عون يستنزف عهده بـ«حكومات تصريف الأعمال»

على رغم تفاقم أزمة الحكم في لبنان

عون يستنزف عهده بـ«حكومات تصريف الأعمال»
TT

عون يستنزف عهده بـ«حكومات تصريف الأعمال»

عون يستنزف عهده بـ«حكومات تصريف الأعمال»

دخل عهد الرئيس اللبناني ميشال عون ثلثه الأخير، من دون تحقيق الوعود التي أغدقها على اللبنانيين في خطاب القسم، فلم يقرن أقواله بأفعال يفترض إسقاطها على حامل صفة «العهد القوي»، و«الرئيس الأكثر تمثيلاً»، مقارنة مع الرؤساء الذين تعاقبوا على رأس الدولة... أقله منذ «اتفاق الطائف» في العام 1989 حتى الآن.
لا خلاف على أن الكوارث التي يعيشها اللبنانيون، بدءاً من الانهيار الاقتصادي والمالي، ثم الأزمة الصحية التي عمقتها جائحة «كوفيد 19»، مروراً بالغلاء الفاحش وغير المسبوق، وصولاً إلى ظهور مؤشرات المجاعة التي تقض مضاجع الناس، لا يتحمل عون وحده مسؤوليتها، فثمة اعتراف بأن النكبات المتلاحقة هي نتاج تراكمات من الإخفاق في إدارة السلطة منذ سنوات. لكن الثابت الذي لا ينكره أحد، أن «الرئيس القوي» لم يبادر يوماً إلى اتخاذ قرار حاسم بوضع حد للانهيارات المتلاحقة، بل إن عهد عون على ما يؤكد معارضوه «ظل أسير تحالفه مع ميليشيات مسلحة (حزب الله)، ورهين خيارات صهره جبران باسيل، وطموحاته الرئاسية التي كان سبباً مباشراً في دفع البلد إلى الهاوية».
انتعشت الآمال بانتقال لبنان من حال الركود إلى مرحلة النهوض، بعد عامين ونيف من الفراغ في رئاسة الجمهورية، الذي كرسه «حزب الله» على قاعدة «إما ميشال عون وإما الفراغ»، وكان ثمة مَن يعتقد بأن التسوية القائمة على توازنات دقيقة، ستحقق إنجازات مهمة تحت سقف التفاهم الضمني ببقاء سعد الحريري رئيساً للحكومة طيلة عهد برئاسة قائد الجيش الأسبق.
وحقاً، كانت الآمال كبيرة عندما أبرم عون ما يُعرف بـ«التسوية الرئاسية» مع رئيس تيار «المستقبل» الرئيس المكلف سعد الحريري في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2016. كما «اتفاق معراب» بين «التيار الوطني الحر» (برئاسة عون) وحزب «القوات اللبنانية» بقيادة سمير جعجع، والتي جاءت في لحظة تقاطعات إقليمية ودولية، وفي ظل انشغال أميركي بالانتخابات الرئاسية.
غير أن الممارسة داخل الحكومة وفي المؤسسات، وبفعل استمرار «حزب الله» في لعب أدوار سياسية وأمنية، أمعنت في ضرب علاقات لبنان مع الدول العربية، وخصوصاً دول الخليج العربي، وقوضت التسوية وضربت التوازنات الدقيقة، وجعلت من جبران باسيل – صهر الرئيس وخلفه في رئاسة «تياره» - الحاكم شبه المطلق وصاحب اليد الطولى في مجلس الوزراء. وهو في هذا إنما كان يستمد سطوته من نفوذ «حميه» الرئيس وحليفه الأقوى في لبنان... أي «حزب الله». وهكذا غرق «العهد القوي» وأغرق لبنان بفراغ السلطة التنفيذية، وترك إدارة البلاد لحكومات تصريف الأعمال.
- دور جبران باسيل
ثمة من يجد في أداء الرئيس عون وفريقه السياسي، أسباباً موجبة لبلوغ البلاد هذا الدرك من الانهيار، ويحمله مسؤولية كبرى، وإن لم يكن المسؤول الوحيد عما آلت إليه الأمور. ويلفت نائب رئيس تيار «المستقبل» النائب السابق الدكتور مصطفى علوش، إلى أن عون «وصل إلى السلطة بعناوين وشعارات كبيرة وفضفاضة، لكن سرعان ما برهن أن هاجسه تمكين صهره جبران باسيل من الإمساك بالسلطة، وغياب السلطة الفعلية للدولة لحساب سلطة سلاح (حزب الله)». ويرى علوش في لقاء مع «الشرق الأوسط»، أن «الانهيار الذي يعيشه لبنان اليوم نتيجة موضوعية للإخفاق التراكمي الممتد لسنوات طويلة، لكن عهد عون سرع انزلاق البلد إلى الكارثة». وتابع علوش أنه «لو كان الرئيس عون جاداً بوقف الانهيار، لانصرف إلى إصلاح ملف الكهرباء الذي تسلمه صهره جبران باسيل وتياره منذ 11 سنة، ولكان وفر على البلد 25 مليار دولار»، معتبراً أن «الفراغ الحكومي المتمادي في عهد عون هو ترجمة حقيقية أن الرئيس يقدم مصالح فريقه ومصالح صهره على مصلحة لبنان واللبنانيين».
الحقيقة أن الخلافات التي انفجرت بين أطراف التسوية بعد أشهر قليلة على إبرامها، شكلت صدمة لدى اللبنانيين، الذين أدركوا أن هذه القوى تتفق على تقاسم السلطة، وتتصارع على المكاسب والمغانم، فيما عزا بعض أطراف التسوية أسباب انهيارها السريع إلى «توسع هيمنة باسيل داخل السلطة التنفيذية؛ حيث باتت قرارات السلطة التنفيذية رهن إرادة صهر الرئيس وولي عهده». وغالباً ما تحدث هؤلاء عن «سطوة باسيل المطلقة على قرارات الحكومة، في التعيينات الإدارية والقضائية والأمنية والدبلوماسية، وانقلابه على روحية تفاهم معراب، المتضمن اتفاقاً على تقاسم الحصص الوزارية المسيحية مناصفة بين طرفيه؛ التيار الوطني الحر، والقوات اللبنانية، وتعيينات الفئة الأولى». وهم يعتبرون أن «أداء صهر الرئيس يتماهى إلى أقصى الحدود مع سياسة (حزب الله)، ويكفي أن أداءه وزيراً للخارجية، وضع لبنان في قطيعة مع العالم العربي، كما أن مواقفه في اجتماعات وزراء خارجية الدول العربية، جعلت لبنان خارج الإجماع العربي».
من جانبه، لا يرى النائب السابق الدكتور فارس سُعيد، منسق «الأمانة العامة لقوى 14 آذار»، أن «المشكلة ليست في النظام اللبناني، بل في العقلية التي تدير هذا النظام». وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «المعضلة الحقيقية التي تشل البلاد وتقوض سلطة القانون، وتجعل الدولة بتصرف حكومات تصريف الأعمال، تكمن في سلاح (حزب الله) الذي ينشئ دولة تتوافق مع مصلحة إيران وليس مع مصلحة لبنان واللبنانيين». هذا، وكرس التحالف المستمر بين عون و«حزب الله» مصلحة الفريقين منذ 6 فبراير (شباط) 2006، عندما وقع عون وأمين عام «حزب الله» حسن نصر الله، ورقة التفاهم بينهما داخل كنيسة مار مخايل في ضاحية بيروت الجنوبية. ويشير سُعيد إلى أن عون «حقق عبر هذا التحالف طموحه التاريخي بالوصول إلى قصر بعبدا (رئاسة الجمهورية)، وظن أنه سيكون على مسافة واحدة من الجميع، وأعتقد أن علاقته بـ(حزب الله) ستمكنه من رسم الحدود بين الدولة التي ترعى مصلحة اللبنانيين وبين (حزب الله). لكن بدل أن يرسم عون هذه الحدود بين الدولة والميليشيات، أزال ما تبقى من حدود بينهما، ولذلك بدأ العالم ينظر إلى لبنان على أنه يعيش في كنف الجمهورية الإيرانية». وأردف أنه «لا حدود اليوم بين مصلحة اللبنانيين ومصلحة الحزب».
- «حزب الله»... الحاكم الآمر الناهي
كذلك ذكّر الدكتور سُعيد بأنه «عندما تساكن لبنان مع سلاح (أبو عمار)، (منظمة التحرير الفلسطينية)، رسم لبنان تلك الحدود عبر (اتفاق القاهرة)، كما أن رفيق الحريري (رئيس الحكومة الراحل) رسم الحدود لاحقاً بين اقتصاد لبنان ومشروعات الإعمار، وبين نفوذ الوصاية السورية. لكن بعد اغتياله وخروج الجيش السوري، بات لبنان في كنف النفوذ الإيراني ولم تعد هناك أي حدود بينهما، لأن (حزب الله) أضحى الحاكم الفعلي والآمر الناهي في البلد».
والصحيح أن الفراغ الحكومي ليس وليد إرادة عون، بل نتيجة شراكة فعلية مع «حزب الله» الذي يفرض خياراته على كل الأطراف بفعل وهج سلاحه المتحكم بالتوازنات الداخلية. وهنا يقرّ الدكتور مصطفى علوش بأن «سلاح (حزب الله) موجود قبل وصول عون إلى السلطة، لكن رئيس الجمهورية أوهم اللبنانيين أنه قادر على الحد من هيمنة السلاح على الدولة. أما في الممارسة فهو من أمّن الغطاء السياسي لهذا السلاح، ولذلك نجد في الفراغ الحكومي تقاطع مصالح بين قيادة (حزب الله) والرئيس القوي». ويعبر علوش عن أسفه لأن «عهد الرئيس عون ساهم في ضرب العلاقة مع الدول العربية، التي تبقى أهم من أميركا وأوروبا، وهذه الدول هي التي مكنت الاقتصاد اللبناني من الصمود». ويكشف أن «ثلث الناتج القومي يأتي عبر تحويلات من الخارج، وأكثرية هذه التحويلات كانت تأتي من دول الخليج العربي». أيضاً يشير علوش إلى أن «الرئيس عون ليس السبب الوحيد للوصول بلبنان إلى الحالة المأساوية، إلا أن عهده كان عهد الفشل الذريع على مستوى ممارسة السلطة، والتواطؤ المريع مع سلاح (حزب الله)... ولقد حاولت البحث عن إنجاز واحد في عهد عون، لكني لم أجد إلا الويلات التي عاشها اللبنانيون؛ خصوصاً في السنتين الأخيرتين».
