تباين في مواقف الصحف الأميركية حيال إعادة نشر الغلاف الجديد لـ«شارلي إيبدو»

«نيويورك تايمز» امتنعت.. وعضوة بمعهد الصحافة الدولي: الصحف ينبغي أن تضع في حسبانها جمهورها

تباين في مواقف الصحف الأميركية حيال إعادة نشر الغلاف الجديد لـ«شارلي إيبدو»
TT

تباين في مواقف الصحف الأميركية حيال إعادة نشر الغلاف الجديد لـ«شارلي إيبدو»

تباين في مواقف الصحف الأميركية حيال إعادة نشر الغلاف الجديد لـ«شارلي إيبدو»

في أعقاب أعمال القتل التي وقعت داخل مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية الساخرة الأسبوع الماضي على أيدي متطرفين، قررت بعض وسائل الإعلام الأخرى، وبينها مواقع إلكترونية، إعادة نشر بعض الرسوم الكاريكاتيرية التي أثارت غضب كثير من المسلمين.
في المقابل، امتنعت بعض الصحف الأميركية عن القيام بذلك، وبينها «نيويورك تايمز»، مشيرة إلى أن هذا الأمر تقدير يخص رئاسة التحرير. ونتيجة لذلك، تعرضت هذه الصحف للهجوم من جانب بعض أنصار حرية التعبير الذين وصفوا قرار الامتناع عن النشر بتصرف جبان في مواجهة هجوم إرهابي.
هذا الأسبوع، واجهت الصحف الأميركية هذا الخيار مجددا، حيث كان يتعين عليها اتخاذ قرار بخصوص ما إذا كانت ستعيد نشر الرسم الكاريكاتيري الوارد على غلاف النسخة المطبوعة الجديدة من «شارلي إيبدو» التي طرحت بالأسواق أمس.
يظهر على الغلاف صورة كاريكاتيرية للنبي محمد يحمل لافتة عليها عبارة «كلنا شارلي»، وفوق صورته عبارة «تم غفران كل شيء». وقد رأى كثيرون في هذه الصورة تعبيرا عن رسالة تسامح من قبل المحررين الجدد للمجلة بعد المذبحة التي هزت باريس.
بيد أنه في المقابل، قال آخرون إن الغلاف يعد استمرارا لنهج «شارلي إيبدو» في تصوير النبي، الأمر الذي يراه الكثير من المسلمين مسيئا.
ويتعلق قرار إعادة نشر الصورة (وهو ما قررت «نيويورك تايمز» مجددا الامتناع عنه) بقلب الجدال الدائر حول ما الذي يشكل حرية التعبير مقابل ما يمثل صورا مسيئة من وجهة نظر البعض على الأقل، حسبما أوضح مسؤولون تنفيذيون بالصحف وصحافيون.
وأشاروا كذلك إلى أن قرار الاختيار المرتبط بهذا الأمر يتعلق بتباينات في المعايير الفرنسية والأميركية بخصوص ما يعد مسيئا. ويزداد الأمر تعقيدا لسبب مشروع يرتبط بالجانب الإخباري، وهو رد «شارلي إيبدو» على الهجوم المميت، الأمر الذي يبرر تحديدا ما نشرته المجلة في ردها.
من جهتها، أعربت مارثا ستيفينز، أستاذة الصحافة بجامعة ميزوري وعضوة المجلس التنفيذي للمعهد الدولي للصحافة، وهي جماعة ضغط، عن اعتقادها بأن «الصحف ينبغي أن تضع في حسبانها جمهورها، من يقرأون منشورها. وكل وسيلة إعلامية سيختلف قرارها عن الأخرى».
وقالت بروفسور ستيفينز التي كانت بالمصادفة في زيارة لباريس برفقة عدد من الطلاب الأسبوع الماضي وقت وقوع الحادث، إن ما يمكن أن يشكل اختلافا في صنع القرار هذا الأسبوع هو الأهمية الخبرية لهجوم «شارلي إيبدو» وتبعاته.
