دروس بيل غيتس في مجال المساعدات غير الحكومية

مشروع «التحديات الكبرى» منح المليارات للبحث العلمي والتعليم

بيل غيتس (غيتي)
بيل غيتس (غيتي)
TT

دروس بيل غيتس في مجال المساعدات غير الحكومية

بيل غيتس (غيتي)
بيل غيتس (غيتي)

بيل غيتس هو ملك المساعدات الإنسانية بلا منازع، إلى الحد الذي جعل لأمواله الخاصة قوة قادرة على جذب التمويل الحكومي. وسواء كان ذلك لضخامة المبالغ التي يتبرع بها أم لأن الناس تفترض أن عبقريته في التكنولوجيا تمتد لتشمل كل المجالات الأخرى أم الاثنين معا، تأثيره على مجالات مثل الصحة والتعليم حول العالم غير مسبوق. لهذا من المهم الانتباه إلى ما يقوله عن طريقة عمل مبادرات مؤسسة «بيل أند ميليندا غيتس».
ونشرت مجلة «سياتل تايمز» نهاية الشهر الماضي موضوعا صحافيا يتناول خطابا لبيل غيتس خلال الخريف الماضي عن مشروع «التحديات الكبرى» الاستثنائي الذي تقوم به مؤسسة «بيل أند ميليندا غيتس»، والذي منح من خلاله مليارات الدولارات للبحث العلمي في 80 دولة على الأقل بهدف إجراء أبحاث لتحسين الصحة والتنمية للمحتاجين. ويشير الموضوع إلى أنه بدلا من أن يكون الخطاب متباهيا ومتفاخرا، استخدم غيتس كلمة «ساذج» 4 مرات في الإشارة إلى توقعاته بشأن المبادرة. وجاء في الموضوع: «بدا أحد مؤسسي مايكروسوفت مهزوما، فرغم الاستثمار البالغ قيمته مليار دولار، لم يساهم أي من المشروعات الممولة من قبل مؤسسة «غيتس» تحت شعار (التحديات الكبرى) في إنقاذ أي أرواح أو تحسين الصحة في الدول النامية». ماذا حدث؟
قال غيتس إنه كان «ساذجا للغاية في ما يتعلق بالمدة التي توقع أن تحتاجها تلك العملية». فالنجاح لم يكن ليأتي بالسرعة التي توقعها ومن أسباب ذلك الخطأ في تقدير كيفية سير المشروعات التي موّلها على أرض الواقع. وكتب الموقع الإلكتروني «umanosphere.org» عن الخطاب قبل ذلك، وأشار إلى أن منتقدي المشروع، ورغم إقرارهم بالنيات الحسنة الكبيرة لبيل غيتس المحب لتقديم المساعدات الإنسانية، قالوا إن كثيرا من المشروعات اعتمدت على حل مشكلات راسخة تتعلق بالفقر والمرض بالتكنولوجيا، بدلا من معالجة القضايا الاجتماعية والسياسية المرتبطة بها. وجاء في الموضوع: «لم يتم الإعلان عن إحصاءات المؤسسة الخاصة بتقدير النجاح أو الفشل داخل برنامج (التحديات الكبرى)، لكن بعد مرور 10 سنوات وإنفاق مليار دولار على أكثر من 1500 مشروع تهدف إلى معالجة (التحديات الكبرى) التي اختارها، لم يحقق أي منها نجاحا كبيرا أو صغيرا». وقال غيتس: «لقد كنا سذجا بشأن تحديد التكاليف وسهولة التنفيذ بدقة». وأضاف أن من أهم «الدروس المستفادة»، وهي من الكلمات التي يحب استخدامها، هو معرفة أن تمويل العلماء والمبتكرين لاكتشاف أفكار بعيدة، لكنها واعدة، غير كاف. وقال غيتس أمام الجمهور إن «تحقيق التقدم يرتبط بمبتكرين يطلب أكثرهم منحة للشراكة مع المصنعين أو الشركات الطبية أو غيرها من الجهات التي تتمتع بالخبرة في مجال تطوير المنتج قبل تمويل مشروع ما. وقال غيتس: «لقد قللنا من أهمية هذا الأمر».. تلك الأمور ليست ثانوية.
ويعد التعليم ثاني هدف له في تقديم المنح بعد الصحة. وله عدة اعترافات في هذا المجال بشأن توقعاته للنجاح، وما حدث بالفعل بعد ضخ مليارات الدولارات على مدى 10 سنوات لتمويل مشروعات اعتقد أنها ستحقق إصلاحات مهمة في الصف الثانوي والتعليم العالي. وقال في خطابه السنوي للمؤسسة في يناير (كانون الثاني) 2009: «منذ 9 سنوات قررت المؤسسة الاستثمار في المساعدة على إنشاء مدارس ثانوية بمستوى أفضل، وقدمنا منح تقدر بأكثر من ملياري دولار. وكان الهدف منح المدارس مبالغ مالية إضافية لفترة من الزمن لإحداث تغييرات في طريقة تنظيمها وعملها، بما في ذلك تقليص حجمها وطريقة عمل المعلمين والمناهج. وكان الأمل في أن يتمكنوا بعد بضع سنين من العمل بالتكلفة نفسها لكل طالب، لكن بشكل أكثر فعالية».
