على بعد 22 كيلومتراً من بروكسل، تقع مدينة بورز التي لا يزيد عدد سكانها عن 17 ألفاً، ينشط معظمهم في أعمال الزراعة. مدينة هادئة، أنيقة المساكن، لا يعكر صفاء الحياة فيها سوى في نهاية الأسبوع عندما يتوافد عليها بعض السياح لزيارة حصن «بريندوك» الذي أقام فيه النازيون معتقلاً سياسياً إبان الحرب العالمية الثانية، وتحول اليوم إلى متحف تذكاري لتلك الحقبة.
لكن منذ أواخر الشهر الماضي تشهد بورز حركة غير مألوفة لعشرات الصحافيين ووسائل الإعلام المرئية، منذ أن أعلنت شركة «فايزر» الأميركية للأدوية التي تنتج اللقاح الذي طورته شركة «بيونتيك» الألمانية ضد «كوفيد - 19»، أن مصنعها الرئيسي في المدينة هو الذي سينتج جرعات اللقاح التي ستوزع على جميع البلدان الأوروبية، التي خرجت الدفعات الأولى منها الخميس الماضي إلى بريطانيا.
ويقول كوين كولبارت، الناطق بلسان الشركة التي لها مصنع آخر في ولاية ميتشيغان الأميركية، إن الجرعات المتوقع إنتاجها حتى نهاية العام الحالي تصل إلى 50 مليوناً، وإلى 1300 مليون جرعة بحلول نهاية العام المقبل لتزويد البلدان الأوروبية والولايات المتحدة، إذا اقتضت الحاجة.
وسائل الإعلام البريطانية التي بدأ مراسلوها في بروكسل يتوافدون إلى المدينة منذ أن أعلن رئيس الوزراء بوريس جونسون، الموافقة النهائية على هذا اللقاح، وأن بلاده ستبدأ بتوزيعه اعتباراً من أمس (الثلاثاء)، تتحدث عن «المدينة التي ستنقذ العالم»، وتذكر كيف جاءها الصحافيون البريطانيون منذ حوالي مائة عام لمعرفة سر تلك الجعة الشهيرة التي تصنع فيها.
يعود قرار شركة «فايزر» إقامة مصنعها الرئيسي الأوروبي في بلجيكا، إلى مطلع خمسينيات القرن الماضي مع معظم شركات الأدوية الأميركية الكبرى التي جذبتها الخبرة البلجيكية العريقة في الصناعات الكيميائية، وشبكة مواصلاتها البحرية والجوية، وموقع هذا البلد وسط أوروبا.
كل الذين تحدثت «الشرق الأوسط» إليهم من سكان المدينة، لا يخفون اعتزازهم بما يقوم به خبراء الشركة وعمالها الذين يتجاوز عددهم ثلاثة آلاف، انضم إليهم 300 في الأسابيع الأخيرة عندما تقرر أن يعمل المصنع بأقصى طاقته لإنتاج اللقاحات التي تحتاج إليها البلدان الأوروبية. ويقول رئيس البلدية كوين فان دين هوفيل، إن شركات الأدوية التي لها مصانع أخرى في المدينة، مثل «نوفارتيس» و«ميرك»، قد استحدثت 2100 فرصة عمل جديدة منذ بداية الجائحة، ويتباهى بالدور الرائد لمدينته التي كانت الأولى في العالم التي بدأت بتوزيع اللقاح ضد «كوفيد - 19» على نطاق واسع في أوروبا. يضاف إلى ذلك أن معظم شركات الأدوية العالمية الكبرى، مثل «آسترازيينيكا» و«جونسون جونسون» و«سانوفي» و«إينوفيو»، لها مصانع في بلجيكا وقع الاختيار عليها لإنتاج اللقاح أو مواده الأولية.
تجدر الإشارة إلى أن اختيار بلجيكا لتكون أحد المركزين العالميين لإنتاج لقاح «فايزر» يعود إلى الاستثمارات الضخمة التي تقوم بها الحكومة منذ عقود في مجال البحوث العلمية والمعلوماتية، والتي بلغت 4.5 مليار يورو في العام الماضي، أي 17 في المائة من مجموع ما أنفقته بلدان الاتحاد الأوروبي في هذا المضمار. ويقول فريديريك دروك الأمين العام لنقابات القطاع، إن سر النجاح يكمن في وجود منظومة متكاملة تضم شركات الأدوية ومراكز البحوث والمستشفيات والجامعات والمؤسسات الإدارية، ويذكر بالدور الحاسم الذي لعبه هذا القطاع البلجيكي في تطوير وإنتاج لقاحات ضد شلل الأطفال والتهاب الكبد في العقود الماضية، ما أشاع شعوراً بالاعتزاز بين الموظفين والعمال لما أنجزوه في خدمة العالم.
كان الناطق بلسان الشركة قد صرح يوم الجمعة الماضي، بأن القدرة الإنتاجية للمصنع في مدينة بورز سوف تتراجع إلى النصف خلال هذا الشهر، بسبب وصول دفعة من المواد الأولية غير مستوفية الشروط التقنية اللازمة، مؤكداً أنه سينتج الجرعات المتعاقد عليها مع بلدان الاتحاد الأوروبي للعام المقبل، مع احتمال إنتاج كميات إضافية لتزويد الولايات المتحدة إذا اقتضت الحاجة.
ونفى الناطق أن تكون للشركة أي خطة في الوقت الراهن لتطوير تقنية تسمح بحفظ اللقاح في درجة أقل برودة من 70 تحت الصفر التي يحتاج إليها حالياً، والتي تلزمها معدات تبريد متطورة ليست متوفرة عند العديد من الدول.
«الشرق الأوسط» تزور «المدينة التي ستنقذ العالم»
«فايزر» اتخذتها مركزاً رئيسياً لإنتاج اللقاحات في أوروبا
«الشرق الأوسط» تزور «المدينة التي ستنقذ العالم»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة