هل جنت المعلقة على التراث الشعري لعمرو بن كلثوم؟

«سوق عكاظ» يقيم ندوة ثقافية عن الشاعر

هل جنت المعلقة على التراث الشعري لعمرو بن كلثوم؟
TT

هل جنت المعلقة على التراث الشعري لعمرو بن كلثوم؟

هل جنت المعلقة على التراث الشعري لعمرو بن كلثوم؟

شخصية «سوق عكاظ» هذا العام عمرو بن كلثوم حظي ضمن الفعاليات الثقافية للسوق بندوة أقيمت عصر أمس تناولت شاعرية عمرو بن كلثوم وسيرته بين السيف والشعر، أدار الندوة صالح الزهراني، وشارك فيها الدكتور أيمن ميدان، والدكتورة تغريد حسن، والدكتور محمود عمار.
تناول الدكتور ميدان رحلته مع عمرو بن كلثوم حيث وجده «إنسانا يزهو بأصله العربي ويرفض الضيم من أي سلطة كانت»، وتحدث فيها عن محاور كثيرة يأتي في مقدمتها الشك في وجود عمرو بن كلثوم وجودا تاريخيا وإبداعه الشعري، مشيرا إلى الباحث الدكتور طه حسين الذي شكك في شعر عمرو بن كلثوم وفي شعره.
وقال إنه اعتمد على حجج لا يمكن قبلوها عقلا ولا يدعمها دليل فقد رأى أن معلقته منحولة الآن لغتها سهلة بسيطة يعرفها المعاصرون، والحقيقة أن السهولة نابعة من البيئة التي عاش فيها عمر ابن كلثوم، وأن فكرة الشك في الشعراء الجاهليين أمر غير مقبول. ورأى أن سهولة لغة المعلقة لا يعني أنها منحولة، لأن السياق سياق فخر وتهديد ووعيد، والوضوح أكثر تعبيرا عن هذه الحالة الشعورية، ولم يتناول في معلقته مضامين تستدعي مفردات صعبة.
كما ناقش الباحث الثنائية المتناقضة مثل القصر الشديد والطول المفرد. وقال: «هذه إشكالية إننا أمام ثنائية تتميز بالقصر الشديد، فبينما جاءت المعلقة في 100 بيت أو يزيد اتسم شعره الآخر بالقصر الشديد»، الأمر الذي حدا بالباحث إلى أن يقرر أن المعلقة جنت على شعره الآخر، حيث اهتم بها التغالبة والرواة مما أنساهم أشعاره الأخرى، فلم يتبق منها إلا ما اتفق وروح المعلقة مدحا وفخرا، وهجاء.
ثم قدمت الدكتورة تغريد حسن ورقة بعنوان: «أثر شعر عمرو بن كلثوم في قصيدة الفخر في الشعر العربي»، تناولت فيها مكانة عمرو بن كلثوم لدى الشعراء والنقاد واللغويين، إضافة إلى ما أسس به شعره لقصيدة الفخر، موازنة بين معلقة عمرو بن كلثوم وقصيدة أمية بن أبي الصلت، ثم تحدثت عن مكانته في الشعر من خلال وجود معلقته ضمن السبع أو التسع أو العشر في روايات المعلقات، وبينت أبرز عناصر الفخر لديه في المعلقة وفي أشعاره الأخرى وركزت على القيمة الفنية لشعره والتي تتضح من خلال الحكم بأن شعره، شعر العاطفة والارتجال وأنه الأكثر تعبيرا عن الأنا الجماعية في الشعر الجاهلي، بما يميزه عن شاعر الفرسان عنترة العبسي، كما أبانت في الموازنة بين معلقته وقصيدة أمية بن أبي الصلت ما يتميز به عمرو وما يتميز به أمية وما اشتركا في التعبير عنه مع قصد أمية لمحاكاة عمرو بن كلثوم ولكن لم يتفوق عليه.
في حين أشار الدكتور محمود عمار في ورقة حملت عنوان: «علامات استفهام في أخبار عمرو بن كلثوم وشعره»، وانطلق من فكرة أن التاريخ لا يسلم من الوضع والانتحال، وأن الحقيقة إذا ظهرت بوجهها الأول فخلفها أمور تخفي الحقيقة.
وأضاف عمار أن «التاريخ يكتبه المنتصر لأنه يكتبه بمعياره هو وهناك حقائق تختفي وراء هذا الانتصار، وأن نتذكر الهالات المصنوعة حول بعض الشخصيات إيجابا أو سلبا، مثل الحجاج وسيف الدولة، ونابليون وهتلر، وفي ضوء هذه المعايير تناول الباحث في محوره الأول: أخبار عمرو بن كلثوم التي بدأ الخيال يعبث بها منذ 30 سنة قبل مولده عند جده المهلهل ابن ربيعة، وعندما حملت به أمه وبعد أن بلغ عمره سنة في كل هذه المواقف وجد الوهم والخيال يعبث بالأخبار وركز في المحور الثاني على الوهم والانتحال في علاقة عمر بن كلثوم مع ملك الحيرة عمر ابن هند حيث دخل فيها الخيال بنصيب وافر». في المداخلات تساءلت الدكتورة هند المطيري: «هل يعقل أن يأخذ عنترة المكثر في الشعر من عمرو بن كلثوم المقل في الشعر؟ ومن أين يمكن أن نقرر أن عمرو بن كلثوم متقدم وعنترة متأخر، هل اعتمد الباحثون على كونهما ينتميان إلى طبقة واحدة؟ بينما رأى الدكتور فتح الله عزيز أن معلقة عمرو بن كلثوم تعد أفخر أنواع الشعر قاطبة».



أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة
TT

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية، من كتب وتحف وصور فردية وعائلية عبر مراحل حياتها. قدمت إيزابيل الليندي عبر أربع ساعات ونصف الساعة نصائح إلى الكُتاب الناشئين أو مشروع الروائيين الجدد، من خلاصة تجربتها الشخصية في كتابة ونشر 28 كتاباً، تمّت ترجمتها لعشرات اللغات عبر العالم وبِيعت منها ملايين النسخ. يضم الكورس عشرين نصيحة أو درساً مع أمثلة من تجربتها الشخصية أو تجارب كتاب تعدّهم أعلاماً في الأدب اللاتيني والعالمي، مثل غابرييل غارسيا ماركيز.

بدأت الليندي بنقطة أساسية في مقدمة الكورس، وهي أهمية «الصدق والأصالة» في أي حكاية، ثم انتقلت مباشرة إلى الحديث بإسهاب عن صنعة الكتابة بوصفها مهنة تحتاج إلى الكثير من التمرين والانضباط وتحديداً فترة البداية. كما تتطلّب طقوساً مهمة، وتنصح هنا بعدة أمور؛ من أهمها: اختيار يوم محدد يقرّر فيه الكاتب الالتزام بالكتابة. بالنسبة إليها شخصياً، فهو اليوم الذي تلقت فيه رسالة من ناشرتها الإسبانية التي تحدّتها بكتابة كتاب ثانٍ ناجح، بعد «بيت الأرواح»، ففعلت وكان ذلك يوم الثامن من يناير (كانون الثاني)، وهو اليوم الذي لم تغيّره بعد إنجاز عشرات الكتب. تشبه الليندي بداية الكتابة بعملية زراعة بذرة، قد تبدو في بداية نموها نبتة ضعيفة، إلا أنها ستصبح شجرة قوية هي «الكتاب الأول». ركزت أيضاً على ضرورة إبقاء الكاتب مسافة ضرورية من المادة الأساسية، مستعيرة مثال الإعصار فتقول: «حين تكون داخل الإعصار لا يمكنك الكتابة عنه»، وكذلك في الكتابة يجب أن تكون لديك «غرفة توفّر لك الصمت الداخلي والعزلة». بهذا المعنى تتوفر للكاتب تصوراته ومسافته اللازمة؛ ليكتب عن الشخصيات والحدث في أي عمل.

أما عن أهمية القراءة على طول الخط فتقول: «لا يمكن أن تكتب أدباً إن لم تقرأ وتقرأ كثيراً. ربما لكاتبك المفضل، أو غيره، فبذلك تتقن السرد دون انتباه إلى ما تتعلّمه». تنتقل الكاتبة إلى الحديث في أحد الدروس عن صوت الراوي، فتعده موضوعاً بسيطاً للغاية: «إنه الشخص الذي يروي الحكاية بكل تفاصيلها، وقد يكون الحديث بصيغة المتكلم، وهو أسهل بكثير من الحديث بلغة الأنا». ثم تنتقل بنا الليندي إلى موضوع النبرة في السرد، معرفة إياها بالمزاج الذي يأخذ طابعه من الحبكة، فإما أن يكون مستفزاً، مشوقاً، مثيراً... حسب التيمة الأساسية للعمل، سواء كان تاريخياً، رومانسياً أو تراجيدياً إلخ... وهنا تحث الكاتب على التخلي عن إحساس الخوف من عيوب الكتابة مثل ارتكاب الأخطاء، قليلة أو كثيرة. فهي تعدّ ذلك أمراً طبيعياً في عملية الكتابة وتحديداً كتابة الرواية.

