الأسواق العالمية تحلّق على وقع التحفيز

مستويات قياسية في وول ستريت

ارتفعت الأسهم بعدما وقعت بريطانيا والاتحاد الأوروبي اتفاق التجارة (أ.ف.ب)
ارتفعت الأسهم بعدما وقعت بريطانيا والاتحاد الأوروبي اتفاق التجارة (أ.ف.ب)
TT

الأسواق العالمية تحلّق على وقع التحفيز

ارتفعت الأسهم بعدما وقعت بريطانيا والاتحاد الأوروبي اتفاق التجارة (أ.ف.ب)
ارتفعت الأسهم بعدما وقعت بريطانيا والاتحاد الأوروبي اتفاق التجارة (أ.ف.ب)

سجلت المؤشرات الثلاثة الرئيسية للأسهم الأميركية مستويات قياسية مرتفعة عند الفتح في بورصة وول ستريت الاثنين، إذ عزز توقيع الرئيس دونالد ترمب على مشروع قانون طال انتظاره يتضمن حزمة تحفيزية لتخفيف تداعيات جائحة كوفيد-19 الرهانات على تعاف اقتصادي، وهو ما يساعد أسهم الشركات المالية والطاقة.
وارتفع المؤشر داو جونز الصناعي 83.40 نقطة، أو 0.28 بالمائة، إلى 30283.23 نقطة في بداية جلسة التداول. وصعد المؤشر ستاندرد آند بورز500 القياسي 20.00 نقطة، أو 0.54 بالمائة، إلى 3723.03 نقطة، في حين قفز المؤشر ناسداك المجمع 109.90 نقطة، أو 0.86 بالمائة، إلى 12914.64 نقطة.
ووقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب مساء الأحد حزمة مساعدات مالية وإنفاق بقيمة 2.3 تريليون دولار، بعدما رفض في بداية الأمر إقرار التشريع الذي يعيد إعانات البطالة للملايين ويجنب الحكومة الاتحادية إغلاقا في أزمة من صنع يديه.
وفي أوروبا، ارتفعت الأسهم الاثنين بعدما وقعت بريطانيا والاتحاد الأوروبي اتفاق تجارة طال انتظاره، في حين دعمت حزمة التحفيز الأميركية سخية شهية المستثمرين للأصول عالية المخاطر.
وقفز مؤشر الأسهم الأوروبية القياسي 0.5 بالمائة، وحققت أسهم شركات صناعة السيارات والطاقة أكبر المكاسب.
وتدعمت المعنويات كذلك بانطلاق برنامج تطعيم في أوروبا يوم الأحد، لينعش الآمال في اختفاء الجائحة بحلول النصف الثاني من 2021 وتعاف اقتصادي قوي.
وقعت بريطانيا اتفاق تجارة لما بعد الانفصال عن الاتحاد الأوروبي قبل سبعة أيام فقط من مغادرة واحدة من أكبر التكتلات تجارية في العالم.
وكانت الأسواق في لندن مغلقة امس في عطلة، بينما يُتوقع أن تكون أحجام التداولات ضعيفة في الأسواق الأوروبية عموما في أسبوع عمل قصير آخر بسبب العطلات.
آسيويا، ارتفعت الأسهم اليابانية في تعاملات هزيلة بسبب العطلات يوم الاثنين، لتتجه صوب أعلى مستوى في نحو ثلاثة عقود مع مواصلة المستثمرين الرهان على أن التحفيز الأميركي ولقاحات كورونا ستسرع خطى التعافي الاقتصادي العالمي.
وختم المؤشر نيكي القياسي التعاملات مرتفعا 0.74 بالمائة إلى 26854.03 نقطة، أقل قليلا فحسب من أعلى مستوى في 30 عاما الذي بلغه الأسبوع الماضي. وارتفع المؤشر توبكس الأوسع نطاقا 0.54 بالمائة إلى 1788.04 نقطة.
وصعدت أسهم الرعاية الصحية والمرافق ومنتجي الآلات الصناعية بفضل توقعات لتحسن الأرباح بعد عام مضطرب بفعل تفشي فيروس كورونا. وخالفت شركة شارب الاتجاه الإيجابي ونزل سهمها 3.03 بالمائة بعدما أعلنت عن شكوك بأن وحدة لها ربما اتبعت أساليب محاسبية غير سليمة.
وكتب المحللون لدى دايوا للأوراق المالية في مذكرة بحثية: «في ضوء التحفيز الاقتصادي في اليابان وأوروبا والولايات المتحدة، ثمة احتمال أن يتعافى الاقتصاد العالمي أسرع مما هو متوقع العام المقبل، لكن هذا على فرض سير حملات التطعيم بسلاسة».
وارتفعت أسعار الذهب بما يصل إلى 1.3 بالمائة الاثنين في ظل ترحيب المستثمرين بتوقيع الرئيس الأميركي حزمة المساعدة، فضلا عن الدعم الإضافي الذي قدمه هبوط الدولار.
وبحلول الساعة 06:18 بتوقيت غرينتش، كان السعر الفوري للذهب مرتفعا 0.7 بالمائة إلى 1888.84 دولار للأوقية (الأونصة) بعد أن سجل في وقت سابق أعلى مستوى له في أسبوع عند 1900.04 دولار. وزادت عقود الذهب الأميركية الآجلة 0.5 بالمائة لتصل إلى 1893.20 دولار.
وقال جيفري هالي، كبير محللي السوق في أواندا، «حتى في غياب تحفيز إضافي، كان بوسع الذهب الصعود... توقيع ترمب (على قانون التحفيز) كان نقطة المخاطرة الرئيسية الأخيرة للسوق الآخذة بالصعود».
وارتفعت الفضة 2.2 بالمائة إلى 26.42 دولار للأوقية، بعد بلوغها أعلى سعر في أسبوع عند 26.75 دولار في وقت سابق من الجلسة. وتقدم البلاتين واحدا بالمائة إلى 1033.52 دولار، وصعد البلاديوم 0.2 بالمائة مسجلا 2353.84 دولار للأوقية.



