العراق يئن تحت وطأة الأزمات الاقتصادية

فساد وتهريب وسوء إدارة تحاصر محاولات الإصلاح

شهد الشارع العراقي بعض المظاهرات عقب قرار الحكومة خفض سعر الدينار مقابل الدولار (إ.ب.أ)
شهد الشارع العراقي بعض المظاهرات عقب قرار الحكومة خفض سعر الدينار مقابل الدولار (إ.ب.أ)
TT

العراق يئن تحت وطأة الأزمات الاقتصادية

شهد الشارع العراقي بعض المظاهرات عقب قرار الحكومة خفض سعر الدينار مقابل الدولار (إ.ب.أ)
شهد الشارع العراقي بعض المظاهرات عقب قرار الحكومة خفض سعر الدينار مقابل الدولار (إ.ب.أ)

من التحديات الرئيسية للاقتصاد العراقي خلال هذه الفترة، المزاد العلني اليومي للدولار بإشراف البنك المركزي، حيث اكتشفت لجنة نيابية طلب تشكيلها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لدراسة أعمال ونتائج المزاد، أن 8 مصارف إيرانية مسجلة بأسماء عراقيين تتعامل في المزاد يومياً تحول الدولارات التي تحصل عليها هذه المصارف الثمانية نيابة عن مؤسسات إيرانية رسمية إلى «حزب الله» و«حركة أمل» في لبنان، والحوثيين في اليمن. تقدر الأموال المحولة لهذه الجهات بملايين الدولارات شهرياً، وتشكل التزامات من قبل مؤسسات رسمية إيرانية لهذه المجموعات. وهناك أيضاً تصدير النفط من إقليم كردستان العراق دون دفع الريع النفطي لوزارة المالية الفيدرالية، كما ينص عليه الدستور. ومن الجدير بالذكر، أن إقليم كردستان يصدر معظم نفطه (400 ألف برميل يومياً) إلى إسرائيل عبر تركيا. وهناك نزاع مستمر بين بغداد وأربيل حول ضرورة تحويل الإقليم الريع النفطي (الذي يشمل أيضاً تهريب منتجات بترولية لشمال غربي إيران بالشاحنات). هذه أمثلة على الريع النفطي الذي يهرب خارج العراق.
بالإضافة إلى ذلك، هناك سوء إدارة الحكم. فقد تم تعيين آلاف الموظفين «الفضائيين» في الأجهزة المدنية والعسكرية للدولة، حيث يوقعون على حضورهم الرمزي في الصباح دون تأدية أي واجبات، ويتسلم السياسي المسؤول عن تعيينهم معظم رواتبهم. ونظراً لهذا التضخم الهائل والمفاجئ في عدد موظفي الدولة، فقد تضخمت النفقات الحكومية، ومعها متطلبات الميزانية، ومن ثم حاجة الحكومة إلى سعر عال للنفط لتغطية نفقاتها. لكن بدلاً من أسعار عالية للنفط تفوق 80 دولاراً للبرميل، تدنت الأسعار بسبب جائحة «كوفيد19» إلى 30 دولاراً للبرميل، ومن ثم استقرت عند معدل سعري يتراوح بين 40 و45 دولاراً للبرميل، والآن نحو 50 دولاراً.
كان لا بد من أن يئن الاقتصاد من المشكلات التي تواجه البلاد؛ مع ضخامة الفساد بعشرات المليارات من الدولارات سنوياً، التي استحوذت عليها الطبقة الحاكمة منذ عام 2003، والمزاد اليومي للعملة الصعبة أصبح وسيلة لتهريب الأموال.
أدى هذا الوضع المالي المتدهور، واستمرار انخفاض أسعار النفط، إلى مبادرة حكومة الكاظمي بإصدار «ورقة بيضاء» تحاول من خلالها إصلاح الأوضاع خلال السنوات المقبلة؛ لكن هدر وسرقة المليارات خلال السنوات الماضية، أفرغ البلاد من احتياطاتها المالية. وبدأ منذ أوائل فصل الصيف الماضي الكلام عن حلول مؤقتة، منها: طلب «مؤسسة تسويق النفط (سومو)» من شركات النفط أن تدفع مبلغاً مسبقاً لسنة عن النفوط التي تنوي شراءها من العراق. كما صدر الكلام عن تنفيذ اتفاقية لشراء الصين 4 ملايين برميل من النفط الخام شهرياً (أو نحو 120 ألف برميل يومياً)، وتقوم الصين مقابل ذلك بالالتزام بالدفع مسبقاً لاستيراد النفط العراقي لمدة سنة، بالإضافة إلى 2.3 مليار دولار تدفع أيضاً مسبقاً بالأسعار الحالية للنفط.
وسربت معلومات عن أن موازنة عام 2021 مبنية على أساس سعر للنفط عند 42 دولاراً للبرميل. وهو سعر محافظ جداً في ظل الأوضاع الحالية، ويعني أن الحكومة بصدد اتخاذ إجراءات تقشفية أو مالية صعبة. وهذا ما بدأ يحدث فعلاً؛ إذ لم تُدفع معاشات موظفي الدولة (عددهم 6 ملايين موظف) لمدة شهر، مع تحذيرات بعدم إمكانية الدفع أيضاً لشهر يناير (كانون الثاني) 2021 في حال عدم تحسن الأمور المالية (الحصول على قروض أجنبية). فالحكومة بحاجة إلى نحو 5 مليارات دولار شهرياً لدفع معاشات الموظفين والمتقاعدين، بالإضافة إلى ملياري دولار لتغطية الخدمات الضرورية وإدارة الدولة. وهناك مسؤولية انقطاع 3.2 مليون طفل وطفلة في سن الدراسة عن المدارس لأسباب متعددة: السكن في مناطق غير آمنة، والزواج المبكر للبنات. وقد هرب آلاف المدرسين العراقيين للخارج بعد الاعتداء وقتل نحو 830 من زملائهم المدرسين (منهم 350 أكاديمياً وأستاذاً جامعياً وطبيباً)، بالإضافة إلى 210 محامين وقضاة، و243 إعلامياً وإعلامية.
تواجه الدولة الفساد والهدر، فالالتزامات ضخمة، وأسعار النفط منخفضة، وصورتها المستقبلية قاتمة. من ثم الخوف من التضخم والقلاقل السياسية.
وبما أن العراق يعتمد في 95 في المائة من دخله على عائدات النفط، فقد قرر البنك المركزي رفع سعر بيع الدولار للبنوك وشركات الصيرفة إلى 1460 ديناراً، من 1182 ديناراً للدولار، بهدف تعويض تراجع الريع النفطي. وكانت آخر مرة خفض فيها قيمة الدينار في ديسمبر (كانون الأول) 2015 عندما رفع سعر بيع الدولار إلى 1182 ديناراً من 1166 ديناراً في السابق.
* كاتب عراقي مختص
في شؤون الطاقة



ولاية جديدة لرئيسة منظمة التجارة العالمية وسط شبح «حروب ترمب»

رئيسة منظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو - إيويالا في اجتماع سابق بمقر المنظمة في مدينة جنيف السويسرية (أ.ف.ب)
رئيسة منظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو - إيويالا في اجتماع سابق بمقر المنظمة في مدينة جنيف السويسرية (أ.ف.ب)
TT

ولاية جديدة لرئيسة منظمة التجارة العالمية وسط شبح «حروب ترمب»

رئيسة منظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو - إيويالا في اجتماع سابق بمقر المنظمة في مدينة جنيف السويسرية (أ.ف.ب)
رئيسة منظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو - إيويالا في اجتماع سابق بمقر المنظمة في مدينة جنيف السويسرية (أ.ف.ب)

قالت منظمة التجارة العالمية، في بيان، إن رئيسة المنظمة نغوزي أوكونجو - إيويالا أُعيد تعيينها لفترة ثانية في اجتماع خاص، يوم الجمعة، مما يعني أن ولايتها الثانية ستتزامن مع ولاية الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وتتوقع مصادر تجارية أن يكون الطريق أمام المنظمة، التي يبلغ عمرها 30 عاماً، مليئاً بالتحديات، ومن المرجح أن يتسم بالحروب التجارية، إذ هدد ترمب بفرض رسوم جمركية باهظة على السلع من المكسيك وكندا والصين.

وتحظى أوكونجو - إيويالا، وزيرة المالية النيجيرية السابقة التي صنعت التاريخ في عام 2021 عندما أصبحت أول امرأة وأول أفريقية تتولى منصب المدير العام للمنظمة، بدعم واسع النطاق بين أعضاء منظمة التجارة العالمية. وأعلنت في سبتمبر (أيلول) الماضي أنها ستترشح مرة أخرى، بهدف استكمال «الأعمال غير المكتملة».

