عرائس «القرنة» المصرية تحتفل بذكرى ميلاد مبتكرها

في معرض يضم لوحات ومقتنيات للراحل ممدوح عمار

TT

عرائس «القرنة» المصرية تحتفل بذكرى ميلاد مبتكرها

في مناخ غير دارج في المعارض الفنية، اجتمع الحضور في غاليري «خان المغربي» حول كعكة عيد ميلاد، محاطين بلوحات عرائس «القرنة» التي شاركت الاحتفال بذكرى ميلاد مبدعها ومبتكرها الغائب الحاضر ممدوح عمار، حيث تم تنظيم معرض في ذكرى يوم ميلاده يضم عدداً من لوحاته، ومقتنياته من أعمال أبرز من رافقوه من أساتذة وتلاميذ خلال رحلته التشكيلية الطويلة التي تمتد لأكثر من نصف قرن.
ففي قرية القرنة الكائنة بمحافظة الأقصر (جنوب مصر) تملكت الملامح المحلية وسحرها من مخيلة الفنان المصري الراحل ممدوح عمار، (1928 - 2012)، حتى أنها رافقته خلال سنوات اغترابه الطويلة في بعثته الدراسية بأوروبا، فرسم هناك مجموعته الشهيرة المستوحاة من العرائس المرتبطة بالموالد الشعبية وعرفت باسم «عرائس القرنة»، وعرضت تلك اللوحات في إيطاليا في ستينيات القرن الماضي، وهي المجموعة التي يتم عرضها في المعرض الحالي بمناسبة ذكرى ممدوح عمار لتتوسط عدداً من أعمال أساتذته، وأصدقائه، وتلامذته وأحفاده، تحت عنوان «باقة من المحبة لممدوح عمار»، الذي يستمر حتى منتصف شهر يناير (كانون الثاني) الجاري.
ويعد الفنان الراحل ممدوح عمار، أحد أبرز فناني جيله، بدأ حياته الفنية منذ خمسينيات القرن الماضي ما بين إبداع الفن التشكيلي، والتدريس الأكاديمي في كلية الفنون الجميلة المصرية، وقضى فترة دراسته بين مصر والصين وفرنسا وإيطاليا، إلا أن تجربته سادها الانفعال الدائم ببيئته المحلية ببصمته الفنية الجامعة بين الانطباعية والسريالية، وحسب عبير حليحل، صاحبة فكرة المعرض وزوجة ابن الفنان الراحل، فإن هذا المعرض ليس معرضا استيعاديا لممدوح عمار بالمعنى التقليدي، وتقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «المعرض هو الأول له منذ رحيله، ويتزامن مع ذكرى يوم مولده في شهر يناير (كانون الثاني)، ففكرنا أن يكون حاضراً فيه بأعماله، وأعمال أصدقائه وتلاميذه من الفنانين وحتى أعمال أحفاده، لتكون أقرب لفكرة عيد ميلاد احتفالي».
وبحسب حليحل فإن فترة جائحة كورونا كانت فرصة كبيرة لها لتأمل وفرز كنوز الراحل ممدوح عمار في بيته بمنطقة المنصورية، بمحافظة الجيزة، (غرب القاهرة)، ذلك البيت الذي تقول «لمست في بيته الاحتفاء الشديد بقيمة الوفاء، فهو يحتفظ بمقتنيات وإهداءات جميع أساتذته وزملائه الفنانين عبر تاريخه، التي يتم عرض جزء منها في المعرض القائم حاليا، على غرار أساتذته الفنان هدايت شيرازي، ومعلمه الفرنسي الذي تأثر به كثيراً بيبي مارتان، والفنان عبد العزيز درويش، والفنانة إكرام عمر، ومن أصدقائه هبة عنايت، وزكريا الزيني، وفنان الكاريكاتير جورج بهجوري الذي رسم لممدوح عمار أكثر من بورتريه، ومن تلاميذه الفنانين هرانت كشيشيان، وشريف عليش، وتوفيق هلال، وريم عاصم، وعصام أنور، وسمير عبد الفضيل، وأحمد شهاب، ورانية الحلو، وكذلك لوحات لأحفاده التي تقول عبير إنها «محاولة لتحقيق فكرة التواصل الإبداعي بين الأجيال، وإشراك جيل الأحفاد في معايشة تاريخ الأجداد».
وفي لوحات «عرائس القرنة» بالمعرض تتعدد المواقف التي تظهر فيها تلك العروسة الشعبية، فهي مرة تحمل جرار الفخار، وفي لوحة أخرى تتزين أمام مرآة، وفي أخرى جعلها ترتدي فستاناً أنيقاً وكأنها ترقص على أنغام موسيقى كلاسيكية، وفي مرة أخرى تبكي بعين واسعة تتوسط وجهها دمعا حاراً تقول عبير عن تلك اللوحة: «كان الراحل يقول إن هذه العين كانت وكأنها العين التي كان يرى بها مصر خلال فترة غربته، لتكون بمثابة نافذة على شعور ممدوح عمار في تلك الفترة التي كان يرسم فيها عرائسه خلال سنوات غربته في فرنسا، كانت دموع العروسة بكاء غربته».
وتتميز عرائس القرنة المستوحاة من عرائس المولد الشعبية التي أبدعها عمار بالتوظيف الفني الثري الذي جمع فيه الفنان الراحل بين الكولاج والألوان، فتظهر بعضها على خلفية أوراق صحف قديمة، ويأتي شغفه بالعرائس ضمن مشروع ممدوح عمار المغرم بالملامح الفطرية والتراث الشعبي لأهل الأقصر بشكل خاص، والفضاء الواسع الذي تركه لملامح البشر العاديين كما في القاهرة القديمة، والسيرك ويوميات الصيادين، وملامح الطبيعة، علاوة على لوحاته التي تتقاطع مع العديد من المحطات التاريخية الشهيرة في مصر ومنها جداريات تصور نصر حرب أكتوبر المعروضة في بانوراما حرب أكتوبر، ولوحته الشهيرة «مناحة» المعروضة بمتحف دنشواي، بمحافظة المنوفية (دلتا مصر) وتصور الحالة الشعورية للفلاحين آنذاك عقب حادثة دنشواي الشهيرة التي تسبب فيها الاستعمار البريطاني في أوائل القرن العشرين.



