إعلام ما بعد «كورونا» هرولة في المسار الإجباري

إعلام ما بعد «كورونا» هرولة في المسار الإجباري
TT

إعلام ما بعد «كورونا» هرولة في المسار الإجباري

إعلام ما بعد «كورونا» هرولة في المسار الإجباري

لم يطح فيروس «كورونا» بأركان العالم، ولم يزلزل ركائزه، وهو - على الأرجح - لن يقلب طباعه الراسخة؛ لكنه مع ذلك استطاع أن يُعمل تأثيراته المربكة والمتسارعة في مجريات شؤونه؛ وهو سينصرف كما انصرفت نوازل وجوائح سابقة، وعندما سيمضي سيترك آثاراً وتغيرات، وتلك بدورها ستبقى معنا، وستسهم في صياغة بعض أحوالنا.
في قطاع الإعلام، أعمل «كورونا» أسلحته، وترك أثره واضحاً بالقدر الذي سمح بمعاينته ورصده، ولكن ما يجعل هذا الأثر مفهوماً وقابلاً للاستيعاب أنه لم يكن ذا طبيعة انقلابية بقدر ما كرس اتجاهاً عرفنا سابقاً أنه فَرْضٌ ومسار إجباري، وهو بطبيعته المباغتة استطاع أن يُعجِّل بفرض تغيرات كان من الممكن التلكؤ والتباطؤ في التكيف معها.
إعلام ما بعد «كورونا» سيحفل بالمتناقضات؛ إذ سيزيد الإقبال عليه والميل للتعرض له، بموازاة تراجع الثقة فيه، وسيتعزز الطلب على المعلومات التي سترد عبره، بينما ستتعمق قابليته لقبول التزييف والاصطناع، وستزيد عوائده ومدخلاته؛ لكنها ستتوزع بأكبر قدر من عدم العدالة، وستزدهر علامات تجارية فيه؛ لكن علامات أخرى حظيت بتمركز تقليدي وعراقة لافتة لعقود ستنزوي وتضمر وتتهافت قدراتها، ورغم إصراره على الدفاع عن مبادئ المنافسة العادلة وتكافؤ الفرص، فإنه سيضحى أكثر مطاوعة لأهداف المحتكرين.
في عام 2016، أفادت دراسة لـ«معهد ماكينزي العالمي» عن «الكثافة الرقمية» المقصود بها معدلات الاستجابة لـ«الرقمنة» في القطاعات والحكومات ومنظمات الأعمال، بأن العالم لا يستغل إمكانياته الرقمية سوى بمعدل ضئيل يراوح ما بين 10 في المائة و20 في المائة، وأن طاقة «الرقمنة» الكامنة والمتاحة لا تُستخدم بالشكل اللازم، والآن نحن ندرك أن أحد أهم مفاعيل «كورونا» تجسد في زيادة تلك المعدلات بشكل مطرد ومتسارع.
من أبرز القطاعات التي تقود هذا التحول الكوني قطاعا تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والإعلام، وهذا الأخير بالذات قطع شوطاً واسعاً في التكيف مع الحالة الرقمية، وراح يوغل في تكريس أنموذج عمل جديد، ستضحى معه الوسائل التقليدية ذات وجود محدود ورمزي، وستعاني للحفاظ على حظوظها في البقاء، بينما ستزدهر الوسائل الجديدة التي تنتمي بالضرورة وبالطبيعة إلى المستقبل، والتي تلقَّت للتو تأييداً حاسماً من «كورونا»، مطلقاً لها العنان لكي تحلق بعيداً وتوسع المسافات مع منافسيها التقليديين.
الأثر الجوهري الأول لـ«كورونا» في صناعة الإعلام يتلخص في أن هذا الفيروس سيشجع الصناعة على إجراء تغيير جذري في آليات عملها؛ حيث سيتم تخفيف أعداد العاملين، والاعتماد على مناوبات لبعض الوقت، والسماح لأعداد كبيرة من الكوادر بالعمل من المنزل، والقيام بتغطيات «ميدانية» عن بعد، وتصميم دورة عمل (Workflow) أكثر ذكاء واعتمادية تقنية.
ستنتهي أزمة «كورونا» ومعها صيغة عمل إعلامية جديدة، تمت تجربتها، وأثبتت نجاعة؛ وهي صيغة ستضغط على «الإعلام التقليدي» وتقلل ذرائع استدامته، بينما ستمنح منصات الإنتاج والتوزيع الإلكترونية ووسائط «السوشيال ميديا» أفقاً أرحب مطلوباً ومتسقاً مع القيود والمحددات التي باتت تؤطر استجابة العالم للقطاع.
أما الأثر الثاني لـ«كورونا» في صناعة الإعلام فيتعلق بمفهوم «الثقة»؛ فقد أثبتت تلك الجائحة أن أثر التعرض إلى المعلومات المزيفة والمضللة يمكن أن يكون أفدح من تداعيات الجائحة ذاتها، وهو الأمر الذي وقع في بلدان عديدة، منها إيران التي تسبب نشر خبر زائف بها عن أساليب الوقاية من الفيروس في وفاة المئات في فترة محدودة، بشكل فاق عدد ضحاياه في الفترة نفسها.
وتجاوباً مع ذلك الطرح، راحت مؤسسات دولية مرموقة، منها الأمم المتحدة، تحذر من جائحة جديدة ستُنهك العالم، ويمكن أن تنزل به خسائر موجعة وعميقة الأثر... وهي «الجائحة المعلوماتية» (Infodemic) التي ثبت أن وسائط «التواصل الاجتماعي» لعبت الدور الأكبر في شيوعها ونفاذ تأثيرها.
