صورة العرب لدى الغرب في القرون الوسطى في كتاب جديد

من أهل كرم ينصفون الغريب إلى غزاة و«وحوش كواسر»

صورة العرب لدى الغرب في القرون الوسطى في كتاب جديد
TT

صورة العرب لدى الغرب في القرون الوسطى في كتاب جديد

صورة العرب لدى الغرب في القرون الوسطى في كتاب جديد

تبدلت صورة العرب في عيون الغرب ومستشرقيه ورحالته على مر العصور، وتلونت بغبار التاريخ والجغرافيا، فتارة هم أهل كرم يهبون لنجدة الغريب، وتارة هم غزاة وكواسر متوحشون. ولم يفلح الانجذاب إلى الأراضي المقدسة، ورحلات الحج إليها، في التخفيف من تململ هذه الصورة؛ خصوصاً في القرون الوسطي.
في كتابه «الرؤى الأوروبية عن الإسلام- من الفتوحات الإسلامية حتى الحروب الصليبية» الصادر حديثاً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، يرصد الباحث الدكتور سامر قنديل دوافع وأسباب هذا التململ.

- ملامح إيجابية
حول الجانب الإيجابي لهذه الصورة، يورد الباحث ما ورد في سيرة أحد الرحالة، يدعى «أدومنان»، وله مؤلف بعنوان «عن الأماكن المقدسة»، وهو عبارة عن سيرة لرحلة «أركيولف» الأسقف الفرنجي الذي قام برحلة حج إلى فلسطين بين عامي 670 و675 م؛ حيث تحدث عن حاكم العرب الذي دعي ليحكم بين فريقين متخاصمين من اليهود والمسيحيين. ويروي كيف أن هذا الخلاف كان قد شطر المدينة المقدسة إلى نصفين على حد وصفه، ووقف الحاكم المسلم حكماً بين المتخاصمين ليحكم بينهما بالحياد والحق.
هذه الصورة التي رسمها الكاتب للحاكم المسلم تبدو إيجابية، غير أنه لم يشر إلى أن هذا الموقف يدل على عدل الحاكم، ولم يعِ الفرق بين الكنيسة والمسجد في طريقة الوصف.
ودونت الراهبة الأنجلوسكسونية «هيجبرج» سيرة « فيليبالد» الراهب الإنجليزي الذي قام برحلة إلى الأراضي المقدسة بين عامي 720 و722م. تروي السيرة تفصيلات عن إقامة بطل الرحلة ورفاقه في بلاد المسلمين الذين وصفوا بـ«السراقنة» غير المؤمنين. وذكرت كاتبة السيرة أن الحُجاج ما إن وصلوا إلى أرض العرب واكتشف البعض وجود غرباء في أراضيهم، ظنوا أنهم جواسيس، فحبوسهم ليعرفوا ما وراءهم. وفي السجن بعث لهم الوالي يسألهم عن سبب مجيئهم، فأخبروه بغرضهم من الرحلة؛ لكنه لم يطلق سراحهم حتى يستشر الخليفة في أمرهم. وكان ثمة تاجر من أثرياء المدينة سمع عنهم، فذهب إليهم وعرف قصتهم وأراد دفع فدية مالية لفك أسرهم. واعتاد هذا الرجل أن يرسل ابنه لهم في سجنهم كل سبت وأربعاء ليأخذهم إلى الحمام، وكل أحد إلى الكنيسة عبر السوق؛ حيث يمكنهم شراء احتياجاتهم ثم يعيدهم مرة أخرى. كان الناس في المدينة يتجمعون عندما يمر فيليبالد ورفاقه لمشاهدتهم؛ لأنهم كانوا يتحلون بالوسامة وحسن المظهر ويلبسون حللاً أنيقة.
ويوضح الباحث أنه رغم أن كاتبة السيرة لم تعلن عن هوية هذا التاجر المتسامح، فإن الباحثة كاثرين بيكت ذهبت إلى أنه كان عربياً مسلماً، وأن هذه الإشارة تدل وفقاً للتقاليد الإسلامية والمسيحية كذلك على الرغبة في افتداء الأسرى، إضافة إلى كرم الضيافة العربية. وإقدام التاجر على افتدائهم يعبر عن إحسان مسلم تجاه سجناء، بغض النظر عن عقيدتهم واختلافه معهم. وتم إطلاق سراحهم على يد رجل إسباني كان أخوه حاجباً للحاكم المسلم الذي يسمى «أمير المؤمنين»، وعرف قصة السجناء عندما زارهم وأخبر أخاه بقصتهم، وطلب منه التوسط لدى الملك لإطلاق سراحهم، وهو ما تم بالفعل.

- من المديح إلى الهجاء
ويذكر الكتاب أنه لم يمر وقت طويل عل الفتوحات العربية في أوروبا، حتى بدأ السكان الأصليون لشبه الجزيرة الإيبيرية في الأندلس التفاعل مع الحالة العربية كذميين مثل إخوانهم في الشرق، وفسروا الأحداث التي صاحبت ظهور المسلمين في سياق رؤيتهم الدينية للتاريخ الإنساني. ومن هنا ظهرت ما تسمى «الحوليات»، أي المؤلفات السنوية التي تتناول التأريخ للعلاقة بين العرب والأوروبيين كل عام، لا سيما في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا؛ حيث اشتبك الفريقان في عديد من المعارك.
ويشير المؤلف إلى أنه من ضمن هذه الحوليات ما تسمى «الحوليات العربية البيزنطية»، وقدم فيها مؤلفها - غير المعروف اسمه - صورة إيجابية لبعض حكام المسلمين، وأظهر إعجابه بهم. فقد تحدث عن يزيد بن معاوية، وقال إنه أكثر أولاد معاوية صلاحاً، وأنه كان محبوباً من كل فرد من رعيته، وعاش حياته الشخصية كأي إنسان عادي.
وقدم مؤلفو حوليات أخرى صورة إيجابية للغاية للخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز؛ مؤكدين أنه كان معتدلاً وتقياً في حكمه؛ خصوصاً أنه أوقف جميع الحروب. وأغلب الظن - بحسب الباحث - أن المديح للخليفة الراشد كان على خلفية وقفه للحروب ضد أوروبا. فقد ذكر المؤلفون بعد ذلك أن مملكة «السراقنة» لم تزد في عهده؛ بل تقلصت. وعلى النقيض من ذلك، تعرض كاتب حوليات آخر إلى فتح العرب لإسبانيا على يد موسى بن نصير وطارق بن زياد، وذكر أن العرب قضوا على مملكة القوط التي ظلت تحكم لثلاثة قرون ونصف قرن، ورسم صورة قاتمة، فقد وصف «الغزاة» العرب بأنهم همجيون، ووحوش كواسر، مارسوا التدمير وقتلوا الشباب ونهبوا الكنوز والثروات، وأن المواطنين الذين رفضوا قبول ما أكرهوا عليه لاذوا بالفرار إلى الجبال.
ويتوقف الباحث عند نموذج الراهبة والشاعرة الألمانية روسفيتا جاندرذهايم، فهي من شعراء البلاط الذين عكست كتاباتهم طبيعة الثقافة الشعبية، وفي الوقت نفسه ثقافة النخبة الدينية. تذهب روسفيتا إلى أن الحاكم الأموي وطن شعبه بالمدن الأندلسية التي استولى عليها، أملاً في فرض هويته الثقافية على السكان الأصليين، حتى يقبلوا العيش وفقاً للظروف والتشريعات الجديدة. واللافت أن أهم ما قدمته روسفيتا على صعيد الرؤية الأوروبية للعرب آنذاك، وساهمت به في رسم صورتهم في المخيلة الشعبية، كان تصويرهم كعبدة أوثان، فقد زعمت أن الحاكم عبد الرحمن الثالث أعلن أنه محرم على أهل إسبانيا التجديف ضد الآلهة المنحوتة من الذهب التي يعبدها الملك.
يخلص المؤلف إلى أن ما كتبته روسفيتا يعكس أفكار طبقة النبلاء، ولا يختلف كثيراً عن الصورة التي تصدرت كتابات ورؤى القرن الحادي عشر، وهي ليست دقيقة بالضرورة؛ حيث صورت الكتابات اللاتينية العرب كتهديد حربي يتطلب استجابة سياسية وعسكرية لقهر الأعداء وتحقيق سلام الدولة.



الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك
TT

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

الشاعر طلال حيدر مكرماً كأحد أعمدة قلعة بعلبك

قليلاً ما يتحول حفل تكريم مبدع كبير إلى احتفاءٍ بكل الحلقة الخلاّقة التي تحيط به. هذا يتطلب رقياً من المكرّم والمنظمين، يعكس حالةً من التسامي باتت نادرة، إن لم تكن مفقودة.

فمن جماليات حفل تكريم الشاعر الفذّ طلال حيدر على «مسرح كركلا»، برعاية وزير الإعلام اللبناني زياد المكاري وحضوره، الأحد الماضي، هذا التحلق اللافت لجمع من الشعراء وأهل الفكر والثقافة والفنانين والإعلاميين، حول شاعرهم الذي رفد الأغنية اللبنانية بأجمل القصائد، وأغنى الشعر بصوره المدهشة وتعابيره المتفجرة.

طلال حيدر قبل التكريم مع الفنان عبد الحليم كركلا ووزير الإعلام زياد المكاري

طربيه ودور البطل

قدم الحفل الممثل القدير رفعت طربيه الذي هو نفسه قيمة فنية، معتبراً أن حيدر «كان دائماً البطل الأول على (مسرح كركلا). فهو ابن الأرض، وابن بعلبك، لكنه في الوقت عينه واكب الشعر العالمي ودخل الحداثة فكراً وصورةً وإيقاعاً، راكباً صهيل الخيل». فليس شائعاً أن يترجم شاعر بالعامية إلى لغات أجنبية كما هي دواوين المكرّم وقصائده.

عبد الحليم كركلا مع الشاعر نزار فرنسيس (خاص - الشرق الأوسط)

ومن أرشيف المايسترو عبد الحليم كركلا، شاهد الحضور فيلماً قصيراً بديعاً، عن طلال حيدر، رفيق طفولته ودربه طوال 75 عاماً. قال كركلا: «لقاؤنا في طفولتنا كان خُرافياً كَأَسَاطِيرِ الزَمَان، غامضاً ساحراً خارجاً عن المألوف، حَصَدنَا مَواسم التراث معاً، لنَتَكَامل مع بعضنا البعض في كل عمل نبدعه».

فيلم للتاريخ

«طلال حيدر عطية من عطايا الله» عنوان موفق لشريط، يظهر كم أن جيل الستينات الذي صنع زهو لبنان ومجده، كان متآلفاً متعاوناً.

نرى طلال حيدر إلى جانبه كركلا، يقرآن قصيدة للأول، ويرسمان ترجمتها حركةً على المسرح. مارسيل خليفة يدندن نغمة لقصيدة كتبها طلال وهو إلى جانبه، وهما يحضّران لإحدى المسرحيات.

لقطات أثيرة لهذه الورشات الإبداعية، التي تسبق مسرحيات كركلا. نمرّ على مجموعة العمل وقد انضم إليها سعيد عقل، ينشد إحدى قصائده التي ستتحول إلى أغنية، والعبقري زكي ناصيف يجلس معه أيضاً.

عن سعيد عقل يقول حيدر: «كنا في أول الطريق، إن كان كركلا أو أنا، وكان سعيد عقل يرينا القوى الكامنة فينا... كان يحلم ويوسّع حلمه، وهو علّمنا كيف نوسّع الحلم».

في أحد المشاهد طلال حيدر وصباح في قلعة بعلبك، يخبرها بظروف كتابته لأغنيتها الشهيرة «روحي يا صيفية»، بعد أن دندن فيلمون وهبي لحناً أمامه، ودعاه لأن يضع له كلمات، فكانت «روحي يا صيفية، وتعي يا صيفية، يا حبيبي خدني مشوار بشي سفرة بحرية. أنا بعرف مش رح بتروح بس ضحاك عليي».

في نهاية الحوار تقول له صباح: «الله ما هذه الكلمات العظيمة!»، فيجيبها بكل حب: «الله، ما هذا الصوت!» حقاً ما هذا اللطف والتشجيع المتبادل، بين المبدعين!

كبار يساندون بعضهم

في لقطة أخرى، وديع الصافي يغني قصيدة حيدر التي سمعناها من مارسيل خليفة: «لبسوا الكفافي ومشوا ما عرفت مينن هن»، ويصرخ طرباً: «آه يا طلال!» وجوه صنعت واجهة الثقافة اللبنانية في النصف الثاني من القرن العشرين، تتآلف وتتعاضد، تشتغل وتنحت، الكلمة بالموسيقى مع الرقصة والصورة. شريط للتاريخ، صيغ من كنوز أرشيف عبد الحليم كركلا.

