«إخناتون»... دعوة لمواجهة آلام الحاضر بأمجاد الماضي

عرضٌ مسرحي راقصٌ ينقل المشاهد من مراكب الهجرة إلى معبد آتون

لقطة من العرض المسرحي «إخناتون» (الشرق الأوسط)
لقطة من العرض المسرحي «إخناتون» (الشرق الأوسط)
TT

«إخناتون»... دعوة لمواجهة آلام الحاضر بأمجاد الماضي

لقطة من العرض المسرحي «إخناتون» (الشرق الأوسط)
لقطة من العرض المسرحي «إخناتون» (الشرق الأوسط)

«فنك في قلبي... لا يوجد آخر يعرفك غير ابنك إخناتون»... بهذه الجملة من أشعار الفرعون المصري إخناتون، التي كان يناجي فيها ربه، افتتح المخرج اللبناني وليد عوني عرضه المسرحي الراقص «إخناتون... غبار النور» أخيراً، على مسرح دار الأوبرا المصرية، في محاولة لمواجهة ويلات الحاضر وآلامه عبر استلهام أمجاد الماضي والتّمسك بها، ويستعد عوني لعرض مسرحيته مجدداً في مكتبة الإسكندرية بداية العام المقبل.
تنقل عوني بسلاسة بين الحاضر والماضي، عبر تابلوهات راقصة، تراوح بين الحاضر الذي يعاني الناس فيه من آلام الفقر والجوع، وينزحون بحثاً عن لقمة عيش وعن نقطة نور في نهاية النفق المظلم، وبين عصر إخناتون الذي يعتبره عوني «عصراً استثنائيّاً لشخصية استثنائيّة»، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنّ «إخناتون شخصية استثنائية، ركز على الروح للارتقاء بالإنسان، فترك عبادة آمون، وانصرف عن كهنته، ساعياً إلى حقيقة الكون والعبادة، واختار الشمس رمز النور والحياة، محاولاً إنشاء عالم نقي».
لم تكن حياة إخناتون سهلة، بل كانت متناقضة، يمتزج فيها العذاب والألم بالبهجة والسّعادة، ويمتزج فيها الموت بالحياة، فدخل إخناتون في صراع مع كهنة آمون الذين وقفوا ضد مبادئه الموحدة، حسب عوني.
وينتمي إخناتون، الذي حكم مصر لمدة 17 عاماً، للأسرة الثامنة عشر في مصر القديمة، وترك طيبة (الأقصر) عاصمة مصر القديمة في ذلك الوقت، وأنشأ مقراً جديداً لحكم البلاد في تل العمارنة بالمنيا في صعيد مصر. أطلق عليه اسم «أخت آتون»، أي «أفق آتون»، داعياً إلى التوحيد وعبادة آتون (الشمس)، لكنّ أحلامه بالتوحيد انتهت بعد وفاته، لأنّه جعل عبادة الشمس من خلاله، فانتهت دعوته بوفاته، وعادت عاصمة مصر إلى طيبة، وإلى عبادة آمون، وهجرت تل العمارنة.
وبدأ عرض مسرحية «إخناتون» لأول مرة في بداية العام الجاري، من خلال صراع إخناتون الذي يشبه ما نعيشه حالياً. يحاول عوني فك رموز التاريخ والبحث عن أسباب آلام الحاضر، عبر عدة مشاهد راقصة تعبيرية، فالتاريخ والحاضر «شيء واحد» على حد قوله، «مجسّداً صراع إخناتون النفسي والروحي للدفاع عن الشمس والنور، التي ما لبثت أن تحولت إلى غبار من النور دمرت على إثره مدينة الشمس، وتفكّكت العائلة، وتشرّد شعبها، ونزحوا من البلاد، ودمرت تل العمارنة، ليظل مشهد دمار تل العمارنة يلاحقنا»، حسب عوني، الذي يشير إلى أنّه من المفارقات أنّ «المخرج المصري الرّاحل شادي عبد السلام حاول تجسيد قصة إخناتون في فيلم سماه مأساة البيت الكبير، لكنّه لم ير النور أيضاً».
يدخلك العرض المسرحي في مناجاة أشبه بالصّلاة والدّعاء للتخلص من شرور الحاضر وآلامه، مازجاً التابلوهات الراقصة بأشعار إخناتون ومناجاته للشمس مصدر النور والحياة، فتشعر وكأنك عدت للوراء آلاف السنين، لتحضر صلاة في معبد آتون، وسط كهنة بملابس فرعونية يردّدون ترانيم وأغانٍ دينية، ولكن قبل أن تستغرق في التاريخ وجمال الحضارة التي خلفها، سرعان ما يخطفك العرض ليعيدك إلى الحاضر بمشاهد راقصة صادمة، تدخل لتؤكد أنّ الماضي والحاضر شيء واحد.
ويرى عوني أنّه «لم يبق أمامنا الآن سوى التّمسك بحضارتنا التي ألهمت شعوب الأرض، لمواجهة عصر النهايات والنزوح الدائم الذي نعيشه في منطقة الشرق الأوسط».
وجعل عوني إخناتون في عرضه بمثابة المنقذ، ويقول: «يجب علينا أن نتمسك بالماضي لكي لا يندثر، فهو المنقذ الذي نلجأ إليه، هرباً من المستقبل المخيف الذي يحرمنا من الوصول إلى الكمال»، مشيراً إلى أنّ «إخناتون أدرك منذ ثلاثة آلاف سنة أن البشرية ذاهبة للفوضى والدّمار، فأنشأ مدينة الكمال، وانطلق لتقديس مظاهر الحياة في رزانة وطهارة».
ينتهي العرض بدمار مدينة تل العمارنة، قبل أن ينقلنا للحاضر، ومشاهد المهاجرين في مراكب الهجرة غير الشرعية، التي لم ينسَ أن يضمّ لها مشهد الطفل السوري الشهير وهو ملقى على شاطئ البحر، مختتماً العرض بجزء من أشعار إخناتون يقول: «أنت وضعت كل إنسان في مكانه، أنت جهزته بضروراته، كل امرئ لديه مقتنياته وأيامه مقدرة، ألسنتهم تكون مختلفة في الكلام، وأشكالهم بشكل مماثل وبشرتهم تكون مميزة، لأنّك أنت صنعت الأغراب مختلفين».
ولا يخلو العرض من رسائل سياسية تشير إلى محاولات طمس التاريخ، وتدعو إلى التمسك به، والعمل على إحيائه باعتباره مصدر قوة وأمل، ويقول عوني: «هناك من يريد أن يمحي آثارنا وتاريخنا وسياستنا، ويجرنا للتّعصب الذي يقتلنا ويدمرنا ويشردنا، مثلما دمّر تل العمارنة، ويجعل شعوبنا لاجئين في مراكب الهجرة والنزوح في البحار، مثل الذين ركبوا مراكب الشمس للانتقال قديماً».



حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
TT

حضور تشكيلي سعودي بارز في مهرجان «ضي للشباب العربي» بمصر

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)
عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

يُشكّل «مهرجان ضي للشباب العربي» الذي يُطلقه «أتيليه العرب للثقافة والفنون» في مصر كل عامين، تظاهرة ثقافية تحتفي بالمواهب العربية الشابة في الفنون التشكيلية، وتعكس عمق التعبير وتنوعه بين الفنانين المشاركين عن القضايا الجماعية والتجارب الذاتية.

وتشهد نسخته الخامسة التي انطلقت تحت شعار «بلا قيود»، وتستمر لشهر كامل في قاعات غاليري «ضي» بالقاهرة، مشاركة 320 فناناً من الشباب، يمثلون 11 دولة عربية هي مصر، والسعودية، والسودان، وسوريا، وفلسطين، والعراق، والأردن، واليمن، ولبنان، والعراق، وتونس.

تُقدم سلمى طلعت محروس لوحة بعنوان «روح» (الشرق الأوسط)

وبين أرجاء الغاليري وجدرانه تبرز مختلف أنواع الفنون البصرية، من الرسم والتصوير والحفر والطباعة والخزف والنحت. ومن خلال 500 عملٍ فني تتنوع موضوعاتها وتقنياتها وأساليبها واتجاهاتها.

ويحفل المهرجان في دورته الحالية بأعمال متنوعة ومميزة للشباب السعودي، تعكس إبداعهم في جميع ألوان الفن التشكيلي؛ ومنها عمل نحتي للفنان السعودي أنس حسن علوي عنوانه «السقوط».

«السقوط» عمل نحتي للتشكيلي السعودي أنس علوي (الشرق الأوسط)

يقول علوي لـ«الشرق الأوسط»: «استلهمت العمل من فكرة أن كلمَتي (حرام) و(حلال)، تبدآن بحرف الحاء، وهما كلمتان متضادتان، وبينهما مساحات شاسعة من الاختلاف».

ويتابع: «يُبرز العمل ما يقوم به الإنسان في وقتنا الراهن، فقد يُحرّم الحلال، ويُحلّل الحرام، من دون أن يكون مُدركاً أن ما يقوم به هو أمر خطير، وضد الدين».

ويضيف الفنان الشاب: «لكنه بعد الانتهاء من فعله هذا، قد يقع في دائرة الشكّ تجاه تصرّفه. وفي هذه المرحلة أردت أن أُجسّد تلك اللحظة التي يدخل إليها الإنسان في مرحلة التفكير والتشكيك في نفسه وفي أعماله، فيكون في مرحلة السقوط، أو مراجعة حكمه على الأمور».

وتأتي مشاركة الفنانة السعودية سمية سمير عشماوي في المهرجان من خلال لوحة تعبيرية من الأكريلك بعنوان «اجتماع العائلة»، لتعكس عبرها دفء المشاعر والروابط الأسرية في المجتمع السعودي.