من ناحية أخرى، لا يقتصر الفراغ الحكومي وإطالة عمر حكومات تصريف الأعمال على عهد عون، إذ حصل ذلك في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان... غير أن إطالة أمد الفراغ كان سببه عون شخصياً، ولا سيما إمعانه في اقتناص حصة وزارية وازنة داخل الحكومة، واشتراطه أن يكون صهره جبران باسيل أبرز وزراء «التيار الوطني الحر» في الحكومة. وهنا يلفت فارس سُعيد إلى أن «فرض عون شروطه على السلطة التنفيذية لم يأتِ من نفوذ الرئيس القوي وتياره فحسب، بل ثمرة الدعم المطلق من (حزب الله)». ويرى أنه «عند كل استحقاق دستوري، سواء بتأليف الحكومة أو بانتخابات برلمانية أو رئاسية، كان (حزب الله) يستغل هذه الاستحقاقات لترتيب أوراق إيران». ويؤكد سُعيد أن «تعقيدات تشكيل الحكومة العتيدة في لبنان، ستبقى رهن المرحلة الفاصلة عن تسلم جو بايدن مقاليد السلطة في الولايات المتحدة الأميركية... ولو فاز دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية، لكانت الحكومة اللبنانية تشكلت بسرعة، لأن إيران كانت مضطرة إلى تقديم تنازلات، لكن بعد فوز بايدن، لا تبدو طهران مستعجلة لأن الإدارة الأميركية الجديدة غير مستعجلة للتفاوض معها وحل أزماتها».
- الشق الدستوري
في سياق متصل، كلما أظهرت القيادات اللبنانية عجزها عن احترام الاستحقاقات الدستورية، تعود بعض الأطراف السياسية والحزبية إلى المطالبة بتعديلات دستورية تعالج الثغرات التي تضع حداً للفراغ الرئاسي أو الحكومي أو تأجيل الانتخابات البرلمانية. ولا ينكر الخبير الدستوري المحامي سعيد مالك في تصريح لـ«الشرق الأوسط» وجود «ثغرات في الدستور يجب معالجتها في المستقبل»، لكنه يشدد على أن «المشكل الأساس يكمن في رجال السلطة الذين يسيئون تطبيق الدستور. فالمشترع عندما وضع بنود الدستور لم يتوقع أن هناك طبقة سياسية ستستفيد من الثغرات لتعطيل الاستحقاقات... وما حصل أن القادة السياسيين استفادوا من بعض الثغرات لمآرب شخصية ضيقة».
كذلك مع دخول أعراف جديدة على آلية تشكيل الحكومات في لبنان، وإجراء رئيس الجمهورية «استشارات جانبية» تسبق الاستشارات النيابة الملزمة لتكليف رئيس الحكومة، قال مالك: «لم يكن المشترع يتوقع أن تتأخر الاستشارات النيابية الملزمة لتشكيل الحكومة، ولم يتخيل أن تستغرق مفاوضات تأليف الحكومة أشهراً طويلة». وجزم بأن «ممارسات الطاقم الحاكم هي التي قوضت عهد الرئيس ميشال عون»، متابعاً القول: «لا سبيل للخروج من المأزق الذي يعانيه لبنان إلا بانتخابات نيابية مبكرة لإعادة تكوين السلطة وتشكيل حكومة منتجة وقادرة». وعن إمكانية الدخول في فراغ رئاسي جديد بعد انتهاء ولاية عون، يطمئن مالك على أنه «لا خوف على الانتخابات الرئاسية التي ستسبقها انتخابات برلمانية في ربيع العام 2020. لأن مجلس النواب المنتخب هو مَن ينتخب رئيساً للبلاد».
مع هذا، يتخوف اللبنانيون من التمديد للمجلس النيابي الحالي، الذي يمتلك فيه «حزب الله» أكثرية نيابية، ما يجعل الحزب وحليفه «التيار الوطني الحر» متحكمين بالانتخابات الرئاسية، وهنا يحذر مالك من «الذهاب إلى هذا السيناريو، وإلا يسمح للبرلمان الحالي بانتخاب رئيس للجمهورية خلفاً للرئيس عون»، معتبراً أن مثل هذا الخيار سيشعل الشارع مجدداً، ويدفع إلى ثورة جديدة وعصيان في الشارع.
- حكومات تصريف الأعمال والعمر المديد
> عاشت حكومات تصريف الأعمال أعماراً مديدة، وفي مراحل عدة عمرت أكثر من الحكومة الشرعية، ويبدو أن الفراغ الحكومي كان أكثر استدامة في عهد الرئيس ميشال عون، إذ استغرق تشكيل الحكومة الأولى لعهده 50 يوماً، رغم أنها أعقبت التسوية الرئاسية، وكانت معظم القوى السياسية متفاهمة ومنسجمة ومتفقة مسبقاً على حصصها داخل السلطة التنفيذية.
الخلافات المستحكمة طفت على السطح مع مخاض تأليف حكومة العهد الثانية، التي شكلها سعد الحريري، واستغرق مخاض مشاوراتها واتصالاتها 9 أشهر. وما أن سمت الأكثرية النيابية رئيس تيار «المستقبل» بتشكيل الحكومة غداة الانتخابات النيابية التي حصلت يوم 6 مايو (أيار) 2018 - وكان الحريري حينها رئيساً لحكومة تصريف الأعمال أيضاً - لم يتمكن الأخير من تشكيل حكومته قبل 31 يناير (كانون الثاني) 2019. وما زاد من تعقيدات ولادتها، الصراع على الحصص داخلها؛ خصوصاً إصرار «التيار الوطني الحر» برئاسة جبران باسيل على امتلاك الثلث المعطل فيها، وإمعان «حزب الله» وحركة «أمل» بالاتفاق مع عون وباسيل، على الاستئثار بأكثرية الثلثين داخل الحكومة، وذلك ترجمة لنتائج الانتخابات النيابية التي أعطت الأكثرية لـ«حزب الله» وحلفائه.
