مسؤولون أميركيون: الدفاع عن حرية التعبير وراء تحرك واشنطن القوي ضد بيونغ يانغ

نقاشات واسعة جرت في الكواليس قبل اتخاذ قرار تحميل كوريا الشمالية علانية مسؤولية الهجوم ضد «سوني»

أميركيون يقفون في طابور لدخول «القرية السينمائية» بنيويورك من أجل مشاهدة فيلم «المقابلة» الذي أنتجته شركة «سوني» يوم 25 ديسمبر الماضي (أ.ب)
أميركيون يقفون في طابور لدخول «القرية السينمائية» بنيويورك من أجل مشاهدة فيلم «المقابلة» الذي أنتجته شركة «سوني» يوم 25 ديسمبر الماضي (أ.ب)
TT

مسؤولون أميركيون: الدفاع عن حرية التعبير وراء تحرك واشنطن القوي ضد بيونغ يانغ

أميركيون يقفون في طابور لدخول «القرية السينمائية» بنيويورك من أجل مشاهدة فيلم «المقابلة» الذي أنتجته شركة «سوني» يوم 25 ديسمبر الماضي (أ.ب)
أميركيون يقفون في طابور لدخول «القرية السينمائية» بنيويورك من أجل مشاهدة فيلم «المقابلة» الذي أنتجته شركة «سوني» يوم 25 ديسمبر الماضي (أ.ب)

