الرئيس الأميركي يضرب مجدداً بـ{العفو»

شمل 29 شخصاً بينهم مانافورت وستون ووالد صهره

صورة أرشيفية لمانافورت لدى محاكمته في نيويورك في يونيو 2019 (إ.ب.أ)
صورة أرشيفية لمانافورت لدى محاكمته في نيويورك في يونيو 2019 (إ.ب.أ)
TT

الرئيس الأميركي يضرب مجدداً بـ{العفو»

صورة أرشيفية لمانافورت لدى محاكمته في نيويورك في يونيو 2019 (إ.ب.أ)
صورة أرشيفية لمانافورت لدى محاكمته في نيويورك في يونيو 2019 (إ.ب.أ)

في أقل من 24 ساعة، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترمب سلسلتين من قرارات العفو الرئاسية، كانت الأولى مساء الثلاثاء لنحو 15 شخصاً، والثانية مساء الأربعاء، قبل توجهه إلى منتجع مارالاغو لقضاء إجازة أعياد الميلاد؛ حيث أصدر عفواً عن 29 شخصاً آخرين، بينهم رئيس حملته الانتخابية السابق بول مانافورت، وصديقه المقرب روجر ستون، والمطور العقاري تشارلز كوشنر والد صهره ومستشاره جاريد كوشنر، وجميعهم أدينوا بارتكاب جرائم احتيال مالي وعرقلة التحقيقات.
وقد أُدين بول مانافورت مدير حملة ترمب الانتخابية السابق في عام 2018 بارتكاب جرائم احتيال مالي وإخفاء الأموال وعرقلة العدالة، وحُكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات ونصف سنة، وتم إطلاق سراحه من السجن الاتحادي في مايو (أيار) الماضي، ليقضي عقوبته في الحبس المنزلي بسبب مخاوف من تفشي وباء «كورونا». بينما أُدين روجر ستون، وهو شريك قديم وصديق مقرب لترمب، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 بتهم الكذب وعرقلة تحقيقات في الكونغرس حول التدخل الروسي في انتخابات عام 2016، وحكم عليه بالسجن 40 شهراً.
كما أصدر ترمب عفواً عن والد صهره تشارلز كوشنر الذي أقر في عام 2004 بـ18 تهمة، شملت الإدلاء ببيانات كاذبة أمام لجنة الانتخابات الفيدرالية، وأُدين في تهم تتعلق بالتهرب الضريبي عن 6 ملايين دولار.
وجاءت تلك الخطوة بعد يوم واحد من منح ترمب عفواً رئاسياً لخمسة عشر شخصاً، من بينهم جورج بابادوبولوس مسؤول العلاقات الخارجية بحملة ترمب، الذي أدين في تحقيقات التدخل الروسي في الانتخابات، إلى جانب المحامي الهولندي أليكس فان دير زوان الذي أقر في عام 2018 بالكذب على فريق المحقق روبرت مولر. وشمل قرار العفو الرئاسي ثلاثة أعضاء جمهوريين سابقين بالكونغرس أُدينوا بجرائم مالية. كما أصدر ترمب عفواً عن أربعة عسكريين متورطين في قتل مدنيين عزل في العراق.
وبصدور قرار العفو عن بول مانافورت، يكون الرئيس ترمب قد تدخل بشكل مباشر لمساعدة خمسة أشخاص متهمين في التحقيقات بشأن التدخل الروسي في الانتخابات التي قادها المحقق الخاص روبرت مولر. وقد أصدر ترمب عفواً عن مستشار الأمن القومي السابق مايكل فلين الشهر الماضي، وقد اعترف فلين بالكذب على عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي.
ودافع البيت الأبيض في بيان عن قرار العفو عن مانافورت، وقال إن إدانته كانت مبنية على «خدعة التواطؤ الروسي» في انتخابات 2016، وأن قرارات العفو عن ستون ومانافورت يستهدفان تصحيح المظالم التي واجهها الرجلان على يد المحقق روبرت مولر.
وتظهر تلك القرارات بالعفو أن الرئيس ترمب يستخدم سلطاته التنفيذية في الأيام المتبقية من ولايته لصالح أقرب حلفائه ومستشاريه. وأثارت هذه الخطوات ردود فعل واسعة لدى الديمقراطيين الذين اتهموا ترمب بسوء استخدام سلطته التنفيذية، لحماية أصدقائه وحماية نفسه من التحقيقات الجنائية المحتملة التي ستلاحقه بمجرد خروجه من البيت الأبيض.
ودعا السيناتور الديمقراطي كريس مورفي إلى إلغاء سلطة العفو الرئاسي؛ مشيراً إلى أن خطرها على الديمقراطية يفوق فائدتها كأداة لتحقيق العدالة. وغرد رئيس اللجنة القضائية بمجلس النوب جيرولد نادلر، الديمقراطي من نيويورك، قائلاً إن «العفو عن بول مانافورت وروجر ستون لا يخدم العدالة، والرئيس يوزع المكافآت على المتآمرين معه، ويحمي سلوكه من التدقيق».
وتشير مصادر بالبيت الأبيض إلى أن الرئيس ترمب قد يصدر جولة أخرى من قرارات العفو؛ حيث طلب من مساعدين ومن بعض المشرعين تقديم أسماء للنظر فيها لمنحهم العفو. وتتوقع الدوائر المقربة من الرئيس ترمب أن يصدر قرارات عفو عن ستيف بانون كبير الاستراتيجيين السابقين بالبيت الأبيض، وعن رودي جولياني محامي ترمب الشخصي، من بين قائمة تضم عشرات الأشخاص. وقد يُقدم ترمب على توسيع حدود سلطة العفو الرئاسي لتشمل أفراداً من عائلته ومساعديه السابقين.
ولا يبدو أن ترمب يولي اهتماماً للانتقادات والاعتراضات الموجهة له، إذ إن سلطة العفو سلطة دستورية استخدمها جميع الرؤساء من قبله؛ لكن في إطار محدود ومدروس إلى حد كبير. ويشير بعض المحللين إلى أن قرارات العفو الأخيرة تعكس قلق ترمب من الملاحقات القانونية التي قد يتعرض لها بعد ترك منصبه وفقدان الحصانة الرئاسية، ومن احتمالات استهدافه هو عائلته وشركته من قبل وزارة العدل والمدعي العام في إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن.
وتحدثت جهات مطلعة عن أن ترمب أجرى محادثات مع بعض المستشارين والقانونيين حول كيفية حماية أسرته، كما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن الرئيس المنتهية ولايته ناقش إمكانية العفو عن نفسه. ولا يزال غير واضحاً ما إذا كان لدى الرئيس سلطة العفو عن نفسه؛ حيث لم يشهد تاريخ الرؤساء الأميركيين سابقة من هذا النوع.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