مزاد في دمشق يكشف «سفهاء الحرب»

عندما تعلم أن قيمة إتاوة واحدة لإخراج موقوف باتهام خطير، عشرين مليار ليرة سورية يدفعها صاحب الحاجة دون تردد، يبطل العجب من بيع سيارة نوع «رانج روفر 2019» في مزاد للسيارات أُقيم في دمشق، وأثار كثيراً من الضجيج والصخب، بعد أن دُفع فيها 765 مليون ليرة سورية، أي أكثر من راتب موظف سورية فئة أولى لأكثر من ألف عام».
وأفتت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» بأن السيارات الحديثة الغربية لا تدخل إلى سوريا بسبب العقوبات الاقتصادية الدولية، وأن أثرياء الحرب الذين وصفتهم بـ«سفهاء الحرب»، يحتالون لإدخالها، عبر مصادرتها من قبل الجمارك ليصار إلى طرحها في المزاد ثم يقومون بشرائها وترسيمها بشكل قانوني. تلك السيارات التي يستطيع أبناء الطبقة الوسطى في دول العالم تملكها بالتقسيط المريح، هي «حلم مستحيل للسوريين، ما عدا سفهاء الحرب الذين يجنون ثروات هائلة في الوقت الذي هبط فيه دخل 85 في المائة من السوريين، إلى ما دون خط الفقر ينتظرون المساعدات ليستمروا بالحياة».
ولعل سؤال: من أين يأتي أصحاب السيارات الفارهة التي تجوب دمشق، بالمال، ينفقونه حدّ السفاهة، هو السؤال الأكثر انتشاراً في الشارع السوري، في ظل استفحال الأزمات المعيشية الخانقة وافتقاد مواد المحروقات والطاقة (مازوت وبنزين وغاز وكهرباء)، والارتفاع الهستيري في أسعار السلع والمواد الغذائية.
المصادر المتابعة أوضحت أن «إتاوات» تقدر بالمليارات تدفع لطي ملفات قضايا خطيرة لا تخص خارجين عاديين عن القانون، ولا معارضين سياسيين، بل أغلبهم من المرتبط بشبكات نشأت خلال الحرب وتنشط في التهريب بأنواعه، لا سيما تجارة المخدرات. وأضافت المصادر أن هؤلاء هم مَن يمسك اليوم بـ«اقتصاد الظل في سوريا»، إذا صح القول، في بلد تكاد تغيب فيه الدولة بالمعنى المتعارف عليه، حيث «الفجوة بين أثرياء الحرب وعامة الشعب، أصبحت أكبر من أن يستوعبها السوريون الذين دمرتهم الحرب».
في سياق آخر، قال مدير «الوكالة السورية القانونية»، الخبير العقاري عمار يوسف، لموقع «إعمار سوريا»، إن الشخص من ذوي الدخل المحدود «يحتاج إلى ما لا يقل عن 200 سنة لتأمين مسكن له، بشرط أن تبقى الأسعار كما هي دون أن تطرأ عليها ارتفاعات أخرى»، لافتاً إلى أن أحلام السوري «تبدلت من تأمين مسكن صغير، إلى حجز قبر له، في ظل ارتفاع أسعار القبور أيضاً، واستحالة أن يكفي راتب الموظف لتغطية (أكل وشرب لثلاثة أيام)».
ويتراوح متوسط الرواتب في القطاع العام، بين 50 و80 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 30 - 40 دولاراً. وفقدت الليرة السورية، يوم أمس (الأحد)، نحو 5 في المائة من قيمتها ليلامس سعر صرف الدولار الأميركي الواحد 3000 ليرة سورية. ويتراوح متوسط سعر المتر في سوق العقارات السورية بين 3 و6 ملايين ليرة بحسب المنطقة، أي ما بين 1000 - 3000 دولار أميركي. ويعتبر سوق العقارات في العاصمة دمشق، هو الأعلى بين المحافظات. وارتفعت أسعار العقارات بعد تلاشي فرص الاستثمار، مع الارتفاع غير المسبوق في أسعار مواد البناء. بعد رفع الحكومة بدمشق أسعار الإسمنت بجميع أنواعه للمرة الثانية في أغسطس (آب) الماضي، ليصل سعر الطن إلى 125 ألف ليرة سورية، مع تدهور قيمة الليرة.
وانتقد الخبير العقاري يوسف «تقصير الحكومة في تخفيف وطأة الضغوط التي يواجهها المواطنون لتأمين السكن»، مشيراً إلى أن المؤسسة العامة للإسكان تطرح في كل فترة «بيوتاً للتخصيص وليس للتسلم»، لا تتعدى الخمسة آلاف بيت، وهو ما لا يمكن مقارنته مع الحاجة الفعلية للعقارات المعدّة للسكن، في ظل دمار ما يصل إلى نحو 2.5 مليون منزل نتيجة الحرب.