أوباما يركز على دعم الطبقات المتوسطة في خطاب حول حالة الاتحاد

في مواجهة كونغرس يعارض إصلاحاته

أوباما يجلس داخل المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض ليلة أول من أمس تحضيرا لخطابه حول حالة الاتحاد (رويترز)
أوباما يجلس داخل المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض ليلة أول من أمس تحضيرا لخطابه حول حالة الاتحاد (رويترز)
TT

أوباما يركز على دعم الطبقات المتوسطة في خطاب حول حالة الاتحاد

أوباما يجلس داخل المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض ليلة أول من أمس تحضيرا لخطابه حول حالة الاتحاد (رويترز)
أوباما يجلس داخل المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض ليلة أول من أمس تحضيرا لخطابه حول حالة الاتحاد (رويترز)

كان مفترضا أن يلقي الرئيس الأميركي باراك أوباما الليلة الماضية خطابه السنوي حول حالة الاتحاد، ويقدم فيه تدابير لدفع الانتعاش الاقتصادي وخفض التفاوت الاجتماعي في مواجهة كونغرس يعارض إصلاحاته.
وبحسب تسريبات مسبقة، أفادت تقارير بأن أوباما يعتزم في خطابه للعام الحالي، العودة إلى أحد المواضيع المقربة إليه، وهو دعم الطبقات الوسطى وتلك الراغبة في الوصول إليها. وأكد الناطق باسمه جاي كارني أن الرئيس وفي عامه السادس في السلطة وعلى خلفية تحسن تدريجي للاقتصاد، لا تزال «لديه أهداف طموحة جدا». ونفى كارني أن يكون أوباما اكتفى ببرنامج عمل ضيق في ختام سنة 2013 التي شهدت عدة نكسات تشريعية سواء كان رفض مشروعه حول ضبط الأسلحة النارية، أو مساعدة العاطلين عن العمل منذ فترة طويلة، أو إصلاح نظام الهجرة. وحتى الإخفاق في إطلاق شق أساسي من إصلاح النظام الصحي، الذي يشكل ركيزة أدائه في المجال الاجتماعي، ترك أثرا على شعبيته؛ إذ أظهرت استطلاعات الرأي أن هامش الثقة بالرئيس يراوح حول 40 في المائة.
لكن أوباما يبقى «متفائلا» وحتى «متحمسا»، حسبما أكد كارني، فيما قدم البيت الأبيض سنة 2014 على أنها «سنة تحرك». وتابع الناطق أن الرئيس «سيستخدم كل الوسائل التي بحوزته لإحراز تقدم، مثل التعاون مع الكونغرس من أجل تمرير مشاريع القوانين حين يكون الكونغرس فعليا على استعداد للعمل معه».
ومنذ مطلع 2011 يتعامل أوباما مع مجلس نواب يسيطر عليه الجمهوريون، مما حال، خصوصا، دون القيام بإعادة توازن نظام الضرائب، وهو ما يعده ضروريا من أجل مساعدة الطبقات غير الميسورة.
وبلغت الخلافات حول العائدات والنفقات ذروتها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي مع شلل في الإدارات استمر أسبوعين. ومنذ ذلك الحين توصل أعضاء الكونغرس إلى تسوية حول توجهات الموازنة على المدى المتوسط، لكن أزمات أخرى ظهرت مثل رفع السقف المشروع للدين الفيدرالي مجددا.
وما زاد الوضع تعقيدا أن العديد من البرلمانيين قلقون على مستقبلهم الشخصي، لأن كل مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ سيتغير بنتيجة انتخابات منتصف الولاية. ونظرا للوضع الراهن، فإن الديمقراطيين لديهم فرص ضئيلة في تحقيق غالبية. وفي عام 2012 أعلن أوباما مستهدفا الجمهوريين في أوج الحملة الانتخابية الرئاسية: «لا يمكننا أن ننتظر» أن يتحرك الكونغرس. وقال كارني: «إدراكا منه لواقع أن الكونغرس يرفض في بعض الأحيان التعاون، سيمارس الرئيس سلطته. سيستخدم قلمه وهاتفه من أجل الدفع قدما ببرنامج مخصص لتحسين فرص النجاح» أمام الأميركيين. منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عبر أوباما عن رغبته في «استثمارات في مجال التعليم، وقوانين حول الحقوق النقابية، وإعادة تقييم الحد الأدنى للأجور»، لكن سلطته لها حدود لأن الدستور الأميركي يحدد بدقة توازن السلطات، فوحده مجلس النواب مخول الموافقة على نفقات جديدة، على سبيل المثال. وقال برندان باك الناطق باسم الرئيس الجمهوري لمجلس النواب جون باينر: «الحقيقة هي أنه إذا لم يكن يريد تجاوز سلطاته، وهو أمر لن يكون بالتأكيد موضع ترحيب لدى الأميركيين والكونغرس، فهناك فرص ضئيلة بأن يتمكن الرئيس من التحرك بمفرده». وحث الرئيس أوباما على التعاون مع المحافظين بخصوص المساعدة للتصدير والهجرة أو حتى البنى التحتية والتدريب.
وتنص المادة الثانية والبند الثالث من الدستور على أن يقوم «الرئيس بإطلاع الكونغرس من حين لآخر على وضع حالة الاتحاد» وأن يلقي أمام أعضاء مجلس النواب الـ435 ومجلس الشيوخ الـ100 والوزراء وقضاة المحكمة العليا وقادة الجيش ومسؤولين آخرين، خطابا حول حالة الاتحاد.
وجرت العادة أن يحظى أميركيون حققوا إنجازات أو أصبحوا رمزا لقضية ما، بشرف الجلوس إلى جانب السيدة الأولى ميشيل أوباما خلال الخطاب الذي يلقيه الرئيس في مبنى الـ«كابيتول». وخلال السنة الحالية، دعت السيدة الأولى ناجين من اعتداءات بوسطن وأول لاعب كرة سلة من دوري المحترفين أعلن أنه مثلي الجنس جيسون كولينز، وكذلك المديرة العامة الجديدة لـ«جنرال موتورز» ماري بارا.



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.