جهاز مناعة الأطفال «سلاحهم» ضد «كوفيد ـ19»

يوّلد مضادات متخصصة في القضاء على البروتينات التي تغلف الفيروس

تلاميذ في إحدى مدارس بغداد يلتزمون وضع الكمامات (أ.ف.ب)
تلاميذ في إحدى مدارس بغداد يلتزمون وضع الكمامات (أ.ف.ب)
TT

جهاز مناعة الأطفال «سلاحهم» ضد «كوفيد ـ19»

تلاميذ في إحدى مدارس بغداد يلتزمون وضع الكمامات (أ.ف.ب)
تلاميذ في إحدى مدارس بغداد يلتزمون وضع الكمامات (أ.ف.ب)

تفيد آخر بيانات منظمة الصحة العالمية عن جائحة «كوفيد-19» أن من مجموع الإصابات العالمية المؤكدة التي تجاوزت 70 مليوناً، 1.2 في المائة منها بين الأطفال دون الرابعة من العمر، و2.5 في المائة أطفال حتى سن 14 عاماً. وتجمع معظم الدراسات التي أجريت في عشرات البلدان على أن من بين الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى هذا التفاوت النسبي للإصابات بين الفئات العمرية ردة فعل جهاز المناعة الطبيعي أو الموروث الذي يولد به الإنسان، ويشكل خط دفاعه الأول ضد الأمراض السارية والفيروسات والجراثيم.
وكانت دراسة أميركية أجريت على 32 مصاباً من البالغين، و47 مصاباً دون الثامنة عشرة، قد بينت أن جهاز المناعة الطبيعي عند الأطفال يولد مضادات متخصصة في القضاء على البروتينات التي تغلف فيروس كورونا، وتشكل بوابة دخوله إلى الخلايا، وتساعد على تكاثره. ومن الأسباب الأخرى التي توفر للأطفال حماية أكبر وجود عدد أقل من البروتينات «المستقبِلة» التي تعد حاضنة رئيسية للفيروس. وكانت هذه الدراسات قد أظهرت كيف تستخدم الذرات المتقدمة للفيروس هذه البروتينات، وتلتف عليها لإدخال المادة الوراثية الفيروسية إلى الخلايا.
ويعتقد الباحثون أن الخلايا التي تكون أضعف عند المتقدمين في السن لا تميز بين مادتها الوراثية ومادة الفيروس، وبالتالي تساعد على استنساخه. ويذهب بعض الباحثين إلى أن من بين الأسلحة الدفاعية التي يتمتع بها الأطفال ضد الفيروس، المناعة التي تتولد أيضاً من فيروسات تاجية أخرى أقل فتكاً وأكثر انتشاراً بين الصغار، لكن لا توجد حتى الآن قرائن دامغة تؤكد هذه الفرضية التي تدرسها بعض مراكز البحوث الغربية، وفق ما تفيد به منظمة الصحة العالمية.
وتشير دراسة حديثة أجراها باحثون من مركز علوم الأمراض السارية في جامعة جنيف إلى أن استجابة جهاز المناعة عند الأطفال أكثر فاعلية وأسرع مما هو عليه عند البالغين والمسنين، وأن لذلك أهمية كبيرة في منع تناسخ الفيروس الذي بينت البحوث المخبرية التي أجريت في عدد من الجامعات الأميركية والأوروبية خلال الأشهر الماضية أن ذراته قادرة على التكاثر بمعدل 100 ألف نسخة خلال 24 ساعة.
ويقول الباحثون إن هذا الخط الأول للدفاع هو الذي يولد المناعة المكتسبة التي تشكل قوامها الأساسي «خلايا الذاكرة» القادرة على رصد الإصابة الفيروسية بعد مرور الوقت، وتفعيل آليات الدفاع والحماية. والمعروف أن جهاز المناعة الطبيعي يفقد من قوته وسرعته مع مرور الوقت والتقدم في العمر، وهي التي تلعب الدور الأساسي في مواجهة الفيروس خلال المرحلة الأولى، لكن المناعة المكتسبة لها الدور الحاسم في المرحلة التالية للقضاء على الفيروس.
وحسب أوليفييه فانتومار، المسؤول عن قسم طب الأطفال في منظمة الصحة العالمية، لا توجد قرائن علمية تؤكد أن الأطفال يشكلون ناقلاً رئيسياً للفيروس، لكن من الواضح أنهم يتعرضون للإصابة بنسبة أقل من البالغين، ولا يعانون من العوارض المدمرة نفسها التي يعاني منها المسنون أو المصابون بأمراض مزمنة. ويشير إلى أن نسبة عالية من الأطفال المصابين بالفيروس لا ترصدها اختبارات (PCR)، كما بينت دراسات مخبرية عددية، لكن من دون معرفة أسباب ذلك حتى الآن.
وبعض البحوث يشير إلى أن ردة الفعل السريعة القوية لجهاز المناعة عند الأطفال هي التي تحول دون تكاثر الفيروس، ما يفسر أن نسبة عالية من المصابين بينهم لا ترصدها الاختبارات. وتفيد دراسة نشرتها مجلة (Nature) في عددها الأخير، استناداً إلى بحث أجراه خبراء في جامعة بنسلفانيا الأميركية، بأن 3 أطفال أشقاء دون العاشرة من العمر، ومن العائلة نفسها، أصيبوا بالفيروس، وتولدت لديهم مضادات الأجسام، وظهرت على اثنين منهم عوارض خفيفة، لكن أياً منهم لم ترصد الاختبارات إصابته، رغم تكرارها 11 مرة خلال 28 يوماً، في الوقت الذي رصدت فيه إصابة الوالدين منذ الاختبار الأول.
ويستفاد من دراسة بعنوان «كورونا الأطفال»، أجريت في مستشفى برشلونة الجامعي على 724 طفلاً من 411 أسرة أصيب فيها أحد الأبوين بالفيروس، أن 99 في المائة من الأطفال لم تظهر عليهم عوارض المرض أو كانت خفيفة جداً، بينما رصدت عند 33.8 في المائة من البالغين في الأنف والحنجرة بعد مرور شهر على الإصابة.
ويقول خبراء المنظمة العالمية إن تدني نسبة الإصابات بين الأطفال، وعدم اعتبارهم ناقلين رئيسيين للوباء، يساعد على تبديد المخاوف من استئناف الأنشطة التدريسية التي كان بعضهم يرى فيها خطراً محدقاً على السكان. ويقول شاميز لادهاني، الاختصاصي البريطاني في الصحة العامة، إن البحوث والدراسات الأخيرة أظهرت أن بؤر الانتشار كانت محدودة جداً في الأوساط التعليمية بعد استئناف النشاط المدرسي، وأن معظم الإصابات التي ظهرت في المدارس كانت مرتبطة بمعدلات السريان الإقليمية وكثافة السكان في المناطق التي يعيشون فيها، أكثر من ارتباطها بالأنشطة التعليمية. كما تبين أن الإصابات كانت تنتقل بين المدرسين أكثر من انتقالها بين الطلاب والتلاميذ.


