حادثة طرابلس.. أسئلة الداخل القلقة

نجاحات «الاستخبارات» اللبنانية تبقى غير كافية في غياب سياسة فعالة تمنع تفشي الآيديولوجيات الراديكالية

حادثة طرابلس.. أسئلة الداخل القلقة
TT

حادثة طرابلس.. أسئلة الداخل القلقة

حادثة طرابلس.. أسئلة الداخل القلقة

سيطرت أجواء من القلق والخوف بعد التفجير الانتحاري المزدوج الذي هز منطقة جبل محسن في طرابلس، أولا بسبب نوعية العملية التي شارك فيها انتحاريان يتحدران من المدينة نفسها، وثانيا بسبب اختفاء عشرات الشباب من المدينة يشتبه في إمكانية ارتكابهم هجمات إرهابية. فمنذ بدء تنفيذ الخطة الأمنية في طرابلس التي تلت الاشتباكات بين الجيش اللبناني ورجال شادي المولوي وأسامة منصور، اللذين يرتبطان بعلاقة مباشرة مع جبهة النصرة و«داعش»، سُجِّل فرار نحو 200 شاب من لبنان.

أكد مصدر سلفي، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، هذه المعلومات، مرجحا «هروب ما يقارب المائة شاب إلى سوريا والعراق، مع ثمانين شخصا تقريبا متوارين عن الأنظار داخل لبنان». إلا أن مصدرا عسكريا لبنانيا، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، اعتبر أن العدد الفعلي للذين يشتبه في إمكانية ارتكابهم هجمات إرهابية لا يتجاوز أربعة أو خمسة أشخاص حتى الآن.
إلى ذلك، انضم بعض النشطاء اللبنانيين في العراق وسوريا إلى «جبهة النصرة» في حلب أو «داعش» في الرقة، كما انخرط عمر ميقاتي، أحد رفاق المولوي ومنصور، المعروف باسم «أبو هريرة»، في صفوف جبهة النصرة في القلمون.. «فـ(داعش) لديها جيوب عميقة وتدفع المال الوفير لأسر المجندين الشباب»، وفق المصدر السلفي. وعلى الرغم من الانعكاسات العديدة التي قد يخلفها فرار هؤلاء على الساحة اللبنانية، يبقى الخطر الأكبر متأتيا من أولئك الذين ما زالوا في لبنان والذين قد يُستغلون لتنفيذ تفجيرات انتحارية جديدة.
ويعتبر الهجوم الإرهابي الذي استهدف مقهى في جبل محسن، وأسفر عن مقتل تسعة أشخاص وإصابة 37 آخرين، هو الأول من نوعه في طرابلس، وقد نفذه شابان من محلة «المنكوبين» في طرابلس، التي يسيطر عليها الفقر والبطالة وتعتبر واحدة من أكثر المناطق المحرومة في المدينة الشمالية. «أما اختيار طرابلس، المدينة التي نشأ فيها الانتحاريان لتنفيذ العملية، فيشكل سابقة لم نشهدها من قبل على الرغم من مقتل ما يزيد على عشرة شبان من طرابلس في عمليات انتحارية في العراق وسوريا»، وفق المصدر السلفي.
وكان منفذا الهجوم الانتحاري، بلال محمد مرعيان وسمير الخيال، قد تواريا عن الأنظار بعد أن شاركا في الاشتباكات الأخيرة التي وقعت بين الجيش اللبناني وجماعة شادي المولوي وأسامة منصور، بحسب مصادر طرابلسية تحدثت إلى «الشرق الأوسط». وقد رجح وزير الداخلية اللبنانية نهاد المشنوق انتماء الانتحاريين إلى تنظيم داعش، بناء على تقارير أمنية ربطتهما بالمتشدد منذر الحسن، المشتبه فيه بتأمين الأحزمة الناسفة والمتفجرات لأعضاء خلية إرهابية في فندق «دي روي»، والذي قتل لاحقا خلال مداهمة منزل أحد أقربائه في طرابلس حيث كان يختبئ، علما بأن منذر الحسن هو أيضا من منطقة «المنكوبين».
غير أن هذه النظرية لم تلق إجماعا في الأوساط الرسمية، حيث أشار مسؤول عسكري في طرابلس إلى أن العملية الإرهابية الأخيرة هي من تنفيذ جبهة النصرة، التي تشكل في الوقت الراهن الفصيل المهيمن على الساحة الطرابلسية. كما أنه وفقا لمواقع إخبارية، أعلنت جبهة النصرة في تغريدة على حسابها على «تويتر» مسؤوليتها عن الهجوم ضد المقهى في جبل محسن، المنطقة العلوية في طرابلس «للانتقام من الهجوم على مسجد السلام والتقوى». وجاء في بيان جبهة النصرة أن «بلال محمد مرعيان قد نفذ التفجير الأول مستهدفا الحشود النصيرية الحاضرة (العلويين)». وقام الخيال بالانفجار الثاني بعد انتشار قوات الأمن التي احتشدت في موقع الانفجار الأول.
وفي سياق متصل، أشارت صحف لبنانية إلى علاقة بين الانتحاريَين والموقوفين المتشددين في سجن رومية الموجودين خاصة في المبنى B، الذي بات منذ بداية الحرب في سوريا والعمليات الانتحارية التي لحقت بها مقرا لعمليات المتطرفين الذين قاموا بالتنسيق مع خلايا إرهابية وتواصلوا مع مجموعات متطرفة وتولوا إدارة تحركات إرهابية من داخل السجن.