ألغت شركة «سوني بيكتشرز» قبل أسبوع من أعياد الميلاد، خططها الخاصة ببدء عرض فيلم ساخر يصور عملية وهمية لاغتيال للزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وذلك عقب تلقيها تهديدات من قراصنة إنترنت بشنّ هجوم عنيف على دور السينما. وفي اليوم التالي، جمع الرئيس باراك أوباما، الذي أزعجه مثل هذا الخضوع، كبار موظفيه في غرفة عمليات البيت الأبيض وقرر، بناء على توصية تم الاتفاق عليها بالإجماع، اتخاذ إجراء لم تجرؤ الولايات المتحدة على اتخاذه من قبل ردا على هجوم إلكتروني شنته دولة أخرى، وهو تحديد اسم الحكومة المسؤولة عن الهجوم ومعاقبتها.
وجاء رد فعل الإدارة الأميركية على الهجوم الإلكتروني الذي وقع في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ضد شركة «سوني»، التي حملت مسؤوليته كوريا الشمالية علنا بعد يومين من تأجيل شركة الإنتاج السينمائي في هوليوود عرضه، دليلا واضحا على مدى تأثير تداعيات الرأي العام بشأن القرصنة على رد فعل الحكومة. ويختلف هذا الرد عن أي رد صدر على أي من الاختراقات الإلكترونية الكبيرة والكثيرة التي وقعت من قبل في الولايات المتحدة، والتي كان مصدر الكثير منها يقع في الخارج ويُعتقد أنها حدثت بتوجيه قوى أجنبية.
كان منع شركة «سوني» من ممارسة حريتها في التعبير عن الرأي بعد هجوم إلكتروني تسبب في أضرار بالغة، هو ما دفع المسؤولين في النهاية نحو اتخاذ موقف باسم الردع. وقال رئيس وكالة الأمن القومي الأدميرال مايكل روجرز، الذي حضر الاجتماع الذي لم يتم الكشف عنه مسبقا بحسب مسؤولين آخرين: «كان الرأي الذي أدليت به هو أن العالم كله يراقب كيفية ردنا كأمة». وأضاف روجرز في مؤتمر للأمن الإلكتروني الدولي عقد في جامعة «فوردهام» الأسبوع الماضي: «إذا لم نقر بذلك، ولم نذكر أسماء مسؤولة هنا، فإن أخشى ما أخشاه أن يجعل ذلك الآخرين يقولون: حسنا، هذا لا يعتبر خطا أحمر بالنسبة للولايات المتحدة. لا بد أنهم يشعرون بالارتياح تجاهه وعلى استعداد لتقبله».
وقال مسؤول رفيع المستوى بالإدارة إنه «جرى نقاش كبير داخل الإدارة بشأن اتخاذ خطوة ذكر اسم كوريا الشمالية. وكان إعلان اسم المتسبب في ذلك أمرا صعبا، وهناك أسباب تدفعنا إلى الامتناع عن القيام بذلك، بما في ذلك أننا نقدم سابقة من شأنها أن تزيد الضغوط في تحديد أسماء دول أخرى في حوادث قد تقع في المستقبل، وتستعدي الحكومات المتسببة في المشكلة».
لكن الاعتداء على حق شركة «سوني» في عرض أحد الأفلام مسّ وترا حساسا. وقال مسؤول تحدث شريطة عدم كشف هويته لمناقشته أمور داخلية إن شركة الترفيه قد لا تكون «هامة» بالنسبة للأمن القومي، لكن حرية التعبير عن الرأي تعد «قيمة أساسية». وأضاف: «أجل، إن الفيلم كان كوميديا من إخراج سيث روغن، لكن قد لا يكون كذلك في المرة القادمة». وأشار إلى أن ما أطلق عليه اسم الطبيعة «التدميرية» للمخترق الإلكتروني، بالإضافة إلى وجود عنصر الإكراه ضد «سوني»، أمر قد «تجاوز الحد» و«ينقلنا إلى مستوى جديد».
من جانبه، قال كريستوفر بينتر، منسق قضايا الإنترنت بوزارة الخارجية الأميركية، إن الهجوم يعتبر انتهاكا للسيادة الأميركية «إلى جانب أنه محاولة للتدخل في حرية التعبير عن الرأي. فأنت تواجه، من عدة نواح، حالة تتضمن كل هذه الأشياء مجتمعة وهي تعد مهمة بالفعل».
قام قراصنة إنترنت، أطلقوا على أنفسهم اسم «حراس السلام»، باختراق شبكة «سوني» وظلوا لمدة 3 أسابيع على الأقل يسرقون رسائل البريد الإلكتروني، وقوائم الرواتب، وغيرها من البيانات الحساسة، التي لم يتم الكشف عنها، قبل القيام بشنّ هجوم «محو» يوم 24 نوفمبر (تشرين الثاني)، تم فيه حذف البيانات وتعطيل أجهزة الكومبيوتر. وبعد فترة وجيزة، بدأ القراصنة الكشف عن رسائل بريد إلكتروني حساسة تصور المديرين التنفيذيين للشركة على أنهم غير مراعين للفروق الثقافية بين الأجناس، فضلا عن أوصاف أخرى.
وخلص مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) مبكرا إلى نتيجة مفادها أن كوريا الشمالية هي المسؤولة، لكن الإدارة لم تكن تحبذ الإعلان عن ذلك للرأي العام، ويعود ذلك بشكل ما إلى أنها لم تحدد شكل الرد المناسب. واضطرت إلى اتخاذ إجراء عندما ألغت شركة «سوني» العرض المقرر للفيلم. ورغم أن اتهام الحكومة لبيونغ يانغ دفع المتشككين إلى المطالبة بمزيد من الإثباتات، قال مسؤولون إن هذه الحالة واضحة. وقال المسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأميركية: «قلّما أشهد هذا الكم من الأدلة التي جمعناها سواء من خلال تعاوننا مع (سوني) أو بوسائل أخرى». وأشار روجرز إلى أن وكالة الأمن القومي قدمت العون للتحقيق من خلال مشاركتها في «الأنشطة والأنماط» الكومبيوترية الخاصة بكوريا الشمالية والتي تم رصدها في حالات قرصنة إلكترونية سابقة.
ويأتي على القدر نفسه من الأهمية بالنسبة للإدارة إعلان الحكومات الأخرى معارضتها لهذا الهجوم بحيث يتم إرساء مسار دولي. وبعد أن أدان الرئيس أوباما الهجوم الكوري الشمالي الشهر الماضي، لحق به عدد آخر من قادة العالم، منهم وزير الخارجية البريطاني، ووزير الخارجية الكندي، ورئيس وزراء أستراليا، ووزير خارجية نيوزيلندا، بالإضافة إلى مسؤولين في كوريا الجنوبية، واليابان، والنرويج، وهولندا، وإسرائيل، وإستونيا. وقال بينتر: «هذا يدل على تفهم المجتمع الدولي أن هذا النوع من السلوك غير مقبول، وينبغي علينا العمل معا لمنعه والرد عليه».
وقال مسؤول رفيع المستوى بوزارة الدفاع الأميركية، رفض الكشف عن هويته بسبب حديثه عن مناقشات داخلية، إن وزارة الدفاع وضعت مجموعة واسعة من السيناريوهات استعدادا للرد على المستويات المختلفة من الهجمات الإلكترونية. وكان يتم إجراء بعض التدريبات مع هيئات أخرى. وأشار إلى أن الفكرة تتمثل في الرد على أسئلة مثل: «هل يمكننا، في حال حدوثه، أن نعتبره هجوما مسلحا؟ وما هو الرد؟». وأشار إلى أن أيا من هذه السيناريوهات لم يشتمل على شركات إنتاج سينمائي في هوليوود. ومن الإنصاف القول إنه لولا أن الهجوم حظي باهتمام الرأي العام بهذا الشكل، ولولا أن «سوني» ألغت خططها لعرض الفيلم: «لكان رد فعل الحكومة سيصبح أقل حدة». وذكر أن «الإكراه كان عنصرا رئيسيا في التأثير»، وجعل الهجوم «أكثر أهمية».
من جانبه، قال ديمتري ألبيروفيتش، أحد مؤسسي شركة الأمن الأميركية «كراود سترايك»: «تناقشنا لفترة طويلة بشأن طبيعة الحد الأدنى الذي يجعل عملا ما من أعمال الحرب. المقصد هو أن ذلك لا يهم؛ فما يهم حقا هو تأثيره». وأضاف ألبيروفيتش أن انتهاك حرية التعبير كان له تأثير كبير.
وتعهد الرئيس أوباما خلال مؤتمر صحافي له خلال الشهر الماضي، باتخاذ رد «مناسب»، وبعد مرور يومين من العام الجديد، وبعد أن تراجعت شركة «سوني» عن قرارها بتأجيل عرض الفيلم، أعلنت الإدارة عن فرض عقوبات مالية جديدة على حكومة كوريا الشمالية. وأشار البيت الأبيض إلى أن العقوبات هي «الجزء الأول من ردنا»، وهو ما يشير ضمنا إلى أن منع خدمة الإنترنت في كوريا الشمالية خلال الشهر الماضي لم يحدث بسبب الولايات المتحدة. وذكر مسؤولون أنه من الممكن اتخاذ مزيد من الإجراءات الأخرى.
وقال جون كارلن مساعد وزير العدل في فوردهام الأسبوع الماضي إن العام الماضي جلب معه «تغييرا كبيرا في نهج الحكومة» في الردع. وأشار إلى قرار توجيه اتهام جنائي إلى 5 أعضاء بجيش التحرير الشعبي الصيني للتجسس الإلكتروني التجاري، وهو أول اتهام من نوعه على الإطلاق. وأضاف على هامش المؤتمر قائلا: «سنواصل التحقيق» في قضية سوني، و«سنرى إذا ما كان يمكننا توجيه اتهامات ملائمة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»



