العراق في ذروة الصراع الأميركي ـ الإيراني «يخمّن» الأضرار

أنصار الفصائل الموالية لإيران يتظاهرون في بغداد أمس حاملين صور قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس (أ.ف.ب)
أنصار الفصائل الموالية لإيران يتظاهرون في بغداد أمس حاملين صور قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس (أ.ف.ب)
TT

العراق في ذروة الصراع الأميركي ـ الإيراني «يخمّن» الأضرار

أنصار الفصائل الموالية لإيران يتظاهرون في بغداد أمس حاملين صور قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس (أ.ف.ب)
أنصار الفصائل الموالية لإيران يتظاهرون في بغداد أمس حاملين صور قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس (أ.ف.ب)

في الساعات الماضية تبادلت دوائر القرار الأمني في العراق دفقاً هائلاً من المعلومات والتحليلات عما سيجري في الذكرى الأولى لاغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني؛ هل ستنتقم إيران وحلفاؤها، وكيف سترد واشنطن؟ تخمينات ومؤشرات غير مكتملة، الثابت فيها أن العراق مسرح الاحتمالات.
«الخطة هي اللا خطة»، يعترف مسؤول عراقي رفيع بأن خلاصة التحليلات التي وردت في تقارير حكومية طارئة بشأن التوتر الإقليمي، لا تقدم سوى سيناريوهات، ينقض بعضها الآخر.
وتعكس هذه المرحلة من النزاع الأميركي - الإيراني ذروته الأقصى، منذ أن تراجع الطرفان عن ضبط «قواعد الاشتباك» لأسباب جيوسياسية بعد انتهاء المعارك ضد «تنظيم «داعش» عام 2017، ومن ثم الاستغناء عنها تماماً منذ مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، في الثالث من يناير (كانون الثاني) الماضي. ويثق خبراء عراقيون في أن بلوغ النزاع الإقليمي هذه المستويات الخطيرة، والعلنية، سببه عجز المنظومة السياسية العراقية عن فرض إيقاعها على مسار الأحداث، إلى جانب تحولات عاصفة في منطقة الشرق الأوسط.
الفوضى هي خلاصة التقييمات العراقية عن طبيعة التهديدات بين واشنطن وطهران، ومنذ يوم الخميس حتى ساعة كتابة هذا التحليل، تقلبت الأمور بشكل متسارع. وبينما كانت تحلق قاذفات سلاح الجو الأميركي في منطقة الخليج دون توقف، في استعراض واضح للقوة، تحدث مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية لوسائل إعلام غربية عن قرار بسحب حاملة الطائرات البحرية، العاملة الوحيدة في المنطقة، ولأن القرار لم يعلن عنه رسمياً حتى الساعة، فإن المؤشرات تقول إن هناك انقساماً أميركياً بشأن تقييم مستوى التهديد الإيراني.
في بغداد، تلخص مصادر رفيعة مستوى التهديدات بمعلومات منقوصة تعتمد كثيراً على التخمين، إلى ثلاثة احتمالات. تقول إن بغداد «ليس لديها يقين ثابت عما سيجري»؛ لأن جزءاً كبيراً من التجاذبات والتفاهمات الحذرة يمر بقنوات خاصة بين إدارة بايدن وطهران، دون المرور بغداد، المعنية أكثر بتلقي شظايا النزاع.
«لن تحدث» الحرب المفتوحة، يقول مستشارون سياسيون في كتل شيعية كبيرة «حتى لو طارت القاذفات أسبوعاً كاملاً دون توقف»، ويستند هؤلاء لاستبعاد هذا السيناريو إلى معلومات من دوائر سياسية إيرانية تفيد بأن النظام في طهران يواجه حسابات معقدة بين مراقبة تحركات الرئيس الخاسر دونالد ترمب، والترحيب بالضغط على الفائز بالبيت الأبيض جو بايدن.
وفي أجواء هذه الحسابات، يزداد التعقيد على إيران من جهة القدرة اللوجيستية على تنفيذ هجمات نوعية، كما أنها تدرك أن مواقعها الاستراتيجية مكشوفة أمام القوات الأميركية، وهذا ما تفسره التصريحات الأخيرة لقائد «قوة القدس» في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال إسماعيل قاآني، عندما قال إن الانتقام من الأميركيين «سيتم من داخل بيوتهم»، في إشارة إلى عمليات تقليدية، في غير مسرح العراق.
استبعاد الحرب المفتوحة، يرفع من أسهم احتمالات تقليدية للاشتباك بين طهران وواشنطن. ففي بغداد، ومنذ ليلة رأس السنة، انتشرت مجموعات تنتمي إلى فصائل شيعية مسلحة في الشوارع، النية المعلنة من لافتات قاموا برفعها كانت الاستعداد لحفل تأبين يوم الأحد يرجح أن يقام في ساحة التحرير، لكن مصادر عراقية، قالت إنها اطلعت على تقارير أمنية، ترجح أن يكون هذا التحشيد مقدمة لأفعال انتقامية مباشرة ضد مصالح أميركية في العاصمة.
أمام جمهور إيراني، في مجلس عزاء لجامعة طهران أقيم الجمعة، قال رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، إن «العراقيين هم أصحاب العزاء في ضيفنا المغدور قاسم سليماني»، وفي الميدان تترجم هذه التصريحات إلى فعاليات تستقطب جمهوراً موالياً وغاضباً، قد «يعبر عن غضبه ورغبته في الانتقام بأي طريقة»، كما يصف قيادي ميداني في فصيل شيعي.
ويقدر مسؤولون عراقيون السيناريو «المتاح» لتنفيذ عمليات انتقامية، عبر إحالة المهمة إلى الجمهور الموالي، واستعمال الطرق التقليدية في تنفيذ هجمات على غرار اقتحام السفارة الأميركية في بغداد، رغم أن نخبة طاقمها الدبلوماسي تم ترحيلها إلى مواقع بديلة داخل العراق وخارجه.
قبل أيام أوفد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي المستشار أبو جهاد الهاشمي إلى طهران، وهو أحد المساعدين الجدليين لرئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي. طهران رفعت السرية عن الزيارة التي تضمنت اجتماعات مع مسؤولين إيرانيين، في حين تحدثت المصادر عن اجتماع منفصل مع زعيم عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، لإعادة ضبط الهدنة مع الأميركيين.
لا معلومات موثقة عن نتائج هذه الاجتماعات، لكنها جزء من محاولات حكومية مع قادة الفصائل لكبح جماحها في الميدان. وتقول المصادر، إن خطة الكاظمي لتفادي تفجر الوضع بين واشنطن وطهران يشمل تشغيل خطين بالتزامن، يقضي الأول بفتح حوارات جدية مع الإيرانيين والفصائل لمنعها لوقف التصعيد، ويتضمن الآخر إظهار مستوى أعلى من القوة بوجه الجماعات المسلحة في العراق، ويبدو أن المسؤولين العراقيين مقتنعون بجدوى هذا السيناريو لإقناع طرفي الصراع بالابتعاد عن الميدان العراقي، لكن المعطيات لا ترجحه حتى الساعة.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.