيرها. وليثبت ذلك، يشرح الشخصيات ويلتقط أهم مكوناتها ومحركاتها في «قليل من الحب... كثير من العنف» لفتحي غانم، و«الحب فوق هضبة الهرم» و«أهل القمة» لمحفوظ، و«تحريك القلب» لعبده جبير، و«اللجنة» لصنع الله إبراهيم، و«رسالة البصائر في المصائر» لجمال الغيطاني، متوقفاً أمام ما يمكن اعتباره البدايات الأولى للتحول والتغير في مسار المجتمع المصري الذي نبتت بذرته في سبعينيات القرن الماضي، ثم ازداد عمقاً وتشعباً عبر العقود الأربعة التالية، وكان من نتائجه حدوث المزيد من التحلل للقيم الإيجابية للمصريين لصالح قيم فردية سلبية، كما يرى المؤلف.
واختار جوت هذه الأعمال باعتبارها نماذج ممثلة لأدب الانفتاح، ووضعها في سياق التحولات الأدبية التي طرأت على الرواية والقصة المصرية في الخمسينيات والستينيات، ليملأ فجوة في الدراسات الغربية عن الأدب المصري، نتجت عن غياب محاولات جادة لوصف تطورات الأدب العربي الحديث بعيداً عن المصطلحات الغربية، ونقص عدد الباحثين الغربيين في مجال الدراسات العربية، فضلاً عن أن ما قدموه من أدوات أساسية لطرق الفرز والإحصاء ما زالت قليلة جداً مقارنة بمناطق ثقافية أخرى، كما أن «النقد الأدبي العربي لم يطور حتى الآن، حسب وجهة نظره، معايير واضحة يمكن من خلالها وضع الأعمال الأدبية المنفردة في نسق دقيق للحقب التي تنتمي إليها، هذا إلى جانب أن النقد الأدبي محلياً وخارجياً ما زال يجد صعوبة في تجاوز معالجة الظواهر المنفردة من أجل قراءتها باعتبارها علامات على عصر أدبي جديد أو حتى في إطار تطور التاريخ الأدبي».
- الحب فوق هضبة الهرم
خلال تحليله لرواية «الحب فوق هضبة الهرم» لمحفوظ، قال جوت إنه يرصد كعادته وهو يرتدي حلة المؤرخ الاجتماعي العجز عن تحقيق الرغبات الأساسية لجيل جديد من الطبقة الوسطى، وذلك من خلال نموذج شاب متمرد على القواعد والتقاليد والحسابات المنطقية لإنشاء علاقة صحية، فيمارس الحب مع زوجته مثله مثل آخرين من سارقي المتعة في الخلاء تحت سفح الهرم، وفي «أهل القمة» يظهر عجز تلك الطبقة نفسها وعدم قدرتها على العيش بكرامة، في ظل انقلاب مفاهيم الشرف رأساً على عقب، وحصول المتهربين والمحتالين على غطاء شرعي.
ومن خلال قراءته النقدية لرواية «قليل من الحب... كثير من العنف» لفتحي غانم، يشير جوت إلى أن غانم كان يوثق للتاريخ الاجتماعي الحي الذي يعايشه، الذي تمثل في صراع شريحتي الأغنياء الجدد والطفيليين ضد الأغنياء القدامى، لنيل المكانة الاجتماعية الأعلى بعد امتلاك المال، بما يتطلبه ذلك من إزاحتها، لتنتصر في النهاية قوى العنف اللاإنسانية على قوى الحب، وتتكشف بوضوح الحيوانية والوحشية بدرجة غير مسبوقة. وقريباً من هذا المناخ تدور «تحريك القلب» فكاتبها عبده جبير يكاد يوقف حركة الزمن ويجرد المكان من دلالاته المباشرة، ليبرز عجز سكان منزل يوشك على الانهيار، في مواجهة كارثة محدقة تحيق بهم، ولا تنقطع الإشارات الدالة عليها، تصبح اللامبالاة والعزلة عن بقية أعضاء الأسرة الواحدة، والتمحور حول الذات حلاً وخروجاً من الأزمة، وذلك بعد أن انحدر بهم ماضٍ عريق إلى حاضر لا يستطيعون مواجهته أو التكيف معه، فتتحلل قيمهم الجماعية، ويصبحون أفراداً هائمين في الفراغ.
- سخرية وعجز وتكيف
يقدم الروائي صنع الله إبراهيم من خلال روايته «اللجنة» التي تغلب على أحداثها السخرية المركبة، وتتسم بمسحة سياسية، مثقفاً يسارياً يسعى إلى التكيف مع سلطة رأسمالية يدرك أنها جشعة وذات طابع عالمي، لكنه يكتشف أنه عاجز عن هذا، وأن عدم انصياعه لها سيكلفه حياته، فيكفر عن خطأه بأن يتقبل حكمها النافذ عليه بأن يأكل نفسه، آملاً أن يأتي جيل قادم يدرك ضرورة مواجهة تلك السلطة لا التكيف معها.
أما الأديب جمال الغيطاني، فيرسم بمأساوية مفرطة في «رسالة البصائر في المصائر» صورة خمسة عشر مصيراً إنسانياً، تتدرج من فقدان النخوة والإخلاص والتخلي عن الواجب الإنساني تجاه الآخرين، مروراً بالانسحاق أمام سلطة المال والشك في قيم الوطنية وروح الاستشهاد والانزلاق إلى خيانة المجتمع وتحلل قيم الأسرة وأدوار أفرادها، ليصل في النهاية إلى الموت والاغتصاب فرادى بلا نصير في الغربة. ولفت جوت إلى أن الصورة الأدبية التي جمع مكوناتها ساعدته في فهم تأثير سياسات الحكومات المصرية، فيما يتعلق بالانفتاح الاقتصادي، على البنية الاجتماعية الداخلية، وفي تطور تداعيات هذا التأثير في المدى الزمني التالي لسبعينات القرن الماضي في ظل استمرار تلك السياسات، وجعلته يفهم ما جرى في ألمانيا الشرقية عقب إعادة توحيد الألمانيتين، حيث حدث نوع من الانفتاح أدى إلى تغيير المجتمعات المحلية بطرق مختلفة؛ فقد بدأت الشركات الغربية تلعب دوراً مماثلاً لدور الولايات المتحدة والغرب بشكل عام في مصر السبعينيات والثمانينيات، وقد أصبح كل شيء يدور حول الشركات الخاصة وإقامة المشاريع، ما أدى لحدوث هزة عنيفة في قيم المجتمع هناك، تشبه إلى حد بعيد ما حدث في مصر زمن الانفتاح.



