أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الثلاثاء، عفواً مثيراً للجدل عن عدة أفراد، بينهم شخصان على صلة بالتحقيق بشأن التعاون المفترض بين فريق حملته الانتخابية وروسيا، وعناصر من شركة «بلاك ووتر» الأمنية، قبيل أسابيع من انتهاء ولايته.
وتثير خطوته مزيداً من الجدل، وتأتي في وقت يواصل فيه الرئيس الجمهوري رفض الإقرار بهزيمته أمام خصمه الديمقراطي جو بادين في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني). وتضاف إلى قرارات عفو سابقة صدرت بحق حلفاء سياسيين لترمب الذي سيغادر منصبه في 20 يناير (كانون الثاني).
وفتحت هذه القرارات بالعفو باباً من الجدل بين قانونيين وصفوا الخطوة بأنها تسييس لسلطة العفو الرئاسي لصالح حلفاء ترمب قبل أسابيع قليلة من ترك منصبه، وتستهدف حماية أصدقائه وحلفائه المقربين، كما تفتح الباب أمام احتمالات لموجة أخرى من قرارات العفو، قد تشمل الرئيس نفسه وأفراد أسرته ومحاميه وشركاء آخرين.
- 15 مستفيداً
وأعلن البيت الأبيض في بيان أن الرئيس منح عفواً كاملاً لنحو خمسة عشر شخصاً، وخفف جزئياً أو كلياً الأحكام الصادرة بحق خمسة آخرين. ومُنِح عفو كامل لجورج بابادوبولوس، المستشار السابق لترمب خلال حملته الانتخابية عام 2016 الذي اعترف بأنه كذب على مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) بشأن اتصالاته مع الروس. وكان بابادوبولوس مستشار ترمب للشؤون الخارجية عندما ترشح الأخير للرئاسة في 2016، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية. واعترف في أكتوبر (تشرين الأول) 2017 بأنه كذب على مكتب التحقيقات الفدرالي بشأن اتصالاته بأستاذ وعده بأن يعرفه على مسؤولين روس كبار.
وتعاون مع محققي المدعي الخاص روبرت مولر الذي أجرى تحقيقات استمرت عامين، وتتعلق بوجود تواطؤ محتمل بين روسيا وفريق ترمب. ولم يتوصل التحقيق إلى إثبات وجود تواطؤ بين موسكو والملياردير الجمهوري.
وقضى بابادوبولوس 12 يوماً في السجن. وقال البيت الأبيض إن «العفو اليوم يُصحح الضرر الذي ألحقه مولر بأشخاص كثيرين». كما أصدر ترمب عفواً عن المحامي الهولندي أليكس فان دير زفان، المتهم كذلك في إطار التحقيق الروسي.
كما شملت قائمة العفو ثلاثة أعضاء جمهوريين سابقين في الكونغرس، بينهم النائب الجمهوري السابق عن نيويورك كريس كولينز، والنائب الجمهوري السابق عن كاليفورنيا دنكان هانتر الذي أقر بالذنب بسرقة أموال من حملته الانتخابية، وحُكم عليه بالسجن 11 شهراً في مارس (آذار) الماضي؛ بينما خفف ترمب من الحكم الصادر بحق النائب الجمهوري السابق عن تكساس ستيف ستوكمان الذي أدين بإساءة استخدام الأموال الخيرية، والنائب فيل ليمان عن ولاية يوتا الذي أدين بقيادة احتجاجات غير قانونية.
ولعل قرارات العفو التي تسببت في القدر الأكبر من الاستياء، أميركياً وفي الخارج، هي تلك التي شملت أربعة حراس أمنيين من شركة «بلاك ووتر» أدينوا بقتل عراقيين في 2007، بمن فيهم نيكولاس سلاتن الذي حُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وأدين هؤلاء بفتح النار في ساحة النسور المزدحمة في بغداد في 16 سبتمبر (أيلول) 2007 في حادثة تسببت في فضيحة دولية، واستياء متزايد من الوجود الأميركي. وأسفر إطلاق النار عن مقتل 14 مدنياً عراقياً على الأقل، وإصابة 17 آخرين. وأكد الحراس آنذاك أنهم تصرفوا من باب الدفاع عن النفس، رداً على تعرضهم لإطلاق نار من قبل مسلحين. وأفاد بيان البيت الأبيض بأن لدى العناصر الأربعة السابقين في الجيش «تاريخاً طويلاً من خدمة الأمة».
- انتقادات أميركية
وأثار القرار انتقادات لدى كثير من الخبراء الذين أشاروا إلى أن تلك القرارات بالعفو لعدد من الشخصيات المثيرة للجدل والشخصيات المرتبطة بمصالح وعلاقات وثيقة بالرئيس ترمب، تضيف بعداً جديداً غير مرحب به على تسخير ترمب سلطاته كرئيس لصالح حلفائه السياسيين.
وسارع رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الديمقراطي، آدم شيف، إلى التنديد بهذه الخطوة، وقال: «إذا كذبت للتستر على الرئيس، فستحصل على عفو. إذا كنت سياسياً فاسداً أعلن تأييدك لترمب، فستحصل على عفو. إذا قتلت مدنيين أثناء الحرب، فستحصل على عفو».