وفي ترجمة واقعية لإمساك عون وفريقه بقرارات الحكومة، تمكن باسيل من انتزاع تواقيع وزرائه العشرة على كتب الاستقالة من الحكومة، لاستخدام هذه الاستقالة عند الاقتضاء، والإطاحة بالحكومة. غير أنه بعد يومين فقط من خطاب باسيل الذي هدد فيه بـ«قلب الطاولة على رأس الجميع، وتفجير (تسونامي) كفيل بجرف الخصوم»، باغته الانتفاضة الشعبية التي انطلقت في 17 أكتوبر 2019. وأطاحت بالجميع وأسقطت تلك الحكومة في الشارع.
ومع إخفاق أحزاب السلطة وأصحاب الأكثرية النيابية في إقناع الحريري بالعودة إلى ترؤس حكومة «تكنو سياسية»، تتعارض مع مطالب الحراك الشعبي الداعي إلى تشكيل حكومة من خارج المنظومة الحاكمة، ذهبت هذه الأكثرية إلى تسمية حسان دياب الذي شكل حكومة اللون الواحد بعد 35 يوماً، والتي واجهتها الدول العربية والغربية بمقاطعة واضحة. إلا أن هذه الحكومة سرعان ما انفرط عقدها على إثر انفجار مرفأ بيروت، واستقالة وزرائها الواحد تلو الآخر، قبل أن يستقيل رئيسها حسان دياب في 12 أغسطس (آب)، أي بعد أسبوع واحد على الانفجار. وهي لا تزال تمارس تصريف الأعمال، رغم مرور 40 يوماً على تكليف الحريري، الذي أعقب اعتذار الرئيس المكلف مصطفى أديب، الذي آثر إعفاء نفسه من مناكفات أحزاب السلطة، بعد شهر من تكليفه، وسارع إلى الاعتذار عن تشكيل حكومة تخالف مضمون المبادرة الفرنسية.
- بصمات عون في الفراغ الحكومي سبقت عهده
> لم يكن عهد الرئيس ميشال عون وحده الشاهد على الفراغ الحكومي، بل بدأت هذه الظاهرة مع العهود التي سبقته، ومنها عهد الرئيس إميل لحود وعهد الرئيس ميشال سليمان، غير أن هذا الفراغ ليس بعيداً عن تأثير عون على مسارات تشكيل الحكومات آنذاك.
ولا ينسى اللبنانيون أن المناكفات بدأت مع حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى التي جاءت بعد انتخابات العام 2005، عندما حازت فيها قوى «14 آذار» على الأكثرية النيابية. وكانت تلك الحكومة الأخيرة في عهد الرئيس الأسبق إميل لحود، واستغرق تشكيلها شهرين، بعد جهود كبيرة بذلها السنيورة مع عون للانخراط في هذه الحكومة، لكن الأخير اشترط الحصول على غالبية الوزراء المسيحيين أو البقاء في ضفة المعارضة. أما حكومة السنيورة الثانية، والتي كانت وليدة «اتفاق الدوحة» الذي فرض جراء اجتياح «حزب الله» للعاصمة بيروت بقوة السلاح، فقد استغرقت 55 يوماً، والسبب في التأخير ناجم عن الضغوط التي مارسها عون كرئيس لـ«التيار الوطني الحر»، من أجل توزير صهره جبران باسيل، والحصول على الحقائب الأساسية في التركيبة الوزارية.
وبعد انتخابات العام 2009، التي جددت الثقة بقوى «14 آذار»، ومنحتها الغالبية النيابية مجدداً، سُمي سعد الحريري رئيساً للحكومة للمرة الأولى. ولكن بعد شهرين من المشاورات رفضت قوى «8 آذار» - التي كانت تشكل المعارضة ومعها تيار عون - الصيغة الحكومية التي قدمها الحريري، فأعلن الأخير في سبتمبر (أيلول)، أي بعد 3 أشهر على التكليف، اعتذاره عن عدم تشكيل الحكومة. وغداة هذا الاعتذار، جددت الأكثرية النيابية تسميته لرئاسة الحكومة مرة جديدة، وحينها استطاع الحريري تشكيل حكومته الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2009. ومن الأسباب التي أخرت تأليف الحكومة حينها، رفض فريق «14 آذار» توزير باسيل الذي خسر معركة انتخابه نائباً عن منطقة البترون (شمال لبنان)، لكن عون أسقط تلك المعادلة، وأطلق شعاره الشهير «كرمى لعيون صهر الجنرال، ما تتشكل حكومة». ولم تعمر حكومة الحريري الأولى أكثر من سنة، إذ أسقطها تحالف «حزب الله» وحركة «أمل» والتيار الوطني الحر، باستقالة وزرائهم من داخل منزل عون، ما أدى إلى فقدان الحكومة النصاب الدستوري.



فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟
TT

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية، بقيادة ميشال بارنييه، في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)، على رأس الحكومة الجديدة. يأتي قرار التعيين في الوقت الذي تعيش فيه فرنسا أزمة برلمانية حادة بسبب غياب الأغلبية وهشاشة التحالفات، مما يضفي على الحياة السياسية جواً من عدم الاستقرار والفوضى. كان هذا القرار متوقَّعاً حيث إن رئيس الوزراء الجديد من الشخصيات المعروفة في المشهد السياسي الفرنسي، والأهم أنه كان عنصراً أساسياً في تحالف ماكرون الوسطي وحليف الرئيس منذ بداية عهدته في 2017. تساؤلات كثيرة رافقت إعلان خبر التعيين، أهمها حظوظ رئيس الوزراء الجديد في تحقيق «المصالحة» التي ستُخرِج البلاد من الأزمة البرلمانية، وقدرته على إنقاذ عهدة ماكرون الثانية.

أصول ريفية بسيطة

وُلِد فرنسوا بايرو في 25 مايو (أيار) عام 1951 في بلدة بوردار بالبرينيه الأطلسية، وهو من أصول بسيطة، حيث إنه ينحدر من عائلة مزارعين، أباً عن جدّ. كان يحب القراءة والأدب، وهو ما جعله يختار اختصاص الأدب الفرنسي في جامعة بوردو بشرق فرنسا. بعد تخرجه عمل في قطاع التعليم، وكان يساعد والدته في الوقت ذاته بالمزرعة العائلية بعد وفاة والده المفاجئ في حادث عمل. بدأ بايرو نشاطه السياسي وهو في سن الـ29 نائباً عن منطقة البرانس الأطلسي لسنوات، بعد أن انخرط في صفوف حزب الوسط، ثم رئيساً للمجلس العام للمنطقة ذاتها بين 1992 و2001. إضافة إلى ذلك، شغل بايرو منصب نائب أوروبي بين 1999 و2002. وهو منذ 2014 عمدة لمدينة بو، جنوب غربي فرنسا، ومفتّش سامٍ للتخطيط منذ 2020.

شغل بايرو مهام وزير التربية والتعليم بين 1993 و1997 في 3 حكومات يمينية متتالية. في 2017 أصبح أبرز حلفاء ماكرون، وكوفئ على ولائه بحقيبة العدل، لكنه اضطر إلى الاستقالة بعد 35 يوماً فقط، بسبب تورطه في تحقيق يتعلق بالاحتيال المالي. ومعروف عن فرنسوا بايرو طموحه السياسي، حيث ترشح للرئاسة 3 مرات، وكانت أفضل نتائجه عام 2007 عندما حصل على المركز الثالث بنسبة قاربت 19 في المائة.

مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف (إ.ب.أ)

شخصية قوية وعنيدة

في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون: كيف ضغط رئيس (الموديم) على إيمانويل ماكرون»، كشفت صحيفة «لوموند» أن رئيس الوزراء الجديد قام تقريباً بليّ ذراع الرئيس من أجل تعيينه؛ حيث تشرح الصحيفة، بحسب مصادر قريبة من الإليزيه، أن بايرو واجه الرئيس ماكرون غاضباً، بعد أن أخبره بأنه يريد تعيين وزير الصناعة السابق رولان لوسكور بدلاً منه، واستطاع بقوة الضغط أن يقنعه بالرجوع عن قراره وتعيينه هو على رأس الحكومة.

