مراحل مصادقة «متعثّرة» على نتيجة الانتخابات

يجتمع المشرعون في 6 يناير للمصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية (أ.ف.ب)
يجتمع المشرعون في 6 يناير للمصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية (أ.ف.ب)
TT

مراحل مصادقة «متعثّرة» على نتيجة الانتخابات

يجتمع المشرعون في 6 يناير للمصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية (أ.ف.ب)
يجتمع المشرعون في 6 يناير للمصادقة على نتائج الانتخابات الرئاسية (أ.ف.ب)

لطالما اعتبرت جلسة الكونغرس المشتركة لفرز الأصوات الانتخابية بمثابة جلسة بروتوكولية ورمزية، لكنّ جهود الرئيس دونالد ترمب المتكررة لتحدي فوز الديمقراطي جو بايدن ودعم مساعيه المفاجئ من طرف مشرعين جمهوريين ستلفت الانتباه أكثر من المعتاد إلى الجلسة المشتركة لمجلس الشيوخ ومجلس النواب المقررة الأربعاء، كما ذكرت وكالة «أسوشييتد برس».
وتعد عملية الإحصاء التي سيقوم بها الكونغرس الخطوة الأخيرة في إعادة تأكيد فوز بايدن، بعد أن انتخبه المجمع الانتخابي رسمياً في 14 ديسمبر (كانون الأول).
وقال الجمهوريون الذين يرددون نفس مزاعم ترمب بحدوث تزوير في الانتخابات، إنهم سيعترضون رسمياً على النتائج، كما أنهم سيقومون بفرض التصويت في مجلس الشيوخ الذي يديره الجمهوريون ومجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون. وكانت مجموعة من الجمهوريين في مجلس النواب تبحث عن عضو في مجلس الشيوخ للتوقيع على هذا الطلب، وجاء هذا الدعم من 12 سيناتورا جمهوريا كان في مقدمتهم السيناتور جوش هاولي الذي بادر بالاعتراض على المصادقة الأسبوع الماضي، وهو منافس محتمل في الانتخابات التمهيدية الرئاسية للحزب الجمهوري في 2024، والسيناتور المقرب من ترمب والذي يحظى بشعبية واسعة تيد كروز.
ويأتي تحدي مجموعة الجمهوريين رغم مناشدة زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، أعضاء مجلس الشيوخ من حزبه ألا ينضموا إلى جهد مجلس النواب غير المجدي. وقال ماكونيل للجمهوريين في نداء خاص الشهر الماضي إنه سيكون «تصويتاً مروعاً» بالنسبة إلى الجمهوريين في مجلس الشيوخ.
> ماذا يحدث عندما يجتمع الكونغرس؟
بموجب القانون الفيدرالي، فإنه يجب أن يجتمع الكونغرس في 6 يناير (كانون الثاني) لفتح الشهادات المختومة من كل ولاية والتي تحتوي على سجل الأصوات الانتخابية، ويتم إحضار الأصوات إلى مقر الكونغرس في صناديق.
ويقوم ممثلو كلا المجلسين من الحزبين بقراءة النتائج بصوت عالٍ وإجراء إحصاء رسمي لها، ويترأس الجلسة نائب الرئيس مايك بنس، ثم يقوم بإعلان الفائز.
> ماذا يتطلب الدستور الأميركي؟
يتطلب الدستور من الكونغرس الاجتماع وفرز الأصوات الانتخابية، وإذا كان هناك تعادل، فإن مجلس النواب يقرر من هو الرئيس، حيث يكون لدى كل وفد في الكونغرس صوت واحد فقط، ولم يحدث هذا منذ القرن التاسع عشر. وهذا العام يبدو فوز بايدن الانتخابي على ترمب حاسما أيضاً، حيث حصل الأول على 306 أصوات من المجمع الانتخابي مقابل 232 للثاني.
> كيف ستنتهي الجلسة؟
يجتمع المجلسان في منتصف النهار لفرز الأصوات، وإذا لم يستطع نائب الرئيس ترؤس الجلسة، فمن الممكن أن يقوم السيناتور الأطول خدمة في حزب الأغلبية بترؤسها بدلاً منه، وفي هذه الحالة سيكون هو السيناتور تشاك غراسلي، الجمهوري من ولاية أيوا.
ويقوم رئيس الجلسة بافتتاحها، ثم يقدم شهادات التصويت بالترتيب الأبجدي للولايات، ثم يقوم المعينون من كل غرفة، أعضاء من الحزبين، بتلاوة كل شهادة بصوت عالٍ، ويقومون بتسجيل الأصوات وفرزها، ويعلن رئيس الجلسة من فاز بأغلبية أصوات الرئيس ونائبه.
> ماذا لو كان هناك اعتراض على النتائج؟
بعد أن يقرأ الأعضاء الشهادة من الولاية، يمكن لأي عضو الوقوف والاعتراض على تصويت تلك الولاية لأي سبب من الأسباب، لكن رئيس الجلسة لن يستمع إلى هذا الاعتراض ما لم يكن مكتوباً وموقّعاً من كلٍّ من عضوٍ من مجلس النواب وعضوٍ من مجلس الشيوخ على الأقل.
وفي حالة وجود مثل هذا الطلب المشترك، يتم تعليق الجلسة المشتركة ويدخل مجلسا النواب والشيوخ في جلسات منفصلة للنظر فيه. ومن أجل استمرار الاعتراض، فإنه يجب أن يوافق كلا المجلسين عليه بأغلبية بسيطة، وإذا لم يتفق كلاهما، فتُحسب الأصوات الانتخابية الأصلية.
وكانت آخر مرة تم فيها النظر في مثل هذا الاعتراض في عام 2005 عندما اعترضت النائبة ستيفاني تابس جونز من ولاية أوهايو، والسيناتور باربرا بوكسر من كاليفورنيا، وكلاهما ديمقراطيان، على الأصوات الانتخابية في ولاية أوهايو بدعوى وجود مخالفات في التصويت، وناقش كلا المجلسين الاعتراض ولكن تم رفض الطلب، وكانت هذه هي المرة الثانية فقط التي يتم فيها مثل هذا التصويت.
> هل يمكن أن ينجح تحدي فوز بايدن؟
يعتبر نجاح هذه المساعي مستبعدا، وذلك بالنظر إلى أن مجلس النواب يسيطر عليه الديمقراطيون وأن العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، بما في ذلك ماكونيل، أقروا بفوز بايدن. فقد طلب ماكونيل من زملائه أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين في طلب خاص في 15 ديسمبر (كانون الأول) عدم الانضمام إلى أي اعتراض من مجلس النواب.
ووافق العديد من الجمهوريين رفيعي المستوى على طلب ماكونيل، وقال العضو الجمهوري الثاني في مجلس الشيوخ، السيناتور عن ولاية ساوث داكوتا جون ثون، في وقت سابق إنه إذا أُجبر مجلس الشيوخ على التصويت على تحدٍّ ما فإنه «لن ينجح، وذلك لأنه ليس من المنطقي إخضاع أعضاء مجلس الشيوخ للتصويت عندما يكونون مدركين النتيجة النهائية».
وقال السيناتور الجمهوري عن ولاية تكساس جون كورنين، إن أي جهد من هذا القبيل من الجمهوريين في الكونغرس سيكون «غير مجدٍ» وخطأ. ولم يكن هناك تزوير واسع النطاق في الانتخابات، وذلك حسب تأكيد مجموعة من مسؤولي الانتخابات وويليام بار، الذي استقال من منصب المدعي العام الأسبوع الماضي.
> ما دور بنس؟
غالباً ما يكون دور نائب الرئيس في جلسة الكونغرس مُحرجاً، كما هو الحال بالنسبة إلى بنس، الذي سيُكلف بإعلان فوز بايدن، وهزيمته، بمجرد فرز الأصوات الانتخابية، وسيكون الأمر متوتراً بشكل خاص بالنسبة لعضو الكونغرس السابق عن ولاية إنديانا لأن رئيسه، ترمب، رفض التنازل لصالح بايدن.
لكنه لن يكون أول نائب للرئيس في موقف غير مريح، ففي عام 2001 أشرف نائب الرئيس آل غور على إحصاء انتخابات 2000 الرئاسية التي خسرها بفارق ضئيل أمام الجمهوري جورج دبليو بوش، وكان على آل غور أن يُسقط العديد من اعتراضات الديمقراطيين. وفي 2016 أشرف بايدن على الإحصاء الذي أعلن فيه فوز ترمب، كما أسقط بايدن اعتراضات الديمقراطيين في مجلس النواب التي لم تحظَ بأي دعم من مجلس الشيوخ.
> ماذا بعد المصادقة؟
الجلسة المشتركة هي آخر فرصة رسمية لتقديم اعتراضات، وذلك بخلاف الدعاوى القضائية التي أثبتت حتى الآن عدم فاعليتها بالنسبة إلى ترمب وفريقه. وقال كورنين الشهر الماضي: «أعتقد أن هناك وقتاً يجب أن تدرك فيه أنه رغم بذل قصارى جهدك، فإنك لم تنجح».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