بقايا الدهون تكشف النظام الغذائي لحضارة «الِسند»

هيمنت عليها المنتجات الحيوانية

أحد الأواني الخزفية التي خضعت للاختبار
أحد الأواني الخزفية التي خضعت للاختبار
TT

بقايا الدهون تكشف النظام الغذائي لحضارة «الِسند»

أحد الأواني الخزفية التي خضعت للاختبار
أحد الأواني الخزفية التي خضعت للاختبار

كشفت تحليلات جديدة لبقايا الدهون في الأواني الخزفية القديمة، عن هيمنة المنتجات الحيوانية، مثل لحوم الحيوانات كالخنازير والماشية والجاموس والأغنام والماعز، وكذلك منتجات الألبان، على النظام الغذائي لحضارة «السند» في شمال غربي الهند (ولايتا هاريانا وأوتار براديش الحاليتان).
تضمنت الدراسة التي نشرت في 9 ديسمبر (كانون الأول) 2020 بدورية العلوم الأثرية، استخراج وتحديد الدهون والزيوت التي تم امتصاصها في الأواني الخزفية القديمة أثناء استخدامها في الماضي، حيث إن الدهون أقل عرضة للتحلل نسبياً، وتم اكتشافها في الفخار من الآثار. وهذه الدراسة هي الأولى التي تبحث في بقايا الدهون الممتصة في الفخار في حضارة السند، حيث يتيح التعرف على التحليل النظيري للأحماض الدهنية التمييز بين أنواع مختلفة من لحوم الحيوانات والحليب، وتتيح هذه التحليلات فهم استخدام الأوعية وما يتم طهيه فيها.
يقول الدكتور أكشيتا سوريانارايان، من قسم الآثار بجامعة كمبردج، والباحث الرئيسي بالدراسة في تقرير نشره الموقع الإلكتروني، «دراستنا لبقايا الدهون في فخار السند تظهر هيمنة المنتجات الحيوانية في الأواني، مثل لحوم الحيوانات غير المجترة كالخنازير، والحيوانات المجترة مثل الأبقار أو الجاموس والأغنام أو الماعز، وكذلك منتجات الألبان».
ومع ذلك، هناك تحديات تفسيرية، حيث كانت بعض النتائج غير متوقعة تماماً، على سبيل المثال، وجد الباحثون غلبة للدهون الحيوانية غير المجترة، رغم عدم وجود بقايا حيوانات مثل الخنازير بكميات كبيرة في مستوطنات السند، ومن الممكن أن تكون المنتجات النباتية أو خليط من المنتجات النباتية والحيوانية قد استخدمت أيضاً في الأوعية، مما أدى إلى نتائج غامضة، حسب سوريانارايان.
بالإضافة إلى ذلك، ورغم وجود نسب عالية من بقايا الحيوانات المجترة المحلية الموجودة في هذه المواقع، عثر الباحثون على أدلة مباشرة محدودة للغاية على استخدام منتجات الألبان في الأوعية، بما في ذلك الأوعية المثقبة التي تم اقتراح ربطها سابقاً بمعالجة الألبان.
يقول سوريانارايان، «أبلغت دراسة حديثة في دورية (ساينتفيك ريبوتس) عن المزيد من الأدلة على منتجات الألبان، بشكل أساسي في الأوعية بولاية غوجارات الهندية، وتشير نتائجنا إلى أنه قد تكون هناك اختلافات إقليمية، وسيساعدنا تحليل المزيد من الأوعية من مواقع مختلفة في استكشاف هذه الأنماط المحتملة».
ويشير الدكتور كاميرون بيتري من جامعة كمبردج البريطانية، والباحث المشارك بالدراسة، إلى نتيجة أخرى توصلوا إليها، وهي أن المنتجات المستخدمة في السفن عبر مواقع السند الريفية والحضرية في شمال غربي الهند متشابهة خلال الفترة (2500 - 1900 قبل الميلاد)، وهذا يشير إلى أنه حتى رغم أن المستوطنات الحضرية والريفية كانت مميزة، وأن الناس الذين يعيشون فيها يستخدمون أنواعاً مختلفة من الثقافة المادية والفخار، فقد يكون لديهم ممارسات طهي مشتركة وطرق تحضير المواد الغذائية.
ورغم هذه النتائج يضيف بيتري: «لا يزال فهمنا لتاريخ الطهي في جنوب آسيا محدوداً للغاية، لكن هذه النتائج توضح أن استخدام بقايا الدهون، جنباً إلى جنب مع التقنيات الأخرى في علم الآثار الحيوية، لديه القدرة على فتح طرق جديدة ومثيرة لفهم العلاقة بين البيئة والمواد الغذائية والثقافة المادية والمجتمع القديم». وتثني ولاء أبو باشا، الباحثة بقسم الأنثروبولوجيا البيولوجية بالمركز القومي للبحوث في مصر، على المنهجية التي اعتمدت عليها الدراسة، مشيرة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنها قد تكون أسهل بكثير من الأساليب الأخرى التي يمكن اتباعها، التي تعتمد على اكتشاف نظائر الكربون والنتروجين في أنسجة الشعر، حيث يمكن أن تشير تلك النظائر إلى النمط الغذائي.
واستخدمت أبو باشا هذه النظائر في اكتشاف النظام الغذائي في مجتمع من النوبة السودانية المعروف باسم «كلوبنارتي»، الذي ينتمي إلى الفترة من 550 - 800 (بعد الميلاد)، ونشرت بحثاً عن هذه الطريقة في أبريل (نيسان) من عام 2018 بدورية «العلوم الأثرية».
ونظائر الكربون هي المركبات التي تحتوي ذرات الكربون، التي تنقسم إلى نوعين هما «c3»، و«c4»، حيث توجد الأولى في نباتات الطقس المعتدل، بينما تظهر نظائر النيتروجين في نباتات الطقس الحار.



