جيوش المعارضة السورية.. هدف واحد وولاءات متعددة

عددها أكثر من ألف.. وانقسامات قادتها تزيد من تعقيد الأزمة ميدانيا

جيوش المعارضة السورية.. هدف واحد وولاءات متعددة
TT

جيوش المعارضة السورية.. هدف واحد وولاءات متعددة

جيوش المعارضة السورية.. هدف واحد وولاءات متعددة

دخلت الأزمة السورية، طورا جديدا، مع بدء مفاوضات مؤتمر السلام المنعقد حاليا في جنيف، لإيجاد مخرج سياسي للأزمة الممتدة منذ سنوات. ولعل المشهد العسكري للأزمة هو الأكثر نفورا فيها، ففي مواجهة القمع الممنهج للمظاهرات التي انطلقت في مارس (آذار) سنة 2011، تحول المشهد سريعا إلى العسكرة التي انطلقت من بنادق الصيد والسلاح الأبيض، وصولا إلى الدبابات والصواريخ في الوقت الراهن.
وقد راكمت المعارضة السورية المسلحة، في تجربتها القصيرة نسبيا، الكثير من الخبرات الميدانية التي حولتها خلال فترة قصيرة من رجال عديمي الخبرة القتالية، إلى «جيوش صغيرة» عيبها الوحيد، هو انقساماتها الكثيرة التي قللت من تأثيرها الميداني في الكثير من الحالات.
وعلى الرغم من أن معاداة النظام تجمع كل الفصائل العسكرية الموجودة على الأرض السورية، فإن هناك الكثير مما يفرقها، في السياسة والدين والأهواء السياسية. وهو ما يؤرق قادتها ومن بينهم وزير الدفاع في حكومة المعارضة السورية أسعد مصطفى، الذي أكد تمسكه بمشروعه الهادف لتكوين «جيش وطني» موحد، مؤكدا أن تعدد البنادق لا يفيد الثورة السورية بالقدر الذي يرغب فيه حملة هذه البنادق.
تلعب الكثير من العوامل، دورها في تشتت المعارضة السورية، عسكريا أو سياسيا. وفي حين يرد مرجع سوري معارض هذا إلى غياب الرؤية الدولية في مواجهة النظام، يقابله في الداخل غياب وجود خطة عمل واضحة. ويرد جميل صائب، وهو مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية الإسلامية كثرة التشكيلات العسكرية، إلى عدة أسباب منها أن «الثورة لم تندلع في وقت واحد في كل المحافظات التي ما يزال بعضها هادئا حتى اليوم»، مشيرا إلى أن الكتائب المسلحة التي نشأت بعد ذلك كانت في غالبيتها بقيادة مدنيين، موضحا أن السبب الرئيس وراء الانقسامات هو «تعدد مصادر التمويل» شاكيا من أنه «بات لكل دولة في العالم كتائب مسلحة في سوريا»، كما أشار إلى أن بعض قيادات المعارضة السياسية بدأت تشتري ولاءات الكتائب ليكون لها نفوذ عسكري على الأرض.
بدأت الثورة السورية، بمجموعات مسلحة صغيرة، قام بها شبان سوريون من دون تخطيط أو تنسيق مشترك، كرد فعل على يأسهم من إسقاط النظام بالوسائل السلمية، كما يقول صائب. وأشار إلى أن الكثير من رفاقه الذين شاركوه في أيام المظاهرات الأولى، إما قتلوا أو اعتقلوا وانتهى بهم الأمر كالمقتولين لشدة ما تعرضوا إليه. ويؤكد صائب أن قرار العسكرة لم يكن خيارا، فقد «فرضه النظام علينا من خلال تعاطيه الوحشي مع المظاهرات السلمية، ولهذا قررنا أن نحمل ما تيسر من السلاح لحماية المظاهرات، ثم تطورت الأمور إلى العسكرة الشاملة لغياب أفق الحل السياسي».