مصر تدرس تطبيق نظام «البكالوريا» بدلاً من الثانوية العامة

وزير التعليم المصري في جولة تفقدية بإحدى المدارس (وزارة التربية والتعليم المصرية)
وزير التعليم المصري في جولة تفقدية بإحدى المدارس (وزارة التربية والتعليم المصرية)
TT

مصر تدرس تطبيق نظام «البكالوريا» بدلاً من الثانوية العامة

وزير التعليم المصري في جولة تفقدية بإحدى المدارس (وزارة التربية والتعليم المصرية)
وزير التعليم المصري في جولة تفقدية بإحدى المدارس (وزارة التربية والتعليم المصرية)

طرح وزير التربية والتعليم والتعليم الفني بمصر، محمد عبد اللطيف، مقترَحاً جديداً لتغيير نظام الثانوية العامة، واعتماد «شهادة البكالوريا المصرية» بدلاً منه، مقترِحاً تطبيق النظام الجديد بداية من العام المقبل على الطلاب الملتحقين بالصف الأول الثانوي.

وأوضح الوزير خلال اجتماع لمجلس الوزراء، الأربعاء، أبعاد النظام الجديد وتفاصيله، ووصفه بأنه «يعتمد على تنمية المهارات الفكرية والنقدية، بدلاً من الحفظ والتلقين»، كما يعتمد على التعلم متعدد التخصصات بدمج المواد العلمية والأدبية والفنية، والتقييم المستمر وتقسيم المواد على عامين، وفق بيان لمجلس الوزراء.

ووجَّه رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي بمناقشة آليات تنفيذ هذا النظام في المجموعة الوزارية للتنمية البشرية، والتوافق على صيغة نهائية تطرحها الحكومة للحوار المجتمعي قبل بدء التطبيق.

ويتكون هيكل «شهادة البكالوريا المصرية» المقترحة من مرحلتين، هما المرحلة التمهيدية (الصف الأول الثانوي)، والمرحلة الرئيسية (الصفان الثاني والثالث الثانوي)، وفق عبد اللطيف الذي يؤكد أنه يحظى بـ«اعتراف دولي» ويتيح فرصاً متعددة.

الوزير المصري قدَّم مقترحاً لتغيير نظام الثانوية العامة (وزارة التربية والتعليم المصرية)

وتتضمن المرحلة الأولى، ممثلة في الصف الأول الثانوي، عدداً من المواد الأساسية تدخل في المجموع الكلي، وتشمل مواد التربية الدينية، واللغة العربية، والتاريخ المصري، والرياضيات، والعلوم المتكاملة، والفلسفة والمنطق واللغة الأجنبية الأولى، بالإضافة إلى مواد خارج المجموع تشمل اللغة الأجنبية الثانية والبرمجة وعلوم الحاسب، وفق البيان.