وقال متحدث باسم المؤسسة، العام الماضي، إن «رقم الملياري دولار كان إجمالي الإنفاق على المنح المقدمة للتعليم الثانوي التي شملت ما هو أكبر من المدارس الصغيرة».
وأوضح خطاب عام 2009 أن «المؤسسة كانت ستغير وجهة التمويل في التعليم الثانوي إلى فعالية المعلم ونشر أفضل طرق التدريس، لأن العمل على المدارس الصغيرة جاء مخالفا للتوقعات. ولم يتحسن أداء الطلبة على أي مستوى في كثير من المدارس الصغيرة التي استثمرنا فيها. وكانت هذه هي المدارس التي لم تتخذ أي خطوات كبيرة نحو تغيير الثقافة مثل السماح للناظر باختيار طاقم المعلمين أو تغيير المنهج. وكان تغيير مدرسة موجودة أقل نجاحا من إنشاء مدرسة جديدة. وحتى في تلك الحالة، تفوقت كثير من المدارس في نسبة حضور طلابها ومعدلات التخرج على غيرها. وفي الوقت الذي كنا نسعد فيه بتلك التطورات، كنا نحاول زيادة معدل التخرج من المدارس الثانوية، لكننا كنا نخفق في أكثر الحالات».
وأنفق غيتس بعد ذلك مئات الملايين من الدولارات للمساهمة في تطوير المعايير الأساسية، فضلا عن مئات الملايين الأخرى في وضع وتنفيذ أنظمة تقييم المعلم التي أضافت درجات اختبار معياري للطالب إلى عملية تقييم المعلم. وحذر خبراء التقييم مرارا وتكرارا من استخدام ذلك الاختبار في تقييم المعلم لعدم صلاحيته، لكن ذلك لم يمنع المؤسسة من تقديم تلك المنح. وظن هو ومؤسسته أن هذا سيجدي نفعا مثل نصيحته لصناع السياسة في مقاله بـ«واشنطن بوست» عام 2011 الذي كتب فيه: «تضاعف عدد المدرسين مقابل كل طالب في المدارس الأميركية عنه عام 1960، ومع ذلك لم يتم تحقيق المزيد من الإنجازات. ما الذي ينبغي على صناع السياسة فعله؟ من طرق جذب المزيد من الطلبة للتعلم على أيدي معلمين بارزين، تحديد أفضل 25 في المائة من المعلمين، والطلب منهم تعليم 4 أو 5 طلبة إضافيين. وكان هذا الاقتراح ليكون عبقريا لو كان نجح، لكن بعيدا عن المشكلات المرتبطة باختيار أفضل 25 في المائة من المعلمين، كانت كثافة الطلبة داخل الحجرة الدراسية أهم كثيرا من تحديد المعلمين الأكثر كفاءة وموهبة».
أعجبت فكرة استخدام درجات الاختبار ضمن عملية تقييم المعلم وزير التعليم، أرني دانكان، وقدم دعما ماليا حكوميا لها، إضافة إلى دعم برنامج «سباق نحو القمة»، و«عدم التخلي عن أي طفل». بيل غيتس وأرني دانكان، يبدو الاسمان مرتبطين بشدة إلى الحد الذي أدى إلى توجيه سؤال مباشر إلى دانكان عام 2014 عن هذه العلاقة، ونأى دانكان بنفسه عن غيتس في حوار مع زملائه في وزارة التعليم. وفيما يلي جزء من ذلك الحوار:
* ليزا كلارك: عندما يمنح محبو المساعدات الإنسانية مثل بيل غيتس أو إيلي برود، تبرعات، هل يحصلون بذلك على مقعد على طاولة صناعة القرار معك؟
- أرني دانكان: أكن احتراما كبيرا لكليهما وأقدر عطاءهما كثيرا، فهناك كثير من الأمور التي كان يمكنهم اختيار الإنفاق عليها، ومحاولتهم المساعدة في التعليم أمر إيجابي جدا، لكن لا يمنحهم هذا مقعدا على الطاولة، بل أنتم من يجلس على الطاولة. مع ذلك من المهم الترحيب بالناجحين كجزء من الحل.
* ليزا كلارك: أعلم أن منظمات مثل مؤسسة «غيتس» تمول المعلم والقيادات التعليمية، لذا الأمر معقد.
- بحلول عام 2013 كان غيتس يعبر عن قلقه من الاندفاع نحو إجراء اختبار في كل مادة من أجل تقييم المعلمين، وهو اندفاع ساعد هو في خلقه.