أوروبا تستعد لوصول ترمب... أسوأ كابوس اقتصادي بات حقيقة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)
TT

أوروبا تستعد لوصول ترمب... أسوأ كابوس اقتصادي بات حقيقة

الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال زيارة لبروكسل 25 مايو 2017 (رويترز)

كانت التوقعات الاقتصادية لمنطقة اليورو مصدر قلق لبعض الوقت، ولكن منذ فوز ترمب بالرئاسة ساء الوضع بشكل كبير، مع ازدياد المخاوف بشأن الآثار السلبية المحتملة لسياساته الاقتصادية في الأمد القريب.

ومع ازدياد الغموض حول سياساته المقبلة في مجالات التجارة وتغير المناخ، يُتوقع أن يؤدي ذلك إلى تراجع الاستثمار وتباطؤ النمو في أوروبا. فاندلاع حرب تجارية محتملة بين الولايات المتحدة وأوروبا قد يوجِّه ضربة قوية إلى قطاعات حيوية مثل صناعة السيارات والأدوية والآلات، وفق صحيفة «نيويورك تايمز».

إضافةً إلى ذلك، فإن الحاجة إلى زيادة الإنفاق العسكري في ظل الشكوك حول الضمانات الأميركية لأمن أوروبا ستزيد الضغط على الموازنات الوطنية وتفاقم العجز المالي.

كما أن موقف الرئيس المنتخب الأكثر تصادمية تجاه الصين قد يضع أوروبا أمام خيار صعب بين الانحياز لأحد الجانبين ومواجهة عواقب اقتصادية.

وقال كبير الاقتصاديين في بنك «آي إن جي» الهولندي، كارستن بريزسكي: «أسوأ كابوس اقتصادي لأوروبا أصبح حقيقة»، محذراً من أن هذه التطورات قد تدفع منطقة اليورو نحو «ركود كامل» العام المقبل.

وتتعاظم الضغوط على ألمانيا وفرنسا، أكبر اقتصادين في أوروبا، في ظل التوترات السياسية الداخلية، مما يجعل من هذه الضربة الاقتصادية تحدياً كبيراً في توقيت غير مناسب.

أعلام ألمانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي أمام مقر المستشارية في برلين (رويترز)

ألمانيا تحت ضغط مزدوج

وفي اليوم الذي أُعلن فيه فوز ترمب، أقدم المستشار الألماني أولاف شولتس، على حل حكومته الائتلافية، بسبب خلافات حادة حول أولويات الإنفاق والعجز. في وقت تواجه ألمانيا، التي تعاني بالفعل من ركود للسنة الثانية على التوالي، تحديات اقتصادية متفاقمة مع إدارة ترمب المقبلة. فقد تأثر اقتصادها بشدة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي أدى إلى توقف تدفق الغاز الروسي الرخيص، وهو عنصر أساسي في نجاح الصناعة الألمانية.

