اتفاق مغربي ـ إسرائيلي على إقامة علاقات دبلوماسية

ترمب يعلن اعتراف واشنطن بسيادة الرباط على الصحراء... ومحمد السادس يؤكد التزامه الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني

الرئيس الأميركي ترمب أعلن التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي ترمب أعلن التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل (أ.ف.ب)
TT

اتفاق مغربي ـ إسرائيلي على إقامة علاقات دبلوماسية

الرئيس الأميركي ترمب أعلن التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي ترمب أعلن التوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل (أ.ف.ب)

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أمس، اتفاقاً بين المغرب وإسرائيل على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة، وهو ما يُعد رابع اتفاق عربي - إسرائيلي خلال الأشهر الأربع الأخيرة قبل أن تنتهي ولاية ترمب في يناير (كانون الثاني) المقبل. وأكد العاهل المغربي الملك محمد السادس، من جهته، التزامه الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، ومجدداً دعمه لحل الدولتين.
وقال ترمب عبر «تويتر» أمس: «اختراق تاريخي آخر اليوم. اثنان من أعظم أصدقائنا، إسرائيل ومملكة المغرب وافقتا على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة، هذا اختراق كبير لعملية السلام في الشرق الأوسط». وأشار ترمب، في تغريدة أخرى، إلى أنه وقّع إشعاراً باعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، وهي الأراضي التي كانت تحتلها إسبانيا في جنوب المغرب.
وقال جاريد كوشنر، مهندس عمليات السلام والتطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، في مؤتمر هاتفي بالبيت الأبيض، ظهر أمس (الخميس)، إن الاتفاق ينص على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين المغرب وإسرائيل، بما يشمل فتح خطوط طيران بين الرباط وتل أبيب وفتح سفارتين فوراً، وإقامة علاقات اقتصادية بين الشركات من البلدين.
وقال كوشنر للصحافيين إن هذا الاتفاق يأتي ثمرة مناقشات دبلوماسية استمرت أربع سنوات، وتم خلالها نقاش حول وضع الصحراء الغربية وسيادة المغرب عليها، وكانت رؤية الإدارة الأميركية تأييد ذلك بما يجلب الوضوح والسلام والتفاهم في الإقليم. وقال: «زرت المغرب منذ عامين، وأوضحت هدف أميركا في المنطقة في مكافحة الإرهاب والمتشددين، وإحلال السلام ودفع الجهود لتحقيق الرخاء، وهذا يوم عظيم لكل من المغرب وإسرائيل».
وأكد كوشنر أن هناك ترحيباً غير مسبوق باتفاقات التطبيع والسلام و«اتفاق إبراهيم» والدعوات المستمرة من إسرائيل لبقية الدول العربية للدخول في اتفاقات مماثلة. وقال: «الثقافة في منطقة الشرق الأوسط تغيرت، والترحيب غير مسبوق باتفاقات سلام مع إسرائيل، والجميع يرى النجاح في العلاقات والقيام بالصفقات، وكثير من الدول تريد ذلك. وسنستمر في دفع دول الإقليم للقيام بهذه الخطوة، وهذا سيجلب المسلمين والمسيحيين واليهود إلى التوحد، وقد كان ذلك هدفاً واضحاً في أول زيارة يقوم بها الرئيس ترمب إلى المنطقة، وزيارته للمملكة العربية السعودية وإسرائيل والفاتيكان».
وفي سؤال حول جهود ضم دول عربية أخرى للتطبيع مع إسرائيل، قال كوشنر إن «ما حدث حتى الآن يعد إنجازاً تاريخياً لم يكن أحد يتصوره أو يتوقعه منذ أربع سنوات». وأشار إلى أن بلاده تسعى إلى حل النزاع الخليجي حتى يعمل الجميع على منع صعود الإرهابيين والمتشددين، وكسب المعركة الآيديولوجية ضد التشدد والإرهاب.
وأعلن البيت الأبيض أن الرئيس ترمب تحدث هاتفياً صباح الخميس مع الملك محمد السادس، الذي وافق، خلال المحادثة، على استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وتوسيع التعاون الاقتصادي والثقافي لدفع الاستقرار الإقليمي. وأقر العاهل المغربي بأواصر الصداقة القوية بين شعبي وحكومتي المغرب والولايات المتحدة.