وكتب في مقاله في صحيفة «واشنطن بوست»:
«في ظل اندفاع الولايات والمناطق التعليمية نحو تنفيذ أنظمة جديدة لتطوير وتقييم المعلم، هناك احتمال أن يتم اللجوء إلى إجراءات مزيفة متعجلة غير مثبتة. ويعد الاندفاع نحو وضع تقييمات جديدة في الدرجات والمواد التي لا تشملها حاليا اختبارات الولايات من الأمثلة الواضحة على ذلك. وتتحدث بعض الولايات والمناطق التعليمية عن وضع اختبارات لكل المواد بما فيها الكورال والتمرينات الرياضية بحيث يكون لديهم شيء يمكن قياسه. وفي نهاية شهر فبراير (شباط)، بدأت المؤسسة تفرض قيودا على دعمها لـ«قياس القيمة المضافة» وهي طريقة رياضية تستخدم فيها درجات اختبارات الطلبة لفصل «قيمة» المعلم عن العوامل الأخرى في حياة الطالب مثل الجوع، والمرض، والفقر، والقلق، أثناء الاختبار التي يمكن أن تؤثر على مستواه الدراسي. وكتبت فيكي فيليبس، مديرة التعلم الثانوي في مؤسسة «غيتس»، أن «المؤسسة عارضت الإعلان عن بيانات قياس القيمة المضافة الخاصة بالمعلم، لعدم وجود دليل يشير إلى أن هذا سيؤدي إلى تحسن أداء المعلم».
وكان هناك اعتراف آخر عن التعليم خلال الخريف الماضي، ففي 21 سبتمبر (أيلول) خلال مقابلة بجامعة هارفارد مدتها نحو الساعة، قال: «سيكون من الرائع أن تنجح مجهوداتنا في مجال التعليم، لكننا لن نتحقق من ذلك قبل مرور 10 سنوات».
ولا تلقى اعترافات غيتس وهذا النهج من عدم اليقين ترحيبا. مع ذلك هناك تساؤلات مهمة حول مدى ذكاء الدولة حين تسمح لمحبي تقديم المساعدات الإنسانية بتوجيه سياسة الدولة. مع مرور الوقت، أقرّ غيتس أن نهجه لم يكن صحيحا تماما. الاعتراف بالأخطاء ليس عيبا، لكن هناك مخاطر تحدث عند تبني محبي الأعمال الخيرية الإنسانية مشروعات «يعتقدون» أنها ستؤثر على خطة الدولة من دون أي مشاركة من الشعب.
وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» في هذا الموضوع خلال العام الماضي أن «محبي تقديم المساعدات الإنسانية من الأثرياء يسيطرون على مجال العلوم»، وأشارت إلى أن «العلوم الأميركية، التي تعد مدعاة للفخر ودليل قوة الدولة، تتجه أكثر فأكثر نحو التحول إلى مشروع خاص».
وفي واشنطن، أدى خفض الموازنة إلى تراجع الإنفاق على البحث العلمي، حيث تم إغلاق معامل، وتسريح علماء، وتأجيل العمل في مشروعات، خاصة في أمور بحثية أساسية، لكن من وادي سيليكون إلى وول ستريت، نجد حماسا من جانب محبي تقديم المساعدات في مجال العلوم، حيث يسعى كثير من الأثرياء الأميركيين نحو إعادة تقديم أنفسهم كرعاة للتقدم العلمي من خلال دعم البحث العلمي. والنتيجة هي تغيير حسابات النفوذ والأولويات التي تراها الدوائر العلمية مع مزيج من الامتنان والخوف.
قال ستيفن إدواردز، محلل السياسات في الجمعية الأميركية للتقدم العلمي: «سواء كان هذا جيدا أو سيئا، ما حدث هو تراجع لتشكيل الممارسات العلمية في القرن الواحد والعشرين على أساس الأولويات القومية أو استنادا إلى الآراء المتبادلة بين الجماعات لصالح تفضيلات أفراد لديهم كثير من المال».
وهناك حقا مساحة كبيرة للمساعدات الإنسانية في المجتمع الأميركي، لكن هناك عواقب للتخلي عن السياسة العامة للدولة لصالح أحلام الأثرياء، أقلها أن تصبح المؤسسات حقلا لتجارب المساعدات الإنسانية. وبالنظر إلى وجود طرق ووسائل ثبتت فاعليتها في مجال التعليم مثل تقييم المعلم، وكثافة الحجرة الدراسية، وغيرها من الأمور، قد يتجه الشعب إلى التساؤل: لماذا يقبل استغلاله كفأر تجارب؟
* خدمة «نيويورك تايمز»



