جورج كلوني يرصد أرضاً تنزف وفضاءً مجهولاً

في فيلمه الجديد «ذا مدنايت سكاي»

‬«ذا مدنايت سكاي»
‬«ذا مدنايت سكاي»
TT

جورج كلوني يرصد أرضاً تنزف وفضاءً مجهولاً

‬«ذا مدنايت سكاي»
‬«ذا مدنايت سكاي»

في روايتها الأولى، «صباح الخير مدنايت» (Goodmorning Midnight) تتجاهل المؤلفة ليلي بروكس - دالتون الحديث عن السبب الذي من أجله لم يعد كوكب الأرض مكاناً صالحاً للحياة. تبحر في موضوع الوحدة والندم والألم بعدما انتهت الحياة على الأرض وبقي فيها أفراد منعزلون بعضهم معلق في السماء وبعضهم باق وسط عواصف القطب الشمالي الثلجية.
لكن المؤلفة تذكر في الصفحة الخامسة أن حرباً ضروساً نشبت. تمر على ذلك سريعاً ثم تبني أحداثها على التبعات وحدها.
في العام الماضي تتسلم جورج كلوني دعوة من شركة نتفلكس للقيام ببطولة فيلم مقتبس عن الرواية (قام الروائي والسيناريست مارك ل. سميث بالاقتباس) تنتجه الشركة ويتولى هو بطولته.
«عندما قرأت السيناريو راقني إلى درجة أنني اتصلت بنتفلكس وقلت لهم موافق عليه لكني أود أن أخرجه كذلك».
وأضاف جورج كلوني في لقاء افتراضي: «ما أعجبني فيه هو الشخصية المرسومة لهذا الرجل الذي لا تعيش معه في وحدته إلا ذكرياته لما قبل الفاجعة التي أدت به إلى العيش منفرداً في ذلك المكان. لكني وجدت السيناريو نوعا من الأعمال الخيال - علمية التي تروق لي».

- عالقون
«ذا مدنايت سكاي»، كما صار اسمه، هو عن أحداث تقع بعد 28 سنة من عالمنا اليوم. وهو عالم مهدد الآن بالدمار شاملاً أو جزئياً ما يجعل الفيلم، كسواه من الأفلام التي تتنبأ بموت الحياة على الكوكب (إن لم نقل الكوكب ذاته)، قابلاً للصرف ذهنياً. يستوعبه المشاهد ويتعامل معه على أساس احتمالاته.
هو ليس الفيلم الذي يقع فيه حدث مثير كل عشر دقائق. ليس الخيال العلمي الذي يمكن إدراجه في قائمة تضم سلسلة «ستار وورز» مثلاً. التعريف الأفضل هو أنه نوع من أفلام الخيال العلمي الذي يتعامل والذهن ويتطلب من المشاهد ما تتطلبه «سولاريس» لأندريه تاركوڤسكي من متابعة صبورة وتشغيل البال في المفادات التي بين لقطاته ومشاهده.
نعم هناك القدر المعلوم من مشاهد الخطر وهناك إثارة حسية تسبق تلك المشاهد وتمر بها وتتبعها، لكن الإثارة ليست جدول أعماله بل التمعن في حالتين متباعدتين: عالم متقدم في السن اسمه أغوستين (جورج كلوني) يعيش منفرداً في مركز اختبار في القطب، وطاقم رحلة فضائية تم إطلاقها صوب العمق البعيد وهي الآن في سبيلها للعودة إلى الأرض حسب المهمة المناطة بها.
الرجل الذي على الأرض والطاقم المؤلف من امرأتين وثلاثة رجال في الفضاء كلهم عالقون ومعلقون. هو عالق في مكانه ومريض بالسرطان الآتي مع الهواء الملوث وهم معلقون في الفضاء حيث لا مكان آخر للذهاب إليه ولو أن اثنين من أفراد الطاقم يقرران الانفصال في مركبة تعود به إلى الأرض على أي حال.
في مطلع الفيلم يكتشف أغوستين إن هناك فتاة صغيرة في مختبره لجأت إليه بعدما ضلت طريقها وتم ترحيل كل القاطنين في تلك الربوع. يحاول الاتصال بمن يستطيع العودة لأخذها لكن الإرسال ضعيف. يقرر الانتقال إلى موقع آخر يعرف أن الإرسال منه أفضل. هذا الوضع مقدمة رحلة خطرة لثلاثة أيام وسط العواصف العاتية والذئاب المتربصة ومخاطر السقوط في صقيع الماء. إنها الرحلة التي ينفذها كلوني، مخرجاً، بإجادة مزدوجة: كتنفيذ حرفي متقن وكعلاقة إنسانية تربط كل منهما بالآخر.
«ذا مدنايت سكاي» في صميمه صرخة لا ضد ما سيحدث للأرض (إذ هي انتهت بحسب الفيلم) بل ما سيحدث لمن يبقى حياً فوقها أو في المحيط الفضائي الشاسع. عن الرغبة في إيجاد البديل وقتما البديل ليس متوفراً بعد لكنه مأمول بسبب رغبة الإنسان الطبيعية في أن يواصل الحياة. ففي نهاية الفيلم إذ تبقى الشابة سولي (فيليسيتي جونز) مع شريكها في الرحلة الأفرو - أميركي أدوول (ديفيد أويلوو) بعد انفصال الملاحين المتجهين للأرض وموت زميلتها في (حادثة فضائية) يقول لها شريكها «أعتقد أننا وحدنا الآن»، فترد «فقط نحن».
العبارة قد تكون مفتاح مستقبل ما وقد تكون مجرد خاتمة حزينة إذ ستجوب المركبة الفضاء بلا نهاية. لكن من يبقى متابعاً العناوين والأسماء في نهاية الفيلم سيلحظ توجههما إلى خلفية المشهد ووقوفهما معاً قريبين بشكل ملحوظ في مزج من العواطف والحقائق وطبيعة التصرف في مثل هذه الأحوال.