وأضافت: «هذا الأمر جدير بالاهتمام لأنه غلاف مجلة بعد تعرضها لهجوم مروع».
داخل «نيويورك تايمز»، التي أعادت نشر بعض الرسوم الكاريكاتيرية الخاصة بـ«شارلي إيبدو» في إطار تغطيتها للهجوم، لكن ليس من بينها الرسوم الساخرة من الإسلام، صدر قرار من رئاسة التحرير بأن توفر النسخة الإلكترونية من الصحيفة رابطا يمكن للقراء عبر النقر عليه معاينة الغلاف الجديد للمجلة الفرنسية الذي يظهر به الغلاف الجديد. إلا أن صورة الغلاف لن تظهر في النسخة المطبوعة من «نيويورك تايمز».
في هذا الصدد، أوضح ديان باكيت، رئيس التحرير التنفيذي لـ«نيويورك تايمز» أنه «في الواقع، أعدنا نشر بعض الرسوم الكرتونية لشارلي إيبدو، منها رسوم لزعيم داعش وشخصيات سياسية أخرى. في العادة لا ننشر صورا أو مواد أخرى تتعمد استثارة حساسيات دينية. ويرى الكثير من المسلمين في نشر صور لنبيهم عملا مسيئا في حد ذاته. وعليه، امتنعنا عن القيام بذلك».
واتخذت بعض وسائل الإعلام الأخرى منحى مختلفا. مثلا، إذ أعاد موقع «بزفيد» الإلكتروني الإخباري، نشر رسوم كاريكاتيرية سابقة لـ«شارلي إيبدو» اعتبرها المسلمون مسيئة، بجانب نشر صورة غلاف عدد الأربعاء من المجلة الفرنسية في إطار مقال حول كيفية تعامل المنشورات الأخرى مع الأمر. وصور مقال «بزفيد» رافضي إعادة نشر الصور المثيرة للجدل باعتبارهم يمارسون نوعا من الرقابة الذاتية. جدير بالذكر أن «واشنطن بوست»، التي نشرت صورة واحدة من صور «شارلي إيبدو» السابقة في نسختها المطبوعة الخميس الماضي، أعادت نشر الغلاف الجديد عبر موقعها الإلكتروني، الثلاثاء. وقال مارتن بارون، رئيس التحرير التنفيذي للصحيفة، إن الصور لا تنتهك المعايير التحريرية للصحيفة.
داخل فرنسا، احتشدت الصحف الأخرى لمساندة «شارلي إيبدو»، حيث جرى تجميع عددها الأخير داخل مكاتب صحيفة «ليبراسيون» اليسارية، التي نشر بعض عامليها صور الغلاف الجديد لـ«شارلي إيبدو» عبر موقع «تويتر» في وقت سابق من هذا الأسبوع. وفي لندن، نشرت «غارديان» الصورة الكاريكاتيرية، لكن النسخة الإلكترونية من المقال الذي يحوي الصورة حمل تحذيرا يفيد بأنه «يتضمن صورة من غلاف المجلة والتي قد يجدها بعض القراء مسيئة».
من ناحية أخرى، أعرب جويل سيمون، المدير التنفيذي لـ«لجنة حماية الصحافيين»، وهي جماعة ضغط مقرها نيويورك، عن قلقه من أن الجدال حول الرسوم الكرتونية لـ«شارلي إيبدو» يخلط بين قضايا حرية التعبير وتقديرات مسؤولي التحرير.
وقال: «البعض يتفق والبعض يختلف، لكن لا أعتقد أن هناك أدلة توحي بأن القرار تم اتخاذه خوفا من تهديدات بأعمال عنف».
وأضاف: «هذا هو الأمر الذي يثير قلقي، فنحن في لحظة تتطلب منا جميعا، بغض النظر عما إذا كان القرار بالنشر أو عدم النشر، الوقوف صفا واحدا خلف مبدأ حرية التعبير. لذا أشعر بالضيق من أن هذا الأمر أصبح مثيرا للانقسام».

* خدمة «نيويورك تايمز»



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.