«التجريب»... في روايات سعودية وجزائرية

الرشيد بوشعير يحلل سردياتها في كتاب جديد

«التجريب»... في روايات سعودية وجزائرية
TT

«التجريب»... في روايات سعودية وجزائرية

«التجريب»... في روايات سعودية وجزائرية

خصص الناقد الجزائري الدكتور الرشيد بوشعير كتابه «التجريب في سرديات يوسف المحيميد ونصوص أخرى» لفحص وتحليل مجموعة من العناصر والقيم النقدية والإبداعية والإنسانية في روايات سعودية وجزائرية اختارها لتعبر عن سعيه لاستكناه أساليب مثل التجريب، وسيميائية الألوان، والميتاسرد، وتيار الوعي، والراوي العليم، فضلاً عن قيم الصدق، والشرف والحب، والوفاء والشهادة.
الكتاب صدر حديثاً بالقاهرة عن «دار صفصافة للنشر والتوزيع»، ويتضمن 5 دراسات، استهلها برواية «لغط موتى» للكاتب السعودي يوسف المحيميد التي وصفها بأنها «تعد أنموذجاً في سردياته. كما أنها رواية تجريبية بامتياز، وهو ما يبرز تحديداً في نصوصه التي تحمل عنوان (لا بد أن أحداً حرّك الكراسة) التي يتجاوز فيها حدود الأنواع الأدبية». لكن المحيميد اعتمد في هذه الرواية -كما يضيف المؤلف- استراتيجية في الكتابة سبقه إليها الكاتب الإيطالي «لويجي بيرانديللو» في مسرحيته «ست شخصيات تبحث عن مؤلف»، حيث يعرض مأساة عائلة يتشتت أفرادها، ثم يجمع شملهم من جديد، ويعن لهم أن يبحثوا عن كاتب بارع يستطيع أن يصيغ قصتهم المحزنة، فيجدون ضالتهم في مخرج مسرحي.
- أصوات مختلطة
وذكر بوشعير أن رواية «لغط موتى» التي أصدرها المحيميد قبل عشرين عاماً، ضمن منشورات «اتحاد الكتاب العرب»، تحتشد بالأصوات المختلطة المتصاعدة التي تستعصي على التمييز، ويرسم المحيميد فيها شخصيات عنيدة ترفض أدوارها المنوطة بها، ومن هذه الشخصيات «مسعود» الذي يجذب المؤلف من يده وهو يشير إلى بناء فخم: «بابه مردوم بسلاسل تتهدل لتمس الرصيف، وأشجاره الضخمة فائقة ذاوية، ويقول له: لماذا لم تذكر أنني عملت هنا سائقاً، وأنني انتظرت صاحب المنزل في السيارة مع الكلاب الضالة». وهناك «موضي» بنت «مسعود» التي يروي الكاتب أطرافاً «مخزية» من سيرتها. كما ترد أيضاً شخصية البنت الصغرى، أخت «موضي»، التي لم يمنحها الكاتب اسماً فتواجهه معاتبة معرفة بنفسها بأنها «مزنة»، وأنه قصر في رسمها وتوظيفها في الرواية. وعلى هذا النحو، يستمر الكاتب في سرد حكايات عجائبية، كحكاية خروج الأموات من أجداثهم بمقبرة القرية، وركضهم خلف موضي، وحكاية الرجل المتبوع بالحمائم الذي ضل طريقه إلى بيته، ولم يعد يعرف له أثر، وحكاية الحفيدين اللذين اختفى أحدهما فجأة، بينما تحول الآخر إلى «بعوضة ضخمة»، وقد يحتدم الخلاف بين الكاتب وشخوص روايته، فيتطاولون عليه ويتهمونه بالغباء والإخفاق في الكتابة، ويشتمونه أحياناً.
وفي دراسة بعنوان «سيميولوجيا اللون في رواية جاهلية»، للكاتبة السعودية ليلى الجهني، يذكر بوشعير أن الرواية ثرية في دلالاتها، وقد وظفت الألوان بوعي، وشحنتها بإيحاءات ودلالات بليغة، معتمدة أساليب وتقنيات سردية معاصرة استخدمتها المؤلفة ببراعة، منها تعدد الأصوات الذي يتجلى في تعدد الخطابات والمواقف والأفكار.