وقال بيان البيت الأبيض إن ترمب أكد دعمه الجاد للمغرب، وإقرار السلام والاستقرار، وتعزيز الفرص الاقتصادية، كما اعترف الرئيس الأميركي بالسيادة المغربية على كامل أراضي الصحراء الغربية. وأضاف البيان أن الزعيمين ناقشا التعاون في مكافحة فيروس «كورونا» وسبل تقليل تداعياته الاقتصادية والمصالح المشتركة في القضايا الإقليمية الحاسمة.
ونشر البيت الأبيض نص إعلان الولايات المتحدة اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء، حيث قال ترمب في الإعلان إن بلاده ترى اقتراح المغرب لإقرار الحكم الذاتي باعتباره الأساس الوحيد لحل عادل ودائم للنزاع على أراضي الصحراء الغربية، وإنه اعتباراً من (أمس) الخميس، تعترف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على كامل أراضي الصحراء. وأضاف الإعلان: «تعتقد الولايات المتحدة أن قيام دولة صحراوية مستقلة ليس خياراً واقعياً لحل النزاع، وأن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد الممكن، ونحث الطرفين على الانخراط في مناقشات دون تأخير واستخدام خطة الحكم الذاتي، كإطار وحيد للتفاوض على حل مقبول للطرفين». وتابع الإعلان أنه «لتحقيق هذا الهدف، فإن الولايات المتحدة تشجع التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع المغرب، بما في ذلك إقليم الصحراء الغربية، وستقوم بفتح قنصلية أميركية في إقليم الصحراء الغربية في الداخلة، لتعزيز الفرص الاقتصادية والتجارية للمغرب».
وبهذا الإعلان ينضم المغرب إلى قافلة الدول المعترفة بدولة إسرائيل في إطار «اتفاق إبراهيم» الذي وقعت عليه قبل شهرين الإمارات والبحرين في حفل تاريخي بالبيت الأبيض، برعاية الرئيس ترمب، ثم انضم السودان لاحقاً إلى مسار التطبيع. ويحاول مسؤولون في الإدارة الأميركية حث دول عربية أخرى على تطبيع العلاقات مع إسرائيل التي لديها سابقاً اتفاق سلام مع كل من مصر والأردن. وأقامت إسرائيل والمغرب علاقات دبلوماسية منخفضة المستوى خلال التسعينات من القرن الماضي، في أعقاب اتفاق السلام المؤقت بين إسرائيل والفلسطينيين. لكن المغرب علّق تلك العلاقات بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000.
وفي الرباط، أعلن العاهل المغربي الملك محمد السادس أمس أن ترسيخ مغربية الصحراء لن يكون على حساب الشعب الفلسطيني، وذلك في أعقاب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء وتأكيده موافقة المغرب وإسرائيل على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بينهما.
وأشار ترمب في سلسلة تغريدات أمس إلى أنه وقّع إعلاناً - يعترف بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية -، مشيراً إلى أن المغرب اعترف عام 1777 بالولايات المتحدة، ومن المناسب أن نعترف بسيادته على الصحراء الغربية. وكان المغرب أول دولة في العالم تعترف بالولايات المتحدة.
في سياق ذلك، أجرى العاهل المغربي الملك محمد السادس، أمس، اتصالاً هاتفياً مع الرئيس ترمب. وقال بيان للديوان الملكي المغربي إنه خلال هذا الاتصال، أخبر الرئيس ترمب الملك محمد السادس بأنه أصدر مرسوماً رئاسياً، بما له من قوة قانونية وسياسية ثابتة، وبأثره الفوري، يقضي باعتراف الولايات المتحدة، لأول مرة في تاريخها، بسيادة المملكة المغربية الكاملة على جميع منطقة الصحراء المغربية. وأشار الملك محمد السادس أثناء المكالمة الهاتفية مع ترمب إلى «استئناف الاتصالات الرسمية الثنائية والعلاقات الدبلوماسية في أقرب الآجال» مع إسرائيل، وفق ما جاء في بيان صادر عن الديوان الملكي.
تجدر الإشارة إلى أن المغرب والولايات المتحدة سيحتفلان العام المقبل بمرور 200 سنة على الصداقة التاريخية بين البلدين، وذلك احتفاء بتأسيس أقدم مقّر دبلوماسي أميركي في العالم، وهو المفوضية الأميركية في طنجة.