معرض «المجهول» للتشكيلي المصري أحمد مناويشي يُسقط الأقنعة

الرسام أحمد مناويشي أمام لوحات معرضه «المجهول» (الشرق الأوسط)
الرسام أحمد مناويشي أمام لوحات معرضه «المجهول» (الشرق الأوسط)
TT

معرض «المجهول» للتشكيلي المصري أحمد مناويشي يُسقط الأقنعة

الرسام أحمد مناويشي أمام لوحات معرضه «المجهول» (الشرق الأوسط)
الرسام أحمد مناويشي أمام لوحات معرضه «المجهول» (الشرق الأوسط)

ما إنْ تدخُل معرض «المجهول» للفنان التشكيلي المصري أحمد مناويشي، حتى تستوقفك وجوه لوحاته، بريشة حرّة تستكشف ملامحَ وأحداثاً غامضة. أعماله تبحث عن مشاعر عميقة وعلامات استفهام تحضّك على التحليل وفكّ الألغاز.

ينقسم معرض مناويشي في غاليري «آرت ديستريكت» بمنطقة الجميزة البيروتية إلى قسمين، من بينها ما يروي حكايات أشخاص اختبأت مشاعرهم تحت الأقنعة الواقية من جائحة «كورونا»، وأخرى رسمها حديثاً لمَن عاشوا الحرب الأخيرة في لبنان.