وتدور أحداث هذه الرواية حول شخصية «لين»، الفتاة التي ابتليت بشقيقها «هاشم» المدلل المفضل لدى والديه. وقد بلغت «لين» الثلاثين من عمرها. وبعد أن درست وتخرجت في الجامعة، حصلت على وظيفة في دار الرعاية الاجتماعية بالمدينة المنورة، وهناك تعرفت على «مالك»، الشاب الأسود الذي كان ينشر مقالات واستطلاعات في الجرائد، واتفقا على الزواج، ولكن شقيق «لين» الذي كان يتجسس عليها يطلع على بعض رسائله إليها، فيتحرى حتى يعرف منزله، ويستعين بصديقه القديم «أيمن» كي يترصدا حركاته ويضرباه ضرباً مبرحاً حتى يدخل المشفى، ويوضع في قسم العناية المشددة.
وتتعدد الألوان في سياق السرد في رواية «جاهلية»، ويأتي في مقدمتها اللون الأسود الذي يعد حجر الزاوية في سلم الدلالات السيميولوجية للألوان، أما عن اللون الأبيض فيتجلى بأسلوب غير مباشر من خلال أطروحة اللون الأسود المناقض، ويسيطر اللون الأزرق في المستشفى الذي يرقد فيه مالك للعلاج من إصاباته، وهو يوحي بالموت والجمود والتشاؤم بنظر بطلة الرواية، كما يرد اللون الأصفر عرضاً في سياق التعبير عن انشغال لين بمالك وهي تتأمل في الضوء المنبعث من المصباح.
- العشرية الجزائرية
وفي دراسته حول الخطاب الآيديولوجي في رواية «عام 11 سبتمبر (أيلول)... ما لم يحدث في أميركا»، للجزائري عبد العزيز غرمول، يقول بوشعير إن أحداث الرواية تدور حول «منصور»، العميل المزدوج الذي ارتضى القيام بهذا الدور في أثناء العشرية السوداء بالجزائر، حيث كان ينقل معلومات إلى بعض الجماعات المسلحة التي كانت تناوئ نظام الحكم، وفي الوقت نفسه يزود أجهزة المخابرات الرسمية بمعلومات عن تلك الجماعات، ويسلم بعض الجماعات المسلحة للعسكر، ويسلم بعض العملاء المزدوجين إلى الجماعات المسلحة. كان منصور يأتمر بأمر الشيخ عبد الله، أمير جماعة متطرفة لا تسعى إلى تقويض نظام الحكم في الجزائر فحسب، وإنما تسعى إلى زعزعة الأمن في أميركا، وكانت مهمة منصور تهريب أسلحة وأموال ووثائق وجوازات سفر مزورة في حقيبة ينقلها مع مهربي البضائع من «مالاقا» إلى «مغنية» بالشواطئ الجزائرية، ثم إلى قرية وادي مليح بمنطقة متيجة. وفي هذه القرية المعزولة، تنسج خيوط مؤامرات وصراعات بين الجماعات المتطرفة التي كانت كل واحدة منها تسعى إلى الحصول على الأسلحة والأموال والنفوذ، ولا تتورع عن إراقة الدماء والتناحر فيما بينها.
وصنف بوشعير الكاتبة الجزائرية ياسمينة صالح، في روايتها «وطن من زجاج»، ضمن كتاب الحرب الأهلية التي اصطلح على تسميتها «العشرية السوداء». وتتناول هذه الرواية القيم التي تخلخلت تحت وطأة الحرب الدامية التي استنزفت الجزائر طوال عشر سنوات. وذكر المؤلف أنها تربط انهيار القيم بانهيار الوطن. وأحداث الرواية يسردها راو ليس له اسم صريح، بل قدمته الكاتبة من خلال لقبه الغريب الذي كان الناس يطلقونه عليه، وهو «لاكامورا»؛ أي «من لا حق له في الموت براحة».
ثم يتناول المؤلف ما سماه «اتساق وانسجام الخطاب» في نص «الممثل» لشريفة فداج الذي يعده نموذجاً جيداً لتقاطع أو تماهي نوعين أدبيين (هما الرواية والمسرحية) في بوتقة واحدة، ولكن هذه النصية كما يقول «لا تلغي الطبيعة السردية للعمل الذي اتكأت فيه الكاتبة الجزائرية على تيمات متعددة، مثل المسرح، والاغتراب، والرغبة في الهجرة، والفساد، والسياحة، والفقر، والعنصرية. ولم تعالج الكاتبة كل واحدة منها في فصل مستقل، وإنما كانت متناثرة عبر المتن النصي من البداية حتى النهاية.



مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
TT

مصر: اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية من العصر البطلمي بالمنيا

مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)
مجموعة من اللقى الأثرية المكتشفة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف ألسنة وأظافر ذهبية وعدد من المقابر تعود للعصر البطلمي، مزينة بنقوش وكتابات ملونة، بداخلها مجموعة من المومياوات والهياكل العظمية والتوابيت، وغيرها من اللقى الأثرية.

وتوصلت البعثة المشتركة بين مصر وإسبانيا من خلال جامعة برشلونة ومعهد الشرق الأدنى القديم، إلى هذا الكشف الأثري أثناء عمليات التنقيب بمنطقة البهنسا في محافظة المنيا (251 كيلومتراً جنوب القاهرة).

وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار بمصر الدكتور محمد إسماعيل خالد، أهمية هذا الكشف، واعتبره سابقة في الاكتشافات الأثرية، قائلاً: «للمرة الأولى يتم العثور بمنطقة البهنسا الأثرية على بقايا آدمية بداخلها 13 لساناً وأظافر آدمية ذهبية لمومياوات من العصر البطلمي، بالإضافة إلى عدد من النصوص والمناظر ذات الطابع المصري القديم، والتي يظهر بعضها لأول مرة في منطقة البهنسا؛ مما يُمثل إضافة كبيرة لتاريخ المنطقة، ويسلط الضوء على الممارسات الدينية السائدة في العصر البطلمي»، وفق بيان لوزارة السياحة والآثار.

لوحات ومناظر تظهر لأول مرة في البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وأوضح أستاذ الآثار بجامعة القاهرة ومدير حفائر البعثة المشتركة الدكتور حسان إبراهيم عامر، أنه تم العثور على جعران القلب موجود في مكانه داخل المومياء، في إحدى المقابر المكتشفة، بالإضافة إلى العثور على 29 تميمة لـ«عمود جد»، وجعارين وتمائم لمعبودات مثل «حورس» و«جحوتي» و«إيزيس». في حين ذكر رئيس البعثة من الجانب الإسباني الدكتور أستر بونس ميلادو، أنه خلال أعمال الحفائر عثرت البعثة على بئر للدفن من الحجر المستطيل، تؤدي إلى مقبرة من العصر البطلمي تحتوي على صالة رئيسة تؤدي إلى ثلاث حجرات بداخلها عشرات المومياوات متراصّة جنباً إلى جنب؛ مما يشير إلى أن هذه الحجرات كانت قد استُخدمت كمقبرة جماعية.

وأضاف رئيس البعثة أنه «إلى جانب هذه البئر تم العثور على بئر أخرى للدفن تؤدي إلى ثلاث حجرات، ووجدوا جدران إحدى هذه الحجرات مزينة برسوم وكتابات ملونة، تمثل صاحب المقبرة الذي يُدعى (ون نفر) وأفراد أسرته أمام المعبودات (أنوبيس) و(أوزوريس) و(آتوم) و(حورس) و(جحوتي)».

إلى جانب ذلك، تم تزيين السقف برسم للمعبودة «نوت» (ربة السماء)، باللون الأبيض على خلفية زرقاء تحيط بها النجوم والمراكب المقدسة التي تحمل بعض المعبودات مثل «خبري» و«رع» و«آتوم»، حسب البيان.

مناظر عن العالم الآخر في مقابر البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وكان اللافت للانتباه، وفق ما ذكرته البعثة، هو «وجود طبقة رقيقة من الذهب شديدة اللمعان على وجه المومياء التي يقوم بتحنيطها (أنوبيس)، وكذلك على وجه (أوزوريس) و(إيزيس) و(نفتيس) أمام وخلف المتوفى». وأوضحت أن «هذه المناظر والنصوص تمثل صاحب المقبرة وأفراد أسرته في حضرة معبودات مختلفة، وهي تظهر لأول مرة في منطقة البهنسا».

وقال الخبير الأثري المصري الدكتور خالد سعد إن «محتويات المقبرة توضح مدى أهمية الشخص ومستواه الوظيفي أو المادي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر وجدت الكثير من الدفنات المماثلة من العصرين اليوناني والروماني، وكانت الدفنة سليمة؛ لم يتم نبشها أو العبث بها».

ويوضح الخبير الأثري أن «الفكر الديني في ذلك الوقت كان يقول بوضع ألسنة ذهبية في فم المومياوات حتى يستطيع المتوفى أن يتكلم كلاماً صادقاً أمام مجمع الآلهة».

ألسنة ذهبية تم اكتشافها في المنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

أما بالنسبة لتلابيس الأصابع (الأظافر الذهبية)، فهذا تقليد كان ينتهجه معظم ملوك الدولة الحديثة، وتم اكتشافها من قبل في مقبرة «توت عنخ آمون»، وكانت مومياؤه بها تلابيس في أصابع اليد والقدم، وفي البهنسا تدل التلابيس والألسنة الذهبية على ثراء المتوفى.

وتعدّ قرية البهنسا (شمال المنيا) من المناطق الأثرية الثرية التي تضم آثاراً تعود للعصور المختلفة من المصري القديم إلى اليوناني والروماني والقبطي والإسلامي، وقد عثرت فيها البعثة نفسها في يناير (كانون الثاني) الماضي على عدد كبير من القطع الأثرية والمومياوات، من بينها 23 مومياء محنطة خارج التوابيت، و4 توابيت ذات شكل آدمي.

مناظر طقوسية في مقابر منطقة البهنسا بالمنيا (وزارة السياحة والآثار المصرية)

وفسّر الخبير الأثري العثور على مجموعة من الأواني الكانوبية في المقابر بأنها «تحفظ أحشاء المتوفى، وهي أربعة أوانٍ تمثل أربعة من أولاد (حورس) يرفعون أطراف الكون الأربعة، وفقاً لعقيدة الأشمونيين، ويتمثلون في ابن آوى والقرد والإنسان والصقر، ويوضع في هذه الأواني المعدة والأمعاء والقلب والكبد، وكانت على درجة عالية من الحفظ، نظراً للخبرة التي اكتسبها المحنّطون في السنوات السابقة».

وأشار إلى أن «اللقى الأثرية الأخرى الموجودة بالكشف الأثري مثل الأواني الفخارية والمناظر من الجداريات... تشير إلى أركان طقوسية مرتبطة بالعالم الآخر عند المصري القديم مثل الحساب ووزن القلب أمام ريشة (ماعت)؛ مما يشير إلى استمرارية الديانة المصرية بكافة أركانها خلال العصر اليوناني والروماني، بما يؤكد أن الحضارة المصرية استطاعت تمصير العصر اليوناني والروماني».

بدورها، أشارت عميدة كلية الآثار بجامعة أسوان سابقاً الدكتورة أماني كرورة، إلى أهمية منطقة البهنسا، واعتبرت أن الكشف الجديد يرسخ لأهمية هذه المنطقة التي كانت مكاناً لعبادة «الإله ست» في العصور المصرية القديمة، وفق قولها، وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «هذه المنطقة كانت تضم العديد من المعابد والمنشآت العامة، فهناك برديات تشير إلى وجود عمال مكلفين بحراسة المنشآت العامة بها؛ مما يشير إلى أهميتها».