سياسيو لبنان أسرى منازلهم أو يتنقلون خفية

سيارات في وسط مدينة بيروت (أ.ب)
سيارات في وسط مدينة بيروت (أ.ب)
TT

سياسيو لبنان أسرى منازلهم أو يتنقلون خفية

سيارات في وسط مدينة بيروت (أ.ب)
سيارات في وسط مدينة بيروت (أ.ب)

قلّص سياسيو لبنان تحركاتهم في الأماكن العامة، فيما يلتزم كثيرون منهم منازلهم أو يتنقلون بالخفاء، في ضوء متغيرين طرآ أخيراً، أولهما ملاحقة ناشطين معارضين لهم في الأماكن العامة في إطار حملة «كلن يعني كلن» التي تتهم كل القوى السياسية بالفساد، وثانيهما التحذيرات الأمنية مؤخراً من عودة عمليات الاغتيال.
وقرر كثيرون حصر تنقلاتهم بالضرورات القصوى، وبالتحديد بعد ما رشح عن الاجتماع الأخير للمجلس الأعلى للدفاع تحذير أكثر من جهاز أمني من عودة مسلسل الاغتيالات الذي تكثفت حلقاته بعد اغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري عام 2005.
وبعدما ظن النواب والوزراء والقياديون الحزبيون أنهم قد يتمكنون من استعادة حياتهم الطبيعية مع تراجع زخم الانتفاضة الشعبية بعد أكثر من عام على اندلاعها، فوجئوا بعودة التحركات وبالتحديد ملاحقتهم وأفراد عائلاتهم في المطاعم والأماكن العامة وصولاً إلى منازلهم.
وشهد الأسبوع الماضي أكثر من حادثة في هذا المجال، إذ تمت محاصرة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والوزير السابق محمد شقير خلال مشاركتهما في محاضرة مغلقة في بيروت لبعض الوقت، قبل أن تتمكن القوى الأمنية من تأمين خروجهما، علماً بأن ذلك أدى إلى مواجهة مع عدد من الناشطين.
كذلك داهمت مجموعات أخرى في وقت لاحق عشاء في أحد المطاعم كانت تشارك فيه زوجة سلامة. كما تم التظاهر أمام منزل وزير الاقتصاد راوول نعمة رفضاً لسياسة تقليص دعم المواد الأساسية. وفاجأ ناشطون أمين عام «تيار المستقبل» أحمد الحريري في أحد المطاعم.
وانقلبت حياة سياسيي لبنان رأساً على عقب منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2019، فبعدما كانوا يرتادون المطاعم يومياً ويشاركون في مختلف المناسبات، باتوا يحسبون ألف حساب لقرار الخروج من المنزل.
ويشير النائب في تكتل «لبنان القوي» آلان عون إلى أنه اختار «طوعياً» في مرحلة اندلاع الاحتجاجات «ترك الساحات والأماكن العامّة وحتى الإعلام مرحلياً للناس كي يعبّروا عن كل ما لديهم، وهذا كان نابعاً من إرادة ذاتية واحترام انتفاضة شعبية تعاطفت شخصياً مع أهدافها واختلفت مع الجوانب الانفعالية، بعدما عممت الإدانة بشعار كلهم يعني كلهم وجهّلت الفاعل». واعتبر تغيبه عن الأماكن العامة «نوعاً من الالتزام الأخلاقي لأنني إلى جانب كوني مواطناً عادياً وربّ عائلة مثل كثيرين، لا يمكن أن أعزل نفسي عن كوني شخصية عامّة ملزمة بالحد الأدنى بواجب التضامن مع الحالة الشعبية العارمة».
ولا تقتصر الضغوط التي يتعرض لها السياسيون على شخوصهم، بل تطال عائلاتهم. وفي هذا المجال، يعتبر عون في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «العبء الذي يقع على عائلة أي سياسي ليس بالبسيط وقد تكون العائلة في موقع خاسر - خاسر في كل الاحتمالات. ففي الظروف السابقة حين كانت الحياة السياسية حافلة بالانشغالات السياسية والاجتماعية، يحصل ذلك على حساب الحياة الشخصية والعائلية جرّاء غياب السياسي وعدم توفّر وقت كافٍ يخصّصه لعائلته. وعندما ثارت الناس على الطبقة السياسية وفجّرت غضبها على الجميع من دون تمييز بين فاسد ونزيه، وبين مرتكبين وبريئين، وبين جدّيين وإصلاحيين ومعرقلين، تحمّلت العائلة هذا الضغط النفسي والمعنوي الكبير وهذه النظرة السلبية المطلقة لكل سياسي».
ورغم الانتقادات التي توجه إلى استهداف عائلات السياسيين والدعوات إلى تحييدها، يعتبر الناشط لوسيان أبو رجيلي أنه «في حال تعذر الوصول إلى السياسي نفسه فالوصول إلى عائلته وإيصال الصوت بطريقة سلمية، أمر أساسي ومهم للتأثير عليه، من دون أن ننسى أن هذه العائلات تستفيد من المال العام المسروق أو المهدور، وبالتالي يتوجب أن تتأثر بحال وواقع البلد كما باقي العائلات اللبنانية التي نهبت أموالها». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «طالما القضاء مسيّس ولسنا قادرين على سجن السياسيين في السجون، فأقل ما يمكن أن نقوم به هو أن نسجنهم في منازلهم ونمنعهم من التنعم بأموالنا المسروقة».
وإلى جانب التدابير والاحتياطات التي يتخذها معظم السياسيين، على اختلاف انتماءاتهم، لتجنب أي مواجهة مباشرة مع الناشطين في الشارع، قرر كثيرون اتخاذ إجراءات أمنية جديدة بعد الحديث عن عودة الاغتيالات. ويقول أحد النواب إنه بعدما كان يقود سيارته وحيداً طوال الفترة الماضية، ارتأى الاستعانة مجدداً بعنصري أمن لحمايته.
ويشير أحد المقربين من أحد رؤساء الأحزاب إلى أنه لم يتخذ أي تدابير جديدة لأنه أصلاً لا يغادر المنزل إلا للضرورات القصوى وقد تأقلم مع هذا الوضع منذ أكثر من 10 سنوات.
أما آلان عون فيوضح أنه يأخذ «الحدّ الأدنى من الاحتياطات الأمنية في كل الظروف بمعزل عن الأخبار الموسمية عن تهديدات وغيره... ولكن لا أخفي أن هناك خطراً على كل شخص يتعاطى الشأن العام في بلد كلبنان شهد هذا الكمّ من الاغتيالات والعنف كجزء من الحياة والأدوات السياسية».