يركُن مناويشي إلى نقل مشاعر أشخاص يعيشون المجهول (الشرق الأوسط)

مع هذا المعرض، يستعيد غاليري «آرت ديستريكت» عافيته. فالحرب منعته قسرياً من إقامة نشاطات ثقافية. ومن خلال «المجهول»، يعلن صاحبه المصوّر الشهير ماهر عطّار انطلاق الموسم الفنّي في الغاليري.

في الجزء الأول من مجموعة أحمد منشاوي، تصطفُّ سلسلة لوحات صغيرة، تصوِّر جميعها وجوهاً يعتريها القلق. فالفنان المصري لفتته ملامح الإنسانية في زمن «كورونا». كان يرى الإنسان يمشي مرتدياً القناع خوفاً من الإصابة بالعدوى. وهو ما حضَّه، خلال إقامته في بروكسل، على تخيّل ملامحه الأصلية. وفي 30 لوحة يئنُّ أصحابها تحت وطأة أحاسيسهم، يُترجم أفكاره. مجموعة من النساء والرجال تصرخ بصمت، فتُخرج غضبها وقلقها وحزنها عابسةً في معظم الوقت.

تقنيته المرتكزة على الأكليريك تتدخَّل فيها أحياناً أنامل الفنان بعيداً عن ريشته (الشرق الأوسط)

يوضح مناويشي لـ«الشرق الأوسط»: «بدأتِ التجربة عندما كنتُ في بروكسل عام 2021. كانت مفاعيل الجائحة لا تزال تسيطر على حياتنا. جميعنا اعتقدنا بأنّ هذه الحقبة أبدية، كأنَّ سوادها لا حدود له. فرحتُ أتخيّل الناس الذين أراهم كأنهم خلعوا أقنعة الوقاية ورسموها. جميعهم كانوا مجهولين بالنسبة إليّ، ولا تربطني بهم أي علاقة. عندما عدتُ إلى لبنان، انتابتني الأحاسيس عينها. كانت الحرب محتدمة، وكان الناس قلقين، لا يعرفون مصيرهم. فرأيتُ بوضوح المجهول الذين يتخبَّطون فيه. حالة الترقب هذه حرّضت ريشتي على التحرُّك من جديد. ومن خلال تلك الحالتين، تناولتُ موضوع (المجهول)، إنْ من ناحية المشاعر أو المصير».

الإحساس بالتأرجُح في طريق لا رؤية واضحة لنهايتها، يُترجمه أحمد مناويشي. ويعترف من خلال ريشته بأنّ الانتظار مخيف، فكيف إذا كانت الأجواء التي يعيشها الناس غامضة؟

تحمل وجوه لوحات مناويشي أسئلة مختلفة تتعلّق بقلق المصير (الشرق الأوسط)

في واحدة من لوحاته، يشير إلى شخصيات مجموعة «أنونيموس» العاملة في مجال «النضال» عبر الاختراق البرمجي. راجت أعمالها المثيرة للجدل عام 2003، فمثَّلت مفهوماً لمستخدمي الإنترنت المجهولين. حينها، عَبَروا من العالم الواقعي إلى الوهمي في أعمال تتعارض مع الرقابة. اخترقوا مواقع حكومية عدّة، وأنظمة كومبيوتر أهم شركات الحماية. وولَّدوا «بلبلة» على أصعدة مختلفة، وهم يرتدون أقنعة تُعرَف بـ«جاي فوكس».

يتابع الرسام المصري: «قناع (الأنونيموس) كان الأشهر في القرن الحالي، فرغبتُ بالربط بينه وبين عنوان معرضي، لتُولد هذه اللوحة الوحيدة عن تلك المجموعة. مبدأ هؤلاء يرتكز على الثورة ورفض حُكم الدولة العميقة والسلطات العليا».