وفي الأشهر الأخيرة، نجحت الأجهزة الأمنية في اعتقال العديد من الأشخاص الذين كانت قد جندتهم منظمات متطرفة لتنفيذ أعمال إرهابية، بمن فيهم «أسامة عنتر» الذي كان يعمل بالنيابة عن «داعش»، وفق المصدر السلفي. وقد ورد اسم الشيخ طارق الخياط في نفس الاشتباه، فضلا عن الشيخ أبو آدم الذي ينتمي بحسب المسؤول العسكري إلى عائلة إبراهيم، والذي عمد إلى تلقين الفكر المتشدد للخيال ومرعيان، وهي معلومة نفتها مصادر عائلة إبراهيم.
من ناحية ثانية، أكدت العديد من المراجع الأمنية أن الخيال ومرعيان لم يكونا متعمقين في الدين الإسلامي.. «فخيال يتحدر من أسرة طيبة كما كان والده مخبرا لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية»، وفق المسؤول العسكري. وقد أعربت والدة الانتحاري الشاب غادة في حديث إلى «الشرق الأوسط» عن صدمتها بعد اكتشاف تورط ابنها في تفجير جبل محسن، قائلة «كان ابني لطيفا، وكان سلوكه طبيعيا تماما قبل وفاته، إلا أنه بدأ بالصلاة ولكن لم يعتنق أيا من الأفكار المتطرفة». وفي السياق نفسه، أوردت مصادر في منطقة المنكوبين أن مرعيان لم يكن متشددا، وكان يشرب الكحول، وهي عادة مستهجنة ومحرمة في مجتمع مسلم محافظ.
وبعد تفجير جبل محسن ضربت القوى الأمنية طوقا مشددا على منطقة المنكوبين، وقامت بعدد من المداهمات والاعتقالات، مما قد يهدد باندلاع موجة جديدة من العنف في مدينة طرابلس. كما طالت حملات الاعتقال في الآونة الأخيرة عشرات من الشبان السوريين الذين يشتبه في تورطهم بهجمات إرهابية في لبنان، بحسب المسؤول العسكري. إضافة إلى ذلك، تمكنت قوى الجيش من توقيف المواطن بسام حسام نابوش في محلة «المنكوبين» للاشتباه به في محاولة تفجير نفسه، فضلا عن شخصين آخرين أوقفا على حاجز وادي حميد في عرسال. غير أن مصادر من منطقة المنكوبين نفت الاتهامات بحق نابوش، وأكدت أنه عمره لا يتعدى 17 عاما ولم يكن يحمل أي نوع من الأسلحة.
وعمد الجيش اللبناني أيضا إلى تفكيك عبوة ناسفة زنة 30 كغم على طريق قبة مجدليا في طرابلس. وتأتي هذه العبوة في إطار «التهديدات اليومية» التي تتلقاها القوى الأمنية والتي لا يمكن تجنبها بالكامل، وفق المصدر العسكري. والجدير ذكره أن هيكلية الجماعات المتطرفة الموجودة في لبنان تختلف عن غيرها من الجماعات، فهي تعتمد خلايا متعددة وتعمل في بعض الأحيان بشكل مستقل أو تتقاسم أحيانا أعضاء مشتركين «على غرار خلايا الشيخ خالد حبلص وعمر ميقاتي»، وفق المسؤول العسكري. كما لا يتم تدريب الانتحاريين بالضرورة في سوريا وفق المصدر العسكري الذي يستبعد أن يكون خيال ومرعيان خضعا للتدريب مع الحركات الراديكالية في القلمون.. «فبضعة أسابيع تكفي أحيانا للتدريب تحت إشراف خبراء في المتفجرات»، على حد قوله.
إن الامتعاض الذي يبديه سكان طرابلس تجاه مراكز القرار السني، وهروب الشخصيات السلفية التقليدية كالشيخ داعي الإسلام الشهال والشيخ بلال دقماق الملاحقين لحيازتهما أسلحة، أضف إلى ذلك قضية الشيخ نبيل رحيم، الشخصية السلفية المعتدلة التي تحظى بتقدير كبير في الأوساط الطرابلسية والذي أمضى ثلاث سنوات في السجن، تؤدي كلها إلى تفاقم الفراغ في الساحة الإسلامية المتشنجة أصلا.. وهو فراغ تحاول الحركات الراديكالية السورية أن تستغله، ومن هنا جاء تبني جبهة النصرة للعملية الانتحارية في جبل محسن، التي «هدفت إلى الانتقام» من الهجمات على جامع التقوى والسلام عام 2013. ومن الواضح أن مصالح جبهة النصرة وتنظيم داعش تتلاقى في طرابلس، مما قد يؤدي إلى محاولات جديدة لزعزعة الوضع الأمني.
وعليه، لا بد من رد أمني حازم لدرء هذا الخطر. فالنجاحات المتلاحقة التي تحققها أجهزة الاستخبارات، وعلى الرغم من أنها تستحق الإشادة والثناء، فإنها تبقى وحدها غير كافية في غياب سياسة فعالة لإنماء الأحياء الفقيرة وتسريع محاكمات العديد من الموقوفين، منعا لزيادة تفشي الآيديولوجيات الراديكالية.

