تساؤلات حول جدوى مبادرة «اتحاد الشغل» التونسي لحل الأزمة

الأحزاب الداعمة للحكومة لا ترى أي «ضرورة للحوار»

الحكومة التونسية ستستقبل السنة الجديدة بموجة ثانية من الإضرابات المقررة في يناير (إ.ب.أ)
الحكومة التونسية ستستقبل السنة الجديدة بموجة ثانية من الإضرابات المقررة في يناير (إ.ب.أ)
TT

تساؤلات حول جدوى مبادرة «اتحاد الشغل» التونسي لحل الأزمة

الحكومة التونسية ستستقبل السنة الجديدة بموجة ثانية من الإضرابات المقررة في يناير (إ.ب.أ)
الحكومة التونسية ستستقبل السنة الجديدة بموجة ثانية من الإضرابات المقررة في يناير (إ.ب.أ)

بعد نحو شهر من طرح مبادرة «اتحاد الشغل» التونسي على مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية للخروج من الأزمة السياسية والاجتماعية التي تعرفها البلاد، أصبحت هذه المبادرة محل تساؤلات كثيرة، نتيجة تباين المواقف منها، وتباطؤ الرئيس قيس سعيّد في تبنيها ووضعها تحت إشرافه المباشر.
وإذا كانت القيادات النقابية والأحزاب المعارضة (أغلبها من اليسار) تصر على ضرورة فتح حوار وطني يشمل جميع المجالات، بما فيها تعديل القانون الانتخابي لتشكيل مشهد سياسي مختلف، فإن الأطراف الداعمة حكومة هشام المشيشي لا ترى أن هناك حاجة إلى الحوار، وتعتبر أن الدور موكول للسلطتين التنفيذية والتشريعية لتحمّل مسؤوليتهما في إيجاد حلول اقتصادية واجتماعية ومالية تساعد على تجاوز الأزمة. مؤكدة على ضرورة تحرك الحكومة من أجل «إنقاذ اقتصادي واجتماعي».
ولا تدعو مبادرة «اتحاد الشغل» إلى إلغاء البرلمان أو الحكومة، وأوكلت لرئاسة الجمهورية مهمة احتضان «الحوار الوطني»، دون التقيد بالآليات السابقة التي جرى اتباعها، وهو ما يعني وفق مراقبين أن الحوار سيكون أكثر تأطيراً، وغير خاضع لشروط الأحزاب، التي كانت طرفاً في الأزمة أو متسببة فيها.
وتخشى قيادات حركة النهضة الإسلامية من إعادة سيناريو 2013، حينما دعا الرباعي الراعي للحوار، والمكون آنذاك من «اتحاد الشغل» و«مجمع رجال الأعمال»، و«رابطة حقوق الإنسان» و«هيئة المحامين»، إلى فتح حوار سياسي لتجاوز الأزمة بين الحكومة والمعارضة، غير أن الحوار أفضى في النهاية إلى إخراج حركة النهضة من السلطة.
وخلال اللقاء الذي جمع بينهما أول من أمس، أكدت قيادات «مجمع رجال الأعمال» و«نقابة العمال»، أن الظرف الراهن، الذي تمر به تونس، يفرض على المنظمتين العمل من أجل تجاوز المصاعب، والخروج من الأزمة.
وتقترح مبادرة «اتحاد الشغل» على رئيس الجمهورية إرساء «هيئة حكماء ووسطاء» تتكون من الاختصاصات كافة، وتشرف عليها شخصيات وطنية مستقلة، تعمل تحت إشراف الرئيس قيس سعيّد، على أن تتولى هذه الهيئة، التي لا يمكن لأعضائها تحمّل مسؤوليات سياسية، أو الترشح للانتخابات المقبلة، إدارة الحوار، وتقريب وجهات النّظر، والتحكيم بين كل الأطراف المعنية بالحوار، وفق روزنامة معقولة، وحسب سقف زمني محدد.
وأكد أصحاب هذه المبادرة على أنها «مفتوحة على كل القوى الوطنية، التي تؤمن بالدولة المدنية الديمقراطية الاجتماعية، وتنبذ العنف وترفض الإرهاب، وتدافع عن السيادة الوطنية، ولا تصطفّ مع الأحلاف الخارجية مهما كان عنوانها».
يذكر أن «اتحاد الشغل» سيقود مع بداية شهر يناير (كانون الثاني) المقبل سلسلة من الاحتجاجات الاجتماعية، حيث تم الإعلان عن إضراب عام في قفصة (جنوب غرب) في السابع من يناير، وإضراب عام مماثل في صفاقس (وسط شرق) في 12 من الشهر نفسه، على أن تتم برمجة إضرابات أخرى قد تشمل القيروان وباجة، وهو ما يسلط ضغوطاً إضافية على حكومة المشيشي.
على صعيد متصل، قال حسونة الناصفي، رئيس كتلة «الإصلاح الوطني» البرلمانية الداعمة للحكومة، إن الرئيس سعيد يسعى خلال هذه المرحلة إلى أن تتحول تنسيقيات المنظمة للاحتجاجات الاجتماعية إلى مؤتمرات شعبية، وذلك طبقاً لتصور سعيّد حول العمل السياسي، وضرورة التخلي عن التمثيل التقليدي للناخبين.
وأضاف الناصفي، أن الرئيس سعيّد لا يؤمن بحكم الأحزاب وتحكمها في مصير البلاد، منتقداً رؤية الرئيس للعمل السياسي، على اعتبار أن دولة القانون تقوم على تمثيلية الأحزاب السياسية، وشرعية صندوق الانتخابات. معتبراً أن «الحوار الوطني» المقترح يمكن أن يتناول مثل هذه الملفات الشائكة. لكنه انتقد في المقابل تأخر اتحاد الشغل في إطلاق الحوار الوطني بقوله «ما كان على اتحاد الشغل انتظار الرئيس لإعطاء إشارة الانطلاق»، على حد تعبيره.



