«الشاطئ الآخر»... كتابات طه حسين الفرنسية

تضم «بورتريهات» لمحمد عبده وأندريه جيد والمتنبي وغوته

«الشاطئ الآخر»... كتابات طه حسين الفرنسية
TT

«الشاطئ الآخر»... كتابات طه حسين الفرنسية

«الشاطئ الآخر»... كتابات طه حسين الفرنسية

يرسم طه حسين في هذا الكتاب مجموعة من «البورتريهات» الأدبية شديدة الحساسية والثراء لأشهر الكتاب والشعراء العرب والفرنسيين، متوغلاً ببصيرة معرفية في تداعيات زمانهم وواقعهم، كما يقف على جوهر إبداعهم، وينتقد ما اعتراه من نقاط ضعف، تصل إلى حد التناقض أحياناَ.
الكتاب بعنوان «الشاطئ الآخر - كتابات طه حسين الفرنسية»، الذي صدرت أخيراً نسخة جديدة منقحة منه في القاهرة عن المركز القومي للترجمة، وهو جهد خاص بالباحث والمترجم والكاتب المصري عبد الرشيد الصادق محمودي، الذي جمعها ووثقها بعد أن أصبحت عرضة للضياع رغم أهميتها الفائقة.

مع محمد عبده
يتناول طه حسين أولاَ تجربة الإمام محمد عبده «1849 - 1905» في الإصلاح، ويصفه بأنه «كان مسلماً شديد الإيمان بالإسلام، وعكف بحماس بالغ منذ صباه على تحقيق المهمة التي شغلت بعد ذلك حياته بأكملها. وهو يرى أن محمد عبده كان يمقت الثورات والانقلابات الضخمة وأي عمل يتصف بالعنف، ولكنه لم يكن أقل كرهاً لجمود الفكر والتوقف الذي هو أشبه بالتقهقر، ولذلك سخر نفسه لمهمته بإصرار لا يشوبه تطرف في العمل أو في القول». وبدأ، كما يضيف، بأن أدخل إلى التعليم الأزهري عدداً من المواد «التي من شأنها أن توقظ الفكر وتوسع من آفاقه»، لافتاً إلى أن ذلك تم وفق إطار محدد، بحيث لا تفتح إضافة هذه المواد أبواباً للشك، وهي التاريخ والجغرافيا والأدب، وبعض مبادئ الحساب والرياضيات، وبذلك «حرم على نفسه كما حرم على غيره ذكر الفيزياء والكيمياء والعلوم الطبيعية، فقد كانت تلك أسماء يقف لها شعر ذلك الجيل من الأزهريين الذين كانوا يعتقدون أن كل المواد التي تدرس في المدارس المدنية ضارة كريهة، ولا بد أن تودي إلى التهلكة».
ويعتقد طه حسين أن محمد عبده لم يعد مواكباً للعصر، وصارت «كل أفكاره بالية فهي ليست بالأفكار التي مضى عليها زمن طويل، ولكنها لم تعد تتواءم مع انطلاق الشرقيين نحو الحرية الكبرى، وقليل هم المسلمون الذين يهتمون بالتوفيق بين إيمانهم والمعارف التي حصلوها، وهم يندفعون بابتهاج نحو الحضارة الغربية ويتخذونها مثلاً أعلى»، لكن هذا لا يمنع طه حسين من الاعتراف بقيمة تجربة محمد عبده في مجملها، مؤكداً على علو نفسه وإخلاصه، ومن أنه كان يكن له كل ما يستحق من احترام عميق.

