قطاعات عدة في لبنان تفرغ من عمالها الأجانب

البديل المحلي يفتقر إلى الخبرة ويطالب بحقوق وضمانات

TT

قطاعات عدة في لبنان تفرغ من عمالها الأجانب

انعكست الأزمة الاقتصادية في لبنان وارتفاع سعر صرف الدولار إلى مستوى غير مسبوق على وجود اليد العاملة الأجنبية التي كانت تقدر بحوالي مليون و200 ألف شخص تبلغ تكلفة رواتبهم أكثر من مليار و200 مليون دولار سنويا. والسبب الأساسي لمغادرة هؤلاء الأجانب الذين يعملون في قطاعات معينة هو تراجع قدرة العائلات اللبنانية وقيمة رواتبها ومداخيل الشركات بحسب ما يقول الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين لـ«الشرق الأوسط»، في وقت تزداد فيه نسبة البطالة في لبنان التي وصلت إلى أكثر من 50 في المائة وفق بعض التقديرات.
وتعكس الصفحات على وسائل التواصل الاجتماعي التي يعلن عبرها يوميا العشرات عن حاجتهم لعاملين في قطاعات معينة، ولا سيما العاملات في المنازل عن حجم المشكلة التي يعاني منها لبنان اليوم خاصة مع طبيعة الحياة التي تفرض على المرأة والرجل العمل لتأمين معيشة العائلة، بحيث كان التعويض عن غيابهما يتم عبر الاستعانة بمساعدة منزلية دائمة في البيت من جنسيات عدة أبرزها الإثيوبية والبنغلادشية وغيرهما.
ويوضح شمس الدين أن عدد العاملين الأجانب قبل الأزمة كان يقدر بحوالي 450 ألفا بين شرعيين وغير شرعيين موزعين بشكل أساسي على العمالة المنزلية والتنظيفات والبناء ومحطات المحروقات، إضافة إلى حوالي 600 ألف عامل سوري و250 ألف عامل فلسطيني، مشيرا إلى أن الأزمة لم تنعكس على العمالة السورية والفلسطينية إنما أدت إلى مغادرة حوالي 200 ألف عامل لعدم إمكانية حصولهم على رواتبهم بالدولار (كانت حوالي 300 دولار شهريا) أي إلى خروج ما يقارب مليار دولار و200 مليون دولار سنويا من لبنان.
ومع هذا الفراغ الذي بدأ يظهر في بعض القطاعات أطلقت مبادرات عدّة لدعم وتشجيع اليد العاملة اللبنانية وهو ما لاقى تجاوبا وإن بشكل متفاوت بين قطاع وآخر، فيما برزت مشكلة على سبيل المثال في قطاع الأفران والمخابز هي عدم وجود الخبرة لدى اللبنانيين وتحديدا في عمل صناعة الخبز، وهو ما يشير إليه نقيب الأفران في لبنان علي إبراهيم. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «كنت قد أعلنت عن استعدادنا لاستقبال العمال اللبنانيين وقد بادر رئيس بلدية الغبيري إلى وضع إعلان وتقدّم أكثر من 11 ألف طلب، لكن المشكلة تكمن في عدم تمتّع هؤلاء بالخبرة اللازمة بعدما كان اللبناني طوال عشرات السنوات يمتنع عن القيام بهذه الأعمال التي تعتبر شاقة جدا، مؤكدا «لولا العامل السوري لم يكن لدينا صناعة خبز في لبنان».
ويلفت إبراهيم «إلى مبادرة جديدة، من المديرة العامة للتعليم المهني والتقني في لبنان هنادي بري للعمل على إعداد دورات تدريبية للشباب اللبناني وستعقد معها اجتماعات في وقت قريب للبحث في إمكانية التنفيذ علّنا نصل إلى نتيجة وعندها لن يكون لدينا مشكلة من توظيف اليد العاملة اللبنانية».
أما في قطاع العمالة المنزلية، فتقول إحدى السيدات التي أطلقت مشروعا قبل أشهر قليلة يهدف إلى تأمين عاملات في المنازل يشمل رعاية المسنين ومجالسة الأطفال والتدبير المنزلي إن هناك إقبالا من قبل اللبنانيات على هذه الأعمال.
وتوضح لـ«الشرق الأوسط» «مقاربة اللبنانيين لهذا النوع من العمل تبدّلت لا سيما مع ارتفاع سعر صرف الدولار بحيث باتت الرواتب التي تُقدم توازي أي وظيفة عادية، وهي تتراوح بين مليون ومليوني ليرة لبنانية، (بين 150 و300 دولار) حتى إنه يتقدم للعمل لدينا فتيات وسيدات من حملة الشهادات».
لكن في المقابل يرفض شمس الدين القول إن اللبناني يرفض العمل في هذا القطاع أو ذاك، مؤكدا أن المشكلة ليست لدى الموظف اللبناني إنما عند ربّ العمل الذي يخالف القوانين في تعامله مع العمال الأجانب لجهة ساعات العمل وعدم حصوله على إجازة والتأمين الصحي وغيرها، وهو ما لا يقبل به اللبناني، وبالتالي الأمر يحتاج إلى تنظيم ومراقبة من قبل الجهات المعنية وتحديدا وزارة العمل ومؤسسة الضمان الاجتماعي لمنح الموظف اللبناني حقوقه. ويعطي مثالا على ذلك أن العامل الأجنبي كان يحصل على 300 دولار شهريا، لكن اليوم إذا حصل تنظيم للعمل وأعطي اللبناني مليونا ونصف المليون ليرة لبناني (ما يقارب مائتي دولار) فعندها سيكون هناك إقبال وحماسة للعمل.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.