مخاوف أميركية من سقوط اليمن في الفوضى والتفتيت وصعود «القاعدة»

خبير أميركي لـ «الشرق الأوسط»: الحوثيون لا يريدون عداء مباشرا مع واشنطن

د. شارلز شميتز
د. شارلز شميتز
TT

مخاوف أميركية من سقوط اليمن في الفوضى والتفتيت وصعود «القاعدة»

د. شارلز شميتز
د. شارلز شميتز

أبدت واشنطن قلقها من استمرار الاضطرابات في اليمن ومخاوفها من سقوطها في الفوضى.
وحول الأنباء والتقارير عن استقالة الرئيس اليمين عبد ربه منصور هادي، قالت جين بساكي «نسعى للحصول على تأكيدات حول حقيقة الأوضاع في اليمن، ولن نقفز إلى استنتاجات، ونحن مستمرون في مساندة انتقال سلمي ومساندة الاتفاق بين الحكومة اليمنية والحوثيين». وأضافت نعتقد أن الحوار بين الطرفين هو الطريق الوحيد لتخفيف تصاعد العنف. وأشارت بساكي إلى عدم تغير الوضع الأمني في السفارة الأميركية في صنعاء.
بينما اندلعت الاشتباكات بين القبائل اليمنية في مأرب والمقاتلين الحوثيين وهي المنطقة الغنية بحقوق النفط ومنشآت البنية التحتية للطاقة.
وقد أعلن وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، للصحافيين، مساء الأربعاء، أن «الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي اضطر لقبول الاتفاق مع الحوثيين والاستجابة للكثير من المطالب المتعلقة بإجراء تغييرات دستورية وتقاسم السلطة بشكل واسع»، مشيرا إلى أنه «يجري مع البيت الأبيض محادثات مستمرة حول الأزمة التي تواجهها اليمن التي تعد شريكا أساسيا في معركة واشنطن ضد تنظيم القاعدة».
وأوضحت الخارجية الأميركية أن «الأمور ليست واضحة على الأرض وتتطور باستمرار، وأن واشنطن تشجع الاستمرار في الحوار بين الطرفين، وتشجيع المناقشات حول وقف إطلاق النار». وأكدت جين ساكي، المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، استمرار تعاون واشنطن مع صنعاء في مكافحة الإرهاب. بينما قال جوش آرنست، المتحدث باسم البيت الأبيض، إن «سلامة موظفي السفارة الأميركية في صنعاء، على رأس الأولويات لدى الرئيس أوباما، كذلك الحفاظ على التعاون في مكافحة الإرهاب في اليمن».
وأبدى مسؤولو البنتاغون والاستخبارات الأميركية مخاوف من تصاعد العنف في صنعاء وإمكانية تدهور الأوضاع بشكل يهدد الشراكة التي أبرمتها إدارة أوباما مع اليمن لمكافحة الإرهاب، وتحديد أهداف الحوثيين من الانقلاب على السلطة.
بينما أشار محللون إلى قلق الإدارة الأميركية من سقوط اليمن في الفوضى وخطر التفتيت ومخاطر الانهيار الاقتصادي، بما يؤدي إلى ارتفاع النفوذ الإيراني وصعود تنظيم القاعدة في اليمن، وهو التنظيم الذي أعلن مسؤوليته عن الهجوم الإرهابي على مجلة «شارلي أيبدو» بداية الشهر الحالي في باريس.
وكانت إدارة أوباما قد راعت عملية انتقال سياسية في اليمن خلال الأعوام الماضية، بهدف استعادة الاستقرار في اليمن، والحد من الطائفية ومكافحة تنظيم القاعدة، وقدمت واشنطن تمويلا وتدريبا لمكافحة الإرهاب في اليمن، وشنت كثيرا من الغارات باستخدام طائرات من دون طيار ضد قادة رئيسيين في تنظيم القاعدة. وقد استشهد الرئيس أوباما - في خطاب ألقاه في سبتمبر (أيلول) الماضي - باليمن كمثال على قدرة الولايات المتحدة في النجاح في مواجهة الإرهاب دون إرسال قوات برية إلى الخارج. وقال: «استراتيجيتنا في مواجهة الإرهابيين الذين يهددونا هي دعم الشركاء في الخطوط الأمامية، ولدينا قصص نجاح في اليمن والصومال».
وقال المحلل العسكري، وولف بليتزر: «إن البيت الأبيض يواجه قرارا صعبا للحفاظ على نفوذه المحدود في أرض الواقع في اليمن، وإذا اضطرت الإدارة الأميركي إلى إغلاق أبواب السفارة في صنعاء، فإن هذا سيكون هزيمة رئيسية للسياسة الخارجية في اليمن، لأننا بحاجة إلى شراكة مع حكومة في هذه البلد للقضاء على تنظيم القاعدة، ولا يمكن أن نفعل ذلك من خلال ضربات جوية أو باستخدام الأدوات الاستخباراتية فقط». وأضاف: «نحن بحاجة إلى حكومة مركزية قوية».