الحادثة التي نُقلت من مصادر موثوق بها، أعادت إلى الواجهة صفات الجرأة والشجاعة التي يتحّلى بها فرنسوا بايرو، الذي يوصف أيضاً في الوسط السياسي بـ«العنيد» المثابر. ففي موضوع آخر نُشر بصحيفة «لوفيغارو» بعنوان: «فرنسوا بايرو التلميذ المصاب بالتأتأة يغزو ماتنيون»، ذكرت الصحيفة أن بايرو تحدَّى الأطباء الذين نصحوه بالتخلي عن السياسة والتعليم بسبب إصابته وهو في الثامنة بالتأتأة أو الصعوبة في النطق، لكنه نجح في التغلب على هذه المشكلة، بفضل عزيمة قوية، واستطاع أن ينجح في السياسة والتعليم.

يشرح غيوم روكيت من صحيفة «لوفيغارو» بأنه وراء مظهر الرجل الريفي الأصل البشوش، يوجد سياسي محنّك، شديد الطموح، بما أنه لم يُخفِ طموحاته الرئاسية، حيث ترشح للرئاسيات 3 مرات، و«لن نكون على خطأ إذا قلنا إنه استطاع أن يستمر في نشاطه السياسي كل هذه السنوات لأنه عرف كيف يتأقلم مع الأوضاع ويغيّر مواقفه حسب الحاجة»، مذكّراً بأن بايرو كان أول مَن هاجم ماكرون في 2016 باتهامه بالعمل لصالح أرباب العمل والرأسماليين الكبار، لكنه أيضاً أول مع تحالف معه حين تقدَّم في استطلاعات الرأي.

على الصعيد الشخصي، يُعتبر بايرو شخصية محافظة، فهو أب لـ6 أطفال وكاثوليكي ملتزم يعارض زواج المثليين وتأجير الأرحام، وهو مدافع شرس عن اللهجات المحلية، حيث يتقن لهجته الأصلية، وهي اللهجة البيرينية.

رجل الوفاق الوطني؟

عندما تسلّم مهامه رسمياً، أعلن فرنسوا بايرو أنه يضع مشروعه السياسي تحت شعار «المصالحة» ودعوة الجميع للمشاركة في النقاش. ويُقال إن نقاط قوته أنه شخصية سياسية قادرة على صنع التحالفات؛ حيث سبق لفرنسوا بايرو خلال الـ40 سنة خبرة في السياسة، التعاون مع حكومات ومساندة سياسات مختلفة من اليمين واليسار.

خلال مشواره السياسي، عمل مع اليمين في 1995، حيث كان وزيراً للتربية والتعليم في 3 حكومات، وهو بحكم توجهه الديمقراطي المسيحي محافظ وقريب من اليمين في قضايا المجتمع، وهو ملتزم اقتصادياً بالخطوط العريضة لليبيراليين، كمحاربة الديون وخفض الضرائب. وفي الوقت ذاته، كان فرنسوا بايرو أول زعيم وسطي يقترب من اليسار الاشتراكي؛ أولاً في 2007 حين التقى مرشحة اليسار سيغولين رويال بين الدورين الأول والثاني من الانتخابات الرئاسية للبحث في تحالف، ثم في 2012 حين صنع الحدث بدعوته إلى التصويت من أجل مرشح اليسار فرنسوا هولاند على حساب خصمه نيكولا ساركوزي، بينما جرى العرف أن تصوّت أحزاب الوسط في فرنسا لصالح اليمين.

ومعروف أيضاً عن رئيس الوزراء الجديد أنه الشخصية التي مدّت يد المساعدة إلى اليمين المتطرف، حيث إنه سمح لمارين لوبان بالحصول على الإمضاءات التي كانت تنقصها لدخول سباق الرئاسيات عام 2022، وهي المبادرة التي تركت أثراً طيباً عند زعيمة التجمع الوطني، التي صرحت آنذاك قائلة: «لن ننسى هذا الأمر»، كما وصفت العلاقة بينهما بـ«الطيبة». هذه المعطيات جعلت مراقبين يعتبرون أن بايرو هو الأقرب إلى تحقيق التوافق الوطني الذي افتقدته الحكومة السابقة، بفضل قدرته على التحدث مع مختلف الأطياف من اليمين إلى اليسار.

ما هي حظوظ بايرو في النجاح؟رغم استمرار الأزمة السياسية، فإن التقارير الأولية التي صدرت في الصحافة الفرنسية توحي بوجود بوادر مشجعة في طريق المهمة الجديدة لرئيس الوزراء. التغيير ظهر من خلال استقبال أحزاب المعارضة لنبأ التعيين، وعدم التلويح المباشر بفزاعة «حجب الثقة»، بعكس ما حدث مع سابقه، بارنييه.

الإشارة الإيجابية الأولى جاءت من الحزب الاشتراكي الذي عرض على رئيس الوزراء الجديد اتفاقاً بعدم حجب الثقة مقابل عدم اللجوء إلى المادة 3 - 49 من الدستور، وهي المادة التي تخوّل لرئيس الحكومة تمرير القوانين من دون المصادقة عليها. الاشتراكيون الذين بدأوا يُظهرون نيتهم في الانشقاق عن ائتلاف اليسار أو «جبهة اليسار الوطنية» قد يشكّلون سنداً جديداً لبايرو، إذا ما قدّم بعض التنازلات لهم.

