فرنسا تقدم «تعازيها الصادقة» للسعودية في وفاة الملك عبد الله

هولاند سيتوجه إلى المملكة لتقديم التعزية ويشيد بـ«البصمات العميقة» التي تركها الراحل

الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز يصفق بعد منحه الرئيس هولاند وسام الاستحقاق في مدينة جدة في 4 نوفمبر 2012 (أ.ب)
الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز يصفق بعد منحه الرئيس هولاند وسام الاستحقاق في مدينة جدة في 4 نوفمبر 2012 (أ.ب)
TT

فرنسا تقدم «تعازيها الصادقة» للسعودية في وفاة الملك عبد الله

الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز يصفق بعد منحه الرئيس هولاند وسام الاستحقاق في مدينة جدة في 4 نوفمبر 2012 (أ.ب)
الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز يصفق بعد منحه الرئيس هولاند وسام الاستحقاق في مدينة جدة في 4 نوفمبر 2012 (أ.ب)

سارعت الرئاسة الفرنسية مباشرة بعد إعلان نبأ وفاة الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، إلى نشر بيان باسم الرئيس فرنسوا هولاند يعرب فيه عن «الأسى» للخبر، و«يحيي ذكراه»، باعتباره رجل دولة «ترك بصمات عميقة» على تاريخ بلاده.
وأشاد البيان بـ«رؤية السلام العادل والدائم» في منطقة الشرق الأوسط التي حملها الملك عبد الله، معتبرا أن الحاجة ماسّة إليها «الآن وأكثر من أي يوم مضى». وحرص هولاند، بعد تقديم «التعازي الصادقة» للشعب السعودي على التأكيد على «تمسكه بالصداقة التي تجمع فرنسا والمملكة السعودية، التي عمل الملك عبد الله بن عبد العزيز لتدعيمها طيلة عهده».
ولم يكتفِ الرئيس الفرنسي الذي زار المملكة العربية السعودية مرتين نهاية عام 2012 ونهاية عام 2013 بالبيان، إذ إن أوساط الإليزيه أفادت أمس بأن الرئيس هولاند سيتوجه إلى الرياض لتقديم العزاء «شخصيا» بوفاة الملك عبد الله، ولكن في تاريخ لم يتم تحديده بالنظر لالتزاماته الرسمية.
واستفاد الرئيس الفرنسي من وجوده في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس (سويسرا) ليشيد مجددا بذكرى الملك عبد الله، مشيرا إلى أنه «أقام معه علاقات تتميز بالثقة، بما في ذلك الحرب على الإرهاب».
وأضاف هولاند أن الملك عبد الله «كان شخصية محترمة في كل منطقة الشرق الأوسط بفعل إرادته الساعية لإيجاد حلول لأزمات المنطقة» وهو ما أجمعت عليه كافة التعليقات التي صدرت في الساعات الأخيرة من جميع العواصم الكبرى. ووصف الرئيس هولاند المملكة السعودية بأنها «شريك اقتصادي وسياسي»، إذ تقوم بين البلدين علاقات «استراتيجية» جرى التأكيد عليها مرة أخرى وبقوة خلال الزيارة الرسمية التي قام بها إلى باريس في سبتمبر (أيلول) الماضي (ولي العهد وقتها) خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز.
ووضع هولاند هدفا ثانيا لزيارته القريبة للرياض، وهو «توثيق العلاقات» الثنائية مع السعودية.
يعتبر الرئيس هولاند ثالث رئيس فرنسي (بعد الرئيسين جاك شيراك ونيكولا ساركوزي) تعامل معه الملك عبد الله. ويقول مقربون من الرئيس الفرنسي إن هولاند «نجح في إقامة علاقات شخصية مع الملك عبد الله تقوم على الاحترام المتبادل وعلى التشاور والتفاهم»، مضيفين أن هولاند «كان يقدر كثيرا رؤية الملك عبد الله، ويحرص على التشاور معه في قضايا المنطقة».