قال خبير أميركي متخصص في اليمن إن «تقدم قوات الحوثيين في اليمن، ووصولهم إلى القصر الجمهوري، يعتبر هزيمة لسياسة الرئيس باراك أوباما، ليس فقط في اليمن، ولكن أيضا في الحرب ضد الإرهاب». وقال إن «واشنطن تتردد في طريقة التعامل مع الحوثيين. وذلك لأن الحوثيين يعادون منظمة القاعدة، التي تراها واشنطن العدو الأول في حربها العالمية ضد الإرهاب». وأضاف أن «الحوثيين أنفسهم لا يريدون عداء مباشرا لواشنطن».
وفي مقابلة مع «الشرق الأوسط»، قال د. شارلز شميتز، أستاذ في جامعة توسون في بولتيمور (ولاية ميريلاند)، ومتخصص في اليمن، حيث عمل في برنامج «فولبرايت»، وزميل في المعهد الأميركي للدراسات اليمنية في اليمن، إن «واشنطن تريد (الباب مفتوحا) نحو التعامل مع الحوثيين». وأضاف أنه «لا واشنطن تعرف كيف تتعامل مع الحوثيين، ولا الحوثيون يعرفون كيف يريدون حكم اليمن». وقال: «ليست قيادة الحوثيين متأكدة من كيفية حكم اليمن. انتقلت حركة الحوثي، من خلال كثير من المراحل في تطورها، من مجموعة نهضة دينية صغيرة إلى تمرد مسلح، والآن، صارت القوة المهيمنة في اليمن. وخلال كل هذه المراحل، تمارس قيادة الحوثيين شعار (التعلم بالممارسة)».
وأضاف شميتز أنه «يبدو أن قيادة الحوثيين لا تريد أن تحكم مباشرة، بل من خلال الحكومة الحالية. ربما لأن قيادة الحوثيين تعرف أنها تتمتع بمصداقية قوية في أقصى الشمال، لكن ليس في المناطق الوسطى والجنوبية من اليمن. وأنها تفتقر إلى الشرعية، وذلك لأن الحوثيين لم يكونوا جزءا من، أو شاركوا في، المجتمعات في هذه المناطق». وقال: «لهذا، يحتاج الحوثيون إلى غطاء من الشرعية التي توفرها الدولة اليمنية. ولهذا، يريدون ضمان صوت قوي في الحكومة، من دون أن يحكموا حكما مباشرا».
وعن السياسة الأميركية نحو اليمن، قال: «إن الولايات المتحدة تريد الاستقرار في اليمن. وتريد أن تكون حكومة اليمن مسؤولة عن مواطنيها، وتسيطر على أراضيها، وتحترم المجتمع الدولي. وأهم من ذلك، تريد الولايات المتحدة أن تقدر حكومة اليمن على مواجهة تنظيم القاعدة في اليمن».
وأضاف: «تريد الولايات المتحدة كل هذه الأشياء. لكنها لا تستطيع إملاء شروطها على اليمنيين. في الحقيقة، ربما فوجئت الولايات المتحدة، مثل أي شخص آخر، بقوة الحوثيين التي جعلتهم يستولون على اليمن بهذه السرعة. في نفس الوقت، تعرف الولايات المتحدة أن الحوثيين يتمتعون بشرعية كبيرة في اليمن. وفي نفس الوقت، تريد الولايات المتحدة حكومة شرعية في اليمن، وذلك للمساعدة في تحقيق الاستقرار، واستتاب الأمن».
وعن نفوذ إيران في اليمن على ضوء انتصارات الحوثيين، قال شميتز: «نعم، لا تحب الولايات المتحدة النفوذ الإيراني في اليمن. لكن، إذا كان الحوثيون يقدرون على تحقيق الاستقرار في اليمن، فلما لا؟ وحقيقة أن الحوثيين يواجهون بشكل فعال تنظيم القاعدة. لا يؤذي علاقة الحوثيين مع الولايات المتحدة».
وبينما تواصل الولايات المتحدة الهجمات بطائرات «درون» (بدون طيار) على منظمة القاعدة في اليمن، قال شميتز إن «الولايات المتحدة يمكن أن تتحالف مع الحوثيين في هذا الجانب». واستبعد أن يأتي يوم تهاجم فيه هذه الطائرات الحوثيين أيضا.
وأضاف: «لن تهاجم الولايات المتحدة الحوثيين. وليست حركة الحوثي جماعة إرهابية. إنها جماعة متمردة. حركة الحوثي هي العدو اللدود لتنظيم القاعدة. تماما مثل الولايات المتحدة. على هذا يتفق الأميركيون والحوثيون».