لقد أظهر العالم اهتماماً كبيراً بظاهرة التزييف التي باتت ملمحاً رئيسياً من ملامح المحتوى الإعلامي السائد في سياق تفشي فيروس «كورونا»، إلى حد أن استطلاعاً علمياً أجرته «الإيكونوميست» أثبت أن 13 في المائة من المستطلعة آراؤهم يعتقدون أن «(كورونا) ليس سوى أكذوبة»، كما أثبتت دراسة مهمة أجراها «المكتب القومي للأبحاث الاقتصادية» الأميركي أن ثمة رابطاً بين الأخبار المضللة وبين زيادة عدد الوفيات والإصابات في مناطق مختلفة.
بسبب تداعيات الجائحة المعلوماتية، وتفشي الأخبار المزيفة، وظهور آثار موجعة لها، انخرطت قطاعات من الجمهور طوعاً في ورشة «تربية إعلامية» (Media Literacy) كبرى، ولعل هذا الانخراط يشكل خبراً جيداً في هذا السياق، ويجسد أثراً إيجابياً جانبياً لتفشي الجائحتين: الصحية والمعلوماتية.
وفي هذه الورشة باتت تلك القطاعات أكثر وعياً واهتماماً بطبيعة الوسائل التي تحصل منها على المعلومات، وبسمعتها المهنية، وأكثر تدقيقاً في صحة المصادر، وأكثر رغبة في الاعتماد على مصادر متنوعة موثوقة، وأقل قابلية للتلاعب؛ وهي كلها من نتائج «التربية الإعلامية» الفعالة التي تستهدف إجمالاً تعزيز قدرات الجمهور على التعامل مع وسائل الإعلام.
لكن التداعيات السلبية للجائحة على صناعة الإعلام تتواصل لتضرب ركائز الصناعة ذاتها؛ وعلى رأسها ركيزة العوائد التي تسمح بالاستدامة والتطوير وضمان جودة المحتوى؛ إذ يبدو أن وسائل الإعلام مُنيت بخسائر اقتصادية كبيرة نتيجة لتراجع عوائد الإعلان، وصعوبات عمليات الإنتاج. وقد توقفت بعض الصحف المطبوعة عن الصدور تحت وطأة الأزمة المستجدة التي تضافرت مع المشكلات المزمنة، وقلصت بيوت إنتاج كبرى عملياتها، وتم صرف بعض العاملين.
لقد تضرر الاقتصاد بشدة بسبب سياسات الإغلاق والتدابير الاحترازية وغياب اليقين تحت وطأة تلك الجائحة، بشكل انعكس بوضوح على مخصصات الإعلان، إذ تتوقع دراسات موثوقة تراجع حجم الإنفاق الإعلاني على مستوى العالم بنحو 50 مليار دولار أميركي، بنهاية عام 2020. وبينما كانت التنبؤات تشير إلى ازدهار القطاع وتحقيق نسبة نمو تبلغ 7.1 في المائة في العام نفسه، فإن التوقعات المُحدثة، عقب ضربات «كورونا» وتأثيراتها الحاسمة، تفيد بتراجع نسبته 8.1 في المائة، وفق بيانات مركز بحوث الإعلانات العالمي (WARC).
سيعتقد البعض أن هذه الخسائر التي مُني بها قطاع الإعلام جراء التراجع المؤثر في مخصصات الإنفاق الإعلاني ستشمل كافة الوسائل، وستُخلف ضحايا في القطاعات الإعلامية كلها؛ لكن يبدو أن هذا الاعتقاد خاطئ؛ إذ أظهرت شركات التكنولوجيا العملاقة القائمة على تشغيل مواقع «التواصل الاجتماعي» الرائجة أنها أكثر قابلية لامتصاص الضغوط، وتحمل الصدمات، واستيعاب المخاطر. وعبر شبكات أمان ضخمة، قوامها الرئيسي احتياطات مالية هائلة، ونفقات تشغيل قابلة للترشيد والتعديل، استطاعت امتصاص الصدمة الأولى التي تفاعلت في معظم شهور العام، ومن خلال أنموذج أعمال مرن وحداثي وأكثر مواءمة لبيئات الأزمات والكوارث، نجحت في مجابهة التحدي، من دون تكاليف موجعة.
لكن تلك الوسائط للأسف الشديد راحت تمعن في ممارسات احتكارية، وترتكب انتهاكات بحق المستخدمين، فضلاً عن استخدامها المحتوى المنتج عبر «الوسائط التقليدية» من دون أن تدفع مقابلاً له.
ومن بين أخطر الآثار الموجعة لـ«كورونا» في صناعة الإعلام، أنه ساعد بعض الحكومات على فرض قيود وممارسة ضغوط على حرية الصحافة، حتى إن أكثر من 100 دولة حول العالم أصدرت قوانين أو قرارات أو قامت بممارسات عدتها هيئات حقوقية وإعلامية دولية مرموقة «معادية لحرية الصحافة»، تحت وطأة الجائحة، وبداعي ضبط التغطيات الإعلامية المتعلقة بها.
إعلام ما بعد «كورونا» ليس انقلاباً دراماتيكياً على ما كان قبله، بقدر ما سيكون هرولة في مسار إجباري فرضته «الرقمنة» علينا، واجترحته «السوشيال ميديا» بطاقتها المحمومة.



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.