ولم يترشح أي مرشح آخر أمام أوكونجو - إيويالا. وقالت مصادر تجارية إن الاجتماع أوجد وسيلة لتسريع عملية تعيينها لتجنب أي خطر من عرقلتها من قبل ترمب، الذي انتقد فريق عمله وحلفاؤه كلاً من أوكونجو - إيويالا ومنظمة التجارة العالمية خلال الفترات الماضية. وفي عام 2020، قدمت إدارة ترمب دعمها لمرشح منافس، وسعت إلى منع ولايتها الأولى. ولم تحصل أوكونجو - إيويالا على دعم الولايات المتحدة إلا عندما خلف الرئيس جو بايدن، ترمب، في البيت الأبيض.

وفي غضون ذلك، حذّر الرئيس الأميركي جو بايدن، الخميس، من الإضرار بالعلاقات مع كندا والمكسيك، وذلك بعد تصريحات لخليفته المنتخب دونالد ترمب بشأن فرض رسوم جمركية على البلدين الجارين للولايات المتحدة.

وقال بايدن للصحافيين رداً على سؤال بشأن خطة ترمب: «أعتقد أنه أمر سيأتي بنتائج عكسية... آخر ما نحتاج إليه هو البدء بإفساد تلك العلاقات». وأعرب الرئيس الديمقراطي عن أمله في أن يعيد خليفته الجمهوري «النظر» في تعهّده فرض رسوم تجارية باهظة على البلدين «الحليفين» للولايات المتحدة.

وأثار ترمب قلق الأسواق العالمية، الاثنين، بإعلانه عبر منصات التواصل الاجتماعي، أنّ من أول إجراءاته بعد تسلّمه مهامه في يناير (كانون الثاني) المقبل ستكون فرض رسوم جمركية نسبتها 25 بالمائة على المكسيك وكندا اللتين تربطهما بالولايات المتحدة اتفاقية للتجارة الحرة، إضافة إلى رسوم نسبتها 10 بالمائة على الصين.

وتعهّد ترمب عدم رفع هذه الرسوم عن البلدين الجارين للولايات المتحدة قبل توقف الهجرة غير النظامية وتهريب المخدرات، مؤكداً أن التجارة ستكون من أساليب الضغط على الحلفاء والخصوم.

وبعدما أعربت عن معارضتها لتهديدات ترمب، أجرت رئيسة المكسيك، كلاوديا شينباوم، محادثة هاتفية مع الرئيس الأميركي المنتخب، الأربعاء، تطرقت إلى تدفق المهاجرين غير النظاميين إلى الولايات المتحدة عبر حدود البلدين ومكافحة تهريب المخدرات... وأعلن ترمب أنّ شينباوم «وافقت» على «وقف الهجرة» غير الشرعية، بينما سارعت الزعيمة اليسارية إلى التوضيح بأنّ موقف بلادها «ليس إغلاق الحدود».

ورداً على سؤال بشأن التباين في الموقفين، قالت الرئيسة المكسيكية في مؤتمرها الصحافي اليومي الخميس: «يمكنني أن أؤكد لكم... أننا لن نقوم أبداً، ولن نكون قادرين أبداً، على اقتراح أن نغلق الحدود».

وحذّر وزير الاقتصاد المكسيكي مارسيلو إبرار، الأربعاء، من أنّ مضيّ ترمب في فرض الرسوم التجارية على المكسيك سيؤدي إلى فقدان نحو 400 ألف وظيفة. وأكدت شينباوم، الخميس، أنّ أيّ «حرب رسوم تجارية» بين البلدين لن تحصل، وأوضحت أنّ «المهم كان التعامل مع النهج الذي اعتمده» ترمب، معربة عن اعتقادها بأن الحوار مع الرئيس الجمهوري سيكون بنّاء.

إلى ذلك، شدّد بايدن في تصريحاته للصحافيين في نانتاكت، إذ يمضي عطلة عيد الشكر مع عائلته، على أهمية الإبقاء على خطوط تواصل مع الصين. وقال: «لقد أقمت خط تواصل ساخناً مع الرئيس شي جينبينغ، إضافة إلى خط مباشر بين جيشينا»، معرباً عن ثقته بأنّ نظيره الصيني لا «يريد ارتكاب أيّ خطأ» في العلاقة مع الولايات المتحدة. وتابع: «لا أقول إنه أفضل أصدقائنا، لكنه يدرك ما هو على المحك».