دراسة علمية تؤكد وصول الفيروس إلى الدماغ عن طريق الأنف

فيروس «كورونا» ظهر قبل عام في الصين (أ.ف.ب)
فيروس «كورونا» ظهر قبل عام في الصين (أ.ف.ب)
TT

دراسة علمية تؤكد وصول الفيروس إلى الدماغ عن طريق الأنف

فيروس «كورونا» ظهر قبل عام في الصين (أ.ف.ب)
فيروس «كورونا» ظهر قبل عام في الصين (أ.ف.ب)

مع تسارع الجهود العلمية الدولية، وتكثيفها بشكل غير مسبوق لتطوير لقاحات فعالة ضد «كوفيد- 19»، وإعلان بريطانيا أمس موافقتها النهائية على استخدام لقاحي «فايزر» و«مودرنا»، والمباشرة بتوزيعهما على فئات الأولوية اعتباراً من الأسبوع المقبل، تستمر البحوث لتحديد مواصفات فيروس «كورونا» المستجد، ومعرفة مسالك دخوله إلى الجسم وطرائق تفاعله مع مختلف الأعضاء، والتي ما زالت معظم المعلومات عنها في دائرة الترجيحات والتكهنات التي تنتظر التأكيدات النهائية من التجارب السريرية والتحليلات المخبرية.
آخر هذه البحوث التي ينظر فيها خبراء منظمة الصحة العالمية، هي دراسة أجرتها مجموعة من العلماء الألمان على أنسجة حوالي ثلاثين من ضحايا «كوفيد- 19»، وبيَّنت أن الفيروس ينتشر في الجهاز العصبي عن طريق الأنف عبر الغشاء المخاطي الشمي، وصولاً إلى منطقة الدماغ.
ومنذ بداية الجائحة، تشير التقارير الطبية إلى أن عدداً كبيراً من المصابين يعانون من عوارض عصبية، مثل الآلام العضلية الناجمة عن وهن أو عطب في الجهاز العصبي، واختلال أو اضطراب في الإدراك والوعي، وفقدان حاستي الشم والذوق. وبينما كانت الجهات العلمية تُجمع على أن الفيروس يصيب الجهاز العصبي المركزي، وبذلك يختلف جذرياً عن الفيروسات التنفسية الأخرى، لا تزال الآراء تتضارب حول أسباب هذه الإصابة والطريق التي يسلكها الفيروس للوصول إلى أهدافه.
- جهاز المناعة
بعض الجهات العلمية تذهب إلى أن الفيروس ليس هو المسبب لإصابة الجهاز العصبي؛ بل هو جهاز المناعة بسبب من ردة فعله المفرطة عند رصد دخول الجسم الغريب إلى الخلايا العصبية. وكان باحثون أميركيون من جامعة بنسلفانيا قد وجدوا عند تحليل الأنسجة الدماغية لضحايا «كوفيد- 19»، أدلة على أن الإصابة تنجم عن انهيار الغشاء الحاجز الذي يحمي الدماغ مما يحمله إليه التدفق الدموي.
لكن النتائج التي توصلت إليها مجموعة الباحثين الألمان لدى تحليلها أنسجة 33 جثة لضحايا الوباء، بيَّنت أن الأنف هو المدخل الذي يعبر منه الفيروس للوصول إلى الدماغ عن طريق الغشاء المخاطي الشمي. ويستفاد من الدراسة التي ينظر فيها خبراء منظمة الصحة بعد نشرها في مجلة «Nature Neuroscience» أن التحليلات المخبرية بيَّنت وجود كميات كبيرة من الحمض الريبي النووي (RNA) وبروتينات فيروس «كورونا» المستجد في الغشاء المخاطي الشمي الذي يوجد عند نهاية فتحات الأنف، والذي توجد فيه الخلايا العصبية التي تمكن الدماغ من التعرف على الروائح التي تدخل من الأنف.
ويقول البروفسور فرانك هيبنير، مدير قسم جراحة الأعصاب في مستشفى برلين الجامعي، إن هذه الأدلة تشير إلى أن الفيروس قادر على استخدام الغشاء المخاطي الشمي للولوج منه إلى الدماغ، معطلاً بذلك حاسة الشم، وأنه عند وصوله إلى هذا الغشاء المحاط بالأوعية الدموية الدقيقة والخلايا العصبية، يستخدم شبكة الجهاز العصبي للتقدم حتى أطرافها الدماغية.
- اللمبة الشمية
وأظهرت الدراسة المذكورة أيضاً أن الفيروس لا ينتشر على الغشاء المخاطي الشمي بالتوازي مع ارتفاع شحنته فحسب؛ بل وُجدت مواده الوراثية بوفرة في أجزاء أخرى من منظومة الشم، مثل اللمبة الشمية التابعة وظيفياً للدماغ، والدرنة الشمية التي تشكل غرفة العمليات الحسية الموجودة تحت القشرة الدماغية. ويقول الباحثون الألمان إنهم تمكنوا في بعض الحالات من رصد وجود الفيروس في الدماغ عن طريق استخدام بروتينات مماثلة، ما أكد الاستنتاجات التي توصلوا إليها.
وتقول الباحثة هيلينا رادبروخ التي شاركت في هذه الأبحاث، إن الفيروس ينتقل من خلية عصبية إلى أخرى حتى يصل إلى الدماغ؛ لكنها تضيف أنهم لم يعثروا على أي بقايا أو مواد وراثية فيروسية في المطارف العصبية التي تربط الغشاء المخاطي الشمي والدرنة الشمية بالدماغ، ما يعني أنه قد يتبع أيضاً مسالك أخرى مثل الأوعية الدموية. وتشير الدراسة إلى أن هذا قد يفسر وجود بقايا فيروسية في مناطق أخرى من الدماغ لا وظيفة شمية لها.
ومن استنتاجات الدراسة التي لفتت انتباه خبراء منظمة الصحة بشكل خاص، أن احتمالات العثور على الفيروس في الغشاء المخاطي الشمي تتضاءل بقدر ما تطول الإصابة به، ما يحمل على الاعتقاد بأن تأثير «كوفيد- 19» على الجهاز العصبي يحصل مع بداية المرض، عندما تظهر عوارض الصداع الشديد وفقدان حاسة الشم في الأيام الثلاثة الأولى.
- خطوة كبيرة
خبراء منظمة الصحة يقولون إن هذه الدراسة، على أهميتها، ليست كافية لتحديد صورة كاملة ونهائية عن تأثير الفيروس على الدماغ؛ لكنها تشكل خطوة كبيرة في هذا الاتجاه. ويذكِّرون بأن أبحاثاً أخرى أجريت في إيطاليا وسويسرا وإسبانيا، أظهرت أن الفيروس يستخدم أيضاً الأوعية الدموية للوصول إلى الدماغ، ويلحق به أضراراً جسيمة؛ لكنها لم تشمل سوى عدد محدود من الحالات، وبالتالي لا يمكن البناء عليها للتعميم.
ويرى توماس أزورين رئيس قسم جراحة الأعصاب في مستشفى جنيف الجامعي، أن هذه الدراسات التي تكشف جوانب من البعد العصبي لهذا الفيروس الذي هو من فئة الفيروسات التنفسية، والتي أكدت وجوده في مناطق الدماغ التي تتحكم بالتنفس وإيقاع القلب، تساعد على فهم الأسباب التي تؤدي إلى عرقلة وظائف الجهاز التنفسي والقلب، وتكشف أيضاً مدى ما زلنا نجهله عن هذا الفيروس.