وبحسب هذه المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، فإن المسؤولين كانت لهما النظرة نفسها لكثير من المسائل العالقة في المنطقة، وأولها الوضع في لبنان ورغبة البلدين في دعمه، والحرص على استقراره وتدعيم جيشه. وبرز ذلك بشكل واضح من خلال هِبة الثلاثة مليارات دولار التي أعلن عنها الملك عبد الله خلال زيارة الرئيس هولاند الثانية إلى الرياض، لتزويد الجيش اللبناني بالسلاح الفرنسي باعتباره «الدرع»، التي يمكنها حماية لبنان من تحولات المنطقة وأخطارها. كذلك كانت مواقف الرياض وباريس متطابقة في الموضوع السوري والحاجة إلى «خيار ثالث» غير استمرار الأسد في السلطة أو هيمنة التنظيمات الجهادية على سوريا.
وفي العراق، دفع البلدان اللذان انضويا كلاهما تحت لواء التحالف الدولي لمحاربة «داعش»، نحو قيام حكومة جامعة وعادلة تتعامل مع كل مكونات الشعب العراقي كسواسية ومن غير هيمنة أو طائفية.
كذلك للبلدان النظرة ذاتها لمحاربة الإرهاب ولاستقرار المنطقة وأمن الخليج وللبرنامج النووي الإيراني. أما في موضوع النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، فإن باريس والرياض سعتا للترويج لحل عادل وشامل. ومنذ إعلان مبادرة الملك عبد الله عندما كان وليا للعهد عن مبادرته التي تحولت في قمة بيروت العربية إلى «المبادرة العربية»، أعربت باريس عن دعمها لها، وهو ما أشار إليه مجددا البيان الرئاسي.
أما على الصعيد الثنائي، فإن هولاند سعى لتوثيق العلاقات مع الرياض على كافة الأصعدة. وجاءت زيارة الملك سلمان (ولي العهد وقتها) لباريس لتشكل فرصة إضافية للتأكيد على الرغبة المشتركة، الأمر الذي عكسه البيان الختامي الذي جاء بالتفصيل على كل الميادين والقطاعات الاقتصادية والسياسية والدفاعية والعسكرية والثقافية.
وفي الكلمة الرسمية التي ألقاها بمناسبة العشاء الرسمي الذي أقامه في قصر الإليزيه على شرف الضيف السعودي الكبير، شدد الرئيس الفرنسي على رغبة بلاده في «مواكبة» السعودية في مشاريعها الإنمائية كافة. وأشار هولاند إلى أن «الأمير» سلمان «صديق قديم لفرنسا»، وأنه يعرفها منذ زمن بعيد، إذ إن زيارته الرسمية الأولى إلى باريس تعود إلى عام 1951، حيث رافق الملك فيصل الذي كان يشغل وقتها منصب وزير الخارجية. وفي المناسبة عينها، نوه هولاند بـ«ما يمثله».. «الأمير»، فضلا عن الدور الذي يقوم به في بلاده. وبالطبع، سيكون اللقاء المرتقب بين هولاند والعاهل السعودي فرصة لإعادة تأكيد البلدين على رغبتهما في التنسيق والتعاون والعمل المشترك.
وتقول المصادر الفرنسية إن باريس «تعي» أهمية السعودية، والأدوار الرئيسية التي تلعبها على الصعد الخليجية والعربية والشرق أوسطية والإسلامية، فضلا عن دورها الوازن اقتصاديا، وفي قطاع الطاقة. ولذا، فإن فرنسا «تولي علاقاتها بالسعودية الأولوية»، كما أنها تتوقع أن تستمر العلاقات مستقبلا في نموها المتصاعد. ويسعى البلدان إلى الارتقاء بها لتتحول إلى «علاقات استثنائية».