وجاء في بيان آخر صدر عن الديوان الملكي المغربي أن الملك محمد السادس أجرى أمس اتصالاً هاتفياً مع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) وأطلعه على مضمون الاتصال الهاتفي الذي جمعه بالرئيس ترمب، اعتبارا للتقدير الذي يخص به الرئيس الفلسطيني. وأوضح البيان أن الملك محمد السادس أكد للرئيس عباس أن موقف بلاده الداعم للقضية الفلسطينية ثابت لا يتغير. وقد ورثه عن والده الملك الراحل الحسن الثاني.
في سياق ذلك، أبرز العاهل المغربي لعباس أن المغرب مع حل الدولتين، وأن المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي هي السبيل الوحيد للوصول إلى حل نهائي ودائم وشامل لهذا الصراع.
وبصفته رئيسا للجنة القدس، المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، أشار البيان إلى أن العاهل المغربي ما فتئ يؤكد على ضرورة الحفاظ على الوضع الخاص لمدينة القدس الشريف، وعلى احترام حرية ممارسة الشعائر الدينية لأتباع الديانات السماوية الثلاث، وحماية الطابع الإسلامي للمدينة المقدسة وحرمة المسجد الأقصى. كما شدد الملك محمد السادس على أن المغرب يضع دائما القضية الفلسطينية في مرتبة قضية الصحراء المغربية، وأن عمل المغرب من أجل ترسيخ مغربيتها لن يكون أبداً، لا اليوم ولا في المستقبل، على حساب نضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه المشروعة.
وأوضح الملك محمد السادس لعباس بأن ملك المغرب له وضع خاص، وتربطه علاقات متميزة بالجالية اليهودية من أصل مغربي، ومنهم مئات الآلاف من اليهود المغاربة الموجودين في إسرائيل. وأضاف الملك محمد السادس «أن المغرب سيوظف كل التدابير والاتصالات التي اتفق عليها مع الرئيس الأميركي، من أجل دعم السلام بالمنطقة، وأن ذلك لا يمس بأي حال من الأحوال، الالتزام الدائم والموصول بالدفاع عن القضية الفلسطينية العادلة».
وخلص البيان إلى أن الملك محمد السادس أكد لعباس، أن المغرب الذي يضع القضية الفلسطينية في صدارة انشغالاته، لن يتخلى أبدا عن دوره في الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وأنه سيظل «كما كان دائما، ملكا وحكومة وشعبا، إلى جانب أشقائنا الفلسطينيين، وسيواصل انخراطه البناء من أجل إقرار سلام عادل ودائم بمنطقة الشرق الأوسط».
في غضون ذلك، علمت «الشرق الأوسط» أن مساعد وزير الخارجيّة الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، ديفيد شينكر، الذي زار المغرب يوم 20 أكتوبر ( تشرين الأول) الماضي، حل بالرباط وفي صدارة أجندة مباحثاته إقامة المغرب علاقة دبلوماسية كاملة مع إسرائيل.
ورغم أن شينكر أعلن وقتذاك في تصريحات صحافية أنّ احتمال اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على الصحراء مقابل تطبيع المغرب مع إسرائيل «ليس مطروحاً على الطاولة في الوقت الحالي»، فإن الموضوع كان ضمن مباحثاته مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة.
وفي تل أبيب، رحب رئيس الوزراء الإسرائيلي باستئناف العلاقات مع المغرب. وخلال كلمة ألقاها في باحة حائط المبكى (البراق) في القدس الشرقية المحتلة، وبحضور السفير الأميركي، ديفيد فريدمان، قدم نتنياهو شكره باسم شعب إسرائيل إلى الرئيس ترمب على جهوده لإقامة السلام مع الدول العربية. وقال نتنياهو: «آمنت دائماً بهذا السلام».
ووجه شكره للملك محمد السادس على تجاوبه مع مبادرة ترمب، وقراره التاريخي إقامة سلام تاريخي مع إسرائيل. وقال إن اتفاقاً بهذا الشأن سيوقع في القريب، وإن حكومته تنوي السير نحو علاقات دبلوماسية كاملة مع الرباط، وتفعيل خط طيران مباشر بينها وبين تل أبيب.
في غضون ذلك، اعتبرت حركة «حماس» قرار تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل «خطيئة سياسية».

 



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.