وفي هذا الإطار، برَّر بوريس فالو، الناطق باسم الحزب، أسباب هذا التغيير، بالاختلاف بين الرجلين حيث كان بارنييه الذي لم يحقق حزبه أي نجاحات في الانتخابات الأخيرة يفتقد الشرعية لقيادة الحكومة، بينما الأمر مختلف نوعاً ما مع بايرو. كما أعلن حزب التجمع الوطني هو الآخر، وعلى لسان رئيسه جوردان بارديلا، أنه لن يكون هناك على الأرجح حجب للثقة، بشرط أن تحترم الحكومة الجديدة الخطوط الحمراء، وهي المساس بالضمان الصحّي، ونظام المعاشات أو إضعاف اقتصاد البلاد.

يكتب الصحافي أنطوان أوبردوف من جريدة «لوبنيون»: «هذه المرة سيمتنع التجمع الوطني عن استعمال حجب الثقة للحفاظ على صورة مقبولة لدى قاعدته الانتخابية المكونة أساساً من كهول ومتقاعدين قد ترى هذا الإجراء الدستوري نوعاً من الحثّ على الفوضى».

كما أعلن حزب اليمين الجمهوري، على لسان نائب الرئيس، فرنسوا كزافييه بيلامي، أن اليمين الجمهوري سيمنح رئيس الحكومة الجديد شيئاً من الوقت، موضحاً: «سننتظر لنرى المشروع السياسي للسيد بايرو، ثم نقرر». أما غابرييل أتال، رئيس الوزراء السابق عن حزب ماكرون، فأثنى على تعيين بايرو من أجل «الدفاع على المصلحة العامة في هذا الظرف الصعب».

أما أقصى اليسار، الممثَّل في تشكيلة «فرنسا الأبية»، إضافة إلى حزب الخضر، فهما يشكلان إلى غاية الآن الحجر الذي قد تتعثر عليه جهود الحكومة الجديدة؛ فقد لوَّحت فرنسا الأبية باللجوء إلى حجب الثقة مباشرة بعد خبر التعيين، معتبرة أن بايرو سيطبق سياسة ماكرون لأنهما وجهان لعملة واحدة.

فرانسوا بايرو يتحدث في الجمعة الوطنية الفرنسية (رويترز)

أهم الملفات التي تنتظر بايرو

أهم ملف ينتظر رئيس الوزراء الجديد الوصول إلى اتفاق عاجل فيما يخص ميزانية 2025؛ حيث كان النقاش في هذا الموضوع السبب وراء سقوط حكومة بارنييه. وكان من المفروض أن يتم الإعلان عن الميزانية الجديدة والمصادقة عليها قبل نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2024، لولا سقوط الحكومة السابقة، علماً بأن الدستور الفرنسي يسمح بالمصادقة على «قانون خاص» يسمح بتغطية تكاليف مؤسسات الدولة وتحصيل الضرائب لتجنب الشلّل الإداري في انتظار المصادقة النهائية. أوجه الخلاف فيما يخّص القانون تتعلق بعجز الميزانية الذي يُقدَّر بـ60 مليار يورو، الذي طلبت الحكومة السابقة تعويضه بتطبيق سياسة تقشفية صارمة تعتمد على الاقتطاع من نفقات القطاع العمومي والضمان الاجتماعي، خاصة أن فرنسا تعاني من أزمة ديون خانقة حيث وصلت في 2023 إلى أكثر من 3200 مليار يورو. الرفض على المصادقة قد يأتي على الأرجح من اليسار الذي يطالب بإيجاد حل آخر لتغطية العجز، وهو رفع الضرائب على الشركات الكبرى والأثرياء. وكان فرنسوا بايرو من السياسيين الأكثر تنديداً بأزمة الديون، التي اعتبرها مشكلة «أخلاقية» قبل أن تكون اقتصادية؛ حيث قال إنه من غير اللائق أن «نحمّل أجيال الشباب أخطاء التدبير التي اقترفناها في الماضي».

الملف الثاني يخص نظام المعاشات، وهو ملف يقسم النواب بشّدة بين اليمين المرحّب بفكرة الإصلاح ورفع سن التقاعد من 62 إلى 64 سنة، إلى اليسار الذي يرفض رفع سنّ التقاعد، معتبراً القانون إجراءً غير عادل، وبالأخص بالنسبة لبعض الفئات، كذوي المهن الشاقة أو الأمهات.

وتجدر الإشارة إلى أن فرنسا كانت قد شهدت حركة احتجاجات شعبية عارمة نتيجة إقرار هذا القانون، وبالأخص بعد أن كشفت استطلاعات الرأي أن غالبية من الفرنسيين معارضة له. صحيفة «لكبرس»، في موضوع بعنوان «بايرو في ماتنيون ماذا كان يقول عن المعاشات» تذكّر بأن موقف رئيس الوزراء بخصوص هذا الموضوع كان متقلباً؛ فهو في البداية كان يطالب بتحديد 60 سنة كحّد أقصى للتقاعد، ثم تبنَّى موقف الحكومة بعد تحالفه مع ماكرون.

