فندق جوهري يتلألأ وسط جايبور بفنون راجاستان وحرفها

حيث تُباع الأحجار الكريمة جنباً إلى جنب مع الحلويات

ساحة الفناء الصغيرة تؤدي إلى غرفة الطعام في مطعم الفندق
ساحة الفناء الصغيرة تؤدي إلى غرفة الطعام في مطعم الفندق
TT

فندق جوهري يتلألأ وسط جايبور بفنون راجاستان وحرفها

ساحة الفناء الصغيرة تؤدي إلى غرفة الطعام في مطعم الفندق
ساحة الفناء الصغيرة تؤدي إلى غرفة الطعام في مطعم الفندق

على مرمى حجر من البائعين التقليديين الذين يبيعون الحلويات، تجد الخضراوات الطازجة جنباً إلى جنب مع الأحجار الكريمة والمجوهرات الفاخرة في بازار داخل فندق جوهري الشهير في مدينة جايبور القديمة المحاطة بجدران من الحجر الجيري يرجع تاريخها إلى أواخر القرن التاسع عشر، ويتميز بواجهة ذات ألوان زاهية، وهو المعروف منذ فترة طويلة باسم «لال هافلي».
استخدم الفندق لعقود كمنزل لعائلة كاسليوال التي كان أفرادها يمتهنون صناعة المجوهرات للماهراجات والملوك والملكات منذ القرن السادس عشر. وفي الوقت الحالي، يتولّى الجيل التاسع من صانعي المجوهرات ومعهم رجل الأعمال سيدهارث كاسليوال إدارة ما يعرف بـ«جيم بالاس»، أو قصر المجوهرات.
قبل بضع سنوات، تواصل أقارب كاسليوال معه لسؤاله عمّا إذا كان مهتماً بتحويل هافلي إلى فندق لعرض المجوهرات. وعندما ذهب لتفقد المبنى المكون من ثلاثة طوابق مع أبهيشيك هونوار، صديقه وشريكه في بوتيك «28 كوثي»، وهو فندق بني منذ خمس سنوات تقريباً، على بعد 15 دقيقة فقط بالسيارة، تحديداً في حي سيفيل لاينز، ذي الأشجار المورقة في منطقة جايبور. تذكر كاسليوال المكان، فقد كان «نفس المبنى الذي طالما حلّقت فيه طائراته الورقية في الهواء عندما كان طفلاً مع والديه وأبناء عمّه، أثناء مهرجان الطيران السنوي في المدينة». لكنّه رأى أيضاً شيئاً جديداً، رأى فرصة لإنشاء نوع من الفنادق التي لم تكن موجودة داخل أسوار تلك المدينة القديمة، هو المكان الذي كان يشعر بطابعه الشخصي المنزلي رغم أناقته الظّاهرة، فقد كان يعكس تقاليد المكان.
قال كاسليوال: «عندما تتجوّل في هذه الشّوارع، ستتذكر حتماً أنّ جايبور بنيت في عام 1727 لتكون مدينة الفن والثّقافة». وافق هو وهوناوار على تنفيذ المشروع، وأداراه سويّاً، وكانت نينا شاه، المتزوجة من هوناوار، مالك «أديتياي»، وهي شركة تتمتع بخلفية في مجال التطريز، تتّخذ من نيويورك ومومباي مقرّين لها، وجاءت لتتولى الإشراف على تصميم الفندق.
بدأ الفريق عملية تجديد حدّث خلالها الأنظمة الكهربائية واكتشف الأعمدة الهيكلية في أحد الأجنحة. عندما جاء إلى الأثاث، كانت شاه تفضل عند العمل على الأشياء الجديدة في الفندق، أن تستعين بفناني راجاسثان. (هناك أيضاً عدد من القطع العتيقة الرائعة، ومن بينها المنسوجات المطرزة والمقاعد الخشبية المنحوتة على هيئة نمور؛ واللوحات الزيتية التقليدية التي تصوّر إله الهندوس كريشنا).