المقطع الأخير جوهرة الفيلم، طلال حيدر يرتجل رقصة، ويترجم بجسده، ما كتبه في قصيدته ومعه راقصو فرقة كركلا، ونرى عبد الحليم كركلا، أشهر مصمم رقص عربي، يرقص أمامنا، هذه المرة، وهو ما لم نره من قبل.

عبد الحليم كركلا يلقي كلمته (خاص - الشرق الأوسط)

روح الألفة الفنية هي التي تصنع الإبداع. يقول حيدر عن تعاونه مع كركلا: «أقرأه جيداً، قرأنا معاً أول ضوء نحن وصغار. قبل أن أصل إلى الهدف، يعرف إلى أين سأصل، فيسبقني. هو يرسم الحركة التصويرية للغة الأجساد وأكون أنا أنسج اللغة التي ترسم طريق هذه الأجساد وما ستذهب إليه. كأن واحدنا يشتغل مع حاله».

طلال حيدر نجم التكريم، هو بالفعل بطل على مسرح كركلا، سواء في صوغ الأغنيات أو بعض الحوارات، تنشد قصائده هدى حداد، وجوزف عازار، وليس أشهر من قصيدته «وحدن بيبقوا مثل زهر البيلسان» التي غنتها فيروز بصوتها الملائكي.

أعلن رئيساً لجمهورية الخيال

طالب الشاعر شوقي بزيع، في كلمته، بأن ينصّب حيدر «رئيساً لجمهورية الخيال الشعري في دولة لبنان الكبير» بصرف النظر عمن سيتربع على عرش السياسة. ورغم أن لبنان كبير في «الإبداعوغرافيا»، كما قال الشاعر هنري زغيب، فإن طلال حيدر «يبقى الكلام عنه ضئيلاً أمام شعره. فهو لم يكن يقول الشعر لأنه هو الشعر».

وقال عنه كركلا: «إنه عمر الخيام في زمانه»، و«أسطورة بعلبك التي سكبت في عينيه نوراً منها، وجعلت من هيبة معابدها حصناً دفيناً لشعره». وعدَّه بطلاً من أبطال الحضارة الناطقين بالجمال والإبداع. سيعيش دوماً في ذاكرة الأجيال، شعلةً مُضيئةً في تاريخ لبنان.

الفنان مارسيل خليفة الذي تلا كلمته رفعت طربيه لتعذّر حضوره بداعي السفر، قال إن «شعره مأخوذ من المتسكعين والباعة المتجولين والعاملين في الحقول الغامرة بالخير والبركة». ووصفه بأنه «بطل وصعلوك في آن، حرّ حتى الانتحار والجنون، جاهليّ بدويّ فولكلوريّ خرافيّ، هجّاء، مدّاح، جاء إلى الحياة فتدبّر أمره».

وزير الإعلام المكاري في كلمته توجه إلى الشاعر: «أقول: طلال حيدر (بيكفّي). اسمُك أهمّ من كلّ لقب وتسمية ونعت. اسمُك هو اللقب والتسمية والنعت. تقول: كبروا اللي بدهن يكبروا، ما عندي وقت إكبر. وأنا أقول أنتَ وُلِدْتَ كبيراً»، وقال عنه إنه أحد أعمدة قلعة بعلبك.

أما المحامي محمد مطر، فركزّ على أن «طلال حيدر اختار الحرية دوماً، وحقق في حياته وشعره هذه الحرية حتى ضاقت به، لذا أراه كشاعر فيلسوف ناشداً للحرية وللتحرر في اشتباكه الدائم مع تجليات الزمان والمكان».

الحضور في أثناء التكريم (خاص - الشرق الأوسط)

وفي الختام كانت كلمة للمحتفى به ألقاها نجله علي حيدر، جاءت تكريماً لمكرميه واحداً واحداً، ثم خاطب الحضور: «من يظن أن الشعر ترف فكري أو مساحة جمالية عابرة، إنما لا يدرك إلا القشور... الشعر شريك في تغيير العالم وإعادة تكوين المستقبل».