جدل واسع في تونس حول «فرضية التطبيع»

إثر توقعات أميركية بانضمامها إلى «اتفاقية إبراهيم»

TT

جدل واسع في تونس حول «فرضية التطبيع»

خلَّفت توقعات مسؤولين أميركيين أوردتها صحيفة «نيويورك تايمز» أن تكون تونس بين الدول التي ستنضم إلى «اتفاقات إبراهيم»، موجة من الجدل السياسي والاجتماعي الواسع، نظراً للمعارضة الواسعة لهذا الخيار؛ خصوصاً بعد تصريح الرئيس التونسي قيس سعيد، مراراً، بأنه «ضد التطبيع»، وهو الموقف الذي طرحه خلال حملته الانتخابية، معتبراً التطبيع «خيانة عظمى».
وعلى الرغم من صعوبة تبين موقف تونس التي تعاني من أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية، قد تجعلها خاضعة لضغوط صندوق النقد الدولي وبقية المؤسسات المالية الدولية لتمويل ميزانيتها المتداعية، فقد أكد دبلوماسيون تونسيون، من بينهم المنجي الحامدي وأحمد ونيس وزيرا الخارجية السابقان، أن «تطبيع تونس أمر مستبعد جداً»؛ معتبرين أن اتخاذ مثل هذا القرار لن يكون سهلاً بالمرة لعدة اعتبارات، منها ما هو مرتبط بالوضع الداخلي، وما له علاقة بدول الجوار؛ خصوصاً الجزائر التي رفضت بشكل قاطع فرضية التطبيع على أثر إعلان التطبيع في المغرب المجاور.
ويلاقي التطبيع في تونس رفضاً واسعاً من قبل الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية والاجتماعية، من ضمنها اتحاد الشغل (نقابة العمال). وترفض كل من رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان رفضاً تاماً، التطبيع؛ بل إن عدة أحزاب ممثلة في البرلمان التونسي، مثل: «الجبهة الشعبية»، و«التيار الديمقراطي»، و«حركة الشعب»، وهي أحزاب ذات خلفية يسارية أو قومية، قد تقدمت بمقترحات لإصدار قانون يجرم التطبيع.
وكان رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي، قد أكد على أن فرضية توجه تونس نحو التطبيع على خطى غيرها من الدول «غير مطروحة بالنسبة لتونس». وفي هذا الشأن، قال المحلل السياسي التونسي، جمال العرفاوي لـ«الشرق الأوسط»، إن طبيعة النظام السياسي التونسي بعد الثورة، واعتماده على تقاسم السلطة في نظام برلماني معدل، يجعل من الصعب تمرير قرار بهذا الحجم، بشكل أحادي، وبالتالي فرضه على بقية المؤسسات الدستورية.
في السياق، حذر اتحاد الشغل السلطات التونسية من أي خطوة تطبيعية، وأكد المتحدث باسم الاتحاد، سامي الطاهري، أن النقابة ستتصدى لأي محاولة لجر تونس إلى «مستنقع التطبيع»، على حد تعبيره. وجدد مطالبته البرلمان التونسي بالتصديق على مشروع قانون تجريم التطبيع، مؤكداً رفضه التعامل مع الكيان الصهيوني تحت أي ذريعة كانت، سياسية أو ثقافية، معتبراً أن «التبريرات التي يسوق لها البعض والمتصلة بإغراءات الاستثمار والتشجيع على السياحة وتقديم الدعم المالي، مجرد أوهام يزرعها دعاة التطبيع لضمان مصالحهم».
على مستوى الموقف الرسمي، شددت وزارة الشؤون الخارجية التونسية، على أن «كل ما يروج من ادعاءات بخصوص إمكانية إرساء علاقات دبلوماسية بين تونس والكيان الصهيوني، لا أساس له من الصحة»، وأنه «يتناقض تماماً مع الموقف الرسمي المبدئي للجمهورية التونسية المناصر للقضية الفلسطينية العادلة، والداعم للحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني». ولاحظت في بيان، أن «موقف تونس هذا ثابت ومبدئي، ولن تؤثر فيه أبداً التغيرات في الساحة الدولية»، وهو «يعكس ما عبر عنه رئيس الجمهورية، في أكثر من مناسبة، حول مفهوم التطبيع الذي يعتبر في غير محله؛ لأن الوضع الطبيعي هو أن يسترد الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة غير منقوصة». وشددت على أن تونس: «غير معنية بإرساء علاقات دبلوماسية مع الكيان المحتل، ما دام يواصل سياساته التي تضرب عرض الحائط بقرارات الشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.