- حسن تنفيذ
هذا الفيلم السابع لجورج كلوني يتجه بعيداً عما سبقه. هو ليس أول فيلم خيال علمي قام بتمثيله. سبق له وأن قاد بطولة النسخة الأميركية من «سولاريس» (أخرجها ستيڤن سودربيرغ وشارك في الظهور أمام ساندرا بولوك في «جاذبية» لألفونسو كوارون. لكن حقيقة إنه هو من يدير الفيلم بأسره تجعل التجربة بأسرها خطوة فضائية محسوبة جيداً وبإجادة تتجاوز ما سبق للفيلمين أن حملاه من شأن بالنسبة إليه. على الصعيد الفني تناول كلوني الفيلم بإمعان في حال كلوني الممثل. ذلك الرجل الواهن الذي عليه تحذير المركبة من العودة إلى الأرض، وهي رسالة إنسانية كبيرة، والحفاظ على حياته وحياة تلك الطفلة التي باتت تشاركه المكان وغموض المستقبل.
وفي مكان ما رمى كلوني ماضي بطله المقلق وشعوره بالذنب بعدما فقد زوجته وابنته. في النهاية سيسمع صوت ابنته (لا أريد الإفصاح أكثر من ذلك) ونلاحظ الدفء الكبير بين شخصين افترقا منذ زمن بعيد.
على الجانب التقني، «ذا مدنايت سكاي» ثري بتنفيذ يضعه على مقربة من أهم أفلام الفضاء قاطبة. ليس أن الفيلم بأسره يدور بين الكواكب بل يواصل الانتقال بسلاسة بين الأرض وموقع المركبة، بل تلك المشاهد التي تقع خارج المركبة عندما تصيب نيازك أشبه بالقذائف المصوبة الرادار ويصير لزاما على الطاقم الخروج لإصلاحها تحمل توتراً كبيراً وحسن تنفيذ مشهود.
موسيقا ألسكندر دسبلات تتدخل حين الحاجة وتبتعد عن الضجيج الذي يصاحب أعمال مؤلفين موسيقيين آخرين مولعين بتفعيل اللحن ليصبح جزءاً من التوتر. على العكس تبقى ضمن معطيات الفيلم واختيار المخرج لمعالجته. فالفيلم مبني ومنفذ ليكون صوتاً للصمت الناتج عن خلو الأمكنة على الأرض وفي السماء. ومعالج كوضع تتأمله ولا تستجيب حسياً له إلا بمقدار نجاح ذلك التأمل الناضج.
إذ تستمتع إليها وهو تمر مثل سحاب رقيق فوق الأحداث، تستجيب لدعوتها للمشاركة في غيبيات وغموض ما يدور. وهذه ليست المرة الأولى التي تنجح فيها موسيقى دسبلات في التحول إلى عنصر تأييد لما نراه عوض أن تكون عنصر إثارة من طبول وضجيج. سبق له وأن عالج «شجرة الحياة» لترنس مالك و«ذا كوماند» لتوماس ڤنتربيرغ بالحساسية ذاتها.
سيناريو مارك ل. سميث يفي الفيلم بهذه المعالم المختلفة. سميث هو كاتب فيلم «الانبعاث» الذي قام أليخاندرو إيناريتو بإخراجه سنة 2015 والجامع بينهما رحلة فردية لرجل وسط مجاهل الأرض والمستقبل. لكن الفيلم الجديد يضيف إلى ذلك الشعور بأن الأرض تنزف وأن المستقبل يشبه الفيلم على نحو أو آخر.
جورج كلوني في قلب كل هذا هو روح الفيلم. رجل يدرك مصابه ومصاب العالم ويعيش أحزان المصابين. يسوده الوهن شعوراً وجسداً ولا ينتفض ذلك الوهن بعيداً إلا خلال تلك الرحلة الصعبة من مختبره إلى المركز البعيد وسط الثلوج حيث يلج مع الفتاة الصغيرة مغامرة حياة أو موت.
هذا الفصل من الأحداث على الأرض، والفصل الموازي له للمركبة التي تتعرض لقاذفات النيازك هما الأكثر تجسيداً لحس المغامرة. وكلوني يجيدهما في الوقت الذي يحذر فيه من تحويل الفيلم إلى مجرد مغامرة لإثارة التشويق وتوجيه الخيال إلى حيث لا يقصد الفيلم أن يكون.


مقالات ذات صلة

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

يوميات الشرق المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا.

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».