النيابة السودانية توقف اثنين من كبار اختصاصيي الطب الشرعي

بشبهة كتابة تقارير تشريح غير قانونية لدفن ضحايا تعذيب وقتل

جانب من مظاهرات شعبية شهدتها الخرطوم في ديسمبر 2020 بذكرى الثورة التي إطاحت نظام البشير (أ.ب)
جانب من مظاهرات شعبية شهدتها الخرطوم في ديسمبر 2020 بذكرى الثورة التي إطاحت نظام البشير (أ.ب)
TT

النيابة السودانية توقف اثنين من كبار اختصاصيي الطب الشرعي

جانب من مظاهرات شعبية شهدتها الخرطوم في ديسمبر 2020 بذكرى الثورة التي إطاحت نظام البشير (أ.ب)
جانب من مظاهرات شعبية شهدتها الخرطوم في ديسمبر 2020 بذكرى الثورة التي إطاحت نظام البشير (أ.ب)

ألقت النيابة العامة السودانية القبض على اثنين من كبار اختصاصي الطب الشرعي، على خلفية اتهامات تتعلق بتقارير طبية دُفن بموجبها ضحايا جريمة فض الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم عام 2019. وذلك إثر العثور على مقابر جماعية لأشخاص تم قتلهم ودفنهم قرب «جبال المرخيات» (شمال أم درمان) في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
ونقلت صحيفة «سودان تربيون» عن مصادر عدلية أن لجنة التحقيق في الاختفاء القسري للأشخاص، المكونة بقرار النائب العام تاج السر الحبر، ألقت القبض على مدير مشرحة أم درمان، ومدير هيئة الطب العدلي السابق، على خلفية تحقيقات عن دفن جثامين تعود لجريمة فض الاعتصام أمام القيادة العامة، بصورة مخالفة للإجراءات القانونية.
واستخدمت قوات من الجيش والدعم السريع القوة المفرطة في فض الاعتصام السلمي أمام القيادة العامة للقوات المسلحة وسط الخرطوم، في 3 يونيو (حزيران) 2019، ما أدى لمقتل أكثر من 200 شخص، وإصابة ألف، وعشرات المفقودين، إلى جانب عمليات اعتداء جنسي طالت أشخاصاً من الجنسين، في وقت تتمسك فيه السلطات الصحية بأن عدد القتلى لا يتجاوز 85 شخصاً، وفقاً لما ذكرته الصحيفة.
وقالت النيابة العامة، في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إنها عثرت على مقابر جماعية في منطقة جبال المرخيات (شمال مدينة أم درمان)، يرجح أنها تضم رفات أشخاص تم قتلهم ودفنهم عقب جريمة فض الاعتصام.
وأدى اعتصام سلمي أمام القيادة العامة للجيش، في 6 أبريل (نيسان) 2019، إلى إسقاط حكم الإسلاميين في السودان. بيد أن المعتصمين واصلوا اعتصامهم مطالبين بتكوين حكومة مدنية، ومحاسبة رموز النظام المعزول، وتفكيك بنيته السياسية والاقتصادية. وفي أثناء التفاوض بين العسكريين وقادة الثوار، في 3 يونيو (حزيران) 2019، فضت قوات عسكرية الاعتصام، وأعقب ذلك إعلان رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح البرهان وقف التفاوض، وقطعت شركات الاتصالات خدمة الإنترنت، وشهدت الخرطوم ومدن أخرى في البلاد مطاردات وملاحقات للثوار استمرت لأكثر من يوم عقب فض الاعتصام.
وأخضعت وزارة الصحة في الخرطوم مدير مشرحة مستشفى أم درمان للتحقيق، بعد أن أوقفته عن العمل، بسبب تقرير تشريح حول ملابسات مقتل شاب سوداني تحت التعذيب داخل معتقل يتبع لقوات الدعم السريع، زعم فيه أن الوفاة لم تنتج عن شبهة جنائية، بل بسبب علة مرضية، مشيراً إلى عدم وجود آثار عنف ظاهرة على الجثة.
وتبعاً لطلب ذوي القتيل، أمر النائب العام بإعادة تشريح الجثمان، وتوصل تقرير التحقيق في الجريمة إلى وجود كدمات تحت فروة الرأس وعلى جانبي الصدر، لم تثبت في تقرير الطبيب، مع نزع ظفر الأصبع الكبير للقدم اليسرى. وخلص إلى أن الوفاة نتجت عن أنزفة في المخ ناتجة عن الإصابة بجسم صلب، وليس حالة مرضية، بعكس ما ذكر تقرير الطبيب الموقوف.
وأوقفت وزارة الصحة بالخرطوم، الأسبوع الماضي، مدير مشرحة أم درمان عن العمل، وأحالته للتحقيق الإداري، على خلفية التقرير الذي استبعد فيه الشبهة الجنائية في مقتل الشاب بهاء الدين نوري الذي قتل تحت التعذيب في أحد مراكز الاحتجاز التابعة لقوات الدعم السريع. ونقلت «الشرق الأوسط»، في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عن النيابة العامة السودانية، العثور على مقابر جماعية رجحت البيانات وقتها أنها تضم جثامين أشخاص مفقودين قتلوا ودفنوا بصورة «تتنافى مع الكرامة الإنسانية».
وشهدت الخرطوم في أثناء فض الاعتصام السلمي من أمام القيادة العامة للجيش مقتل العشرات، وسقوط مئات الجرحى، وفقدان العشرات من الذين لا يزال مصيرهم مجهولاً.
وذكرت وسائط التواصل الاجتماعي وقتها، استناداً إلى شهود عيان، أن العشرات قتلوا في ساحة الاعتصام، وألقيت جثثهم في النيل، وهو ما دفع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لتكوين لجنة تحقيق، برئاسة المحامي الشهير نبيل أديب، للتحقيق في الجريمة ومعرفة ملابساتها.
وأعلن الأسبوع الماضي عن مثول عدد من قادة المجلس العسكري الانتقالي أمام لجنة التحقيق لأخذ إفاداتهم، وينتظر أن تكمل اللجنة سماع إفادات بقية أعضاء المجلس العسكري الانتقالي الذي تسلم السلطة بعد سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير، ومن ثم أصبحوا أعضاء مجلس السيادة الانتقالي، بما فيهم رئيسه عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».