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: فيروس «إتش إم بي في» في الصين شائع ولا يشكل تهديداً

آسيا طفل يضع كمامة وينتظر دوره مع أسرته داخل مستشفى في شرق الصين (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: فيروس «إتش إم بي في» في الصين شائع ولا يشكل تهديداً

قدمت منظمة الصحة العالمية، اليوم، تطمينات بشأن فيروس «إتش إم بي في»، وهو عدوى تنفسية تنتشر في الصين، مؤكدةً أن الفيروس ليس جديداً أو خطيراً بشكل خاص.

«الشرق الأوسط» (جنيف - بكين)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك صورة ملتقطة بالمجهر الإلكتروني قدمتها مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها تُظهر مجموعة من فيروسات «نوروفيروس» (أ.ب)

وسط انتشاره بأميركا... ماذا نعرف عن «نوروفيروس»؟ وكيف نحمي أنفسنا؟

تشهد أميركا تزايداً في حالات الإصابة بفيروس «نوروفيروس»، المعروف أيضاً باسم إنفلونزا المعدة أو جرثومة المعدة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهميةً الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

قبل خمس سنوات، أصيبت مجموعة من الناس في مدينة ووهان الصينية، بفيروس لم يعرفه العالم من قبل.

آسيا رجل أمن بلباس واقٍ أمام مستشفى يستقبل الإصابات بـ«كورونا» في مدينة ووهان الصينية (أرشيفية - رويترز)

الصين: شاركنا القدر الأكبر من بيانات كوفيد-19 مع مختلف الدول

قالت الصين إنها شاركت القدر الأكبر من البيانات ونتائج الأبحاث الخاصة بكوفيد-19 مع مختلف الدول وأضافت أن العمل على تتبع أصول فيروس كورونا يجب أن يتم في دول أخرى

«الشرق الأوسط» (بكين)

كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

TT

كندا: ترودو يستقيل من زعامة الحزب الليبرالي

ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)
ترودو متأثراً خلال إعلان استقالته في أوتاوا الاثنين (رويترز)

أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (53 عاماً) استقالته من منصبه، الاثنين، في مواجهة ازدياد الاستياء من قيادته، وبعدما كشفت الاستقالة المفاجئة لوزيرة ماليته عن ازدياد الاضطرابات داخل حكومته.