مَنفَذ إثيوبي على المحيط الهندي... هل يكون حلاً للأزمة مع الصومال؟

الرئيس الصومالي يلتقي رئيس وزراء إثيوبيا في مقديشو الأسبوع الماضي (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي يلتقي رئيس وزراء إثيوبيا في مقديشو الأسبوع الماضي (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

مَنفَذ إثيوبي على المحيط الهندي... هل يكون حلاً للأزمة مع الصومال؟

الرئيس الصومالي يلتقي رئيس وزراء إثيوبيا في مقديشو الأسبوع الماضي (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي يلتقي رئيس وزراء إثيوبيا في مقديشو الأسبوع الماضي (وكالة الأنباء الصومالية)

حديث رسمي من مقديشو بشأن إمكانية منح الجارة إثيوبيا حق الوصول إلى ميناء على سواحلها بالمحيط الهندي، يأتي وسط مفاوضات ثنائية بين البلدين برعاية تركية، بعد أزمة توقيع أديس أبابا اتفاقاً مع إقليم انفصالي قبل نحو عام للوصول لوجود بالبحر الأحمر، وسط رفض صومالي - مصري - عربي لتلك الخطوة وتحذير من تهديدات أمنية قد تطول منطقة القرن الأفريقي.

ولم تعلق إثيوبيا على إمكانية أن يطوي ذلك الحل بالمحيط الهندي أزمتها مع مقديشو، خصوصاً وهي بلا سواحل منذ استقلالها عن إريتريا منذ 1993؛ ما جعلها تعتمد على مواني دول الجوار للوصول إلى البحر.

ويأتي هذا وسط تباينات بين خبراء بمصر وإثيوبيا، تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، بين من يرى أهمية إعلان أديس أبابا موقفاً واضحاً للقبول بالمقترح وإنهاء أزمة الوجود بالبحر الأحمر، والتشديد على أن الرفض المصري لوجود أي دول غير مشاطئة لا تراجع فيه، مقابل تقديرات إثيوبية في حاجة البلاد إلى أكثر من ممر بحري يفي باحتياجاتها، وعدم الاكتفاء بالميناء محل المشاورات فقط والتعويل على توافق إثيوبي - صومالي فقط لا يتوقف على موقف القاهرة في حسم القضايا بشأن الوجود البحري.

وأعلن وزير الدولة الصومالي للشؤون الخارجية، علي محمد عمر، في تصريحات نقلها موقع «الصومال الجديد» الإخباري، الأحد، أن الحكومة الصومالية تدرس منح إثيوبيا المجاورة حق الوصول إلى ميناء مطل على المحيط الهندي، مشيراً إلى أن الاتفاق الإطاري المنتظر أن تسفر عنه محادثات أنقرة في يونيو (حزيران) المقبل سيحدد نوع الميناء، والموقع المحدد في المحيط الهندي، بالإضافة إلى التكلفة الإجمالية للمشروع.