{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
TT

{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)

منذ 15 عاما حينما تأسست مكتبة الإسكندرية الجديدة، وكان الطلاب والباحثون من مختلف أنحاء مصر يشدون الرحال إلى «عروس المتوسط» للاستفادة من الأوعية المعرفية كافة التي تقدمها المكتبة لزائريها، والاطلاع على خدمات المكتبة الرقمية والدوريات العلمية والبحوث، لكن الجديد أن كل ذلك أصبح متاحا في 20 محافظة في مختلف أنحاء مصر وللطلاب العرب والأفارقة والأجانب المقيمين في مصر كافة من خلال «سفارات المعرفة».

فعاليات لنبذ التطرف
لم تكتف مكتبة الإسكندرية بأنها مركز إشعاع حضاري ومعرفي يجمع الفنون بالعلوم والتاريخ والفلسفة بالبرمجيات بل أسست 20 «سفارة معرفة» في مختلف المحافظات المصرية، كأحد المشروعات التي تتبع قطاع التواصل الثقافي بالمكتبة لصناعة ونشر الثقافة والمعرفة ورعاية وتشجيع الإبداع الفني والابتكار العلمي.
ويقول الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، لـ«الشرق الأوسط»: «هذا المشروع من أدوات المكتبة لنشر العلم والثقافة في مصر والعالم أجمع، ووجود هذه السفارات يساعد المكتبة على تحقيق أهدافها على نطاق جغرافي أوسع. ونحن هذا العام نسعى لمحاربة التطرف الذي ضرب العالم، وخصصنا السمة الرئيسية للمكتبة هذا العام (نشر التسامح تعظيم قيمة المواطنة، ونبذ العنف والتصدي للإرهاب) والتي سوف نعلن عن فعالياتها قريبا». يضيف: «نتمنى بالطبع إقامة المزيد من السفارات في كل القرى المصرية ولكن تكلفة إقامة السفارة الواحدة تزيد على مليون جنيه مصري، فإذا توافر الدعم المادي لن تبخل المكتبة بالجهد والدعم التقني لتأسيس سفارات جديدة».