لم يعنون مناويشي لوحاته بأسماء معيّنة، فتركها مجهولةً. يقول: «رغبتُ في أن يسمّيها ناظرها كما يشتهي. أرنو إلى هذا التفاعل المباشر بين المُشاهد واللوحة». وهو يميل إلى المدرسة التعبيرية في الفنّ التشكيلي: «أحبُّ حالة الحركة في لمسات اللوحة وموضوعها، وأرغب في التواصل معها القائم على الشعور بأنها حيّة، فلا تكون باهتة تمرّ من دون تَرْك أثرها على ناظرها. لذلك، تسير ريشتي بشكل غير مُنتظم باحثةً عن نَفَس لا ينقطع؛ ومرات تتدخَّل أناملي مباشرة، فأبتعدُ عن ريشتي لتخرُج أعمالي من رتابتها، وتكسر تلك القدرة على التحكُّم التقليدي بمشاعر مُشاهدها».

تؤلّف الألوان التي يستعملها مناويشي حالةً بذاتها. فهو جريء باختيارها زاهيةً مرّات؛ ودافئة أخرى. يُحدِث زوبعة بألوان تبدو ثائرة، فتُعبّر عن الظلم والقلق والعنف: «مشاعر الإنسانية لا يمكن حصرها في بوتقة واحدة. وهذه الألوان تعبّر عن المشهدية المدفونة في أعماقنا، فتُبرز التنوّع في أحاسيس تنتابنا وفيها كلّ الاحتمالات. وهنا يأتي دور المتلقّي الذي يرى اللوحة من وُجهة نظره، ويُلاقي ما يمثّل تفكيره ومشاعره في أحد هذه الألوان».

ينقسم «المجهول» إلى قسمين من الأعمال التعبيرية (الشرق الأوسط)

في قسم لوحات الحرب، تأخُذ أعمال الرسام أحمد مناويشي منحى آخر، فيكبُر حجمها بشكل ملحوظ لتضع تفاصيل الوجه تحت المجهر. يعلّق: «هذه المساحات الكبيرة تزوّدنا بفرصة للتوضيح بشكل أفضل. فالعبور من زمن (كورونا) إلى زمن الحرب، كان لا بدَّ أن يحمل التطوّر. واعتمدتُ هذا التغيير؛ لئلا أقع في التكرار والتشابُه».

وأنت تتجوَّل بين أقسام معرض «المجهول»، تستوقفك ملامح وجه رجل حائر، ووجه امرأة تنظر إلى الغد بعتب. وأحياناً تلمس صلابة وجه آخر على شفير هاوية. وفي أخرى، تحملك ملامح رجل تلقّى صفعات الحياة بعينين حزينتين. لكنَّ جميع الشخصيات لا تبدو مستسلمة لقدرها، كأنها تقول: «وماذا بعد؟» على طريقتها.

يبرُز العنصر الأنثوي بوضوح في مجموعة «المجهول». وهنا كان لا بدَّ للرسام التشكيلي أن يعترف: «النساء لا يعرفن إخفاء أحاسيسهن ببراعة. مشاعرهن تخرج بقوة. لذلك نكتشفها بصورة أسهل من تلك الموجودة عند الرجل. فالأخير يحاول أن يُظهر صموداً تجاه مشاعره. ويفضّل ألا تُقرأ بسهولة».

يؤكد أحمد مناويشي أنه لا يحبّ تقييد نفسه بأسلوب رسم واحد. ويختم: «أفضّل التنويع دائماً، وعدم طَبْع لوحاتي بهوية واحدة كما يحبّ بعضهم. أُشبّه نفسي بروائي يؤلّف القصص ليستمتع بها القارئ، فلا يكرّر نفسه أو يقدّم ما يتشابه. ما أنجزه اليوم في عالم فنّ (البورتريه)، لم أقاربه مِن قبل. هو نافذة للتعبير. وهذا الاختلاف في الأسلوب يُحفزّني على دخول مدارس فنّية مختلفة. ما يهمّني هو تقديمي للناس أعمالاً يستمتعون بها فتولّد عندهم حبَّ الاكتشاف».