مقالات ذات صلة

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
صحتك امرأة تعاني من «كورونا طويل الأمد» في فلوريدا (رويترز)

دراسة: العلاج النفسي هو الوسيلة الوحيدة للتصدي لـ«كورونا طويل الأمد»

أكدت دراسة كندية أن «كورونا طويل الأمد» لا يمكن علاجه بنجاح إلا بتلقي علاج نفسي.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))
صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
TT

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

ووفقاً للتقرير العالمي بشأن الاتجار بالأشخاص والصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنه في عام 2022 -وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات على نطاق واسع- ارتفع عدد الضحايا المعروفين على مستوى العالم 25 في المائة فوق مستويات ما قبل جائحة «كوفيد- 19» في عام 2019. ولم يتكرر الانخفاض الحاد الذي شهده عام 2020 إلى حد بعيد في العام التالي، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال التقرير: «المجرمون يتاجرون بشكل متزايد بالبشر لاستخدامهم في العمل القسري، بما في ذلك إجبارهم على القيام بعمليات معقدة للاحتيال عبر الإنترنت والاحتيال الإلكتروني، في حين تواجه النساء والفتيات خطر الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع»، مضيفاً أن الجريمة المنظمة هي المسؤولة الرئيسية عن ذلك.

وشكَّل الأطفال 38 في المائة من الضحايا الذين تمت معرفتهم، مقارنة مع 35 في المائة لأرقام عام 2020 التي شكَّلت أساس التقرير السابق.

وأظهر التقرير الأحدث أن النساء البالغات ما زلن يُشكِّلن أكبر مجموعة من الضحايا؛ إذ يُمثلن 39 في المائة من الحالات، يليهن الرجال بنسبة 23 في المائة، والفتيات بنسبة 22 في المائة، والأولاد بنسبة 16 في المائة.

وفي عام 2022؛ بلغ إجمالي عدد الضحايا 69 ألفاً و627 شخصاً.

وكان السبب الأكثر شيوعاً للاتجار بالنساء والفتيات هو الاستغلال الجنسي بنسبة 60 في المائة أو أكثر، يليه العمل القسري. وبالنسبة للرجال كان السبب العمل القسري، وللأولاد كان العمل القسري، و«أغراضاً أخرى» بالقدر نفسه تقريباً.

وتشمل تلك الأغراض الأخرى الإجرام القسري والتسول القسري. وذكر التقرير أن العدد المتزايد من الأولاد الذين تم تحديدهم كضحايا للاتجار يمكن أن يرتبط بازدياد أعداد القاصرين غير المصحوبين بذويهم الذين يصلون إلى أوروبا وأميركا الشمالية.

وكانت منطقة المنشأ التي شكلت أكبر عدد من الضحايا هي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 26 في المائة، رغم وجود كثير من طرق الاتجار المختلفة.

وبينما يمكن أن يفسر تحسين الاكتشاف الأعداد المتزايدة، أفاد التقرير بأن من المحتمل أن يكون مزيجاً من ذلك ومزيداً من الاتجار بالبشر بشكل عام.

وكانت أكبر الزيادات في الحالات المكتشفة في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا الشمالية ومنطقة غرب وجنوب أوروبا، وفقاً للتقرير؛ إذ كانت تدفقات الهجرة عاملاً مهماً في المنطقتين الأخيرتين.