* 2011 عهد الانشقاقات والانقسامات

* رغم أن النظام السوري تحدث عن «الجماعات الإرهابية المسلحة» منذ الأسابيع الأولى للأزمة، فإن العمل المسلح المعارض، لم يبدأ إلا في الشهر الثالث أو الرابع، عن طريق انشقاق ضباط وجنود عن جيش النظام، بموازاة انتقال جماعات من المدنيين إلى حمل السلاح. وكان أول انشقاق معلن في بداية الأسبوع الخامس من الأزمة، عندما ظهر المجند في الحرس الجمهوري، وليد القشعمي، في تسجيل مصور في 23 أبريل (نيسان) 2011 معلنا انشقاقه ورفضه «إطلاق النار على المتظاهرين السلميين»، أما أول المنشقين من الضباط فهو الملازم أول عبد الرزاق طلاس الذي أعلن انشقاقه في 7 يونيو (حزيران) 2011 تلاه بعدها بيومين المقدم حسين هرموش الذي لجأ إلى تركيا وأنشأ «لواء الضباط الأحرار». يشير صائب إلى أن هرموش لجأ إلى منطقة جسر الشغور بعيد انشقاقه حيث اجتمع من دون تخطيط مسبق مع عدد آخر من المنشقين عن الشرطة والجيش، وأنشأ أولى وحداته العسكرية بسلاح حمله بعض المنشقين، موضحا أن عددا من المدنيين انضم إلى حركة هرموش ليرتفع عدد قوته إلى نحو 40 رجلا، بعد حادثة إطلاق النار على العائدين من جنازة أحد المعارضين.
وفي 4 يوليو (تموز) 2011 خرج العقيد رياض الأسعد معلنا انشقاقه من تركيا، معلنا في 29 من الشهر نفسه ولادة «الجيش السوري الحر»، محددا أهداف هذا الجيش بـ«حماية المدنيين وحراسة المظاهرات السلمية». وفي أغسطس (آب) أعلن عن تشكيل ثماني كتائب مسلحة هي: كتيبة خالد بن الوليد في محافظة حمص، وكتيبة حمزة الخطيب في ريف إدلب، وكتيبة الهرموش في جبل الزاوية، وكتيبة القاشوش في مدينة حماه، وكتيبة أبي الفداء في ريف حماه الشمالي، وكتيبة العمري في محافظة درعا، وكتيبة معاذ الركاض في دير الزور، وكتيبة الله أكبر في البوكمال. وفي سبتمبر (أيلول) 2011 أعلن عن تشكيل ثلاث كتائب أخرى: كتيبة الأبابيل في حلب، وكتيبة معاوية بن أبي سفيان في دمشق، وكتيبة أبي عبيدة بن الجراح في ريف دمشق. وبدأت انقسامات العسكر، مع بدء الانشقاقات. وبقي الولاء العسكري، منقسما بين الأسعد وهرموش، الذي عرف بمشاغبته، إلى حين اختفاء هرموش بشكل غامض من تركيا، ومن ثم ظهوره على التلفزيون السوري معترفا بـ«جرائمه».

* 2012 عام الكتائب المسلحة والتجمعات الكبرى
* بعدها توالى ظهور الكتائب المسلحة، شهد عام 2012 «فورة» في العمل العسكري بدأ بعده المعارضون يحملون شعار إسقاط النظام بدلا من حماية المتظاهرين. وتوالى ظهور الكتائب العسكرية بأسماء مختلفة للكتائب التي حملت كلها شعار «الجيش الحر» الذي كان بمثابة «الغطاء الثوري» للمجموعات المسلحة المختلفة التي كان يعمل كل منها على حدة للحصول على تمويل وتسليح من مصادر مختلفة، مستفيدين من حالة التعاطف الكبيرة التي نشأت في الشارع العربي مع الحراك المعارض للنظام.
لكن هذه النعمة كانت نقمة، في الوقت نفسه. فقد شهد عام 2012 وحده ولادة نحو 500 كتيبة مختلفة حمل بعضها أسماء شخصيات سورية، وبعضها أسماء شخصيات عربية (كالرئيس السابق للحكومة اللبنانية رفيق الحريري ومؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط) فيما حمل البعض الآخر أسماء مناطق، بالإضافة إلى أسماء دينية كأسماء الصحابة وغيرها. وانتهى عام 2013 بولادة نحو 1000 تشكيل مقاتل مناوئ للنظام وفقا للتقديرات الغربية.
وفي 6 فبراير (شباط) 2012 ظهرت أولى «الحركات التصحيحية» في الجيش الحر، فقد أعلن العميد الركن مصطفى الشيخ عن تأسيس «المجلس العسكري الثوري الأعلى» ليكون بمثابة «هيكل تنظيمي» للمنشقين، إلا أن الأسعد سارع إلى اتهامه بـ«خدمة النظام». وعلى الرغم من تبادل الاتهامات، عاد الرجلان للاتفاق على التنسيق بينهما بحيث يبقى كل منهما قائدا للكيان الذي أسسه، على أن يتولى المجلس العسكري مهام الدراسة والتخطيط ونقل المعلومات اللوجستية إلى قيادة الجيش الحر الذي يقوم بالأعمال الميدانية.
ثم أتى الانشقاق الثاني في مايو (أيار) 2012، حيث أعلن الناطق باسم القيادة العسكرية للجيش الحر في الداخل العقيد قاسم سعد الدين أن قيادة الداخل هي وحدها المخولة بالحديث باسم الجيش الحر، وأن رياض الأسعد المقيم في تركيا «لا يمثل إلا نفسه». وفي يوليو (تموز) أعلن عن تشكيل القيادة العسكرية المشتركة للثورة السورية بقيادة اللواء المتقاعد عدنان سلو، لكن قيادة الجيش الحر في الخارج رفضت أي تنسيق، بينما رحبت القيادة في الداخل بها. وفي 16 يوليو أعلن عن تأسس لواء التوحيد الذي تغير اسمه من أحرار الشمال لكي يضم الكثير من الكتائب العاملة في ريف حلب. وفي أواخر أغسطس (آب) 2012 أعلن عن تأسيس الجيش الوطني السوري بقيادة اللواء المنشق محمد حسين الحاج علي الذي كان قد انشق قبل شهر ولجأ إلى الأردن، لكن لم يكتب لهذه المحاولة الحياة. وفي سبتمبر (أيلول) 2012 اجتمع سعد الدين والأسعد وسلو والشيخ للاتفاق على تشكيل قيادة موحدة للجيش الحر وتقاسم الأدوار، وتم الاتفاق على أن يقوم عسكر الخارج بتأمين ونقل الدعم اللوجستي إلى الداخل، بينما يقوم الضباط في الداخل بوضع وتنفيذ الخطط الميدانية. وبعد شهر تقريبا أعلنت كتائب عدة عن تشكيل «القيادة المشتركة للمجالس العسكرية الثورية».
وفي 8 سبتمبر (أيلول) 2012 شهدت مدينة أنطاليا التركية، أكبر تجمع لقادة المعارضة العسكرية، برعاية أميركية مباشرة، أسفرت عن تشكيل «القيادة العسكرية العليا المشتركة»، فيما بدا أنه استكمال للتوحيد السياسي بعد تأسيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية. واختار المجتمعون العميد المنشق سليم إدريس رئيسا له، وتم الاتفاق على تشكيل مجلس قيادة من ثلاثين عضوا عسكريا ومدنيا. كما تم تقسيم البلاد إلى خمس مناطق عسكرية. وهكذا خرج الأسعد ورفاقه من الصورة العسكرية، لكنه لا يزال يعد نفسه قائدا أعلى للجيش الحر.
وما كاد إدريس يهنأ على كرسيه الجديد، حتى ظهر كيان منافس قدر له لاحقا أن يطيح به. فقد أعلن في 12 سبتمبر عن تأليف جبهة تحرير سوريا الإسلامية لتضم عددا كبيرا من الكتائب والألوية ذات الطابع الإسلامي. وقالت في بيان لها إنها «تنطلق في معتقداتها من منهج أهل السنة والجماعة بفهم السلف الصالح من غير غلو ولا تفريط، وتهدف إلى إسقاط نظام الأسد وبناء مجتمع إسلامي حضاري يحكم بشرع الله وينعم فيه المسلم وغير المسلم بعدل الإسلام».

* 2013 عام ولادة التكتلات الكبرى
* وشهد عام 2013 ولادة التكتلات الكبرى، فسقطت «هيئة الأركان» لتظهر «جبهة ثوار سوريا» الموالية للائتلاف الوطني، تقابلها جبهة تحرير سوريا الإسلامية التي أنشأت جيشا موحدا يعد الأقوى، بعد انشقاقها عن «الأركان»، بالإضافة إلى الجماعات المتشددة مثال جبهة النصرة و«دولة الإسلام في العراق والشام». ويتخوف المعارضون في شمال سوريا من تفكيك هيئة الأركان في الجيش السوري الحر، حيث تقود مؤشرات الانقسام إلى إعادة تجميع الكتائب المقاتلة في ثلاث كتل رئيسة، أولاها وأكبرها كتلة الجبهات الإسلامية المعتدلة، وثانيتها كتلة المتشددين، والثالثة هي كتلة الجيش الحر التي تضم علمانيين يقاتلون ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وينظر قياديون في المعارضة المسلحة شمال سوريا إلى تزايد التقسيمات في الكتائب المقاتلة إلى الأرض، بريبة. ويقول ضابط في الجيش الحر إن المشهد الآن «بات على شاكلة فسيفساء مناطقية تشبه ما كان في لبنان أيام الحرب الأهلية، إذ بات بعض القياديين في المناطق أمراء حرب، لا شيء يجمعهم».
ويقول الضابط الذي رفض الكشف عن اسمه لحساسية الوضع في الشمال، إن التقسيم والتوحد «يؤشر إلى إعادة فرز جديدة للتشكيلات المقاتلة وفق ثلاثة مستويات هي كتائب إسلامية معتدلة، وأخرى متشددة، وأخرى علمانية تابعة للجيش السوري الحر الذي بات أقل تمثيلا في ظل سيطرة المتشددين المنظمين على المناطق». ويوضح أن الجهة الإسلامية المعتدلة «تضم ألوية صقور الشام، جيش الإسلام، لواء التوحيد، كتائب ولواء الحق». أما الكتائب المتشددة فتضم «الدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة وبعض الكتائب التي تضم مقاتلين مهاجرين»، فيما تبقى الكتائب المعتدلة التي «تضم مقاتلي وفصائل الجيش الحر، وبعض الكتائب التي استحدثت عند توحيد الفصائل ضمن هيئة الأركان العام الماضي، مثل كتائب شهداء سوريا في إدلب وغيرها».
* صورة القوى العسكرية
* ومع انعقاد مؤتمر جنيف2، كانت صورة القوى العسكرية على الأرض كالآتي:
1 - هيئة الأركان: يرأسها سليم إدريس، لكن الضربة التي وجهتها إليها «الجبهة الإسلامية» نهاية العام الماضي جعلتها من أضعف القوى العسكرية على الأرض تقريبا، لولا وجود بعض القوى التي حافظت على تماسكها وولائها «السياسي» للأركان. تتكون هيئة الأركان من ثلاثين عضوا، بواقع ستة ممثلين عن كلٍ من الجبهات الخمس في سوريا. ومن المفترض أن تتواصل الألوية مع اللواء إدريس من خلال سلسلة القيادات داخل الجيش الحر، إلا أن دوره لا يعدو كونه متحدثا رسميا ووسيطا لجلب الدعم الأجنبي والتسليح.
ومن أبرز الألوية المرتبطة بهيئة الأركان العامة: لواء شهداء سوريا بقيادة جمال معروف ويقدر عدد مقاتليه بنحو سبعة آلاف. اسمه الأصلي هو «لواء شهداء جبل الزاوية»، وتشكل في أواخر عام 2011 في محافظة إدلب. وجرى تغيير اسمه في منتصف عام 2012 إلى «لواء شهداء سوريا» بهدف توسيع عملياته داخل سوريا، إلا أن عملياته ما زالت متمركزة في شمال غربي البلاد.
وهناك أيضا ألوية أحفاد الرسول التي يقدر عدد مقاتليها بما بين 7000 و9000. وقد تكونت في عام 2012 من تحالف أكثر من 40 مجموعة إسلامية وسطية. وعلى الرغم من تمركز قواتها في إدلب شمالي البلاد، فإنها توجد في كل أنحاء سوريا. وعلى الرغم من أنه تحالف مستقل، فإنه موالٍ لهيئة الأركان العامة.. أُرغم مقاتلوه على مغادرة مدينة الرقة في شمال البلاد في أغسطس (آب) 2013 بعد هجوم مجموعة دولة الإسلام في العراق والشام.
2 - الجبهة الإسلامية: وتعد الجبهة الإسلامية التي تشكلت نهاية العام 2013 أكبر تجمع للقوى الإسلامية المسلحة في سوريا. وقد أعلنت الجبهة في الثالث من ديسمبر (كانون الأول) انسحابها من هيئة الأركان بسبب ما سمته «تبعية هيئة الأركان للائتلاف الوطني وعدم تمثيليتها». أما كتاب «أحرار الشام» فهي من أبرز الفصائل الموجودة على الأرض، والمنتشرة على نطاق واسع، بحسب الضابط الذي أكد أن مركز قوتها «بات في إدلب وحلب». وكانت نواة الجبهة قد أنشئت في عام 2012 حيث انضمت إلى هيئة الأركان، قبل أن تنفصل عنها. ويقدر عدد مقاتليها بما بين 35 و40 ألف مقاتل. والجبهة هي عبارة عن تحالفات لنحو 20 من المجموعات. تضم الجبهة ألوية الفاروق، الفاروق الإسلامي، لواء التوحيد، لواء الفتح، لواء الإسلام، صقور الشام، مجلس ثوار دير الزور. أكبر فصائل الجبهة وأكثرها سطوة هي حركة أحرار الشام الإسلامية بقيادة حسان عبود، الذي يعرف أيضا بأبي عبد الله الحموي، وهو رئيس الجبهة. اعتقلته السلطات السورية بعد مشاركته في هجمات في العراق، وأطلق سراحه في أوائل عام 2011 كجزء من عفو عام. وكانت حركة أحرار الشام قد اندمجت في فبراير (شباط) 2013 مع ثلاث حركات أخرى لتكوين حركة أحرار الشام الإسلامية. ويعرف عن مقاتليها قوتهم وانتظامهم. وكانت الحركة من أوائل من استخدموا أجهزة التفجير واستهدفوا القواعد العسكرية للحصول على السلاح. وتقول الجماعة إنها تدير 83 كتيبة في كل سوريا، بما في ذلك دمشق وحلب.
ومن أسس الجبهة أيضا، لواء الإسلام الذي يقدر عدد مقاتليه بنحو 9000. وقد تأسس لواء الإسلام في منتصف عام 2011 على يد زهران علوش، وهو ناشط سلفي اعتقلته السلطات قبل سنتين من تأسيس اللواء. وتصاعدت أهمية اللواء بعد تبنيه تفجير مقر مكتب الأمن القومي بدمشق في يوليو 2012، حيث قُتل الكثير من كبار مسؤولي الأمن بمن فيهم وزير الدفاع، صهر الرئيس الأسد.

* السلاح: من بنادق الصيد إلى الدبابات
* بدأ سلاح المعارضة المسلحة، بسيطا، فتكون في البداية من بنادق الصيد، بالإضافة إلى السلاح الخفيف الذي حمله المنشقون عن الجيش معهم، ثم سرعان ما تطور هذا السلاح مع استيلاء المعارضين على مخازن أسلحة ومراكز عسكرية، بالإضافة إلى فتح الحدود أمام التهريب على نطاق واسع.
وحصلت المعارضة السورية على نوعين من مضادات الدروع الموجهة سلكيا هما: كونكورس، وهو صاروخ روسي الصنع موجه سلكيا مضاد للدروع الثقيلة، بعدد يقارب الـ250 قاعدة إطلاق و1000 صاروخ مصدرها دول شرق أوروبا. كما حصلت على العدد نفسه من صاروخ صيني الصنع موجه سلكيا مضاد للدروع الثقيلة، يعد النسخة الصينية من الصاروخ الأميركي تاو. وتشير التقارير إلى أن النسخة التي حصلت عليها المعارضة السورية من صنع باكستاني ويبدو أنها من الجيل القديم ما يعني أنها لا تمتلك القدرة على اختراق الدروع التفاعلية.
وإضافة إلى مضادات الطيران حصلت كتائب المعارضة على فئتين من مضادات الطيران: الأولى محمولة على الكتف وأبرزها صاروخ «إف إن 6» هو صاروخ محمول على الكتف مضاد للطيران من الجيل الحديث صيني الصنع ويعد النسخة الصينية من الصاروخ الفرنسي المضاد للطيران المحمول على الكتف «ميسترال». ويرجح أن تكون المعارضة قد حصلت على نحو 100 صاروخ من هذه النوعية. أما مضادات الطيران الثانية فهي نظام دفاع جوي قريب المدى «سان 7» وهو صاروخ سوفياتي محمول على الكتف مضاد للطيران معروف باسم «كوبرا» ويعتمد على باحث حراري.
يضاف إلى ذلك أن المعارضة السورية تمتلك منظومة دفاع جوي «سان 8» للمديات القريبة سوفياتية الصنع مبنية على عربة واحدة بمدى 15 كلم، تعتمد على توجيه «راداري - حراري - بصري» مما يمنحها تميزا كبيرا في مقاومة وسائط التشويش الإيجابية وتحمل كل منظومة 6 صواريخ قابلة للتلقيم، وتؤكد معلومات الجيش الحر أن المعارضة قد حصلت على 104 صواريخ للمنظومة يتوقع أنها موزعة على 10 عربات.
وكانت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية قد ذكرت أن عددا من الدول بينها تركيا والولايات المتحدة، بدأت في إرسال سلاح نوعي إلى مقاتلين في الجيش الحر في درعا وعدد من مناطق الشمال السوري، وذلك لدعمهم في وجه القوات النظامية ولتغليب كفتهم على عناصر متطرفة في المعارضة، ينتمون إلى «الدولة الإسلامية في العراق والشام».
وتتضمن الأسلحة التي حصلت عليها المعارضة، بحسب الصحيفة، مضادات دروع قادرة على تدمير دبابات النظام الروسية الصنع عن بعد يتجاوز 300 متر، ويصل في بعض الحالات إلى 1500 متر.
وأبرز هذه الأسلحة صواريخ مضادة للدروع التي يتراوح مداها بين 300 - 500 متر، إضافة إلى قاذفات مضادة للدروع يصل مداها إلى أكثر من 500 متر، وقاذفات يتراوح مداها بين 350 إلى 400 متر، وكذلك قاذفات «آر بي جي 6» الخفيفة التي تمتاز بدقة التصويب.
ويمتلك المعارضون أيضا دبابات روسية الصنع استولوا عليها - أو اشتروها - من جنود النظام، ويقال إن جيش الإسلام الذي يقوده زهران علوش يمتلك فرقة من 23 إلى 27 دبابة حديثة من طراز تي 72.



أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
TT

أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»

الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)

من شائع القول، أن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة يجب أن تكون مفتوحة لمشاركة جميع سكان العالم، لما لنتائجها من تأثير سياسي واقتصادي وأمني على الصعيد الدولي الواسع. لكن مما لا شك فيه أن أميركا اللاتينية التي تعد «الحديقة الخلفية» لواشنطن، والتي طالما كان ليد الإدارات الأميركية الطولى وأجهزة استخباراتها الدور الحاسم في تحديد خياراتها السياسية والاقتصادية، هي الأشد تأثراً بوجهة الرياح التي تهبّ من البيت الأبيض. «الصوت اللاتيني» كان هذه المرة موضع منافسة محتدمة بين الجمهوريين والديمقراطيين خلال الحملة الانتخابية، وكان راجحاً في كفّة المرشح الفائز، كما دلّ على أهميته قرار الرئيس العائد دونالد ترمب اختيار منافسه في الانتخابات الأولية، السيناتور الكوبي الأصل ماركو روبيو، لمنصب وزير الخارجية في الإدارة الجديدة. إلا أن ردود الفعل في بلدان أميركا اللاتينية على فوز دونالد ترمب بولاية رئاسية ثانية، جاءت متفاوتة ومتأرجحة بين القلق الدفين في أوساط الأنظمة اليسارية والتقدمية، والابتهاج الظاهر بين الحكومات والأحزاب المحافظة واليمينية المتطرفة.

أول المحتفلين بفوز الرئيس دونالد ترمب والمُنتشين لعودته إلى البيت الأبيض كان الرئيس الأرجنتيني اليميني المتطرف خافيير مَيلي الذي سارع، بعد أسبوع من إعلان الفوز، لملاقاته في مقره بولاية فلوريدا حيث أعرب له عن «استعداد الأرجنتين الكامل لمساعدته على تنفيذ برنامجه».

أيضاَ، المعارضة البرازيلية التي يقودها الرئيس اليميني المتطرف السابق جايير بولسونارو - الذي يخضع حالياً للمحاكمة بتهمة التحريض على قلب نظام الحكم وهو ممنوع من السفر خارج البلاد - لم تكن أقل ابتهاجاً من الرئيس الأرجنتيني أو المعارضة الفنزويلية التي عادت لتعقد الآمال مجدّداً على رفع منسوب الضغط الأميركي على نظام نيكولاس مادورو اليساري في فنزويلا والدفع باتجاه تغيير المعادلة السياسية لصالحها.

حذر في المكسيك

في المقابل، حاولت السلطات المكسيكية من جهتها إبداء موقف حذر على الرغم المخاوف التي تساورها من أن يفي الرئيس الأميركي العائد بالوعود التي قطعها خلال الحملة الانتخابية حول الهجرة والتجارة ومكافحة المخدرات، والتي تجعل من المكسيك أكثر بلدان المنطقة تعرّضاً لتداعيات السياسة الشعبوية المتشددة التي ستتبعها إدارته الثانية اعتباراً من العام المقبل. ومعلوم أن ترمب كان قد جعل من بناء «الجدار» على الحدود الفاصلة بين المكسيك والولايات المتحدة عنواناً لحملته الانتخابية الأولى وأحد ركائز حملته الثانية، إلى جانب خطابه العنصري المناهض للمهاجرين المكسيكيين الذين يشكلون الغالبية الساحقة من المهاجرين اللاتينيين إلى الولايات المتحدة. كذلك، كان ترمب قد هدد الرئيسة المكسيكية الاشتراكية الجديدة كلاوديا شاينباوم بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على السلع المستوردة من المكسيك ما لم تمنع تدفق المهاجرين من أميركا الوسطى إلى الولايات المتحدة عبر أراضي المكسيك.

الرئيسة شاينباوم قلّلت من شأن تهديدات ترمب، وقالت إن بلادها - كالعادة - «ستتمكن من تجاوز الأزمة»، لكن لا أحد يشك في أن الدولة المرشحة لأكبر قدر من الضرر جرّاء عودة ترمب إلى البيت الأبيض هي المكسيك، أولاً نظراً لكونها الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، وثانياً لأن العلاقات بين البلدين المتجاورين هي أشبه بزواج لا طلاق فيه.

من جهة ثانية، كان لافتاً أن سوق المال (البورصة) المكسيكية لم تتعرّض لأي اهتزازات تذكر بعد إعلان فوز ترمب، خلافاً لما حصل بعد فوزه بالولاية الأولى عام 2016. وهو ما يدلّ على التأقلم مع أسلوبه والتكيّف معه، وأيضاً على متانة «اتفاقية التجارة الحرة» بين المكسيك وكندا والولايات المتحدة كإطار يحكم المبادلات التجارية بين البلدان الثلاثة.

المشهد البرازيلي

في البرازيل، كما سبقت الإشارة، كان الرئيس السابق جايير بولسونارو بين أوائل المهنئين بفوز دونالد ترمب. إذ أعرب عن ابتهاجه لهذا «النصر الأسطوري الذي منّ به الله تعالى على الولايات المتحدة والعالم»، في حين اكتفت حكومة الرئيس الحالي اليساري الحالي لويس إيناسيو (لولا) بالطقوس الدبلوماسية المألوفة، بعدما كان «لولا» قد أعلن صراحة دعمه لمرشحة الحزب الديمقراطي نائبة الرئيس المودّعة كمالا هاريس.

أكثر من هذا، تابع إدواردو بولسونارو، نجل الرئيس السابق والعضو في مجلس النواب البرازيلي، عملية فرز نتائج الانتخابات الأميركية في منزل ترمب بفلوريدا، حيث صرّح بعد إعلان الفوز: «ها نحن اليوم نشهد على قيامة مقاتل حقيقي يجسد انتصار الإرادة الشعبية على فلول النخب التي تحتقر قيمنا ومعتقداتنا وتقاليدنا». وبالمناسبة، لا يزال بولسونارو «الأب» عازماً على الترشّح للانتخابات الرئاسية البرازيلية في عام 2026. على الرغم من صدور حكم قضائي مُبرم يجرّده من حقوقه السياسية حتى عام 2030 بتهمة سوء استخدام السلطة والتحريض على الانقلاب.

بالتوازي، كان «لولا» قد تعرّض للانتقاد بسبب تأييده الصريح لهاريس، الذي ضيّق كثيراً هامش المناورة أمامه بعد هزيمتها. لكنه علّق بعد تهنئته ترمب: «الديمقراطية هي صوت الشعب الذي يجب احترامه».

اليوم يعتقد أنصار بولسونارو أن المشهد السياسي الأميركي الجديد، والدور الوازن الذي يلعبه الملياردير إيلون ماسك داخل إدارة ترمب، قد يشكّلان ضغطاً على الكونغرس البرازيلي والمحكمة العليا لإصدار عفو عن الرئيس البرازيلي السابق يتيح له الترشح في انتخابات عام 2026 الرئاسية. أما على الصعيد الاقتصادي، فتخشى البرازيل، في حال قرّر ترمب رفع الرسوم الجمركية وفرض إجراءات حمائية، خفض صادراتها إلى الولايات المتحدة وتراجعاً في قيمة موادها الخام. كذلك، من شأن إغلاق السوق الأميركية أمام السلع الصينية أن يؤدي إلى خفض الطلب على المواد الخام التي تشكّل عماد المبادلات التجارية البرازيلية. أما على الصعيد البيئي، فقد حذرت وزيرة البيئة البرازيلية مارينا سيلفا من أن الأسرة الدولية ستكون مضطرة لمضاعفة جهودها للحد من تداعيات أزمة المناخ إذا قرر ترمب المضي في تنفيذ سياساته البيئية السلبية المعلنة.

مَيلي متحمّس ومرتاح

الرئيس الأرجنتيني خافيير مَيلي، من جانبه، احتفى بفوز ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعهد بالتعاون مع إدارته لتنفيذ برنامجه الانتخابي، معوّلاً على استثمارات أميركية ضخمة في القطاعات الإنتاجية الأرجنتينية. وانضمّ أيضاً إلى «التهاني» من معسكر اليمين الأرجنتيني الرئيس الأسبق ماوريسيو ماكري، الذي يشارك حزبه المحافظ في حكومة مَيلي الائتلافية، والذي سبق أن كان شريكاً لترمب في صفقات عقارية في الولايات المتحدة.

يُذكر أن ترمب كان قد لعب دوراً حاسماً في منح صندوق النقد الدولي قرضاً للأرجنتين بقيمة 44 مليار دولار أميركي عام 2018 ما زالت عاجزة عن سداده. وفي حين يأمل مَيلي بأن تساعده الإدارة الأميركية الجديدة بالحصول على قرض جديد من صندوق النقد يحتاج إليه الاقتصاد الأرجنتيني بشدة للخروج من أزمته الخانقة، فإنه يعرف جيداً أن ترمب سيكون بجانبه في «الحرب الثقافية» التي أعلنها على اليسار الدولي وأجندته التقدمية.

فنزويلا وكوبا

في الدول الأميركية اللاتينية الأخرى، علّق إدموندو غونزاليس أوروتيا، مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية الفنزويلية - المنفي حالياً في إسبانيا والذي تدلّ كل المؤشرات على فوزه - علَّق على فوز ترمب بوصفه هو أيضاً الفائز الذي اعترفت به دول عدة بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقال: «هذه إرادة الشعب الأميركي وأهمية التناوب على الحكم».

أما زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو، التي اضطرت للتنازل عن ترشيحها لصالح غونزاليس بعدما جرّدها القضاء من حقوقها السياسية - فقد هنأت ترمب بقولها: «نعرف أنك كنت عوناً لنا دائماً، والحكومة الديمقراطية التي اختارها الشعب الفنزويلي ستكون حليفاً موثوقاً لإدارتك».

من الجانب الآخر، اختارت الحكومة الفنزويلية اليسارية التزام الحذر في تعليقها الأول على فوز ترمب، وجاء في تهنئتها البروتوكولية: «نوجه التهنئة لشعب الولايات المتحدة على هذه الانتخابات. إن فنزويلا على استعداد دائماً لإقامة علاقات مع الإدارات الأميركية في إطار الحوار والرشد والاحترام». وأضاف البيان الذي صدر عن الرئاسة الفنزويلية مستحضراً خطابه المعهود: «إن الاعتراف بسيادة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها هو الأساس لقيام عالم جديد يسوده التوازن بين الدول الحرة»، في إشارة إلى المفاوضات المتعثّرة منذ سنوات بين واشنطن وكاراكاس لإيجاد مخرج من الأزمة الفنزويلية التي تمرّ اليوم بأكثر مراحلها تعقيداً. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ترمب كان قد فرض إبان ولايته الرئاسية الأولى ما يزيد عن مائة عقوبة على فنزويلا، وانتقد بشدة قرارات إدارة بايدن برفع بعضها. غير أنه ليس واضحاً بعد كيف ستكون مقاربته لهذا الملف، خاصة، أن فنزويلا يمكن أن تساعد على تلبية الاحتياجات الأميركية من الطاقة في ظروف دولية معاكسة بسبب الحرب في أوكرانيا والاضطرابات في الشرق الأوسط.

وبما يخصّ كوبا، تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض معها أيضاً «سحباً سوداء» فوق كوبا التي تتوقع تشديد العقوبات والمزيد منها. وكان ترمب قد حطّم جميع الأرقام القياسية في العقوبات التي فرضها على النظام الكوبي، وأدرجها على قائمة «الدول الراعية للإرهاب»، الأمر الذي يضفي صعوبات جمّة على علاقات الدولة الكوبية المالية مع الخارج. ويلفت أن الحكومة الكوبية - حتى كتابة هذه السطور - لم تعلّق بعد على فوز دونالد ترمب بولاية ثانية.

تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض

معها «سحباً سوداء» فوق كوبا

التي تتوقع تشديد العقوبات

الرئيس المكسيكية الاشتراكية كلاوديا شاينباوم (رويترز)

كولومبيا تثير موضوع غزة

كولومبيا أيضاً يسود فيها الترقّب الحذر لمعرفة الوجهة التي ستسير بها العلاقات بين ترمب والرئيس الكولومبي اليساري غوستافو بترو اللذين لا يجمع بينهما أي رابط شخصي أو عقائدي. بيد أن هذا لم يمنع بترو من توجيه رسالة تهنئة إلى الرئيس الأميركي العائد لعلها الأكثر صراحة في مضمونها السياسي والمواضيع التي ستتمحور حولها علاقات المعسكر التقدمي في أميركا اللاتينية مع الإدارة الأميركية اليمينية المتشددة الجديدة. وجاء في رسالة بترو: «إن السبيل الوحيد لإغلاق الحدود يمرّ عبر ازدهار بلدان الجنوب وإنهاء الحصار»، في إشارة واضحة إلى العقوبات الأميركية المفروضة على فنزويلا وكوبا. ثم تناولت الرسالة موضوع غزة، الذي يستأثر باهتمام كبير لدى الرئيس الكولومبي، وأوردت: «الخيار التقدمي في الولايات المتحدة لا يمكن أن يقبل بالإبادة التي تتعرّض لها غزة».

باقي اليمين يرحب

في المقابل، اكتفت رئيسة البيرو، دينا بولوارتي، التي منذ سنة لا تتمتع بتأييد سوى 8 في المائة من مواطنيها، بتوجيه رسالة تهنئة «للمرشح دونالد ترمب على فوزه في الانتخابات الديمقراطية التي أجريت في الولايات المتحدة»، بينما غرّد دانيال نوبوا، رئيس الإكوادور اليميني الذي تشهد بلاده أزمة سياسية وأمنية عميقة منذ أشهر، على حسابه مرحباً: «مستقبل زاهر ينتظر قارتنا بفوز دونالد ترمب».

وفي تشيلي - التي يحكمها اليسار - كان أول المهنئين خوسيه أنطونيو كاست، زعيم الحزب الجمهوري اليميني المتطرف الذي يطمح للفوز في الانتخابات الرئاسية العام المقبل. وفي المقلب الآخر، على الصعيد الرسمي بادر وزير الخارجية التشيلي ألبرتو فان كلافيرين إلى التهنئة المبكرة قائلاً: «نتيجة الانتخابات كانت واضحة وكاشفة على أكثر من صعيد. نقيم علاقة دولة مع الولايات المتحدة، والعلاقات هي بين الدول، ونطمح لأفضلها مع حكومة الرئيس ترمب الجديدة». أما الرئيس التشيلي اليساري غابريل بوريتش، الذي كان آخر المهنئين بين زعماء المنطقة، فجاء في رسالته: «تؤكد تشيلي التزامها توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة من أجل تحقيق تنمية شاملة، واحترام حقوق الإنسان والعناية بالديمقراطية».

 

حقائق

واقع العلاقات والمخاوف في أميركا الوسطى

في أميركا الوسطى، وتحديداً السلفادور، وعلى الرغم من العلاقات الجيدة التي تربط رئيسها نجيب أبو كيلة (الفلسطيني الأصل) مع دونالد ترمب، كما تَبيّن خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي المنتخب، فإن ثمة مخاوف ملموسة من التهديدات التي أطلقها ترمب خلال حملته الانتخابية بطرد جماعي للمهاجرين غير الشرعيين. للعلم، فإن ملايين من مواطني السلفادور يعيشون في الولايات المتحدة بصورة غير شرعية، ويُشكِّلون مصدر الدعم الاقتصادي الأساسي لعائلاتهم في وطنهم الأم. وحقاً تعدّ تحويلات المهاجرين الواردة من الولايات المتحدة المحرّك الرئيسي لاقتصاد السلفادور، إذ بلغت في العام الماضي ما يزيد على 5 مليارات دولار.وراهناً، يسود الاعتقاد بين المراقبين الأميركيين اللاتينيين - على امتداد القارة - بأن دونالد ترمب، الذي استطاع خلال 8 سنوات أن يهدم المجتمع الأميركي ويعيد تشكيله على مزاجه وهواه، يشكّل اليوم - في أحسن الأحوال - مصدر قلق عميق بالنسبة لبلدان المنطقة. ويتوقع هؤلاء أن تكون التداعيات المحتملة لولايته مرهونةً بأمرين: الأول، مدى اعتماد هذه البلدان سياسياً واقتصادياً على الولايات المتحدة. والثاني، أين سيكون موقع أميركا اللاتينية بين أولويات السياسة عند الإدارة الجديدة في واشنطن.