وعلى طاولة رئيس الوزراء الجديد أيضاً ملف «الهجرة»؛ حيث كان برونو ريتيلو، وزير الداخلية، قد أعلن عن نصّ جديد بشأن الهجرة في بداية عام 2025، الهدف منه تشديد إجراءات الهجرة، كتمديد الفترة القصوى لاحتجاز الأجانب الصادر بحقهم أمر بالترحيل أو إيقاف المساعدات الطبية للمهاجرين غير الشرعيين. سقوط حكومة بارنييه جعل مشروع الهجرة الجديد يتوقف، لكنه يبقى مطروحاً كخط أحمر من قِبَل التجمع الوطني الذي يطالب بتطبيقه، بعكس أحزاب اليسار التي هددت باللجوء إلى حجب الثقة في حال استمرت الحكومة الجديدة في المشروع. وهذه معادلة صعبة بالنسبة للحكومة الجديدة. لكن محللّين يعتقدون أن الحكومة الجديدة تستطيع أن تنجو من السقوط، إذا ما ضمنت أصوات النواب الاشتراكيين، بشرط أن تُظهر ليونة أكبر في ملفات كالهجرة ونظام المعاشات، وألا تتعامل مع كتلة اليمين المتطرف.

إليزابيث بورن (أ.ف.ب)

بومبيدو

دوفيلبان

حقائق

رؤساء الحكومة الفرنسيون... معظمهم من اليمين بينهم سيدتان فقط


منذ قيام الجمهورية الخامسة عام 1958، ترأَّس حكومات فرنسا 28 شخصية سياسية، ينتمي 8 منها لليسار الاشتراكي، بينما تتوزع الشخصيات الأخرى بين اليمين الجمهوري والوسط. ومن بين هؤلاء سيدتان فقط: هما إيديت كريسون، وإليزابيث بورن.هذه قائمة بأشهر الشخصيات:جورج بومبيدو: ترأَّس الحكومة بين 1962 و1968. معروف بانتمائه للتيار الوسطي. شغل وظائف سامية في مؤسسات الدولة، وكان رجل ثقة الجنرال شارل ديغول وأحد مقربيه. عيّنه هذا الأخير رئيساً للوزراء عام 1962 ومكث في منصبه 6 سنوات، وهو رقم قياسي بالنسبة لرؤساء حكومات الجمهورية الخامسة. لوران فابيوس: ترأَّس الحكومة بين 1984 و1986. ينتمي للحزب الاشتراكي. شغل منصب وزير المالية، ثم وزيراً للصناعة والبحث العلمي. حين عيّنه الرئيس الراحل فرنسوا ميتران كان أصغر رئيس وزراء فرنسي؛ حيث كان عمره آنذاك 37 سنة. شغل أيضاً منصب رئيس الجمعية الوطنية. تأثرت شعبيته بعد محاكمته بوصفه مسؤولاً عن الحكومة في قضية الدم الملوّث الذي راح ضحيته أكثر من 4 آلاف فرنسي. كما تكرر اسمه في مفاوضات الملف النووي الإيراني.جاك شيراك: إضافة لوظيفته الرئاسية المعروفة، ترأَّس جاك شيراك الحكومة الفرنسية مرتين: المرة الأولى حين اختاره الراحل فاليري جيسكار ديستان وكان ذلك بين 1974 و1976، ثم إبان عهدة الرئيس فرنسوا ميتران بين 1986 و1988. شغل مناصب سامية، وتقلّد مسؤوليات عدة في مؤسسات الدولة وأجهزتها، حيث كان عمدة لمدينة باريس، ورئيس حزب التجمع الجمهوري اليميني، ووزيراً للزراعة.دومينيك دوفيلبان: شغل وظيفة رئيس الحكومة في عهدة الرئيس جاك شيراك بين 2005 و2007، وكان أحد مقربي الرئيس شيراك. كما شغل أيضاً حقيبة الخارجية ونال شعبية كبيرة بعد خطابه المعارض لغزو العراق أمام اجتماع مجلس الأمن في عام 2003. حين كان رئيس الوزراء، أعلن حالة الطوارئ بعد أحداث العنف والاحتجاجات التي شهدتها الضواحي في فرنسا.فرنسوا فيون: عيّنه الرئيس السابق نيكولا ساركوزي في منصب رئيس الوزراء بين 2007 و2012، وهو بعد بومبيدو أكثر الشخصيات تعميراً في هذا المنصب. شغل مناصب وزارية أخرى حيث كُلّف حقائب التربية، والتعليم، والشؤون الاجتماعية، والعمل. أصبح رسمياً مرشح حزب الجمهوريون واليمين والوسط للانتخابات الرئاسية الفرنسية 2017، وأُثيرت حوله قضية الوظائف الوهمية التي أثّرت في حملته الانتخابية تأثيراً كبيراً، وانسحب بعدها من الحياة السياسية.