«إعادة التحريج»... عوائد إيجابية للمجتمعات الأفريقية

دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
TT

«إعادة التحريج»... عوائد إيجابية للمجتمعات الأفريقية

دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)
دراسة تؤكد زيادة النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار بأفريقيا (رويترز)

شهدت السنوات الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في الاهتمام بمبادرات «إعادة التحريج» بصفتها استراتيجية فعّالة لمواجهة آثار تغيّر المناخ وتحسين سبل معيشة السكان المحليين.

«إعادة التحريج»

تعني «إعادة التحريج»، وفق الأمم المتحدة، استعادة الأراضي التي كانت مغطاة بالغابات من خلال زراعة أشجار جديدة لتعويض الغطاء الحرجي المفقود، بخلاف التشجير الذي يركّز على زراعة أشجار في مناطق لم تكن غابات أصلاً.

وتهدف هذه العملية إلى معالجة تحديات بيئية كبيرة، مثل: التغير المناخي وتآكل التربة، كما تعزّز التنوع البيولوجي، فضلاً عن فوائدها البيئية، مثل تحسين جودة الهواء. وتُسهم «إعادة التحريج» في خلق فرص عمل وتحسين الأمن الغذائي.

ومن أبرز هذه المبادرات «تحدي بون» (Bonn Challenge)، الذي أُطلق عام 2011 بوصفه حملة عالمية، تهدف إلى إعادة تأهيل 350 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة والغابات بحلول عام 2030.

وتشمل هذه المبادرة أساليب متعددة؛ مثل: الزراعة المكثفة لتكوين غابات جديدة لأغراض بيئية أو إنتاجية، والزراعة المختلطة التي تدمج الأشجار مع المحاصيل، أو تربية الحيوانات لزيادة الإنتاجية، بالإضافة إلى التجدد الطبيعي حيث تترك الطبيعة لاستعادة الغابات ذاتياً دون تدخل بشري.

وفي دراسة أُجريت من قِبل فريق بحث دولي من الدنمارك وكندا والولايات المتحدة، تم تحليل تأثير «إعادة التحريج» في تحسين مستويات المعيشة لدى 18 دولة أفريقية، ونُشرت النتائج في عدد 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، من دورية «Communications Earth & Environment».

واعتمدت الدراسة على بيانات أكثر من 200 ألف أسرة بين عامي 2000 و2015. واستخدم الباحثون أساليب إحصائية دقيقة لتحديد العلاقة الإيجابية بين إعادة التحريج وتحسّن مستويات المعيشة.

واستندوا إلى مؤشرات متنوعة لقياس الفقر تشمل التعليم والصحة ومستويات المعيشة؛ حيث أظهرت النتائج أن زراعة الأشجار أسهمت بشكل مباشر في تحسين الدخل وتوفير فرص عمل، بالإضافة إلى آثار اقتصادية غير مباشرة. كما أظهرت أن مناطق زراعة الأشجار كان لها تأثير أكبر من مناطق استعادة الغابات الطبيعية في تخفيف حدة الفقر.

يقول الباحث الرئيس للدراسة في قسم علوم الأرض وإدارة الموارد الطبيعية بجامعة كوبنهاغن، الدكتور باوي دن برابر، إن الدراسة تطرح ثلاث آليات رئيسة قد تُسهم في تقليص الفقر، نتيجة لتوسع مزارع الأشجار أو استعادة الغابات.

وأضاف، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن الآليات تتمثّل في توفير الدخل من خلال بيع منتجات الغابات، مثل: المطاط أو زيت النخيل، ما يسمح للأسرة بزيادة مواردها المادية. كما أن زراعة الأشجار قد تؤدي إلى خلق فرص عمل للسكان المحليين، في حين يمكن أن تُسهم مناطق التجديد البيئي في تحسين الظروف البيئية، ما يفيد الأسر المحلية من خلال النباتات والحيوانات التي يمكن بيعها وتوفير دخل إضافي للسكان.

ووفقاً لنتائج الدراسة، هناك مؤشرات من بعض البلدان؛ مثل: أوغندا، وبنين، أظهرت زيادة في النشاط الاقتصادي في المناطق القريبة من مزارع الأشجار مقارنة بتلك التي لا تحتوي عليها.

تأثيرات الاستدامة

كما أشارت الدراسة إلى أن برامج التشجير في أفريقيا التي تهدف إلى استعادة أكثر من 120 مليون هكتار من الأراضي عبر مبادرات، مثل: «السور الأخضر العظيم»، و«الأجندة الأفريقية لاستعادة النظم البيئية»، تمثّل جهداً كبيراً لمكافحة الفقر وتدهور البيئة.

وتُسهم نتائج الدراسة، وفق برابر، في النقاش المستمر حول استدامة تأثيرات زراعة الأشجار في التنوع البيولوجي والمجتمعات المحلية، من خلال تسليط الضوء على الفوائد المحتملة لهذه المبادرات عندما يتمّ تنفيذها بشكل مدروس ومتوازن. كما أظهرت أن مبادرات زراعة الأشجار، مثل «تحدي بون»، يمكن أن تؤدي إلى نتائج إيجابية للمجتمعات المحلية، سواء من حيث تحسين مستوى المعيشة أو تعزيز التنوع البيولوجي.

وتوصي الدراسة بأهمية مشاركة المجتمعات المحلية في هذه المبادرات بصفتها شرطاً أساسياً لضمان استدامتها ونجاحها، فالتفاعل المباشر للمجتمعات مع المشروعات البيئية يزيد من تقبلها وفاعليتها، مما يعزّز فرص نجاحها على المدى الطويل.