* في سطور
* يعد الهجوم الإرهابي الذي استهدف مقهى في جبل محسن، وأسفر عن مقتل 9 أشخاص وإصابة 37 آخرين، هو الأول من نوعه في طرابلس، وقد نفذه شابان من محلة «المنكوبين» في طرابلس، التي يسيطر عليها الفقر والبطالة، وتعد واحدة من أكثر المناطق المحرومة في المدينة الشمالية.
* اختيار طرابلس، المدينة التي نشأ فيها الانتحاريان لتنفيذ العملية، يشكل سابقة لم نشهدها من قبل رغم مقتل ما يزيد على 10 شبان من طرابلس في عمليات انتحارية في العراق وسوريا، وفق المصدر السلفي.
* مصادر لبنانية أشارت إلى علاقة بين الانتحاريين والموقوفين المتشددين في سجن رومية الموجودين خاصة في المبنى B، الذي بات منذ بداية الحرب في سوريا والعمليات الانتحارية التي لحقت بها مقرا لعمليات المتطرفين الذين قاموا بالتنسيق مع خلايا إرهابية وتواصلوا مع مجموعات متطرفة وتولوا إدارة تحركات إرهابية من داخل السجن.
* بين مايو (أيار) 2007 ومارس (آذار) 2014 وقعت 20 جولة قتال بين منطقتي باب التبانة ذات الغالبية السنية وجبل محسن في طرابلس، أوقعت مئات القتلى والجرحى.
* شهد الصراع بين المنطقتين تصعيدا على خلفية النزاع السوري وتأييد الغالبية السنية في لبنان للمعارضة السورية مقابل انحياز الأقلية العلوية التي توجد خصوصا في جبل محسن إلى النظام السوري.
* منذ أكتوبر (تشرين الأول) ينتشر الجيش بكثافة في المدينة وقام بمئات التوقيفات ومنع كل ظهور مسلح، ما أثار ارتياحا في المدينة.

* باحثة زائرة في مركز رفيق الحريري لدراسات الشرق الأوسط



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».