وقال ترودو إنه أصبح من الواضح له أنه لا يستطيع «أن يكون الزعيم خلال الانتخابات المقبلة بسبب المعارك الداخلية». وأشار إلى أنه يعتزم البقاء في منصب رئيس الوزراء حتى يتم اختيار زعيم جديد للحزب الليبرالي.

وأضاف ترودو: «أنا لا أتراجع بسهولة في مواجهة أي معركة، خاصة إذا كانت معركة مهمة للغاية لحزبنا وبلدنا. لكنني أقوم بهذا العمل لأن مصالح الكنديين وسلامة الديمقراطية أشياء مهمة بالنسبة لي».

ترودو يعلن استقالته من أمام مسكنه في أوتاوا الاثنين (رويترز)

وقال مسؤول، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن البرلمان، الذي كان من المقرر أن يستأنف عمله في 27 يناير (كانون الثاني) سيتم تعليقه حتى 24 مارس، وسيسمح التوقيت بإجراء انتخابات على قيادة الحزب الليبرالي.

وقال ترودو: «الحزب الليبرالي الكندي مؤسسة مهمة في تاريخ بلدنا العظيم وديمقراطيتنا... سيحمل رئيس وزراء جديد وزعيم جديد للحزب الليبرالي قيمه ومثله العليا في الانتخابات المقبلة... أنا متحمّس لرؤية هذه العملية تتضح في الأشهر المقبلة».

وفي ظل الوضع الراهن، يتخلف رئيس الوزراء الذي كان قد أعلن نيته الترشح بفارق 20 نقطة عن خصمه المحافظ بيار بوالييفر في استطلاعات الرأي.

ويواجه ترودو أزمة سياسية غير مسبوقة مدفوعة بالاستياء المتزايد داخل حزبه وتخلّي حليفه اليساري في البرلمان عنه.

انهيار الشعبية

تراجعت شعبية ترودو في الأشهر الأخيرة ونجت خلالها حكومته بفارق ضئيل من محاولات عدة لحجب الثقة عنها، ودعا معارضوه إلى استقالته.

ترودو وترمب خلال قمة مجموعة العشرين في هامبورغ 8 يوليو 2017 (رويترز)

وأثارت الاستقالة المفاجئة لنائبته في منتصف ديسمبر (كانون الأول) البلبلة في أوتاوا، على خلفية خلاف حول كيفية مواجهة الحرب التجارية التي تلوح في الأفق مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض.

وهدّد ترمب، الذي يتولى منصبه رسمياً في 20 يناير، بفرض رسوم جمركية تصل إلى 25 في المائة على السلع الكندية والمكسيكية، مبرراً ذلك بالأزمات المرتبطة بالأفيونيات ولا سيما الفنتانيل والهجرة.

وزار ترودو فلوريدا في نوفمبر (تشرين الثاني) واجتمع مع ترمب لتجنب حرب تجارية.

ويواجه ترودو الذي يتولى السلطة منذ 9 سنوات، تراجعاً في شعبيته، فهو يعد مسؤولاً عن ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، بالإضافة إلى أزمة الإسكان والخدمات العامة.

ترودو خلال حملة انتخابية في فانكوفر 11 سبتمبر 2019 (رويترز)

وترودو، الذي كان يواجه باستهتار وحتى بالسخرية من قبل خصومه قبل تحقيقه فوزاً مفاجئاً ليصبح رئيساً للحكومة الكندية على خطى والده عام 2015، قاد الليبراليين إلى انتصارين آخرين في انتخابات عامي 2019 و2021.

واتبع نجل رئيس الوزراء الأسبق بيار إليوت ترودو (1968 - 1979 و1980 - 1984) مسارات عدة قبل دخوله المعترك السياسي، فبعد حصوله على دبلوم في الأدب الإنجليزي والتربية عمل دليلاً في رياضة الرافتينغ (التجديف في المنحدرات المائية) ثم مدرباً للتزلج على الثلج بالألواح ونادلاً في مطعم قبل أن يسافر حول العالم.

وأخيراً دخل معترك السياسة في 2007، وسعى للترشح عن دائرة في مونتريال، لكن الحزب رفض طلبه. واختاره الناشطون في بابينو المجاورة وتعد من الأفقر والأكثر تنوعاً إثنياً في كندا وانتُخب نائباً عنها في 2008 ثم أُعيد انتخابه منذ ذلك الحين.

وفي أبريل (نيسان) 2013، أصبح زعيم حزب هزمه المحافظون قبل سنتين ليحوله إلى آلة انتخابية.

وخلال فترة حكمه، جعل كندا ثاني دولة في العالم تقوم بتشريع الحشيش وفرض ضريبة على الكربون والسماح بالموت الرحيم، وأطلق تحقيقاً عاماً حول نساء السكان الأصليين اللاتي فُقدن أو قُتلن، ووقع اتفاقات تبادل حرّ مع أوروبا والولايات المتحدة والمكسيك.