الكونغرس يتأهب لتحدي «الفيتو» الرئاسي للمرة الأولى في عهد ترمب

بعد معارضة شرسة... الرئيس الأميركي يتراجع ويقر «الإنعاش والتمويل»

مجلس النواب الأميركي في إحدى جلساته السابقة (غيتي)
مجلس النواب الأميركي في إحدى جلساته السابقة (غيتي)
TT

الكونغرس يتأهب لتحدي «الفيتو» الرئاسي للمرة الأولى في عهد ترمب

مجلس النواب الأميركي في إحدى جلساته السابقة (غيتي)
مجلس النواب الأميركي في إحدى جلساته السابقة (غيتي)

بعد عملية شد حبال مرهقة للجمهوريين والديمقراطيين، تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، عن تهديده بنقض مشروع الإنعاش والتمويل الحكومي، فأضاف توقيعه لمباركة المشروع، ليصبح قانوناً نافذ المفعول، في وقت متأخر من مساء الأحد. وتنفس الحزبان الصعداء، فتداعيات عدم التوقيع على المشروع، الذي حصل على دعم كبير من الحزبين، كانت هائلة، خصوصاً أنه يمول المرافق الحكومية، ويوفر دعماً مادياً كبيراً للشارع الأميركي الذي يعاني من تداعيات فيروس كورونا. وقد دق الجمهوريون ناقوس الخطر مع اقتراب موعد نفاذ تمويل المرافق الحكومية، مساء الاثنين، واحتمال إغلاق هذه المرافق، إن لم يوقع ترمب على المشروع. وحذر السيناتور الجمهوري بات تومي، ترمب، من مخاطر معارضته هذه، فقال: «أنت لا تستطيع الحصول على كل شيء حتى لو كنت رئيساً للولايات المتحدة». وتابع تومي: «إن لم يوقع (ترمب) على المشروع فسيذكر على أنه الرئيس الذي نشر الفوضى والبؤس من خلال تصرفاته الرعناء».
- كلمات قوية
كلمات قوية وقاسية قلما يتفوه بها الجمهوريون، لكنها تدل على أهمية اللحظة وفداحة الأخطاء التي قد يرتكبها ترمب في هذا الوقت الحرج من رئاسته. ولعل هذه الضغوط التي انهمرت على الرئيس الأميركي من كل حدب وصوب هي التي أدت إلى تغيير رأيه والتسليم بالأمر الواقع. رغم أنه لم يعترف بذلك علناً، وهو أمر غير مفاجئ، نظراً لشخصيته التي لا تحب الظهور بمظهر المستسلم. فأصدر بعد التوقيع على المشروع بياناً يظهر للوهلة الأولى وكأنه حقق مطالبه التي دعا إليها خلال معارضته. وقال البيان: «لقد وقعت على مشروع الإنعاش والتمويل، مع إضافة رسالة قوية للكونغرس مفادها أن البنود المبذرة للأموال يجب إلغاؤها. سوف أرسل إلى الكونغرس نسخة أشرت فيها إلى البنود التي أعارضها، مرفقة بطلب رسمي للكونغرس لشطب هذه الأموال من القانون».
ورغم قوة هذا البيان والثقة العارمة التي يتحدث بها الرئيس هنا، إلا أن واقع الحال هو أن الرئيس الأميركي لا يستطيع إلغاء بنود معينة من القوانين التي يوقع عليها، ولا يستطيع أن يرغم الكونغرس على تعديلها بعد التوقيع عليه. إذن فعلياً، وقع ترمب على المشروع من دون أي تعديل في نصه أو على بنوده. وعلى الأرجح أن يتجاهل الكونغرس كلياً كل المطالب التي أوردها في النص المرفق بالتوقيع. وقد بدأت معالم الرفض تتضح من خلال بيان أصدرته رئيسة لجنة المخصصات المعنية بالإشراف على التعديلات التي يطلبها الرئيس، الديمقراطية نيتا لوي التي قالت إن «لجنة المخصصات المالية في مجلس النواب تقرر مصير هذه المطالب، وأنا ضدها».
- المعارضة الجمهورية
وجل ما سيحصل عليه الرئيس الأميركي هو وعد بطرح مشروع قانون منفصل يعطي 2000 دولار من المساعدات للأميركيين للتصويت في الكونغرس. وهو مطلب أراد ترمب ربطه بمصير مشروع الإنعاش والتمويل من دون أن ينجح بذلك. لكن التصويت هذا لا يعني أن الكونغرس سيقر هذا المبلغ، فرغم أن مجلس النواب سيوافق على إقراره بسبب الدعم الديمقراطي لطرح ترمب إلا أن هذا الطرح سيصطدم بحائط المعارضة الجمهورية الشرسة له في مجلس الشيوخ. وهذا ما أكد عليه السيناتور الجمهوري روي بلانت، الذي قال إن المشروع سيسقط في مجلس الشيوخ.
