إدراج شجرة المستكة على قائمة التراث الثقافي لليونيسكو

إنتاجها يستخدم كعلكة ويدخل في إعداد مستحضرات طبية وفي طهي الطعام

شجرة المستكة
شجرة المستكة
TT

إدراج شجرة المستكة على قائمة التراث الثقافي لليونيسكو

شجرة المستكة
شجرة المستكة

هنا في جزيرة خيوس اليونانية الواقعة في بحر إيجه غرب البلاد التي يقطنها 52 ألف نسمة، تقف في الجنوب نحو مليوني شجرة، يكسر شموخها المزارعون بجرح أغصانها وسيقانها، لتذرف الدموع الكريستالية التي تتساقط على الأرض مكونة حبيبات المستكة، التي يتم تنقيتها بعد ذلك لتصبح جاهزة للاستهلاك البشري.
وفي خيوس التي يطلق عليها البحارة جزيرة «البيرفيوم» لما يحمله هبوب الرياح الشرقية من روائح الحمضيات: البرتقال واليوسفي المخلوط، بعبق أشجار المستكة، تم اكتشاف شجرة المستكة قبل 1700 عام تقريبا، ويتراوح طول هذه الشجرة بين مترين إلى 3 أمتار، وتعيش مائة عام. وتبدأ في إنتاج المستكة بعد 5 سنوات من زراعتها، ويتم جني محصولها في الفترة من يوليو (تموز) حتى أكتوبر (تشرين الأول)، ويصل إنتاج الشجرة الواحدة من 150 إلى 200 جرام تقريب، وهناك بعض الأشجار، وفقا لمنتجين، أعطت نصف كيلو جرام، وهي حالات نادرة.
ويتم العمل في شجر المستكة على الركبتين، حيث يجثو المزارعون على ركبهم لجمع حبات المستكة تحت الأشجار ووضعها في منخل، ويجري الفرز بعد ذلك، وتجرح الشجرة من 4 إلى 5 مرات، بمعدل مرة واحدة أسبوعيا، وبعد المرة الخامسة تترك الشجرة 15 يوما لتجمد وتغلق الجروح مجددا.
ويعمل في هذه الزراعة نحو 5 آلاف شخص، يعيشون على هذا الإنتاج الزراعي، وقد عرفت عصرها الذهبي أيام السلاطين العثمانيين، حيث كان يباع كل الإنتاج لحريم السلطان، ويقول رئيس اتحاد منتجي مستكة خيوس، إن الجزيرة تنتج 150 طنا سنويا، بينما يتم تداول 200 طن في منطقة الشرق الأوسط، 70 طنا منها أصلية، والبقية كميات مقلدة تدخل في منتجات على أنها مستكة، ولكنها تحمل النكهة فقط.
ويتباين عشق النساء العرب لنبات المستكة، حيث يستخدمها بعضهن في تبخير كاسات شرب المياه وأواني حفظها، أو حتى وضع المبخرة داخل الثلاجة لتزويدها بالرائحة الذكية، وبالطبع في الطبخ، وأخريات لا يعرفن من الاستخدامات سوى إضافتها إلى بقية البهارات، وفي سلق اللحوم والدجاج للحصول على رائحة وطعم شهي. كما يفضلن كثيرات من النسوة مضغ هذا اللبان وقد يجهلن المصدر الأساسي له، فضلا عن أنهن لا يعرفن أن هناك أكثر من 200 منتج من هذا النبات، بدءا من اللبان كمادة خام، وانتهاء بالمستحضرات الطبية المصنعة في شركات الأدوية الأميركية.
ووفقا للمصادر، فإنه يتم تصدير 65 في المائة من هذا الإنتاج إلى السعودية ومصر وتركيا والولايات المتحدة الأميركية، وهو عبارة عن مشروب وفاتح للشهية ويضاف عليه النعناع في بعض الأحيان. وأدرجت زراعة (المستكة) في جزيرة خيوس اليونانية، ضمن قائمة التراث الثقافي للإنسانية لمنظمة اليونيسكو، وتعتبر المصدر الثاني لعائدات الجزيرة بعد مجال الصيد.
وأعرب أفثيميوس مونياركو رئيس المزارعين للمستكة في جزيرة خيوس، عن سعادته بعد هذا الاعتراف من قبل اليونيسكو، حيث إن هذه المنطقة هي المكان الوحيد في العالم حيث نجد أن جذع وفروع شجرة المستكة، وهى شجر من فصيلة البطمية، يستخرج منه علك تجاري معروف.
وفي محاولة لاتحاد منتجي المستكة في خيوس تم تأسيس شركة مستكة شوب بـ10 فروع، أحدها في جدة في المملكة العربية السعودية، وآخر في قبرص، وثالث في نيويورك، والبقية موزعة في اليونان، ويعتبر المدير التجاري ملتياديس سارانتينيوس، أنه تم اكتشاف كثير من الوصفات في الشرق الأوسط، إذ يستخدمها السوريون في الشوكولاتة، واللبنانيون في الحلويات وعلى رأسها الحلقوم والبوظة العربية، وفي شراب السحلب، كما أن السعودية تعتبر أهم سوق تجارية للمستكة الخام. وفيما يستخدم الكوريون المستكة مع اللبن الرائب توقف العراقيون عن الاستيراد إثر اندلاع الحرب منذ 25 عاما، وهو البلد الذي كان الأكثر استهلاكا للمنتج.
ويقول الصيدلي اليوناني غيورغورس كوريس المتخصص في المنتجات الطبيعية: «حدث الانقلاب الكبير، حيث كشف الغرب عن الفوائد الطبيعية لحبات المستكة، مما زاد الطلب عليها، وآلاف الخواص التي تؤثر الواحدة على الأخرى، ويتم تصنيع دواء فورومولا ميزاني من المستكة، وهو يستخدم للكثير من الأمراض، منها: آلام البطن، والأسنان، والمشكلات الجلدية»، ووفقا لما أكده كوريس، فإن «النبات يستخدم لصحة الفم من حيث الرائحة الذكية وصحة الأسنان، وبالنسبة للمعدة، فإن جراما واحدا يوميا يحمي الإنسان من القرحة».
وأثبتت الأبحاث العقارية أن في المستكة خواص مضادة للالتهاب والأكسدة والعفن، وجاء ذلك حينما لاحظ الباحثون أنه عندما يجرح ساق الشجرة تسرع المستكة لاحتواء مكان الجرح، وفور شفائه تتساقط على الأرض مكونة حبات المستكة، حيث يتم تنظيف وتجفيف المكان حول جزع الشجرة لسهولة الجمع».
أما الكيميائية كاترينا فاسيلاتو المتخصصة في مستحضرات التجميل، فتؤكد على أهمية استغلال تأثير المستكة الشديد ضد المايكروبات، حيث إنها مقاومة للتجاعيد والتأكسد، وتساهم في التئام الجروح، وبعض الشركات الكبرى خصصت خطا إنتاجيا في تصنيع أدوات التجميل من المستكة، وفي الولايات لمتحدة هناك محلول من المستكة يستخدمه الجيش لحماية أفراده بعد العمليات الجراحية الكبرى لإزالة آثار الخياطة وإعادة لون البشرة إلى طبيعته.
وتقول إحدى المزارعات: «نبدأ جرح شجرة المستكة من أسفل الساق، ونتجه إلى الأعلى بحثا عن العروق (العصب)». ويعتبر المزارعون أن عدو المستكة هو المطر والمياه، ويطلق المزارعون على القطع الصغيرة من حبات المستكة «عين الأرنب» والكبرى «فطائر».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».