خطط للتوسع
تتلقى مكتبة الإسكندرية طلبات من الدول كافة لتفعيل التعاون البحثي والأكاديمي، يوضح الدكتور الفقي: «أرسلت لنا وزارة الخارجية المصرية مؤخرا خطابا موجها من رئيس إحدى الدول الأفريقية لتوقيع بروتوكول تعاون، وتسعى المكتبة لتؤسس فروعا لها في الدول الأفريقية، وقد أوصاني الرئيس عبد الفتاح السيسي بالعلاقات الأفريقية، ونحن نوليها اهتماما كبيرا».
يؤكد الدكتور الفقي «المكتبة ليست بعيدة عن التعاون مع العالم العربي بل هناك مشروع (ذاكرة الوطن العربي) الذي سيكون من أولوياته إنعاش القومية العربية».
«مواجهة التحدي الرقمي هو أحد أهداف المكتبة منذ نشأتها»، يؤكد الدكتور محمد سليمان، رئيس قطاع التواصل الثقافي، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «مشروع سفارات المعرفة يجسد الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا في نقل المعرفة لكل مكان في مصر، ومصطلح (سفارة) يعني أن للمكتبة سيطرة كاملة على المكان الذي تخصصه لها الجامعات لتقديم الخدمات كافة، بدأ المشروع عام 2014 لكنه بدأ ينشط مؤخرا ويؤدي دوره في نشر المعرفة على نطاق جغرافي واسع».
يضيف: «تقدم المكتبة خدماتها مجانا للطلاب وللجامعات للاطلاع على الأرشيف والمكتبة الرقمية والمصادر والدوريات العلمية والموسوعات التي قام المكتبة بشراء حق الاطلاع عليها» ويوضح: «هناك 1800 فعالية تقام بالمكتبة في مدينة الإسكندرية ما بين مؤتمرات وورشات عمل وأحداث ثقافية ومعرفية، يتم نقلها مباشرة داخل سفارات المعرفة بالبث المباشر، حتى لا تكون خدمات المكتبة قاصرة على الباحثين والطلاب الموجودين في الإسكندرية فقط».
«كل من يسمح له بدخول الحرم الجامعي يمكنه الاستفادة بشكل كامل من خدمات سفارة المعرفة ومكتبة الإسكندرية بغض النظر عن جنسيته» هكذا يؤكد الدكتور أشرف فراج، العميد السابق لكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، والمشرف على «سفارات المعرفة» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه السفارات هي أفرع لمكتبة الإسكندرية تقدم للباحثين خدماتها والهدف من هذا المشروع هو تغيير الصورة النمطية عن المكتبة بأنها تخدم النخبة العلمية والثقافية، بل هذه الخدمات متاحة للطلاب في القرى والنجوع» ويضيف: «يمكن لأي باحث من أي دولة الحصول على تصريح دخول السفارة من مكتب رئيس الجامعة التي توجد بها السفارة».

صبغة دبلوماسية
حول اسم سفارات المعرفة ذي الصبغة الدبلوماسية، يكشف الدكتور فراج «للمصطلح قصة قانونية، حيث إن قسم المكتبات يدفع للناشرين الدوليين مبلغا سنويا يقدر تقريبا بنحو 25 مليون، لكي تكون الدوريات العلمية المتخصصة والمكتبات الرقمية العالمية متاحة لمستخدمي المكتبة، ولما أردنا افتتاح فروع للمكتبة في المدن المصرية واجهتنا مشكلة بأن هذه الجهات ستطالب بدفع نفقات إضافية لحق استغلال موادها العلمية والأكاديمية لكن مع كونها سفارة فإنها تتبع المكتبة ولها السلطة الكاملة عليها».
ويضيف: «تهدف السفارات لإحداث حراك ثقافي ومعرفي كامل فهي ليست حكرا على البحث العلمي فقط، وقد حرصنا على أن تكون هناك فعاليات خاصة تقام بكل سفارة تخدم التنمية الثقافية في المحافظة التي أقيمت بها، وأن يتم إشراك الطلاب الأجانب الوافدين لكي يفيدوا ويستفيدوا، حيث يقدم كل منهم عروضا تقديمية عن بلادهم، أو يشارك في ورشات عمل عن الصناعات اليدوية التقليدية في المحافظات وبالتالي يتعرف على التراث الثقافي لها وهذا يحقق جزءا من رسالة المكتبة في تحقيق التلاحم بين شباب العالم».
تتيح سفارات المعرفة للطلاب أنشطة رياضية وفنية وثقافية، حيث أسست فرق كورال وكرة قدم تحمل اسم سفارات المعرفة، وتضم في عضويتها طلابا من مختلف الجامعات والتخصصات وتنافس الفرق الجامعية المصرية. ويلفت الدكتور فراج «تقيم سفارات المعرفة عددا من المهرجانات الفنية وورشات العمل ودورات تدريبية لتشجيع الطلاب على بدء مشروعاتهم الخاصة لكي يكونوا أعضاء منتجين في مجتمعهم خاصة في المدن السياحية».