مع أندريه جيد
يتحدث طه حسين عن علاقته بالأديب الفرنسي الأشهر أندريه جيد (1869 - 1951)، مشيراً إلى أنه عرفه ككاتب، قبل أن يتعرف عليه شخصياً، عندما كان طالباً في فرنسا، وكان انطباعه أنه كاتب عظيم، وأنه مثار للجدل لغرابة بعض أطواره. ويذكر أنه لم يتح له أن اطلع على أعماله إلا في سنة 1932. وفي سنة 1939 فاته أن يتعرف عليه شخصياً، فقد كان في أول رحلة له إلى مصر، وحاول صديق مشترك أن يصطحبه إلى منزل طه حسين، لكن جيد كان قد فقد زوجته لتوه ولم يشأ في غمرة حزنه أن يراه أحد، مفضلاً، كما أخبره عميد الأدب العربي في خطاب بديع، أن يحيا مع ذكرياته، وبذلك تعذر اللقاء، ولكن هذا الخطاب كان مقدمة لعلاقات لم تنقطع.
تأخر لقاؤهما بسبب الحرب العالمية الثانية، ولم يكن متاحاً أن يتراسلا فيما كان طه حسين يقرأ يومياته بشغف، وكانت «تهز مشاعره هزاً عميقاً»، فعرف بها القراء في الشرق، وما إن انتهت الحرب حتى عمل على ترجمة بعض من أعماله مثل «الباب الضيق» و«مدرسة النساء»، فلما عاد جيد إلى مصر للمرة الثانية 1946 كان له في هذا البلد جمهور يقرأه ويحبه من خلال ترجمات طه حسين.
ويشير طه حسين إلى أن ترجمة «الباب الضيق» كانت مناسبة للقاء فكري آخر، وهو نوع من اللقاء الذي كان يحبه فوق كل شيء، وكان بينهما في تلك المرة خلاف فقد بدا لصاحب «الأيام» أن جيد لم يكن مصيباً في تفكيره، وصارحه بأن كتابه لن يفهم، وبالأحرى لن يحب في بلد مسلم، لأن الإسلام فيما رأى جيد دين يقدم الأجوبة، ويدفع العقل إلى الطمأنينة المطلقة، فلا يدع مجالاً للقلق. وتوضيحاً للصورة، قدم طه حسين الترجمة بخطاب مفتوح إلى المؤلف حاول فيه أن يوضح أن الإسلام الذي شُرح له، أو الذي اعتقد أنه يعرفه، لا علاقة له بالإسلام الحقيقي، وأنه من المؤكد أن الإسلام لا يخلو من القلق، وأن الشرق المسلم جدير بأن ينال اهتمامه كما هو الحال مع الغرب المسيحي. أثار نشر الخطاب ورد جيد عليه شيئاً من الضجة بين مصر وفرنسا، لكن لما التقيا في ذلك الشتاء من عام 1946 أصبحا مثل صديقين قديمين.
ويروى طه حسين وقائع هذا اللقاء، حسب الكتاب، قائلاً: «كان ذلك ذات صباح، ولم يكن بيننا موعد ضربناه، ولكنه اتصل بي هاتفياً قبل أن يصل بثلاث دقائق، وليس بوسعي أن أنسى الساعة الأولى التي قضيناها معاً، دون كلفة، فهو لم يتحدث كثيراً، وإنما اكتفى بإلقاء الأسئلة، بينما اكتفيت بالإجابة، وكان ذلك بالنسبة إليّ أنا الخجول أمراً غريباً، فقد كنت أحييه بألفة شديدة، فلكم كان قادراً على أن يجعل الناس يأنسون إليه إذا أراد».
ويتوغل طه حسين بمخيلته الكاشفة خلف صورة المشهد على هذا النحو: «أندريه جيد في القاهرة. يا له من حدث عظيم بالنسبة إلى القاهريين! وما أشد الإرهاق الذي أصابه، وهو الذي أراد أن يتحاشاه بأن يختفي فقد حظر على نفسه الإقامة في الفندق، كما حظر على نفسه، أو كاد، حضور حفلات الاستقبال، إلا أنه لم يستطع أن يتهرب من إلقاء محاضرة، وكان عليه أن يفي بوعده ذات مساء في مدرسة (الليسيه) الفرنسية، ولكن ما أشد اضطرابه عندئذ، وتردده، وكم كان خجله يشبه خجل المبتدئ وهو يصعد المنصة ويبدأ الحديث، وإني لأعتقد أن هذا الخجل كان يقطع عليه حبل أفكاره، فكان يحاول أن يستأنف ما انقطع بأن يطلب بلباقته الرائعة أن يؤذن له بإشعال سيجارة، ولكن الإذاعة قد سجلت حديثه، وفي المساء أراد البعض أن يُسمعه إياه، فاستمع للجمل الأولى، وكاد أن يحطم المذياع لعدم رضاه عن نفسه، وغادر المكان، ولاذ بغرفته، إلا أن ذلك الحديث البسيط الذي لم يكن سقيماً بأي حال من الأحوال، رغم افتقاره إلى الترتيب، وما زال بالنسبة إلى كثيرين منا في عداد الذكريات الطيبة!».

مع المتنبي
من ضمن المقالات التي يضمها الكتاب مقال يلتقط فيه العميد صورة المتنبي من زاوية غير مألوفة، فيصفه بأنه ظل نموذجاً للشاعر التقليدي، وانصرف بكل اهتمامه إلى نفسه وإلى الناس وإلى الأوضاع السياسية والاجتماعية، وكانت الطبيعة بالقياس إليه خرساء لم تنطق بعد، فإذا ذكر جبال لبنان فما ذلك إلا ليقول إنها لا تُجتاز في الشتاء، وقوله في وصف بحيرة طبرية بالكاد يبلغ بعض أبيات، أما في فارس فيبدو أن الطبيعة تكشفت له لأول مرة واجتذبته بقوة لا تقاوم فأخذ، وقد خلبت لبه بجمالها، يصف الغابات والمروج. وأتيح له عندما أخذ يشترك في رحلات الصيد الملكية أن يجدد تقاليد فن المطاردة. وفي فارس تألق شعر المتنبي لآخر مرة على نحو باهر.
ويدلف طه حسين بتكثيف شديد على مشهد النهاية للمتنبي، متابعاً: «لقي الشاعر هناك من الترحيب والحفاوة الغامرة ما جعله يقرر الذهاب إلى العراق، ليأتي بأهله وماله للإقامة في بلاط شيراز بصفة دائمة، فاستأذن الملك في قصيدة جميلة كانت آخر قصيدة كتبها، وكان ذلك في سنة 354 للهجرة، فقد هاجمه غير بعيد من بغداد جماعة من البدو كان قد هجاهم قبل ذلك بفترة في الكوفة وبعد مقاومة غير مجدية، قتل ابنه وعبيده، ونهب متاعه، فهل كان البدو يطلبون ممتلكاته؟ كلا على وجه التأكيد، وإنما قتلوه بغية الانتقام، وكان ذلك انتقاماً شخصياً، لأن المتنبي قد سب هؤلاء النفر من القرامطة الذين غاروا على الكوفة، كما كان انتقاماً حزبياً بصفة أخص، وذلك أن الشاعر خان قضية القرامطة، وقضية العرب، وصار مدافعاً عن طغيان الأغنياء والأجانب!».

مع غوته والشرق
عن أديب ألمانيا الأشهر غوته، وعلاقته بالشرق، يشير طه حسين إلى أنه في سن الثالثة والعشرين بدأ اطلاعه على القرآن في ترجمة ألمانية وفي ترجمة لاتينية، ليكتشف بذلك الشرق الإسلامي بعد أن اكتشف الشرق المسيحي. وما زالت قراءته للقرآن تؤثر فيه تأثيراً بالغاً، فهو يحاول بعد ذلك بقليل أن يؤلف تراجيديا بطلها النبي محمد عليه السلام لكن لم يبق لنا منها إلا القليل، إلا أنه كان عندئذ قد بدأ يكن للإسلام وداً عميقاً حتى قال: «إذا كان معنى الإسلام هو التسليم لله فإننا نحيا ونموت جميعاً على دين الإسلام».
يضيف طه حسين لرتوش البورتريه زاوية مهمة يشير من خلالها إلى أن جوته كان يقتني الترجمات، بل يحاول أن يترجم عن العربية دون أن يتقنها جيداً، وما إن قرأ الترجمة الإنجليزية التي وضعها أحدهم لسبع قصائد توصف بأنها جاهلية، وتسمى المعلقات، حتى ولع بها، وحاول أن يترجمها إلى الألمانية.
ويتحفظ طه حسين مع ذلك على تجربة غوته مؤكداً أن معلوماته ولا شك تفتقر أحياناً إلى الدقة، بل تحتوي على بعض المغالطات مثلما نجد في محاولته لاستلهام قصة النبي يوسف عليه السلام، فيأتي بأسماء عربية حديثة لينسبها إلى شخصيات عاشت من آلاف السنين، كما يطمس الحقائق التاريخية والدينية «على نحو من شأنه أن يثير استنكار الشرقيين»، وهو ما يتكرر كثيراً في ديوانه «الشرق والغرب».



قضية ابنة شيرين عبد الوهاب تجدد الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني»

شيرين وابنتها هنا (إكس)
شيرين وابنتها هنا (إكس)
TT

قضية ابنة شيرين عبد الوهاب تجدد الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني»

شيرين وابنتها هنا (إكس)
شيرين وابنتها هنا (إكس)

جدد الحكم القضائي الصادر في مصر ضد شاب بتهمة ابتزاز وتهديد الطفلة «هنا»، ابنة الفنانة المصرية شيرين عبد الوهاب، الحديث عن «الابتزاز الإلكتروني» عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسبب انتشاره بكثافة، ومدى المخاطر التي يحملها، لا سيما ضد المراهقات.