وانتقد المدعي العام الفيدرالي السابق غلين كيرشنر قرارات ترمب، قائلاً في تصريحات لشبكة «إن بي سي» إن قرارات العفو ضد أشخاص كذبوا على مكتب التحقيقات الفيدرالي في تحقيقات التدخل الروسي «تعد اعتداء على سيادة القانون». وأضاف: «إنه يعفو عن أشخاص كذبوا على العملاء الفيدراليين، وعن نواب جمهوريين كانوا إما يسرقون من أموال المانحين أو يرتكبون انتهاكات في تمويل الحملات». وأضاف: «لكن أكثر ما يزعجني هو العفو عن الأربعة المتعاقدين مع شركة (بلاك ووتر) الذين ذبحوا الأبرياء وغير المسلحين من الرجال والنساء والأطفال العراقيين، وربما يكون هذا العفو أكبر إهانة لحقوق الضحايا العراقيين خلال 30 عاماً قضيتها كمدعٍ عام».
كما انتقد عضو الكونغرس الجمهوري المنتهية ولايته ويل هيرد هذه الخطوة على «تويتر»، قائلاً إن «العفو عن أشخاص منتخبين ذوي حظوة في السلطة لارتكابهم جرائم عن عمد اعترفوا بارتكابها، ليست سياسة محافظة على الإطلاق».
بينما قال السيناتور الديمقراطي كريس فان هولين على «تويتر»: «لا شيء يفعله بات يثير الدهشة بعد الآن، ولكن يا لها من إساءة استخدام فاضحة وحزبية وجسيمة للسلطة». وأضاف: «هذا هو المستنقع في أسوأ حالاته. يبدو 20 يناير بعيداً».
- استياء عراقي واسع
وفي العراق، أعرب كثيرون عن غضبهم وحزنهم أمس، إثر سماعهم قرار الرئيس الأميركي المنتهية ولايته العفو عن أربعة حراس أمن أميركيين دينوا بقتل مدنيين عراقيين في بغداد عام 2007.
وقال العميد فارس سعدي، وهو ضابط شرطة ترأس التحقيق فيما حصل: «أشعر باليأس من زمان». وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية: «13 سنة؟ أتذكر كل شيء كأنه أمس، وليس أول من أمس». وتابع: «كان رمياً عشوائياً بالكامل، أخذت ضحايا إلى المستشفى، ولكنني كُنت أعرف أننا لن نصل إلى العدالة».
كان سعدي محققاً رئيسياً من قبل الشرطة في ذلك الحادث المأسوي، وتولى التنسيق مع فريق مكتب التحقيقات الفدرالي الذي أرسل لبغداد حتى الإدلاء بشهادات الشهود في المحكمة الأميركية. في بادئ الأمر، دين ثلاثة حراس هم بول سلاو وإيفان ليبرتي ودستن هيرد بالقتل العمد ومحاولة القتل العمد، إضافة إلى استخدام أسلحة نارية، وحُكم على كل منهم بالسجن ثلاثين عاماً. وحكم على رابع هو نيكولاس سلاتن بالسجن مدى الحياة كونه أول من أطلق النار.
كما صدر حكم مماثل بحق سلاتن لدى إعادة محاكمته في أغسطس (آب) 2019. وبعد شهر خفضت عقوبة سلاو وإيفان وهيرد إلى النصف أو دون ذلك. وأضاف سعدي: «كنت أتابع كل شيء، رأيت تخفيف الأحكام تدريجياً بالمحاكم، وعرفت أنه لن تكون هناك محاسبة. لذلك لم أفاجأ» بالقرار الأخير.
وجاء عفو ترمب بعد أسابيع قليلة من إغلاق المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً أولياً في جرائم حرب مزعومة ارتكبتها القوات البريطانية في العراق، بعد غزوه عام 2003. وبعدما أعلنت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية عام 2017 أن هناك «أساساً معقولاً» لمثل هذه الجرائم، قالت هذا الشهر إنها لم تجد دليلاً على أن بريطانيا قامت بحماية جنودها من الملاحقة القضائية.
واعتبر عضو مفوضية حقوق الإنسان العراقية علي البياتي، أن القرارين المتتاليين يظهران أن هناك «احتراماً قليلاً لحقوق الإنسان في الخارج»، على حد قوله. وقال للوكالة الفرنسية: «هذا الأمر يؤكد مخالفة هذه الدول لمعايير حقوق الإنسان والقانون الدولي. إنهم يوفرون الحصانة لجنودهم مع أنهم يدعون حماية حقوق الإنسان».
ولم يشهد العراق أي محاكمة في قضية ساحة النسور، بسبب ظروف الصراع الطائفي التي كانت تضرب البلاد.
وأعلنت بغداد آنذاك رفضها تجديد رخصة عمل شركة «بلاك ووتر»، كما رفضت وزارة الخارجية الأميركية تجديد عقدها مع الشركة للعمل هناك.
ترمب يفتح باب جدل جديداً بعفوه عن 15 من حلفائه
عراقيون غاضبون: دماؤنا أرخص من الماء؟
ترمب يفتح باب جدل جديداً بعفوه عن 15 من حلفائه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة