أربيل توافق على شروط بغداد تحت ضغط الاحتجاجات

TT

أربيل توافق على شروط بغداد تحت ضغط الاحتجاجات

بشكل غير مسبوق في إقليم كردستان؛ استنسخت مدينة السليمانية، الأكثر ليبرالية وانفتاحاً من عاصمة إقليم كردستان أربيل، نموذج مظاهرات أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019 في بغداد التي تحولت إلى انتفاضة جماهيرية امتدت إلى باقي مدن وسط وجنوب العراق وأسقطت الحكومة وأجبرت البرلمان على تغيير قانون الانتخابات. لكن حدث ذلك بعد أن سقط في تلك الاحتجاجات أكثر من 600 قتيل و20 ألف جريح.
الإقليم الكردي الذي يوصف بالهدوء والأفضلية من حيث الخدمات بالقياس بباقي مناطق العراق، لم يتمكن منذ نحو 7 أشهر وبسبب خلافاته المزمنة مع بغداد من دفع رواتب موظفيه. انتظر مواطنو الإقليم على مدى الأشهر الماضية الزيارات المكوكية لوفوده إلى بغداد، التي سرعان ما تعقبها تصريحات تخديرية مرفقة بابتسامات أثناء الاجتماعات. غير أن تصويت البرلمان الاتحادي على قانون الاقتراض المالي الداخلي الشهر الماضي وسط غياب كامل للكتل الكردية، جاء بنتائج عكسية تماماً على حكومة الإقليم وأحزابها السياسية.
المفارقة أن قانون الاقتراض الذي رفض الكرد التصويت عليه بات هو القشة التي قصمت ظهر العلاقة ليس بين بغداد وأربيل فحسب؛ بل بين أربيل ومواطنيها أيضاً، لا سيما في المدينة شبه المتمردة السليمانية. ومثلما واجهت بغداد خلال العام الماضي الاحتجاجات بكل أنوع العنف؛ فإن سلطات الإقليم، أيضاً، تتهم بأنها تستنسخ تجربة بغداد في المعالجة الخاطئة للغضب الجماهيري.
وفي هذا السياق، أعلن الوفد الكردي؛ الذي يجري مفاوضات حالياً في بغداد، موافقة حكومة إقليم كردستان على بنود قانون الاقتراض المالي. وفي مؤتمر صحافي في بغداد أمس، قال وزير مالية الإقليم آوات شيخ جناب: «أبلغنا بغداد استعداد إقليم كردستان لتنفيذ مبادئ الدستور، وجميع القوانين التي تصدر من البرلمان العراقي». وتابع: «نعلن أن الكرة الآن أصبحت في ملعب الحكومة الاتحادية، والنواب الكرد، والبرلمان العراقي، لتنفيذ القرارات الواردة في قانون الاقتراض المالي بعد لإبداء الإقليم التزامه الكامل بالبنود الواردة فيه».
من جهته، أكد وزير شؤون المركز في حكومة إقليم كردستان، خالد شواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حكومة إقليم كردستان أبدت موافقتها على التعامل مع مضمون قانون العجز المالي لسنة 2020، على الرغم من تحفظنا على طريقة تمرير القانون في مجلس النواب». وأضاف: «تم إبلاغ الحكومة الاتحادية بشكل رسمي استعداد أربيل لتنفيذ الالتزامات التي يرتبها القانون على الإقليم». وقال «اقترحنا عقد اجتماع بين الجهات المختصة في الحكومتين لبدء إجراءات تنفيذ القانون، ولذلك فإننا ننتظر من الحكومة الاتحادية تأمين الاستحقاقات المالية المقرة للإقليم في القانون».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».