وقضت محكمة جنايات المنصورة بالحبس المشدد 3 سنوات على المتهم، وهو طالب بكلية الهندسة، بعد ثبوت إدانته في ممارسة الابتزاز ضد ابنة شيرين، إثر نجاحه في الحصول على صور ومقاطع فيديو وتهديده لها بنشرها عبر موقع «تيك توك»، إذا لم تدفع له مبالغ مالية كبيرة.

وتصدرت الأزمة اهتمام مواقع «السوشيال ميديا»، وتصدر اسم شيرين «الترند» على «إكس» و«غوغل» في مصر، الجمعة، وأبرزت المواقع عدة عوامل جعلت القضية مصدر اهتمام ومؤشر خطر، أبرزها حداثة سن الضحية «هنا»، فهي لم تتجاوز 12 عاماً، فضلاً عن تفكيرها في الانتحار، وهو ما يظهر فداحة الأثر النفسي المدمر على ضحايا الابتزاز حين يجدون أنفسهم معرضين للفضيحة، ولا يمتلكون الخبرة الكافية في التعامل مع الموقف.

وعدّ الناقد الفني، طارق الشناوي، رد فعل الفنانة شيرين عبد الوهاب حين أصرت على مقاضاة المتهم باستهداف ابنتها بمثابة «موقف رائع تستحق التحية عليه؛ لأنه اتسم بالقوة وعدم الخوف مما يسمى نظرة المجتمع أو كلام الناس، وهو ما يعتمد عليه الجناة في مثل تلك الجرائم».

مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «أبناء المشاهير يدفعون أحياناً ثمن شهرة ومواقف ذويهم، مثلما حدث مع الفنانة منى زكي حين تلقت ابنتها حملة شتائم ضمن الهجوم على دورها في فيلم (أصحاب ولاّ أعز) الذي تسبب في موجة من الجدل».

وتعود بداية قضية ابنة شيرين عبد الوهاب إلى مايو (أيار) 2023، عقب استدعاء المسؤولين في مدرسة «هنا»، لولي أمرها وهو والدها الموزع الموسيقي محمد مصطفى، طليق شيرين، حيث أبلغته الاختصاصية الاجتماعية أن «ابنته تمر بظروف نفسية سيئة للغاية حتى أنها تفكر في الانتحار بسبب تعرضها للابتزاز على يد أحد الأشخاص».

ولم تتردد شيرين عبد الوهاب في إبلاغ السلطات المختصة، وتبين أن المتهم (19 عاماً) مقيم بمدينة المنصورة، وطالب بكلية الهندسة، ويستخدم حساباً مجهولاً على تطبيق «تيك توك».

شيرين وابنتيها هنا ومريم (إكس)

وأكد الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع، أن «الوعي لدى الفتيات والنساء هو كلمة السر في التصدي لتلك الجرائم التي كثُرت مؤخراً؛ نتيجة الثقة الزائدة في أشخاص لا نعرفهم بالقدر الكافي، ونمنحهم صوراً ومقاطع فيديو خاصة أثناء فترات الارتباط العاطفي على سبيل المثال»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «كثيراً من الأشخاص لديهم وجه آخر صادم يتسم بالمرض النفسي أو الجشع والرغبة في الإيذاء ولا يتقبل تعرضه للرفض فينقلب إلى النقيض ويمارس الابتزاز بكل صفاقة مستخدماً ما سبق وحصل عليه».

فيما يعرّف أستاذ كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بمصر، الدكتور فتحي قناوي، الابتزاز الإلكتروني بوصفه «استخدام التكنولوجيا الحديثة لتهديد وترهيب ضحية ما، بنشر صور لها أو مواد مصورة تخصها أو تسريب معلومات سرية تنتهك خصوصيتها، مقابل دفع مبالغ مالية أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة لصالح المبتزين».

ويضيف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «مرتكب الابتزاز الإلكتروني يعتمد على حسن نية الضحية وتساهلها في منح بياناتها الخاصة ومعلوماتها الشخصية للآخرين، كما أنه قد يعتمد على قلة وعيها، وعدم درايتها بالحد الأدنى من إجراءات الأمان والسلامة الإلكترونية مثل عدم إفشاء كلمة السر أو عدم جعل الهاتف الجوال متصلاً بالإنترنت 24 ساعة في كل الأماكن، وغيرها من إجراءات السلامة».

مشدداً على «أهمية دور الأسرة والمؤسسات الاجتماعية والتعليمية والإعلامية المختلفة في التنبيه إلى مخاطر الابتزاز، ومواجهة هذه الظاهرة بقوة لتفادي آثارها السلبية على المجتمع، سواء في أوساط المشاهير أو غيرهم».