شاشة الناقد

أنطوني هوبكنز في «الأب»
أنطوني هوبكنز في «الأب»
TT

شاشة الناقد

أنطوني هوبكنز في «الأب»
أنطوني هوبكنز في «الأب»

The Father
الدور الأفضل لأنطوني هوبكنز
منذ سنوات ****
إخراج: ‪فلوريان زَلَر‬
بريطانيا | دراما (2020)
فلوريان زَلر مخرج فرنسي مسرحي في الأساس قدّم «الأب» على الخشبة الفرنسية سنة 2012 قبل أن ينقلها إلى المسرح البريطاني ويتم تقديمها هناك ما بين 2014 و2016. وها هو يترجمها إلى عمل سينمائي يقود بطولته أنطوني هوبكنز لاعباً شخصية رجل مُسن ومُصاب بالخرف. بالإضافة لما سبق، تم تقديم هذا العمل على أحد مسارح برودواي حيث قام فرانك لأنجيلا بالدور وفاز عنه بجائزة توني المسرحية كأفضل ممثل.
نتعرّف على أنطوني (هوبكنز) كرجل مسن أخذ فقد بعض واقعه. يخلط بين الشخصيات ويتخيل ما ليس له وجود من أحداث وأشخاص وأمكنة. تحاول ابنته آن (أوليفيا كولمن) مساعدته طوال الوقت، علماً بأنها مضطرة لتركه لاحقاً لكي تعيش مع الرجل الذي تُحب في باريس. هذا سيعني أنها سوف تضعه في مأوى للعجزة. تخبره بذلك في مطلع الفيلم فيمتعض. إلى درجة ما يعلم أنه مُصاب ويحتاج لوجودها، لكن بدرجة أعلى يرفض هذا الوضع الذي هو فيه مكرراً بأنه أفضل حالاً مما يعتقد الآخرون. وهو يفعل ذلك بقناعة تامّة وليس عن دراية وتجاهل.
ما تلتقطه الكاميرا من تصرفاته هو الحقيقة الوحيدة في هذا الفيلم بينما هو يعيش في عالمين وزمانين ومكانين واحد حقيقي لا يعيه والآخر خيالي يعتقده واقعاً. مثلاً، لاحقاً ما يذكر أن ابنته سوف تغادر إلى باريس، وذلك حسبما قالته له، لكنها تنفي ذلك. المشهد الذي تنفي فيه ذلك هو الخيال وكذلك كل المشاهد التي تجمعه مع الممرضة الشابة كاثرين (أوليفيا ويليامز) التي يجدها شبيهة بابنته، بينما الواقع هو أن هناك ممرضة أخرى (أكبر سنّاً) هي التي ستعتني به. أصعب أوضاع هذه الحالة تصوّره بأن هناك رجلاً غريباً في المنزل يعاديه وفي مشهد مؤثر يقوم بضربه مما يجعله يبكي مستنجداً بالممرضة الشابة. بما أن الممرضة والرجل الغريب من بنات خياله فالمشهد بكامله هو من تداخلات الخيال الذي لا يملك أنطوني القدرة على الحد منه.
ما يُثير في هذا العمل هو أن المُشاهد يواجه عملاً سينمائياً فعلياً لا علاقة له بأصله المسرحي. طبعاً هناك المكان الداخلي الواحد معظم الوقت، لكن السيناريو كان يمكن أن يُكتب ويُقبل به كما لو لم يكن مقتبساً. جزء مهم في تقويض الشروط المسرحية لصالح تنفيذ فيلم منفصل هو أين يمكن وضع الكاميرا لأي نتيجة. في الغالب فإن التصوير عن بعد معظم الوقت يحافظ على الانتماء المسرحي. أما التصوير عن قرب مدروس فيجعلنا نجتاز الفاصل القائم بين المقعد وخشبة المسرح، لجانب سهولة التجوال من غرفة لأخرى وهذا ما يوفّره الفيلم هنا.
بالنسبة لأنطوني هوبكنز، هو دور من أدوار العمر. ليس أنه يؤديه بدراية الشخصية، بل أيضاً بإلمام الفنان بكيف يمنح ذلك الأداء الحياة والإقناع. كيف يصل إلى أعلى التجسيد ويبقى تحت مستوى التكلّف والادعاء. الدور هو ملحمة شخص يدرك، لاحقاً، أن بساط الحياة يُسحب من تحت قدميه وينتهي في المكان الوحيد الباقي له… ذكرياته مع أمّه حين كان صغيراً.
Limbo ****
* إخراج: ‪بن شاروق‬
* بريطانيا | دراما (2020)
دراما مختلفة تماماً عن أفلام الهجرة المتداولة في السنوات الأخيرة. حكاية شاب اسمه عمر (أمير المصري) من اللاجئين الذين تدرس السلطات أوضاعهم. هو وثلاثة آخرين (أفغاني وأفريقيان) يشتركون في العيش في منزل بسيط في جزيرة أسكوتلانية. كان ترك سوريا هرباً من الحرب وتوجه والداه إلى تركيا («حيث يعاملوننا كالكلاب» حسبما يخبره والده هاتفياً) وبقي شقيقه الأكبر داخل البلاد. فيلم مقتصد في تعابيره. يترك المهمّة للأمكنة وللشخصيات معاً ولا يتطلب مهاماً درامية عالية.
** The Kid Detective
إخراج: ‪إيفان مورغن‬
كندا | تحقيقات جنائية (2020)
التميّز الذي ينشده المخرج وكاتب السيناريو إيفان مورغن هو أن بطل هذا الفيلم (أدام برودي) تحري خاص أحب حل الألغاز منذ أن كان ولداً صغيراً. الآن ما زال، على الأرجح، أصغر تحري خاص في العالم. لكن هذا التميّز يتبعثر بعد قليل من بداية الفيلم بمعنى أنك تستطيع أن تأخذ حكاية البحث عن من قتل مَن ذاتها وتغيّر في سن البطل فتحصل على الفيلم نفسه. شيء آخر يحدث بعد قليل من بدء الفيلم اسمه الضجر.
James **
إخراج: ‪أندريا ديلا مونيكا‬
إيطاليا | تسجيلي (2020)
جيمس سينيسي وُلد خلال الحرب العالمية الثانية من مجنّد أفرو - أميركي وامرأة إيطالية. إثر عودة والده إلى أميركا وجد جيمس نفسه طفلاً شريداً لكنه ترعرع عازف ساكسفون ماهراً اشترك مع إحدى فرق الجاز ثم استقل بنفسه وبنى شهرة كبيرة ولو أن الفيلم يفشل في تحديدها، كما يفشل في استلهام المزيد من خلفيته وتجاربه الحياتية.
يجمع بين المقابلة وتصوير لقاءات جيمس مع عازفين من جيله وبعض الوثائقيات بحسن تنفيذ إنما من دون إلهام كاف.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.