وأولت الليندي اهتماماً كبيراً بالبحث عن المزيد، خصوصاً في الروايات التاريخية. فالتفاصيل هي ما يبعث الحياة في القصص. وهنا قدمت مثالاً عن كيفية بحثها قبيل كتابتها لرواية «ابنة الحظ». فتقول: «لقد بحثت في موضوع الرسائل التي كان يرسلها عمال مناجم الذهب، ويدفعون أونصة منه، مقابل إيصال رسالة إلى عائلاتهم. لقد كانت مهنة ساعي البريد خطيرة وتستغرق مخاطرة السفر لمدة قد تستغرق شهرين لعبور مسافة وعرة من الجبال إلى مكان إرسال الرسائل»، قرأت الليندي مثل هذه المعلومات في رسائل من أرشيف المكتبة الوطنية في تشيلي.

في منتصف هذه الدورة التعليمية، وتحديداً في الدرس التاسع، ركزت الليندي على تفصيل رسم شخصيات مقنعة: «ليس مهماً أن تحب الشرير في الرواية أو المشهد المسرحي، المهم أن تفهم شره». وكما في مجمل أجزاء الكورس، أعطت الكاتبة أمثلة من تجربتها الروائية وطريقتها في رسم ملامح شخصياتها، فهي تتجنّب الوصف الشكلي إن لم يكن ضرورياً، وإن اضطرت تحرص أن يكون مختلفاً وبعيداً عن المعتاد والكليشيهات.

احتلّت الحبكة والبنية موضوع الدرس الثاني عشر، وفيه عدّت إيزابيل أن أهم نصيحة يمكن إعطاؤها هي تشكيل بداية بسيطة للحبكة، فذلك يفسح مجالاً للشخصية أو الشخصيات كي تتجول بحرية في الزمان والمكان. أما الجملة الأولى فكانت موضوع الدرس الثالث عشر، وتعدّه الليندي مهماً جداً، فهي «الباب الذي يفتحه الكاتب لقارئه كي يدخل في الحكاية». أما المقطع الأول فهو يهيئ للصوت الأساسي في الرواية. مع ضرورة تجنب الكليشيهات، خصوصاً في الاستعارات التي قد تنقلب وتصبح فخاً مملاً.

خصصت الكاتبة درساً أيضاً عن الروتين والانضباط وعملية خلق عادة للكتابة، فهي بمثابة تكوين «عضلات لجسد الكتابة»، يتطلّب التمرين والتكرار. يلاحظ المستمع في هذا الدرس نقاطاً طُرحت في الدروس الأولى عن طقوس الكتابة. وهنا كما في «سن الأربعين، وأنا أعمل في وظيفتين، استلزم مني ذلك العمل منذ الساعة السابعة صباحاً والعودة في السابعة مساء». لم أكن أفوّت وقتاً لتدوين ملاحظاتي في دفتر أحمله معي أينما ذهبت «كطفلي الصغير»، وخلال عام كتبت 560 صفحة شكلت مسودة «بيت الأرواح». لقد صممت الليندي على كتابة ما تراكم في داخلها خلال السنوات الماضية، بعد مغادرتها القسرية لتشيلي، بسبب انقلاب بينوشيه الذي أطاح بسلفادور الليندي. استخدمت الكاتبة هذه الاستعارة أكثر من مرة؛ لتؤكد أهمية الشغف «إن كنت تود الكتابة، يمكنك فعل ذلك في أي مكان، فالكتابة كممارسة الحب، إن أردتها من أعماقك فستجد دوماً الوقت والمكان لفعلها».