عمل للتشكيلية السعودية سمية عشماوي (الشرق الأوسط)

وتقول سمية لـ«الشرق الأوسط»: «تُعدّ اللوحة تجسيداً لتجربة شخصية عزيزة على قلبي، وهي لقاء أسبوعي يجمع كل أفراد أسرتي، يلفّه الحب والمودة، ونحرص جميعاً على حضوره مهما كانت ظروف الدراسة والعمل، لنتبادل الأحاديث، ونتشاور في أمورنا، ونطمئن على بعضنا رغم انشغالنا».

ويُمثّل العمل النحتي «حزن» أول مشاركة للتشكيلية السعودية رويدا علي عبيد في معرض فني، والتمثال مصنوع من خامة البوليستر، ويستند على رخام. وعن العمل تقول لـ«الشرق الأوسط»: «يُعبّر التمثال عن لحظة حزن دفينة داخل الإنسان».

عمل نحتي للفنانة السعودية رويدا علي عبيد في الملتقى (الشرق الأوسط)

وتتابع رويدا: «لا أحد يفهم معنى أن تقابل الصدمات بصمت تام، وأن تستدرجك المواقف إلى البكاء، فتُخفي دموعك، وتبقى في حالة ثبات، هكذا يُعبّر عملي عن هذه الأحاسيس، وتلك اللحظات التي يعيشها المرء وحده، حتى يُشفى من ألمه وأوجاعه النفسية».

من جهته قال الناقد هشام قنديل، رئيس مجلس إدارة «أتيليه العرب للثقافة والفنون»، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مهرجان الشباب العربي يمثّل خطوة مهمة في تشجيع الفنانين الشباب ودفعهم إلى الابتكار، وتقديم أفكارهم بلا قيود؛ وانطلاقاً من هذا الفكر قرّرت اللجنة المنظمة أن يكون موضوع المهرجان 2025 مفتوحاً من دون تحديد ثيمة معينة».

وأضاف قنديل: «اختارت لجنتا الفرز والتحكيم أكثر من ثلاثمائة عملٍ فني من بين ألفي عمل تقدّمت للمشاركة؛ لذا جاءت الأعمال حافلة بالتنوع والتميز، ووقع الاختيار على الإبداع الفني الأصيل والموهبة العالية».

ولفت قنديل إلى أن الجوائز ستُوزّع على فروع الفن التشكيلي من تصوير، ونحت، وغرافيك، وخزف، وتصوير فوتوغرافي وغيرها، وستُعلن خلال حفل خاص في موعد لاحق يحدده الأتيليه. مشيراً إلى أن هذه النسخة تتميّز بزخم كبير في المشاركة، وتطوّر مهم في المستوى الفني للشباب. ومن اللافت أيضاً في هذه النسخة، تناول الفنانين للقضية الفلسطينية ومعاناة سكان غزة من خلال أعمالهم، من دون اتفاق مسبق.

عمل للفنان مصطفى سنوسي (الشرق الأوسط)

وبرؤية رومانسية قدّمت الفنانة المصرية الشابة نورهان إبراهيم علاجاً لصراعات العالم وأزماته الطاحنة، وهي التمسك بالحب وتوفير الطفولة السعيدة للأبناء، وذلك من خلال لوحتها الزيتية المشاركة بها في المهرجان، التي تغلب عليها أجواء السحر والدهشة وعالم الطفولة.

وتقول نورهان، لـ«الشرق الأوسط»، إن «براءة الأطفال هي بذرة الإبداع التي ستعالج العالم كله»، وتتابع: «أحب الأطفال، وأتعلم كثيراً منهم. وأدركت أن معظم المشكلات التي تواجه العالم اليوم من الجرائم الصغيرة إلى الحروب الكبيرة والإرهاب والسجون الممتلئة لدينا، إنما هي نتيجة أن صانعي هذه الأحداث كانوا ذات يومٍ أطفالاً سُرقت منهم طفولتهم».

«بين أنياب الأحزان» هو عنوان لوحة التشكيلي الشاب أدهم محمد السيد، الذي يبرز تأثر الإنسان بالأجواء المحيطة به، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «حين يشعر المرء بالحزن، يبدأ في الاندماج مع الطبيعة الصامتة، ويتحوّلان إلى كيان واحد حزين. وحين يسيطر الاكتئاب على الإنسان ينجح في إخفائه تدريجياً».

لوحة للتشكيلية المصرية مروة جمال (الشرق الأوسط)

وتقدم مروة جمال 4 لوحات من الوسائط المتعددة، من أبرزها لوحة لبناية قديمة في حي شعبي بالقاهرة، كما تشارك مارلين ميشيل فخري المُعيدة في المعهد العالي للفنون التطبيقية بعملٍ خزفي، وتشارك عنان حسني كمال بعمل نحت خزفي ملون، في حين تقدّم سلمى طلعت محروس لوحة عنوانها «روح» تناقش فلسفة الحياة والرحيل وفق رؤيتها.