واجهت ألمانيا ضغوطاً على جبهتين. فقد أعلنت شركة «فولكسفاغن»، أكبر شركة لصناعة السيارات في أوروبا وأكبر جهة توظيف في ألمانيا، أنها قد تضطر إلى إغلاق بعض مصانعها وتسريح العمال. كما أن المنافسة المتزايدة من السيارات الكهربائية الصينية بدأت تؤثر في مبيعات القطاع في أوروبا والخارج.

ويشعر الزعماء الأوروبيون بضغط الاختيار بين التعامل مع الصين ومواجهتها. ففي الشهر الماضي، صوّتت الحكومة الألمانية ضد خطة الاتحاد الأوروبي لفرض تعريفات جمركية تصل إلى 45 في المائة على السيارات الكهربائية الصينية، بينما امتنعت دول أخرى، مثل إسبانيا، عن التصويت. ورغم ذلك، تم تمرير الخطة.

وستعقّد التعريفات الجمركية المتبادلة بين الولايات المتحدة وأوروبا، الوضع، حيث تعد الولايات المتحدة أكبر سوق لصادرات السيارات الألمانية، التي شكلت نحو 13 في المائة من إجمالي 3.1 مليون سيارة صدَّرتها ألمانيا في عام 2023.

وقد يُعد تصريح ترمب خلال حملته الانتخابية عن فرض «ثمن باهظ» على الاتحاد الأوروبي لعدم شراء ما يكفي من الواردات الأميركية، إلى جانب تهديده بفرض تعريفات جمركية شاملة تتراوح بين 10 و20 في المائة، نقطة انطلاق محورية للمفاوضات المستقبلية. ومع ذلك، حتى المحللون الذين يتوقعون أن يتبنى ترمب خطوات أكثر تحفظاً، يشيرون إلى أن فرض الرسوم الجمركية المستهدفة على صناعة السيارات يعد أمراً محتملاً بشكل كبير.

وقالت رئيسة الاتحاد الألماني لصناعة السيارات، هيلدغارد مولر، إن «الكثير من الأوروبيين لم يدركوا تماماً ما يعنيه الجمع بين الجيوسياسة والسياسة الاقتصادية».

سيارات مخصصة للتصدير تقف بمحطة بميناء «يانتاي» في مقاطعة شاندونغ بالصين (رويترز)

التعريفات الجمركية تطول قطاعات أخرى

ستمتد التعريفات الأميركية لتشمل قطاعات أخرى مثل شركة «نوفو نورديسك» الدنماركية التي تصنع دواء «أوزيمبيك»، إلى جانب مجالات الأغذية، والجبن، واللؤلؤ، والمواد الكيميائية، والمفاعلات النووية، والزجاج، والأحذية، وغيرها في 24 دولة.

وحذرت نائبة مدير «بزنس يوروب»، لويسا سانتوس، من أن التعريفات ستؤدي إلى زيادة التكاليف وإعاقة الاستثمار.

وقالت: «ما زلنا نأمل في مراجعة هذه التعريفات بسبب أهمية العلاقات الاقتصادية بيننا وبين الولايات المتحدة».

وفي عام 2022، بلغت قيمة الاستثمارات الأوروبية المباشرة في الولايات المتحدة نحو 2.4 تريليون دولار، مما أسهم في خلق أكثر من 3.4 مليون وظيفة أميركية.

حالياً، يبلغ متوسط التعريفات الجمركية الأميركية على واردات الاتحاد الأوروبي نحو 3 إلى 4 في المائة.

وفي الوقت نفسه، من المرجح أن تدفع الرسوم الجمركية الأميركية الأعلى على الصين، وهي أحد وعود ترمب التجارية، الشركات الصينية إلى توسيع أسواقها خارج الولايات المتحدة، مما يزيد المنافسة مع المنتجين الأوروبيين في أسواقهم المحلية والدولية.