تحقيقات: القوات الخاصة البريطانية سُمح لها بـ«التملص من القتل» في أفغانستان

جنود بريطانيون عائدون من أفغانستان خلال احتفال في اسكوتلندا عام 2013 (غيتي)
جنود بريطانيون عائدون من أفغانستان خلال احتفال في اسكوتلندا عام 2013 (غيتي)
TT

تحقيقات: القوات الخاصة البريطانية سُمح لها بـ«التملص من القتل» في أفغانستان

جنود بريطانيون عائدون من أفغانستان خلال احتفال في اسكوتلندا عام 2013 (غيتي)
جنود بريطانيون عائدون من أفغانستان خلال احتفال في اسكوتلندا عام 2013 (غيتي)

كشفت شهادات أُميط عنها اللثام، يوم الأربعاء، من قِبَل لجنة تحقيق في تصرفات الجنود البريطانيين خلال الحرب هناك أن جنود القوات الخاصة البريطانية استخدموا أساليب متطرفة ضد المسلحين في أفغانستان، بما في ذلك تغطية رجل بوسادة قبل إطلاق النار عليه بمسدس، بالإضافة إلى قتل أشخاص غير مسلحين.

جنود من الجيش البريطاني (رويترز)

قال أحد الضباط في حديث مع زميل له، في مارس (آذار) 2011، وهو ما تم تأكيده في شهادة قدمها خلال جلسة مغلقة: «خلال هذه العمليات، كان يُقال إن (جميع الرجال في سن القتال يُقتلون)، بغض النظر عن التهديد الذي يشكلونه، بمن في ذلك أولئك الذين لا يحملون أسلحة».

* مزاعم جرائم حرب

كانت وزارة الدفاع البريطانية قد أعلنت، في عام 2022، أنها ستجري التحقيق للتيقُّن من مزاعم جرائم حرب ارتكبتها القوات البريطانية في أفغانستان بين عامي 2010 و2013. وفي عام 2023، أكدت أن المزاعم تتعلق بوحدات القوات الخاصة، وفق تقرير لـ«نيويورك تايمز»، الأربعاء.

* ثقافة الإفلات من العقاب

جاءت مئات الصفحات من الأدلَّة التي نُشرت، والتي تضمّ رسائل بريد إلكتروني متبادَلة، ورسائل، وشهادات من ضباط كبار وجنود عاديين، لترسم صورة مزعجة لقوة قتالية نخبوية تتسم بثقافة الإفلات من العقاب؛ حيث كانت أعداد القتلى أهم من أي معايير أخرى.

* مستعصون على اللوم

قال أحد أعضاء وحدة بريطانية إن الجنود بدا عليهم أنهم «مستعصون على اللوم»، خلال سنوات القتال الطويلة في أفغانستان، وهو ما منَحَهم «تصريحاً ذهبياً يسمح لهم بالتملُّص من القتل».

وكما الحال مع جميع الشهود؛ فقد جرى إخفاء هوية هذا الجندي، وتم تعديل العديد من البيانات والوثائق الأخرى بشكل كبير لإخفاء الأسماء والوحدات وموقع العمليات. لكن حتى مع إخفاء هذه التفاصيل، كانت هناك أوصاف تكشف عن ضباط صغار شاركوا مخاوفهم مع رؤسائهم حول التكتيكات المستخدمة خلال المداهمات الليلية ضد المسلحين.

في رسائل بريد إلكتروني متبادلة من فبراير (شباط) 2011، أخبر جندي ضابطاً كبيراً عن مداهمة جرت خلالها إعادة أفغاني بمفرده إلى داخل مبنى، لكنه عاد بسلاحه رغم أن القوة المداهمة كانت تفوقه عدداً بكثير. تساءل الجندي ما إذا كانت وحدات «القوات الجوية الخاصة» تطلب من الأفغان إحضار أسلحتهم «مما يعطي المسوغ لإعدامهم»؟

* القتل العشوائي

رد الضابط الكبير قائلاً: «نقطة جيدة. يبدو أن هناك تجاهلاً عشوائياً للحياة ومبادئ مكافحة التمرد والتقارير الموثوقة».

تشير مبادئ مكافحة التمرد (COIN) إلى العقيدة التي استخدمها الجنود الأميركيون والبريطانيون وغيرهم من جنود حلف «الناتو»، خلال غالبية فترات الحرب في أفغانستان. من بين المخاوف الأخرى، كان القتل العشوائي للمقاتلين المدنيين والأفغان الذي يُعدّ بمثابة تدمير للثقة بين القوات الأجنبية والسكان المدنيين.

في مبادلة أخرى، وصف الضابط الكبير نفسه كيف بدا أن وحدات «القوة الجوية الخاصة (ساس)»، كانت تعود إلى «التكتيكات القديمة».

* «وحدات ساس»

عندما طُرِح سؤال في بريد إلكتروني حول ما إذا كانت «وحدات ساس» تخلق سيناريوهات تسمح لهم بقتل المقاتلين الأفغان، رد ضابط آخر قائلاً: «هؤلاء الأفغان أغبياء لدرجة أنهم يستحقون الموت». قال الضابط الأول إنه اعتبر الرد «تعليقاً سخيفاً من جانبه يعكس حقيقة أن الطريقة التي وصف بها مقتل الأفغان غير منطقية».

وقالت وزارة الدفاع إنه «من المناسب أن ننتظر نتيجة التحقيق قبل الإدلاء بالمزيد من التعليقات».

المزاعم المتعلقة بجرائم الحرب من قبل الجنود البريطانيين في أفغانستان ليست بالجديدة؛ فقد تم تسليط الضوء عليها في تقارير إعلامية، أبرزها لدى برنامج التحقيقات «بانوراما»، من «بي بي سي». كما اتهمت القوات الخاصة الأميركية بعدة حالات لسوء السلوك في أفغانستان، بما في ذلك قتل المدنيين أثناء المداهمات، ثم محاولة التعتيم على ذلك.

جندي من القوات الخاصة البريطانية خلال التدريبات (أرشيفية - متداولة)

جاء سلوك القوات الخاصة البريطانية ليثير نزاعاً سياسياً في الخريف الماضي عندما كان حزب المحافظين على وشك اختيار زعيم جديد. ادعى روبرت جينريك، أحد المرشحين، من دون دليل، أنهم «يُقدِمون على القتل بدلاً من القبض على الإرهابيين»، وقال إن ذلك كان لأن محكمة حقوق الإنسان الأوروبية كانت ستجبر بريطانيا على إطلاق سراحهم، حال تركوهم أحياء.

تعرض جينريك لانتقادات حادة من مرشحين آخرين، توم توغندهات وجيمس كليفرلي، وكلاهما من الجنود السابقين. وقال توغندهات إن تعليقاته أظهرت «سوء فهم جوهرياً للعمليات العسكرية وقانون النزاع غير المسلح».

ظهرت بعض هذه المكاشفات نتيجة للتنافس الشديد بين القوة الجوية الخاصة، ووحدة القوات الخاصة للجيش البريطاني، وقوة القوارب الخاصة، التي تُعد نظيرتها في البحرية الملكية.

وصلت القوة الجوية الخاصة إلى أفغانستان عام 2009. والعديد منهم جاءوا مباشرة من الحرب في العراق، وتولوا مهمة مطاردة مقاتلي «طالبان» من «قوة القوارب الخاصة»، وقد أُثير العديد من المخاوف بشأن أساليبهم من قبل جنود وقادة تلك القوة.

* ثقافة التعتيم

أعرب العديد من الشهود عن استيائهم من ثقافة التعتيم على الأعمال الوحشية بتزوير تقارير العمليات. في حالة الرجل الأفغاني الذي تمَّت تغطية رأسه، «تم ايهامه بأنه سيتم التقاط صور لجثة بجانب الأسلحة التي قد لا تكون بحوزته عندما تم قتله»، بحسب رواية أحد الجنود للجنة التحقيق.

قال جندي آخر في بريد إلكتروني في فبراير (شباط) 2011 إنه عندما أثار الناس مخاوفهم، جاء الرد عليهم: «ما الذي لا يفهمه الجميع بشأن مدى أهمية هذه العمليات؟ يبدو أن الجنود يتصرفون وكأنهم فوق النقد».

حذَّر البعض من أن القوات البريطانية قد تكون عرضة لنفس الحرج شأن حلفائها الأميركيين الذين واجهوا فضيحة في 2010 بتسريب سجلات عسكرية توثق 6 سنوات من الحرب في أفغانستان، بواسطة «ويكيليكس»، المجموعة التي أسسها جوليان أسانج.

قال أحد الضباط في بريد إلكتروني: «إذا لم نصدق هذا، فسيصدقه الآخرون، وعندما يحدث تسريب تالٍ لـ(ويكيليكس)، فسيجروننا معهم».