وتدهورت العلاقات بين الجارتين، إثيوبيا والصومال، منذ توقيع أديس أبابا في الأول من يناير (كانون الثاني) 2023، اتفاقية مع «أرض الصومال»، تسمح لها باستخدام سواحل الإقليم على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية، لمدة 50 عاماً مقابل اعتراف إثيوبيا باستقلال أرض الصومال، وسط رفض مصري - عربي - صومالي. وتلاها في أبريل (نيسان) 2024، إعلان مقديشو طرد السفير الإثيوبي من البلاد.

وبعد جولات عدة بين الصومال وإثيوبيا، رعتها تركيا التي لها وجود لافت بالبلدين بداية من يوليو (تموز) 2024، تلاها جولة ثانية في أغسطس (آب)، صدر إعلان أنقرة في ديسمبر ( كانون الأول) والقاضي بالذهاب لمحادثات انطلقت في فبراير (شباط) الماضي؛ بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن أزمة الميناء البحري في غضون 4 أشهر، بمساعدة تركية.

نائب رئيس «المجلس المصري للشؤون الأفريقية»، مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير صلاح حليمة، يرى أن المطلوب إعلان واضح من إثيوبيا بشأن عدم وجودها في البحر الأحمر كما كانت ترغب ليكون ذلك حلاً للأزمة بشكل كبير، لافتاً إلى أن وجود أديس أبابا بالمحيط الهندي ليس جديداً، لكن الخلاف كان على الوجود بالبحر الأحمر في منطقة حاكمة للملاحة وقد تهدد أمن مصر القومي، بخلاف تهديد وحدة وسيادة الصومال.

ويعتقد المحلل السياسي الإثيوبي، عبد الشكور عبد الصمد، أن أديس أبابا تحتاج إلى عدد من المنافذ البحرية، خصوصاً وما لديها ليس كافياً، لافتاً إلى أن العرض الصومالي سبق أن قدم من الرئيس حسن شيخ محمود وربما يكون واحداً من أحد احتياجات إثيوبيا.

وبرأي عبد الصمد، فإن الحوار الإيجابي الذي ترعاه تركيا قد ينتج منه نتائج إيجابية ويحقق الرؤية الإثيوبية بشان التنمية والازدهار في منطقة القرن الأفريقي التي يجب أن تكون مستقرة بعد عقود من التوترات.

وأمام حديث متكرر من إثيوبيا بحاجتها إلى منفذ بحري، كانت مصر لديها موقف رافض أن يمس ذلك وحدة واستقرار الصومال، وأبرمت في أغسطس الماضي اتفاقاً دفاعياً معها.

وبعد إعلان أنقرة، كررت مصر رفضها أي وجود لدولة غير مشاطئة على البحر الأحمر، كما صرّح وزير الخارجية بدر عبد العاطي أكثر من مرة، أحدثها ما أعلنته الخارجية المصرية مطلع مارس (آذار) الحالي، عقب زيارة الوزير المصري إريتريا.

وبحث لقاء وزير الخارجية المصري مع الرئيس الإريتري، وفق بيان «الخارجية المصرية»، السبت «دعم الصومال في مكافحة الإرهاب وبسط سيادته على كامل أراضيه، ورفض مشاركة أي دولة غير مشاطئة على البحر الأحمر في أمن وحوكمة البحر الأحمر».

ويرى عبد الصمد أن أديس أبابا ليست معنية بقبول ورفض مصر لأن الصومال وإثيوبيا صاحبتا قرار ولا أحد يفرض أمراً عليها، لافتاً إلى أن «الموقف المصري ليس الفيصل خصوصاً وهي تقف ضد إثيوبيا»، لكن الحوار الذي يتم حالياً بين أديس أبابا ومقديشو هو من سيحدد المستقبل والمسار الذي سيتم فيه.

ويعتقد حليمة أن الموقف المصري واضح ولا لبس فيه منذ بداية الأزمة بالتأكيد على عدم وجود دولة غير مشاطئة على البحر الأحمر، وأن يتم كل شيء في إطار القوانين الدولية بما لا يحدِث أي ضرر للدول المشاطئة ولا للملاحة، مشيراً إلى أن أي أمر يتم التوافق بشأنه حول ميناء المحيط الهندي يجب أن يكون في هذا السياق حفاظاً على منطقة القرن الأفريقي وتنأى فيه أديس أبابا عن أي إضرار باستقرارها أو خرق القوانين الدولية.