لكن، توقع شميتز أن يكون التعاون الأميركي مع الحوثيين غير مباشر. وذلك لأن «حركة الحوثي يمنية ووطنية وأصلية، وليست دخيلة. وأنها تركز على أن تحمي اليمن، وتحافظ على سيادته، ضد القوى الأجنبية. لهذا، سيعارض الحوثيون النفوذ الأميركي في اليمن. وربما حتى يرفضون أن يتعاونوا مع الولايات المتحدة في عملياتها ضد تنظيم القاعدة، بقدر ما يأمل الأميركيون في ذلك».
وأضاف شميتز أن «الحوثيين لن يرفضون أن تساعدهم طائرات (درون) الأميركية في حربهم ضد تنظيم القاعدة. لكن، وهذه نقطة صحيحة جدا، يقول الحوثيون إن ضربات هذه الطائرات ليست فعالة ضد تنظيم القاعدة، وإن هزيمة القاعدة لن تتم إلا بزحف أرضي، وبتعاون مع الأجهزة الأمنية المحلية».
وعما سماه شميتز «فشل سياسة أوباما في اليمن وفي الحرب ضد الإرهاب»، قال: «تنعكس هذه التطورات على سياسة أوباما في اليمن، وفي المنطقة. وتشكك هذه التطورات في فعالية استراتيجية أوباما بالتحالف مع شركاء محليين، في نفس الوقت الذي يستخدم فيه القوة المباشرة. لهذا، يمكن القول إن صعود حركة الحوثي جاءت بسبب فشل نظام الرئيس السابق على عبد الله صالح، حليف الولايات المتحدة سابقا، وفشل حكومة عبد ربه منصور هادي، حليف الولايات المتحدة حاليا».
وعن موقف السعودية نحو هذه التطورات في اليمن، قال شميتز: «كان لحملة السعوديين ضد الإخوان المسلمين دور في صعود الحوثيين. ويعود ذلك لأن الإخوان المسلمين جزء هام في التجمع اليمني للإصلاح. لهذا، أضعف سحب الدعم السعودي للإخوان المسلمين التجمع اليمني للإصلاح. في نفس الوقت، يبدو أن السعوديين لم يكونوا قلقين عندما بدأ الحوثيون تقدمهم العسكري في الشمال ضد السلفيين وضد الإصلاح».
وأضاف: «في البداية، بينما رضي السعوديون بالسماح للحوثيين بإضعاف التجمع اليمني للإصلاح، لم يضعوا اعتبارات لانتصارات مستمرة للحوثيين تدخلهم صنعاء. أما بالنسبة للنفوذ الإيراني في اليمن، يرى السعوديون أن الحوثيين عملاء إيرانيين، وأنهم صورة طبق الأصل من حزب الله في اليمن، لهذا، الآن يحاول السعوديون بناء تحالف من القوى السياسية لمعارضة الحوثيين في صنعاء. وأخيرا، نشرت أخبار أن السعوديين يعملون على تأسيس تحالف وسط القبائل الصحراوية في منطقة الجوف الشرقية بهدف مواجهة الحوثيين. إذا حدث هذا، سيخلق مشكلات كثيرة للحوثيين».
وعن فشل «ربيع العرب اليمني» قال شميتز إن «سقوط صالح (في عام 2012) جلب الأمل في أن اليمنيين انتصروا على الفساد، وأنهم سيقدرون على بناء دولة فعالة، وموحدة، وأساسها المساواة، والعمل السياسي النزيه».
لكن، فشلت الحكومة المؤقتة، «لأن اتفاق دول مجلس التعاون الخليجي سمح باستمرار النخب القديمة في السلطة. لهذا، بدلا عن بناء دولة جديدة، لعبت النخب القديمة لعلبتها القديمة، وصارت تتنافس من أجل السيطرة على مؤسسات الدولة. وبعد أن أصدر مؤتمر الحوار الوطني وثيقة ورؤية لحكومة عادلة في اليمن، انشغلت النخب الفكرية في مناقشة كلمات ودلالات الوثيقة».
وقال: «خلال هذه الفترة، ظل المجتمع الدولي يدعو اليمنيين إلى تأسيس حكم رشيد. لكن، كيف يؤسسون حكما رشيدا وهم يواجهون أوضاعا مادية سيئة، ومتزايدة في السوء؟»
وعن احتمال أن ينفذ المجتمع الدولي اليمن حتى لا تصير دولة مارقة، قال شميتز: «ليس للقوى الأجنبية تأثير يذكر على هذه التطورات. نعم، تؤيد مجموعة الدول العشر (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن، و5 دول من مجلس التعاون الخليجي، باستثناء قطر) مبادرة دول مجلس التعاون الخليجي، وتؤيد حكومة الرئيس هادي، وتؤيد اتفاقية السلام والشراكة مع الحوثيين. لكن، برهنت هذه الدول العشر على أنها عاجزة، بل جاهلة، لتواجه زحف الحوثيين».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.