وقد يلجأ بعض الشركات الأوروبية إلى إنشاء أو توسيع منشآت الإنتاج في الولايات المتحدة، ولكن أي منشأة تعتمد على المواد المستوردة من الصين ستواجه ارتفاعاً في التكاليف.

قطاع الطاقة المتجددة في خطر

قالت «فيستاس»، وهي شركة دنماركية وتعد أكبر شركة لصناعة توربينات الرياح في العالم، إنها بدأت بالفعل في زيادة إنتاجها في مصنعين لها في الولايات المتحدة في ولاية كولورادو. وجاء أكثر من 40 في المائة من طلباتها من الأميركيتين في الأشهر الثلاثة التي انتهت في سبتمبر (أيلول).

وقال الرئيس التنفيذي للشركة، هنريك أندرسن، في مكالمة مع محللي الصناعة الأسبوع الماضي: «لقد أصبح العالم مختلفاً من حيث التعريفات الجمركية». وأضاف أن «فيستاس» اضطرت بالفعل إلى التعامل مع التعريفات التي فُرضت خلال إدارة ترمب الأولى وإدارة بايدن، وقال: «لهذا السبب تحاول استبعاد مزيد ومزيد من الأحجام ومزيد من المكونات ذات الأصل الصيني عندما يتعلق الأمر بالولايات المتحدة».

التعريفات الجمركية ليست المشكلة الوحيدة التي تواجهها صناعة الرياح. فخلال حملته الانتخابية، تعهد ترمب بوقف مشاريع الرياح البحرية في «اليوم الأول».

وتعمل شركة «أورستد» الدنماركية -واحدة من كبرى الشركات العالمية في مجال الطاقة الريحية- على بناء مشروعي «ثورة الرياح» في نيو إنغلاند و«صن رايز ويند» في نيويورك.

وعبر الرئيس التنفيذي لشركة «أورستد»، مادس نيبر، عن أمله في أن تسهم الحاجة إلى كميات هائلة من الكهرباء النظيفة لدعم مراكز البيانات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في الحفاظ على هذه المشاريع.

وأضاف: «إنها صناعة تُبنى من الصفر، وهي مدعومة بقوة من ولايات الشمال الشرقي، حيث البدائل لتوريد الطاقة، خصوصاً الطاقة الخضراء، صعبة».

كما قال ترمب إنه يريد وقف بعض مشاريع الطاقة الخضراء التي استفادت من حزمة السياسات الصناعية متعددة المليارات التي أقرها الكونغرس في عام 2022.

عرض عام لمزرعة الرياح البحرية «والني إكستينشن» التي تديرها شركة «أورستد» قبالة سواحل بلاكبول في بريطانيا (رويترز)

المستقبل الاقتصادي لأوروبا

كانت الحاجة إلى استجابة منسقة محور اجتماع الاتحاد الأوروبي في بودابست الأسبوع الماضي.

وقال رئيس وزراء إيطاليا السابق، ماريو دراغي، الذي قدم تقريراً حول تنافسية أوروبا، إن «الشعور بالإلحاح أصبح أكبر من ذي قبل».

ودعا دراغي إلى زيادة الاستثمارات العامة السنوية بمقدار 900 مليار دولار لتمكين أوروبا من عكس ركودها الاقتصادي والتنافس بشكل أفضل مع الولايات المتحدة والصين.

والأهم الآن، كما قال، هو تكثيف الجهود لربط اقتصادات الاتحاد الأوروبي بسوق رأس مال موحد، وإصدار ديون مشتركة، وهي مقترحات أثارت خلافات.

وقالت رئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني، في الاجتماع: «لا تسألوا ما الذي يمكن أن تفعله الولايات المتحدة من أجلكم؟ بل اسألوا ما الذي يجب أن تفعله أوروبا من أجل نفسها؟». وأضافت: «يجب على أوروبا إيجاد توازن. نحن نعرف ما يجب علينا فعله».

وفي نهاية الاجتماع، تبنى القادة إعلاناً يَعِدون فيه بتكثيف تنافسية أوروبا.

لكن ما إذا كان الاتحاد الأوروبي قادراً على تحويل هذه التصريحات إلى واقع، يبقى سؤالاً بلا إجابة نظراً إلى التفكك السياسي المتزايد داخل أوروبا وصعود الأحزاب اليمينية التي تشكك في منح بروكسل مزيداً من السلطة.