وتقول شاه: «إن العمل الذي يجري في الهند مذهل للغاية، ومن المؤسف أنّ قسماً كبيراً منه لا يحظى بالقدر الكافي من التقدير، والآن بات أقرب إلى أن يكون فنّاً يحتضر». وتشمل نتائج جهودها كل شيء تقريباً، من اللوحات الجدارية واللوحات الرأسية المطرزة يدوياً إلى ظلال المصابيح المطبوعة بالقوالب والمرايا المزينة بالعظام.
كل جناح من الأجنحة الخمسة فريد من نوعه، وذلك لأنّها مصممة على غرار الأحجار الكريمة المختلفة - فالغرفة ذات اللون الهندي التقليدي مطلية باللون الوردي المغبر السائد في جايبور (والمعروفة أيضاً باسم المدينة الوردية)، في حين أنّ غرفة نيلام (سيفاير) ذات جدران زرقاء فاتحة تذكرنا بمباني جودبور (المعروفة باسم المدينة الزرقاء)، وهناك أرجوحة بحجم مقعد واحد، وهي سمة نموذجية في العديد من المساكن الهندية القديمة. وهناك غرفة اللؤلؤ على سطح المبنى ذات شرفة خاصة تطلّ على المدينة القديمة وقلعة نهارجارح التي تعود إلى القرن الثامن عشر.
يدخل الزوار إلى المبنى عبر سلسلة من المداخل المقوّسة تؤدي إلى ردهة ذات سقف مقبب مطلية بنجوم ستة مدببة. في الماضي، كان هناك فناء صغير يحوي زوجاً من أشجار الفرانجيباني، وهناك مطعم الفندق الذي يحوي 75 مقعداً يشرف عليه الطاهي سونو سينغ - اسم الفندق القديم كان فور سيزونز مومباي - ويقدم أطباقاً نباتية مثل «تندوري شاكركاندي شات»، والبطاطا الحلوة مع اللبن الزبادي. وقد قرّرت شاه أن تترك أحد الجدران الأصلية (الجص الجيري) في المطعم على حالها العتيق، ولم تضع عليه طلاء. كما أبرزت شاه مشهد الغابة والنمور والقرود إلى جوار مقاعد مخملية صفراء مغطاة تفضي إلى ردهة بالطّابق الثاني، حيث يمكن لنزلاء الفندق الاستمتاع بفنجان من الشاي، من ثمّ شراب كوكتيل في المساء. ويمكن الوصول إلى هذا المكان وإلى باقي أجزاء الفندق من خلال السير عبر المطعم ومدخل آخر، حيث تُطل ساحة الفناء المركزية الرائعة على المبنى ليسهل من خلالها النظر إلى الشرفات لأعلى، وهي ذات لون أصفر باهت مغمور بضوء ذهبي على امتداد الجزء الدّاخلي من كل طابق.
بعد سنة من العمل وثمانية أشهر إضافية مرّت في انتظار عمليات الإغلاق الصّارمة التي نُفّذت بسبب وباء «كورونا»، افتُتح «الجوهري» - وهي الكلمة الهندية لصانع المجوهرات أو الصّائغ، في إشارة إلى السوق التي تزدهر خارج السّوق مباشرة وباتت مفتوحة للحجز (وإن كان الفندق سيطبق بطبيعة الحال تعليمات التباعد الاجتماعي وسيتّخذ تدابير أخرى للسّلامة في المستقبل المنظور.
واستطرد هونوار قائلاً إنّ رؤية الحياة في المدينة، تعود إلى طبيعتها بعض الشيء في الأسابيع الأخيرة لأمر يبعث على الدفء ويأمل أن يضيف سوق جوهر طاقة جديدة إلى هذا المكان المؤسس حديثاً، ليصبح أيضاً واحة مبهجة وسط الصّخب والضجيج، ويتابع: «وبعد يوم من مشاهدة المعالم السياحية، يمكن للضيوف أن يكافئوا أنفسهم بمشروب، أو أن يخضعوا لجلسة تدليك في الفندق. ورغم ذلك الجو التقليدي فإنّ ما بنيناه مرتبط بالعالم الحديث».
* خدمة «نيويورك تايمز»



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».