بلينكن يبدأ جولة في 3 دول لاتينية يحكمها رؤساء يساريون

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)
TT

بلينكن يبدأ جولة في 3 دول لاتينية يحكمها رؤساء يساريون

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)

وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الاثنين، إلى كولومبيا في مستهل جولة تشمل أيضاً تشيلي والبيرو، في محاولة لترسيخ شراكات الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية التي تعد فناءها الخلفي الجيوسياسي، في مواجهة الطموحات الصينية المتزايدة في منطقة شهدت انتخاب عدد من الرؤساء اليساريين أخيراً.
وخلال جولته التي تستمر أسبوعاً في الدول الثلاث، سيحضر كبير الدبلوماسيين الأميركيين أيضاً قمة وزارية. ويقر المسؤولون في واشنطن بأن هناك ضرورة لإظهار اهتمام الولايات المتحدة بجيرانها الجنوبيين، «باعتبارهم أولوية سياسية رغم التركيز على قضايا جيوسياسية كبرى، مثل الحرب الروسية في أوكرانيا، وتهديد الصين لتايوان». وتأمل إدارة الرئيس جو بايدن في أن يحافظ الزعماء اليساريون الجدد في أميركا اللاتينية «على نهج صديق للمشروعات الحرة وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، وألا يجنحوا إلى الشغب الآيديولوجي في حكمهم».
وأفاد مساعد وزير الخارجية الأميركي براين نيكولز، في إحاطة للصحافيين، بأن بلينكن يزور ثلاث دول «كانت منذ فترة طويلة شريكة تجارية حيوية للولايات المتحدة، ولديها اتفاقات تجارة حرة مع الولايات المتحدة (…). نحن نركز على تعزيز علاقاتنا مع تلك الحكومات». وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، أن بلينكن سيلتقي في بوغوتا الرئيس اليساري غوستافو بيترو، وهو متمرد سابق، ووزير الخارجية ألفارو ليفا لمناقشة الأولويات المشتركة بين البلدين، بما في ذلك «الدعوة إلى ديمقراطيات قوية في كل أنحاء المنطقة، ودعم السلام والمصالحة المستدامين، والتصدي للهجرة غير النظامية كأولوية إقليمية، ومكافحة الاتجار بالمخدرات، وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، ومعالجة أزمة المناخ».
وأضافت أن بلينكن سيجدد دعم الولايات المتحدة لاتفاق السلام الكولومبي لعام 2016 خلال مناسبة مع نائبة الرئيس فرانسيا ماركيز، على أن يزور مركزاً لدمج المهاجرين في سياق دعم سياسة الوضع المحمي المؤقت في كولومبيا للمهاجرين الفنزويليين، الذي يعد نموذجاً في المنطقة. وكان بيترو، سخر خلال حملته، من الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على المخدرات، معتبراً أنها «فاشلة»، علماً بأن هذه الدولة في أميركا الجنوبية هي أكبر منتج للكوكايين في العالم، ولطالما واجهت ضغوطاً من واشنطن للقضاء على محاصيل المخدرات. كما تحرك بيترو لإعادة التعامل دبلوماسياً واقتصادياً مع حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، رغم جهود الولايات المتحدة لعزل الدولة العضو في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك).
واستخدم مسؤولو إدارة بايدن نبرة تصالحية في الغالب حيال بيترو، مركزين على مجالات الاتفاق في شأن قضايا مثل تغير المناخ واستشهدوا بمناشداته لمادورو للعودة إلى المحادثات مع المعارضة الفنزويلية. وفيما يتعلق بدعوات بيترو لإنهاء الحرب على المخدرات، قال نيكولز إن واشنطن تدعم بقوة «النهج القائم على الصحة والعلم» لمكافحة المخدرات، مضيفاً أن هذا «ينعكس في سياستنا لدعم التنمية الريفية والأمن الريفي في كولومبيا. ونعتقد أن الرئيس بيترو يشارك بقوة في هذا الهدف». لكنّ مسؤولاً أميركياً أكد أن واشنطن تراقب عن كثب، ما إذا كان تواصل كولومبيا مع السلطات في فنزويلا المجاورة يخالف العقوبات الأميركية على حكومة مادورو.
وتأتي جولة بلينكن أيضاً، بعد عملية تبادل أسرى بين الولايات المتحدة وفنزويلا، ما يعكس تحسناً حذراً للعلاقات بين الدولتين، رغم عدم اعتراف واشنطن بإعادة انتخاب مادورو رئيساً لفنزويلا عام 2018... وقال نيكولز: «نحن لا نحكم على الدول على أساس موقعها في الطيف السياسي، بل على أساس التزامها بالديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان».
ويحمل كبير الدبلوماسيين الأميركيين في رحلته هذه، جدول أعمال مثقلاً لمنظمة الدول الأميركية. ويتوجه الأربعاء إلى سانتياغو، حيث سيعقد اجتماعاً مع رئيس تشيلي اليساري غابرييل بوريتش البالغ 36 عاماً من العمر، الذي تولّى منصبه في مارس (آذار) الماضي. وأخيراً، يتوجه إلى ليما الخميس والجمعة، للقاء الرئيس الاشتراكي بيدرو كاستيو الذي ينتمي لليسار الراديكالي والمستهدف بتحقيقات عدة بشبهات فساد واستغلال السلطة منذ وصوله إلى الرئاسة قبل أكثر من عام. وسيشارك في الجمعية العامة السنوية لمنظمة الدول الأميركية. وسيدرس المجتمعون قراراً يطالب بإنهاء «العدوان الروسي على أوكرانيا»، رغم أن بعض الدول الأميركية اللاتينية عبرت عن تحفظها، بالإضافة إلى قرارات بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في نيكاراغوا والوضع الاقتصادي والسياسي المتردّي في هايتي.