في الدرس السادس عشر، تشبه الكاتبة تفاصيل الرواية بخصلات الشعر التي يمكن ضفرها بإتقان خصوصاً الخصلة الوسطى، فهي التي تجمع طرفي الحكاية بجزالة. يمكن للكاتب أن يضيف خصلات إضافية لجديلة الحكاية، ويجعل الشخصيات أكثر عدداً وقصصها أكثر تعقيداً. استخدمت الليندي مثال أي مسرحية من مسرحيات شكسبير، مشبهة إياها بعشرات الخصل المعقدة التي تتضافر معاً وتخلق نصاً مذهلاً.

أما عن التعاطي مع أصوات الرواية والانتباه لأصالة المكان الذي قد يتطلّب استخداماً معيناً بثقافة أو جغرافية ما، فقد خصّصت له الكاتبة أيضاً درساً مستقلاً أتبعته مباشرة بالحديث عن أهمية الحوار بين الشخصيات. وهنا أشارت الليندي إلى إمكانية تجريب أي كاتب للقراءة الشخصية بصوت عالٍ. مخطوط روايته مثلاً، قد يضطره الأمر إلى تعديل الحوار أو اختصاره.

بالاقتراب من نهاية تلك الدورة التعليمية المصغرة، تطرّقت الليندي إلى موضوع التصعيد، مستعيرة مثال نقاط الصمت بين العلامات الموسيقية ومدى أهميتها. وكذلك مثال من يلقون النكت الساخرة أو المزحات، حين يؤجلون جوهر المزحة تقريباً للنهاية، مما يجعل المستمع متشوقاً.

أربع ساعات ونصف الساعة أطلّت خلالها الكاتبة الشهيرة عبر منصة «مايسترو» في «هيئة الإذاعة البريطانية»، قدّمت خلالها إلى قرّائها ومحبيها خلاصة تجربتها في محبة الكتابة وطرائق صناعتها

أما عن نهاية القصة أو الرواية التي صمّمت على أن تكون نهاية النصائح، في آخر الكورس، فتكثفها بالقول: «في سياق الكتابة وتطوير الحبكة وتصعيدها، ليس مستغرباً أن يفهم الكاتب جميع شخصياته ويحدّد نبرات أصواتهم، وكذلك منتهى الحكاية ومآل الشخصية الأساسية أحياناً أو الشخصيات. قد تغيّر جملة أو حركة مسار الحكاية كلها، وتُعطي للنهاية لمسة لا تُنسى». استعارت الكاتبة كلمة واحدة من المشهد الأخير في رواية «الحب في زمن الكوليرا» لماركيز، عن العاشقين الأبديين في لقائهما المتأخر بعد خمسين عاماً من الفراق: «لقد أبحرا، أبحرا إلى الأبد». فتعلّق بالقول: «لو اكتفى الكاتب بجملة (أبحرا)، لن يكون لتلك النهاية ذات التأثير. حين أضاف لهما (إلى الأبد) منح الخلود لتلك النهاية، وأعطى القارئ مشهداً لا يُنسى».

اختتمت الليندي نصائحها المهمة بخلاصة شخصية وعامة عن النشر، مركزة على ضرورة الكتابة من أجل المتعة، لأنها بصفتها مهنة لن تمنح الشهرة أو المال بسهولة أو بسرعة. ومع ذلك حثت المستمع والمشاهد على الكتابة بكل الأحوال. وهنا نبهت الكاتبة على أهمية العلاقات الاجتماعية والمهنية لجميع الكتاب الناشئين، وحتى المشهورين. وكذلك على حضور مؤتمرات ومهرجانات تساعد جميعها على توسيع دائرة المعارف.

نصائح إيزابيل العشرون، أشبه بحكاية حب حقيقية عن تجربة الروائية الثمانينية التي لم يوقفها شيء عن الكتابة، لا المنفى ولا إخفاقات الزواج والطلاق لأكثر من مرة، ولا خسارة ابنتها الوحيدة... بل جعلت من كل محنة نقطة انطلاق، أو سبباً للكتابة، وهذا ما ذكرته في لقطة الدعاية للكورس: «إن الأدب العظيم غالباً ما ينطلق من المحن الشخصية أو العامة».

يُذكر أن هذه الدورة التعليمية وشبيهاتها غير مجانية، إلا أنها بالقياس لقيمتها وأهميتها تُعدّ رمزية، بل متواضعة وقد استقطبت «هيئة الإذاعة البريطانية» قبل إيزابيل الليندي كتاباً آخرين؛ مثل: مارغريت أتوود وسلمان رشدي وغيرهما؛ لتقديم محتويات مشابهة.