وأضاف الوزير أن المرحلة الرئيسية (الصف الثاني الثانوي) ستتضمن المواد الأساسية في جميع التخصصات، وهي مواد اللغة العربية، والتاريخ المصري واللغة الأجنبية الأولى، بالإضافة إلى المواد التخصصية ويختار منها الطالب مادة واحدة، وهي الطب وعلوم الحياة تشمل «الرياضيات/ الفيزياء»، والهندسة وعلوم الحساب تشمل «الرياضيات (مستوى رفيع)» و«الفيزياء (مستوى رفيع)»، والأعمال تشمل «الاقتصاد (مستوى رفيع)» و«الرياضيات»، والآداب والفنون تشمل «الجغرافيا (مستوى رفيع)» و«الإحصاء».

وبخصوص مواد المرحلة الرئيسية (الصف الثالث الثانوي)، فإنها تتضمن في المواد الأساسية لجميع التخصصات مادة التربية الدينية، بالإضافة إلى المواد التخصصية وهي الطب وعلوم الحياة تشمل «الأحياء (مستوى رفيع)» و«الكيمياء (مستوى رفيع)»، والهندسة وعلوم الحساب تشمل «الرياضيات (مستوى رفيع)» و«الفيزياء (مستوى رفيع)»، والأعمال تشمل «الاقتصاد (مستوى رفيع)» و«الرياضيات»، والآداب والفنون تشمل «الجغرافيا (مستوى رفيع)» و«إحصاء».

وزير التربية والتعليم المصري خلال طرح النظام الجديد للثانوية العامة (رئاسة الوزراء)

وكان وزير التربية والتعليم المصري الذي تولى الحقيبة الوزارية في يوليو (تموز) الماضي، قد أعلن في أغسطس (آب) عن تغييرات في نظام الثانوية العامة بتخفيض عدد المواد للصف الأول الثانوي من 10 إلى 6 مواد، والصف الثاني الثانوي من 8 إلى 6 مواد، والصف الثالث الثانوي من 7 إلى 5 مواد؛ الأمر الذي أثار جدلاً وقتها.

وسرعان ما تعرَّض مقترح الوزير إلى انتقادات عدة عبر «السوسيال ميديا»؛ إذ اعتبر متابعون وأولياء أمور أن «التغييرات المتتالية خلال السنوات الماضية في نظام الثانوية العامة أضرت بمستقبل الطلاب ولم تفدهم، وأن تغيير استراتيجيات التعليم يتطلب سنوات طويلة».

وبخصوص نظام «البكالوريا» الجديد، أشار الوزير، إلى مجموعة من القواعد العامة التي تخصّ المرحلة الرئيسية (الصفين الثاني والثالث الثانوي)، تضمنت أن الامتحانات تتاح بفرصتين في كل عام دراسي خلال شهري مايو (أيار) ويوليو لمواد الصف الثاني الثانوي، وشهري يونيو (حزيران) وأغسطس لمواد الصف الثالث الثانوي، وأن دخول الامتحان للمرة الأولى يكون مجاناً، وبعد ذلك بمقابل 500 جنيه (الدولار يساوي 50.58 جنيه مصري) عن كل مادة، ويحتسب المجموع لكل مادة من مواد الثانوية السبع من 100 درجة.

الوزير يتابع العملية التعليمية بإحدى المدارس (وزارة التربية والتعليم المصرية)

وعدّت عضو لجنة التعليم بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المصري) الدكتورة جيهان البيومي «النظام الجديد مقبولاً إذا كان يستهدف الخروج من فكرة حشو عقول الطلبة بالمعلومات والاعتماد على الحفظ والتلقين فقط، وهو أمر انتهى عصره في كل الدول»، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «أما الفكرة وآلية تطبيقها فهما ما نحتاج إلى مراجعته ومعالجة أساليب التطبيق؛ وهو ما يستدعي مناقشته مع الوزير ولجنة التعليم وأيضاً الاستماع إلى المناقشات المجتمعية للوصول إلى أفضل الحلول وأفضل تطبيق».

وتعرّض نظام الثانوية العامة في مصر لتغييرات على مدى سنوات، من بينها تغيير النظام من عام واحد رئيسي (الصف الثالث الثانوي) إلى عامين هما «الصفان الثاني والثالث الثانوي»، ثم عودة النظام القديم واحتساب المجموع لعام واحد فقط.

وخاض امتحان الثانوية العامة في العام السابق 2024 أكثر من 750 ألف طالب وطالبة في الشعبتين الأدبية والعلمية بشعبتيها (العلوم والرياضة)، وتمثل شهادة الثانوية محطة مفصلية في المسار التعليمي للطلاب، وتحظى باهتمام شديد من معظم الأسر المصرية.

ويتوقع أن يثير المقترح الجديد جدلاً وسعاً في مصر بسبب أهميته لمئات الآلاف من الأسر في جميع المحافظات.