إضافة إلى موضوع زيادة المساعدات، قال ترمب في البيان المرفق إن «مجلسي الشيوخ والنواب وافقا على التركيز على ادعاءات الغش في الانتخابات الرئاسية. كما أن مجلس الشيوخ سينظر في إلغاء المادة 230 (محاسبة وسائل التواصل الاجتماعي) ويبدأ بتحقيق في ادعاءات الغش». ملفات شائكة، لم يؤكد زعيم مجلس الشيوخ ميتش مكونيل، أنه سيطرحها للتصويت في المجلس، وهو المسؤول عن الأجندة هناك. مكونيل، الذي تجمعه علاقة مضطربة بترمب منذ أن هنأ جو بايدن بالفوز، أصدر بياناً بعد توقيع الرئيس رحب فيه بقرار التوقيع فقال: «أنا أهنئ الرئيس على قراره بتوفير مليارات الدولارات من المساعدات الضرورية لمكافحة (كوفيد – 19) للعائلات الأميركية. وأنا سعيد أن الأميركيين سيحصلون على هذه المساعدات في وقت ما زلنا نعاني من الوباء». بيان دقيق اللهجة وحذر، أشاد فيه مكونيل بالرئيس لكنه لم يتعهد بطرح أي من مطالبه للتصويت في المجلس.
رغم ذلك، لم يتردد حليف ترمب السيناتور ليندسي غراهام في التأكيد على أن الكونغرس سيصوت على طروحات الرئيس. وغرد غراهام قائلاً: «الكونغرس سيصوت على مساعدات إضافية، وعلى إلغاء المادة 230 - لقد قمت بعمل جيد حضرة الرئيس!» كلمات تشجيعية تهدف بشكل أساسي إلى طمأنة ترمب، فغراهام هو من الجمهوريين البارزين الذين لعبوا دوراً كبيراً في إقناع الرئيس بالتوقيع على المشروع بعد معارضته، وعلى الأرجح أنه وعده بالمقابل بطرح المشاريع المذكورة للنقاش لحفظ ماء وجهه. إضافة إلى عدم تعهد مكونيل بهذه الطروحات، يكمن التحدي الأساسي في برنامج الكونغرس الحافل قبل تسلم الكونغرس الجديد لأعماله في الثالث من يناير (كانون الثاني).
تحدي «الفيتو» الرئاسي
تتصدر أجندة مجلسي الشيوخ والنواب هذا الأسبوع محاولة فعلية لكسر «فيتو» ترمب الذي استعمله ضد مشروع التمويل الدفاعي. وفيما يتحدى مجلس النواب «الفيتو»، يوم الاثنين، ينعقد مجلس الشيوخ، الثلاثاء، لتسلم الملف والتصويت بأغلبية ثلثي الأصوات لكسر «الفيتو»، لأول مرة في عهد ترمب. ونظراً للإجراءات البروتوكولية المحيطة بعملية كسر «الفيتو»، يتوقع أن يستغرق التصويت عدة أيام.
وكان ترمب استعمل قلم «الفيتو» ضد المشروع بسبب معارضته لعدم تضمينه تعديلاً على المادة 230. الأمر الذي أغضب المشرعين من الحزبين، خصوصاً أن المشروع يحظى تاريخياً بدعم كبير من الطرفين، لأنه يوفر التمويل للقوات الأميركية. لهذا فعلى الأرجح أن يتمكن الكونغرس من تحدي ترمب وإقرار القانون رغماً عنه، ليكون هذا التحدي الأول والأخير على الأرجح في عهده.
- مشروع الإنعاش (الماموث)
تبلغ قيمته 2.3 ترليون دولار: 900 مليون للإنعاش الاقتصادي، وترليون فاصل ثلاثة ترليونات دولار للتمويل الحكومي. ويضيف المشروع مبلغ 300 دولار أسبوعياً على دفعات العاطلين عن العمل على مدى 11 أسبوعاً، كما يمدد برنامجين لمساعدة من خسر عمله بسبب أزمة «كوفيد - 19». كما يوفر المشروع مبلغ 600 دولار لكل فرد لا يتحدى دخله الـ75 ألف دولار سنوياً، و600 دولار لكل ولد في العائلة، و82 مليار دولار للمدارس، و10 مليارات لرعاية الأطفال، و25 ملياراً لمساعدات برامج الإسكان وتأجيل عمليات الطرد بسبب عدم تسديد الإيجارات.
ويشمل أيضاً 13 ملياراً من المساعدات الغذائية والطوابع المعيشية، و30 مليار دولار إضافي لتوزيع اللقاحات، و22 مليار دولار للفحوصات المخبرية، بالإضافة إلى منع أي فواتير طبية مفاجئة للمرضى الذين يسعون للعلاج في مراكز طبية لا تغطيها شركات التأمين التابعين لها.
- الحائط مع المكسيك
ويشمل الاتفاق مبلغ 1.3 مليار دولار لبناء الحائط مع المكسيك الذي سعى ترمب جاهداً لإقراره. وهذه نقطة خلافية سعى الديمقراطيون إلى تقديم تنازلات بشأنها لضمان توقيع ترمب على المشروع. وقد أدى هذا الصراع على تمويل الحائط إلى أطول فترة إغلاق حكومي شهدها البلاد في عام 2018. كما يقر القانون الحصانة السيادية للسودان بعد رفعه من قائمة الدول الرعاية للإرهاب. هذا يعني أن البلاد استعادت رسمياً حصانتها في الولايات المتحدة، كما تم الإفراج عن أموال التعويضات التي تعهد بها السودان لضحايا تفجيرات السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا في عام 1998 والهجوم على المدمرة «يو إس إس كول» في عام 2000، والتي وصلت إلى أكثر من 335 مليون دولار.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».