​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

​«هدنة غزة»: هل تسرّع نتائج الانتخابات الأميركية جهود الوسطاء؟

امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
امرأة فلسطينية تبكي على أقاربها الذين قُتلوا في غارة إسرائيلية على خيام النزوح بدير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

يعول كثيرون على نتائج الانتخابات الأميركية، التي ستقود المرشح الجمهوري دونالد ترمب أو نظيرته الديمقراطية كامالا هاريس للبيت الأبيض، في إنجاز صفقة الرهائن، وإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعد نحو عام راوحت المفاوضات مكانها، وسط مطالبات لنحو 50 دولة بوقف تسليح إسرائيل.

تلك النتائج التي يترقبها، لا سيما دولتا الوساطة مصر وقطر، وطرفا الحرب «حماس»، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، قد تؤثر بشكل كبير على مسار المفاوضات بغزة، وتسرع من وتيرة إبرام الوسطاء صفقة تنهي أطول حرب بين الجانبين، لافتين إلى وجود حراك دولي وعربي نحو إتمام حل دائم للأزمة في القطاع، يظهر مع القمة العربية الإسلامية الوشيكة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، والجهود الدولية لوقف تسليح إسرائيل.

وفتحت مراكز الاقتراع، الثلاثاء، أبوابها أمام الناخبين الأميركيين بالانتخابات التي تُجرى لاختيار الرئيس الـ47 للولايات المتحدة، بعد أيام كانت قضية غزة هي مثار حديث كلا المرشحين في حملاتهما الانتخابية في محاولة لخطب ود الأميركيين العرب الذين يقدر عددهم بنحو 3.7 مليون من أصل 337 مليون نسمة يعيشون في الولايات المتحدة، ويعد اللبنانيون أكبر جالية عربية بينهم، وفق تقديرات المعهد العربي الأميركي (غير حكومي).

وأكدت هاريس، الأحد، في خطاب «الحاجة لإنهاء الحرب وإطلاق سراح الرهائن»، وتعهدت بـ«بذل كل ما في وسعها من أجل حلّ الدولتين، ومنح الفلسطينيين حقّهم في تقرير المصير والأمن والاستقرار».

وتعهد ترمب، في تغريدة أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بأنه سيحل السلام بالشرق الأوسط، وسيوقف المعاناة والدمار في لبنان إذا عاد إلى البيت الأبيض، في حين نقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن مصدرين مطلعين قولهما إن الرئيس الأميركي السابق أخبر نتنياهو أنه يريد أن تضع إسرائيل حداً لحربها في غزة بحلول موعد تسلمه للسلطة إذا فاز في الانتخابات.

وعشية الانتخابات الأميركية، طالب أكثر من 50 دولة مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ خطوات فورية لوقف بيع أو نقل الأسلحة إلى إسرائيل، وفق رسالة موجهة إلى الهيئتين التابعتين للأمم المتحدة والأمين العام أنطونيو غوتيريش: «اتهمت إسرائيل بانتهاك القوانين الدولية بشكل مستمر في غزة وبقية الأراضي الفلسطينية، وكذلك في لبنان وبقية الشرق الأوسط».

أطفال فلسطينيون يجمعون الدقيق من الأرض بعد سقوط كيس من شاحنة مساعدات كانت تسير على طريق صلاح الدين في دير البلح وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وبالمقابل، ندّد مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون، بطلب الحظر، ووصف على منصة «إكس» ذلك الطلب بأنه «تحرك آخر من محور الشر ضد إسرائيل على الساحة الدولية».

غير أن هذا التحرك، وفق المحلل السياسي الأميركي، مايكل مورغان، يأتي ضمن «حراك عربي ودولي يريد وقف الحرب فوراً بغزة ولبنان، وقد تساعد تلك المطالبات وغيرها في إنهاء ذلك، لا سيما بعد الانتخابات الأميركية التي يعول على نتائجها في حسم استقرار المنطقة».

ويتوقع الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، تسريع جهود الوسطاء في إنهاء الحرب بغزة بعد إعلان الفائز بالسباق الرئاسي، مرجعاً ذلك إلى «رغبة الإدارة الأميركية الجديدة أياً كانت في تحقيق استقرار في المنطقة تحقيقاً للوعود، ويعلم الجانبان؛ الإسرائيلي ومعسكر المقاومة ذلك وربما يستعدان».

وتحرك الـ50 دولة لحظر تسليح إسرائيل، ينضم لحراك مصري باستضافة القاهرة على مدار الأيام الماضية اجتماعات «حماس» و«فتح» للتحضير لليوم التالي للحرب، وإنشاء لجنة لإدارة قطاع غزة، بجانب قمة عربية إسلامية مرتقبة بالرياض ستحمل فرصاً أخرى لتسريع حل أزمة غزة، وفق أنور الذي أكد أنها مؤشرات تقول إن ثمة انفراجة محتملة، واستعدادات عربية ودولية لإنهاء الأزمة بالمنطقة.

بالمقابل، يعتقد المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، أن موقف الدول الخمسين «لن يكون مؤثراً على الدول المزودة لإسرائيل بالأسلحة؛ على اعتبار أن إسرائيل تحظى بدعم أميركي ودعم غربي واضح في الاتجاهات كافة»، غير أنه «قد يشكل ضغطاً على الجانب الإسرائيلي يسهم في تسريع إنهاء الحرب».

وتزامناً مع الانتخابات الأميركية نشرت صحيفة «واشنطن تايمز» مقالاً لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بعنوان «حل الدولتين ممكن بين الفلسطينيين وإسرائيل»، في إطار المساعي المصرية لحشد المجتمع الدولي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفق إفادة الخارجية المصرية، الثلاثاء.

وشدّد وزير الخارجية المصري على أنه «يجب التعامل مع الأسباب الجذرية للصراع وليس أعراضه، من خلال إنهاء احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وممارسة الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير»، مؤكداً أن «مصر تواصل العمل لتحقيق هذه الغاية».

وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أكد في لقاء بالقاهرة الاثنين مع نظيره الفلسطيني، محمود عباس: «استمرار الجهود المصرية المكثفة والهادفة للتهدئة ووقف إطلاق النار، وإنفاذ المساعدات الإنسانية، ودعم مصر للسلطة الفلسطينية، وبذل جهود كبيرة لمساعدة الأشقاء في الوصول لتفاهمات وتوافق في الرؤى بين جميع أطياف الشعب الفلسطيني، لضمان مواجهة التحديات الجسيمة والتهديدات التي تواجهها القضية الفلسطينية».

وباعتقاد مورغان، فإن الموقف المصري ثابت في دعم القضية الفلسطينية وإقامة دولة مستقلة، مؤكداً أن المطالبة المستمرة بحل الدولتين يشكل نوعاً من الضغط على ترمب وهاريس، لكنه سيواجه بتعنت إسرائيلي، وربما يقود لصفقة وقف إطلاق نار على الأقل لتفادي تلك المطالبة.

ويرى الأكاديمي المصري فؤاد أنور، أن «مطلب حل الدولتين بات يلاقي جدية في الطرح أكثر مما سبق خلال السنوات الماضية»، متوقعاً أن «تكون هناك مساع لإعلان قيام دولة فلسطينية من جانب واحد، وذلك في سياق طبيعي بعد التضحيات الكبيرة التي قدمتها فلسطين بالحرب الحالية».

ووفق المحلل السياسي الأردني، صلاح العبادي، فإن «ما ذهب إليه وزير الخارجية المصري في مقاله هو عين الصواب، وهو يشدّد على تمسك الدبلوماسية المصرية برؤيتها الواضحة والثاقبة تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، المتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية».

ويؤكد أن «مصر تلعب دوراً دبلوماسياً كبيراً في التأثير على المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية وإنهاء الحرب على غزة، خصوصاً أن الدبلوماسية المصرية تتوافق مع الدبلوماسية الأردنية، وهناك تنسيق مشترك بينهما على صعيد تحشيد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية»، وأن «حل الدولتين أمر ممكن لكنه مرهون بحزمة من الإجراءات التوافقية لإنهاء القضايا الخلافية، والتوصل إلى قرار ملزم للجانبين».