قواعد موحدة
تم عمل بروتوكول تعاون مع وزارة التعليم العالي والجامعات الحكومية ومع التربية والتعليم ومع أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، ويوجد بكل سفارة شخصان تكون مهمتهما إرشاد الطلاب للمصادر الرقمية للمكتبة، وتقديم برنامج الأحداث والفعاليات الخاص بالمكتبة لمدة 3 شهور مقبلة، لكي يتمكن الباحث من تحديد المؤتمرات التي يرغب في حضورها عبر البث الحي».
كل قواعد المكتبة تتبع في كل سفارة ويتم التحكم في الأنظمة والأجهزة كافة عبر السفارات العشرين، من مكتبة الإسكندرية بالشاطبي حيث تتابع المكتبة السفارات العشرين عبر شاشات طوال فترة استقبال الباحثين من الساعة الثامنة النصف صباحا وحتى الخامسة مساء.
ويكشف الدكتور فراج «السفارة تنفق نحو نصف مليون كتكلفة سنوية، حيث توفر الخدمات والأجهزة كافة للجامعات بشكل مجاني، بل تساعد سفارات المعرفة الجامعات المصرية في الحصول على شهادات الأيزو من خلال ما تضيفه من تكنولوجيا وإمكانيات لها. ويؤكد فراج «يتم إعداد سفارة في مرسى مطروح لخدمة الطلاب هناك وسوف تقام مكتبة متكاملة في مدينة العلمين الجديدة».

أنشطة مجتمعية
يشير الدكتور سامح فوزي، المسؤول الإعلامي لمكتبة الإسكندرية إلى أن دور سفارات المعرفة يتخطى مسألة خدمة الباحثين وتخفيف عبء الحصول على مراجع ومصادر معلومات حديثة بل إن هذه السفارات تسهم في تطوير المجتمع بشكل غير مباشر، أما الأنشطة المجتمعية ذات الطابع العلمي أو الثقافي فهي تخلق جواً من الألفة بين أهل القرى وبين السفارة».
تُعد تلك السفارات بمثابة مراكز فرعية للمكتبة، فهي تتيح لروادها الخدمات نفسها التي تقدمها مكتبة الإسكندرية لجمهورها داخل مقرها الرئيسي، وتحتوي على جميع الأدوات والامتيازات الرقمية المقدمة لزوار مكتبة الإسكندرية؛ مثل إتاحة التواصل والاستفادة من الكثير من المشروعات الرقمية للمكتبة، مثل: مستودع الأصول الرقمية (DAR)؛ وهو أكبر مكتبة رقمية عربية على الإطلاق، ومشروع وصف مصر، ومشروع الفن العربي، ومشروع الأرشيف الرقمي لمجلة الهلال، ومشروع ذاكرة مصر المعاصرة، ومشروع «محاضرات في العلوم» (Science Super Course)... إلخ، بالإضافة لإتاحة التواصل مع الكثير من البوابات والمواقع الإلكترونية الخاصة بالمكتبة، مثل: موقع «اكتشف بنفسك»، والملتقى الإلكتروني (Arab InfoMall)، وبوابة التنمية... إلخ. ذلك إلى جانب خدمة «البث عبر شبكة الإنترنت»، التي تقدِّم بثاً حياً أو مسجلاً للفعاليات التي تقام بمركز مؤتمرات مكتبة الإسكندرية؛ حتى يُتاح لزائري المكتبة مشاهدتها في أي وقت بشكل سلس وبسرعة فائقة. علاوة على ذلك، تتيح مكتبة الإسكندرية لمستخدمي سفارات المعرفة التمتع بخدمات مكتبة الوسائط المتعددة، واستخدام نظام الحاسب الآلي فائق السرعة (Supercomputer).